بتاريخ: 29 - 08 - 1938
إلى الأستاذ الجليل محمد بن الحسن الحجوي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد،
فلقد قرأت بإعجاب ما نشرتموه في الرسالة جواباً على الأسئلة الأشفودرية، وأفدت منه علماً كثيراً أشكركم عليه وأسأل الله أن يجزيكم عنه خير الجزاء. ولكني وقفت عند قولكم (أن الطرق الصوفية تجانية وغيرها إنما أحدثت في الإسلام لجمع قلوب المسلمين على إقامة الشريعة الغراء إقامة كاملة، إلى أخر ما قلتم)، وخشيت أن يفهم بعض القارئين من هذه الجملة أن جمع قلوب المسلمين على إقامة الشريعة لا يكون إلا بهذه الطرق، فتكون الشريعة إذن ناقصة تحتاج إلى متمم، مع أنكم لا تريدون هذا، ولا تشكون في أن الشريعة جاءت كاملة مكملة، لا تحتاج إلى أدنى زيادة، وأنها تكفل للمسلم كل خير ينبغي له في دنياه وآخرته. وإذا كان ذلك كذلك فماذا يبقى لهذه الطرق من عمل؟ وهل تخلو من أحد شيئين: إما أن تكون زيادة على الإسلام فهي مردودة، وإما أن تكون الإسلام نفسه فلا يبقى فرق بين مسلم شاذلي أو نقشبندي، ومسلم ليس له طريقة من هذه الطرق، وتكون الطرق على هذا الغرض تحصيل حاصل وهو باطل. وليت شعري ما القصد من هذه الطرق؟ إن كانت للذكر المرتب ففي كتاب الأذكار للنووي من الأذكار المأثورة ما يملأ يوم المسلم وليلته، وهي أفضل قطعاً من الأذكار التي وضع صيغها شيوخ الطرق؛ وإن كان القصد تهذيب السريرة وتنقية القلوب فليس وراء الكتاب والسنة ما يهذب سريرة وينقي قلباً؟ فهل القصد إذن تفريق جماعة المسلمين؟
هذا كله إذا خلت الطرق من كل ما يخالف أصل الدين، أما إن وقع فيها الخلاف كما هو الشأن في كثير من الطرق فهي مردودة بالاتفاق
بقي يا سيدي عدكم (الوهابية) من الطرق الصوفية، مع أن الوهابية حركة سلفية يراد منها ترك كل مبتدع في الدين ومنه هذه الطرق، والرجوع إلى الكتاب والسنة. ثم إنه ليس في الدنيا مذهب أو طريقة تدعى (الوهابية)، ولا يعرف هذه الكلمة أهل نجد أنفسهم، ولا كان ابن عبد الوهاب صاحب مذهب وإنما هو مصلح منبه، وأهل نجد حنابلة على مذهب الإمام أحمد ناصر السنة
هذا ولكم يا سيدي الشكر الأجزل والسلام عليكم ورحمة الله (دمشق)
علي الطنطاوي
إلى الأستاذ الجليل محمد بن الحسن الحجوي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد،
فلقد قرأت بإعجاب ما نشرتموه في الرسالة جواباً على الأسئلة الأشفودرية، وأفدت منه علماً كثيراً أشكركم عليه وأسأل الله أن يجزيكم عنه خير الجزاء. ولكني وقفت عند قولكم (أن الطرق الصوفية تجانية وغيرها إنما أحدثت في الإسلام لجمع قلوب المسلمين على إقامة الشريعة الغراء إقامة كاملة، إلى أخر ما قلتم)، وخشيت أن يفهم بعض القارئين من هذه الجملة أن جمع قلوب المسلمين على إقامة الشريعة لا يكون إلا بهذه الطرق، فتكون الشريعة إذن ناقصة تحتاج إلى متمم، مع أنكم لا تريدون هذا، ولا تشكون في أن الشريعة جاءت كاملة مكملة، لا تحتاج إلى أدنى زيادة، وأنها تكفل للمسلم كل خير ينبغي له في دنياه وآخرته. وإذا كان ذلك كذلك فماذا يبقى لهذه الطرق من عمل؟ وهل تخلو من أحد شيئين: إما أن تكون زيادة على الإسلام فهي مردودة، وإما أن تكون الإسلام نفسه فلا يبقى فرق بين مسلم شاذلي أو نقشبندي، ومسلم ليس له طريقة من هذه الطرق، وتكون الطرق على هذا الغرض تحصيل حاصل وهو باطل. وليت شعري ما القصد من هذه الطرق؟ إن كانت للذكر المرتب ففي كتاب الأذكار للنووي من الأذكار المأثورة ما يملأ يوم المسلم وليلته، وهي أفضل قطعاً من الأذكار التي وضع صيغها شيوخ الطرق؛ وإن كان القصد تهذيب السريرة وتنقية القلوب فليس وراء الكتاب والسنة ما يهذب سريرة وينقي قلباً؟ فهل القصد إذن تفريق جماعة المسلمين؟
هذا كله إذا خلت الطرق من كل ما يخالف أصل الدين، أما إن وقع فيها الخلاف كما هو الشأن في كثير من الطرق فهي مردودة بالاتفاق
بقي يا سيدي عدكم (الوهابية) من الطرق الصوفية، مع أن الوهابية حركة سلفية يراد منها ترك كل مبتدع في الدين ومنه هذه الطرق، والرجوع إلى الكتاب والسنة. ثم إنه ليس في الدنيا مذهب أو طريقة تدعى (الوهابية)، ولا يعرف هذه الكلمة أهل نجد أنفسهم، ولا كان ابن عبد الوهاب صاحب مذهب وإنما هو مصلح منبه، وأهل نجد حنابلة على مذهب الإمام أحمد ناصر السنة
هذا ولكم يا سيدي الشكر الأجزل والسلام عليكم ورحمة الله (دمشق)
علي الطنطاوي