ما يشغلني ليست قضية فلسفية بالمعنى الأكاديمي ولا هي فكرية بمعنى النظري التجريدي ، بل هي مسألة ما انفكت تحيرني لأنني أعيشها يوميا ،وتبرز في استعمالي اللغوي وفي إدراكي للأشياء من حولي باعتبارها ليس من ممتلكاتي فحسب بل جزءا من هويتي وكياني وهي : نظاراتي ، محفظتي ، الملابس التي أرتديها ، هاتفي الجوال ، بيتي ، سيارتي ، حسابي البنكي ، حاسوبي ، المكتب حيث أشتغل ، الخاتم الذي أضعه بإصبعي ، حذائي ، نوع التلفزة التي اقتنيتها وأشياء أخرى لم أذكرها .
ذلك ،لأنها ليست مستقلة عني بل تابعة لي وهذا الاستنتاج ليس شخصيا بل هو اجتماعي وقانوني موثق بالحجج التي تثبت تلك الملكية وما ينجر عنها من حقوق إذا ما وقع استيلاء عليها من طرف الغير لاكتسابي حقوقا تمنحني حق استرجاعها أو طلب تعويضها .
أما بالنسبة للأشخاص، فالأمر مختلف نسبيا، فهم ينتمون لمنطقة ممتلكاتي النفسية والمعنوية لكن ليس بصفة مطلقة، ومن بينهم : أبي ، أمي ، أختي ، أخي ، خالاتي ، عماتي ، جدتي ، جدي ، زوجي ، أبنائي ، أصدقائي ، صديقاتي ، جيراني ، معارفي ، زملائي .
لا يمكنني إدعاء ملكيتهم المطلقة، فالأمر ملتبس للغاية ، لكنني أحتاج إلى انتمائي إليهم وانتماءهم لي حتى تكتمل هويتي ،فهي مسألة أساسية والسبب واضح وبين ولا يتطلب أي اجتهاد ويتمثل في الأتي : أنني لا أرى نفسي إلا من خلالهم ، فوجودي ، مهمتي ، جهودي، إنجازاتي وما حققت وما لم أحقق، متصلة بهم ،بنظراتهم وأحكامهم وحاجياتهم ومتطلباتهم ، بل هو أعمق من ذلك بكثير ويتمثل في أن السردية التي ألفتها بيني وبين نفسي أي جملة الأفكار التي تدور في رأسي ليلا نهارا ستتشكل بالرجوع إلى ما قالوه وما فعلوه في علاقتي بهم و ستكون تلك السردية النواة الجوهرية لما أسميه الأنا .
هذه الأنا التي ستتعرض إلى صدمات واضطرابات وانتكاسات أثناء علاقتي بتلك الشخصيات ومدى ظهورها أو انسحابها في حياتي أو فقدانها ، دون السهو عن أن تلك الشخصيات لا بد أنها أسست هي أيضا سرديتها على نفس الأساس أي ملكيتها لي باعتباري شيئا جاهزا للامتلاك من منظورها كعنوان للوفاء المتبادل .
هناك خلط بين العلاقات التي تجمعنا وبين ماهيتنا ،هو نابع من نشأتنا الأصلية التي قامت وتشكلت بفضل علاقتنا مع الأم والأب دون أن ننسى ما تحمله اللغة من ضوابط ليست خالية من الخلفيات الفكرية تؤكد تلك الملكية وتوهمنا بأن الانا هي محور العالم ولها القدرة الكاملة على أن تقرر ما تريد وتفعل ما تريد وتنفصل عندما تريد وتمتلك من تريد من خلال التراكيب الافتراضية التي تبيحها اللغة .
ملكية الأشخاص كما تشير إليها اللغة جزافا، لا يعترف بها القانون منذ إلغاء الرق، إلا في حدود معينة كتلك المتصلة بالخيانة الزوجية أو بالبنوة، إذا ما طرحت المسألة وباتت محل نزاع بين الأطراف المعنية .
فما يربطنا بالآخرين لا يمنحنا جميع الحقوق عليهم أي امتلاكهم بل التواصل معهم في مستوى معين عاطفي ، وجداني ، مادي ، اجتماعي ، شخصي .
وما من إنسان ينتمي إلى إنسان حتى وإن كان والده أو والدته ، يحمل بعض من جيناته أي من إرثه البيولوجي .
وما من إنسان يمتلك إنسانا مهما كانت مزاياه أو سلطته عليه .
هل يكمن الخلل إذا، في ما تسمح به اللغة من تملك للأشخاص بما تحمله من التصور تبنيناه دون أن يقره علم النفس ؟
لا ، الأمر أعمق من ذلك ، ذلك أن الصورة الوحيدة والممكنة لذواتنا تبدأ من خلال رأي الآخرين وأحكامهم ومعاملتهم لنا ، كل ما نفكر فيه أو نشعر به يجعلنا في الدائرة التي تجمعنا بهم ، في غيابهم نتصور أن لا وجود لنا ، لذلك وجب علينا أن نتملكهم لضمان ذلك الوجود الهش ولو من باب الخيال والوهم رغم تعارضهما مع الواقع .
بما أن اللغة أداة للتواصل وفي نفس الوقت وسيلة للتفكير ولتصور العالم ، يعج عالمنا الداخلي بوجود الآخرين على المستوى المعنوي ، فإن انسحبوا من حياتنا العاطفية أو الوجدانية أو الاجتماعية أو الفعلية تركوا فراغا رهيبا، قد يدفعنا في إعادة النظر في من نكون .
والرأي عندي أن التورط في ملكيتهم يبدأ من منطلق مكانتهم النفسية الوجدانية،لا الفعلية .
أما عن الأشياء التي نمتلكها فهي علامة من علامات انتماءنا الطبقي ومن دونها نصبح في مصاف المهمشين الفقراء لفقداننا المكانة والموقع .
وخلاصة القول أن الآخرين سواء على المستوى الشخصي الذاتي النفسي أو الاجتماعي هم من يملكون سلطة وجودنا بتوطيد علاقتنا بهم أو إهمالها.
من ثمة لا يمكن الاعتراف بالاستقلالية تامة للإنسان في غياب الآخرين، فجل الأفكار بما تحمله من إبداع أو إضافة هي في الحقيقة موجهة للآخرين وللثقافة التي ينتمي إليها صاحب الفكرة أو المشروع .
إلا أن الإشكال المطروح، لا يكمن في التواصل مع الآخرين من عدمه، ولا حتى في مكانتهم وضرورة وجودهم في حياة كل منا، بل في تملكهم لان ذلك التملك من شأنه أن يجعلهم في مصاف الأشياء ، فالذوات ليست قابلة للملكية ، ونحن لا نفكر إلا من خلال اللغة التي تبيح تلك الملكية .
هل نعتقد أحيانا أننا نملك الشخص أم العلاقة أم الاثنين معا ؟
كيف تناول القانون تواصل أو انقطاع بعض العلاقات كتلك الخاصة بالبنوة بالزواج وبالشغل ؟
وإن كانت مدة بعض العلاقات ليست محددة قانونا مثل الزواج، ولا قابلة للمراجعة بعد مدة معينة فهل يجب اعتبارها هي شكل من أشكال التملك المقنن اجتماعيا وثقافيا أم لا ؟
الرأي عندي، أن مسألة تملك الغير مردها تارة " التعلق" وطورا حاجة الإنسان إلى الانتماء لذلك يؤدي انقطاعها إلى إصابته بآلام نفسية وأمراض جسدية .
يبدو أن النظريات التي سخر لها الفلاسفة شرقا وغربا وقتهم وجهدهم جهودهم لا جدوى منها، ما لم نحدد موقع الإنسان وماهيته إن كان شيئا أم موضوعا، أي فاعلا أم فاقدا لكل إمكانية لإثبات وجوده.
إشكالية التملك أو بالأحرى وهمها تستحق تفكيرا طويلة ودراسات عديدة في مجالات متعددة ومختلفة مثل القانون وعلم النفس والاجتماع والانثربولوجيا لذلك قد نعود للتفكير فيها من جديد .
كاهنة عباس
.
ذلك ،لأنها ليست مستقلة عني بل تابعة لي وهذا الاستنتاج ليس شخصيا بل هو اجتماعي وقانوني موثق بالحجج التي تثبت تلك الملكية وما ينجر عنها من حقوق إذا ما وقع استيلاء عليها من طرف الغير لاكتسابي حقوقا تمنحني حق استرجاعها أو طلب تعويضها .
أما بالنسبة للأشخاص، فالأمر مختلف نسبيا، فهم ينتمون لمنطقة ممتلكاتي النفسية والمعنوية لكن ليس بصفة مطلقة، ومن بينهم : أبي ، أمي ، أختي ، أخي ، خالاتي ، عماتي ، جدتي ، جدي ، زوجي ، أبنائي ، أصدقائي ، صديقاتي ، جيراني ، معارفي ، زملائي .
لا يمكنني إدعاء ملكيتهم المطلقة، فالأمر ملتبس للغاية ، لكنني أحتاج إلى انتمائي إليهم وانتماءهم لي حتى تكتمل هويتي ،فهي مسألة أساسية والسبب واضح وبين ولا يتطلب أي اجتهاد ويتمثل في الأتي : أنني لا أرى نفسي إلا من خلالهم ، فوجودي ، مهمتي ، جهودي، إنجازاتي وما حققت وما لم أحقق، متصلة بهم ،بنظراتهم وأحكامهم وحاجياتهم ومتطلباتهم ، بل هو أعمق من ذلك بكثير ويتمثل في أن السردية التي ألفتها بيني وبين نفسي أي جملة الأفكار التي تدور في رأسي ليلا نهارا ستتشكل بالرجوع إلى ما قالوه وما فعلوه في علاقتي بهم و ستكون تلك السردية النواة الجوهرية لما أسميه الأنا .
هذه الأنا التي ستتعرض إلى صدمات واضطرابات وانتكاسات أثناء علاقتي بتلك الشخصيات ومدى ظهورها أو انسحابها في حياتي أو فقدانها ، دون السهو عن أن تلك الشخصيات لا بد أنها أسست هي أيضا سرديتها على نفس الأساس أي ملكيتها لي باعتباري شيئا جاهزا للامتلاك من منظورها كعنوان للوفاء المتبادل .
هناك خلط بين العلاقات التي تجمعنا وبين ماهيتنا ،هو نابع من نشأتنا الأصلية التي قامت وتشكلت بفضل علاقتنا مع الأم والأب دون أن ننسى ما تحمله اللغة من ضوابط ليست خالية من الخلفيات الفكرية تؤكد تلك الملكية وتوهمنا بأن الانا هي محور العالم ولها القدرة الكاملة على أن تقرر ما تريد وتفعل ما تريد وتنفصل عندما تريد وتمتلك من تريد من خلال التراكيب الافتراضية التي تبيحها اللغة .
ملكية الأشخاص كما تشير إليها اللغة جزافا، لا يعترف بها القانون منذ إلغاء الرق، إلا في حدود معينة كتلك المتصلة بالخيانة الزوجية أو بالبنوة، إذا ما طرحت المسألة وباتت محل نزاع بين الأطراف المعنية .
فما يربطنا بالآخرين لا يمنحنا جميع الحقوق عليهم أي امتلاكهم بل التواصل معهم في مستوى معين عاطفي ، وجداني ، مادي ، اجتماعي ، شخصي .
وما من إنسان ينتمي إلى إنسان حتى وإن كان والده أو والدته ، يحمل بعض من جيناته أي من إرثه البيولوجي .
وما من إنسان يمتلك إنسانا مهما كانت مزاياه أو سلطته عليه .
هل يكمن الخلل إذا، في ما تسمح به اللغة من تملك للأشخاص بما تحمله من التصور تبنيناه دون أن يقره علم النفس ؟
لا ، الأمر أعمق من ذلك ، ذلك أن الصورة الوحيدة والممكنة لذواتنا تبدأ من خلال رأي الآخرين وأحكامهم ومعاملتهم لنا ، كل ما نفكر فيه أو نشعر به يجعلنا في الدائرة التي تجمعنا بهم ، في غيابهم نتصور أن لا وجود لنا ، لذلك وجب علينا أن نتملكهم لضمان ذلك الوجود الهش ولو من باب الخيال والوهم رغم تعارضهما مع الواقع .
بما أن اللغة أداة للتواصل وفي نفس الوقت وسيلة للتفكير ولتصور العالم ، يعج عالمنا الداخلي بوجود الآخرين على المستوى المعنوي ، فإن انسحبوا من حياتنا العاطفية أو الوجدانية أو الاجتماعية أو الفعلية تركوا فراغا رهيبا، قد يدفعنا في إعادة النظر في من نكون .
والرأي عندي أن التورط في ملكيتهم يبدأ من منطلق مكانتهم النفسية الوجدانية،لا الفعلية .
أما عن الأشياء التي نمتلكها فهي علامة من علامات انتماءنا الطبقي ومن دونها نصبح في مصاف المهمشين الفقراء لفقداننا المكانة والموقع .
وخلاصة القول أن الآخرين سواء على المستوى الشخصي الذاتي النفسي أو الاجتماعي هم من يملكون سلطة وجودنا بتوطيد علاقتنا بهم أو إهمالها.
من ثمة لا يمكن الاعتراف بالاستقلالية تامة للإنسان في غياب الآخرين، فجل الأفكار بما تحمله من إبداع أو إضافة هي في الحقيقة موجهة للآخرين وللثقافة التي ينتمي إليها صاحب الفكرة أو المشروع .
إلا أن الإشكال المطروح، لا يكمن في التواصل مع الآخرين من عدمه، ولا حتى في مكانتهم وضرورة وجودهم في حياة كل منا، بل في تملكهم لان ذلك التملك من شأنه أن يجعلهم في مصاف الأشياء ، فالذوات ليست قابلة للملكية ، ونحن لا نفكر إلا من خلال اللغة التي تبيح تلك الملكية .
هل نعتقد أحيانا أننا نملك الشخص أم العلاقة أم الاثنين معا ؟
كيف تناول القانون تواصل أو انقطاع بعض العلاقات كتلك الخاصة بالبنوة بالزواج وبالشغل ؟
وإن كانت مدة بعض العلاقات ليست محددة قانونا مثل الزواج، ولا قابلة للمراجعة بعد مدة معينة فهل يجب اعتبارها هي شكل من أشكال التملك المقنن اجتماعيا وثقافيا أم لا ؟
الرأي عندي، أن مسألة تملك الغير مردها تارة " التعلق" وطورا حاجة الإنسان إلى الانتماء لذلك يؤدي انقطاعها إلى إصابته بآلام نفسية وأمراض جسدية .
يبدو أن النظريات التي سخر لها الفلاسفة شرقا وغربا وقتهم وجهدهم جهودهم لا جدوى منها، ما لم نحدد موقع الإنسان وماهيته إن كان شيئا أم موضوعا، أي فاعلا أم فاقدا لكل إمكانية لإثبات وجوده.
إشكالية التملك أو بالأحرى وهمها تستحق تفكيرا طويلة ودراسات عديدة في مجالات متعددة ومختلفة مثل القانون وعلم النفس والاجتماع والانثربولوجيا لذلك قد نعود للتفكير فيها من جديد .
كاهنة عباس
.