كاظم حسن سعيد - الزمن فلسفيا من خلال ثيمة الحب والمرأة في شعرالبريكان .

الزمن فلسفيا من خلال ثيمة الحب والمرأة في شعرالبريكان .




عرفت اصناف من الكتابات عن الحب في الشعر العربي منها العذري والصوفي والواقعي وفيما توغل عمر بن ابي ربيعة وابو نواس بوصف الجسد تقرا للعباس بن الأحنف ( لا يضمر السوء ان طال الجلوس به ..عف الضمير ولكن فاسق النظر ) .
يتعذر على أي ناقد او قاريء تفهم المراحل في شعر البريكان بسبب الافتقار الى المجموعة الكاملة لشعره في حياته وبعد رحيله بسنوات لعزوفه عن النشر وفقدان او الحجر على نتاجاته بعد رحيله .
لقد اتصلت باخيه المحامي عبد الله القاطن في السعودية قبل وفاته واوضحت له ان عليه ان يعتق مجموعات البريكان الشعرية التي لم تنشر والتي حصل عليها واحتفظ بها لانه ارث انساني وكان جوابه مخيبا للظن , ولم تفلح دعوات مماثلة شرع بها الشاعر طالب عبد العزيز .
وحاولت مرارا حث نجل البريكان الاكبر الصحفي ماجد البريكان بان يسافر للحصول على تلك النتاجات وصدمت بالمبررات ومحنة التاجيل .
حدثني البريكان بان الشاعر سامي مهدي عرض عليه طبع مجموعته بوزارة الثقافة باخراج فني متقن كما فعلوا بشعر شفيق الكمالي ولكن المشروع اجهزته قوة التاجيل ايضا .
وها قد دخلنا في العقد الثالث على رحيله وقصائده ومؤلفاته البحثية والادبية رهن الاعتقال .
ساتناول الان نهجا غفله النقاد والدارسون في شعر البريكان فقد تركز جل شعره في ثيمات التوتر بين الحياة والموت والنهايات الفاجعة .
سألني البريكان يوماعن افضل النساء فاجبته المطيعه فقال بل الوديعة .
وقال لي ( ربما تكون المرأة افضل من الشعر نفسه ) وهو تصريح خطير .
ولا تجد في شعره الا قصيدتين خصصتا لموضوع المرأة وحبها لكني اتوقع قصائد اخرى كتبها ونحن ننتظر حين تنشر مجموعته الكاملة .
لقد كان موضوع الهيستيريا عند النساء ممتدا بيننا واتحفظ على اسباب اهتمامه بالهيستريا الان اما انا فكنت في عمرمبكر اهتم به لاني تفتحت في بداية التكوين الفكري على اطروحات فرويد .
تميز البريكان بالعفة ولا اتوقع انه اقام علاقات نسائية خارج الزواج في شبابه فقد اخبرني يوما بمرارة (كم من الفرص اضعتها) .
وقال بموقف اخر (الان يكتب الشعراء حول الاديان والفلسفة اما انا فكنت افكر بثيمات فلسفية لحظة اندلاع العلاقة الحميمية).
صدفة قبل يومين اطلعت على قصيدة حب للبريكان نشرت بعد رحيله بعنوان (الى امراة صغيرة).
اما قصيدته (اغنية حب من معقل المنسيين) فقد نشرت في حياته .
ولا يوجد قصائد غير هاتين القصيدتين تختص ببحث ثيمة المرأة . حسب شعره المنشور .
افسر ذلك لا لعدم جرأته بل لهيمنة الثيمات الاساسية في شعره وهو القائل (انا شاعر الموت).
لا يمكنك تفهم شعر البريكان ان لم تصنفه شاعرا مفكرا .
في قصيدته الى امراة صغيرة يبدأ النداء او الدعوة (تعالي) ويظهر المقطع وصفا للطبيعة من تكاثف ظلام وليل يسقط ببطء وسرعان ما نكتشف بانه يعالج ثيمتي الموت والزمن.
(هنا عالم تتراكم فيه الثلوج، وتنطمر الأزمنة
تعالي.. وبعدك فليرسم الموت شارته،
سأكون أقل اكتئابا...
لأنك تحيين بعدي.).
وهذه القصيدة هي اكثر عمقا من قصيدته المماثلة ( اغنية حب من معقل المنسيين ) التي تناول فيها رجلا سجينا احب فتاة بتاثير ما نقله عنها شريكه في الزنزانة لهذا ارجح كتابتها بعدها قبل ان ينقطع عن الكتابة لمدة ست سنوات, وهو في مرحلة قوة الشباب.
ساضع القصيدتين امام انظار القراء والدارسين للاهتمام بهذه المساحة المهجورة من شعر البريكان في انتظار العودة اليهما ودراستهما مستقبلا .
( الى امراة صغيرة ..
تعالي
فإن الظلام هنا يتكاثف والليل يسقط عبر الزجاج
ببطء على الطرق العارية
هنا عالم تتراكم فيه الثلوج، وتنطمر الأزمنة
تعالي..وبعدك فليرسم الموت شارته،
سأكون أقل اكتئابا...
لأنك تحيين بعدي.

-2
يمامة ليل
مشردة في الرياح
مبللة دخلت عبر نافذتي واستقرت على راحتي
تتراعش من لمستي
يا يمامتي الضائعة
هنا أنت في ملكوت الظلال
فلا تفزعي..

-3
تذكرت إذ كنت طفلا صغيرا
تذكرتها ظبية من ظباء الفلاة..طوقتُها بذراعي
وقد سكنت فزعا
أذكر الآن نظرتها،
-يا لأحداقها الواسعة –
وإيقاع أنفاسها ...
وأذكر لحظة أطلقتها في الهواء...
فأن شئت .فانطلقي..

- 4
تمرّين بين حدود الهنيهات
تمشين حافية في دوائر أُفق الشفق
وتأتين راقصة بين حلم وصحو ، وبين اشتعال
السريرة والانطفاء
ومنتصف الليل تنزلقين بكامل عريك بيضاء َ خضراء زرقاء
تحت بصيص النجوم، ولا تخلفين المواعيد.
أنت معي منذ بدء الزمان
أتعترفين اعترافي؟

-5
من الحب ما لا يكون ، وما لا يبوح به العاشقون لأنفسهم
ما يوّحد بين النزوع وبين المحالْ
وليتك كنتِ أقلَّ بهاء أقل سخاءً أقل جنونا ً
لكي يمكن الاحتمالْ
تفتحت في أخريات المواسم..من أجرأ الآن منكِ
و أنت التي تهبين حياتك في جملة واحدة؟
ومن أبرأ الآن منك وبين هداياكِ كنز الجسد
حذار..هناك المسافات بين حياد وآخر
هناك أُنظري ، حاجز الزمن الأبدي
فهل يستطاع العبور؟) .
(أغنية حب من معقل المنسيين )
يا سلوى
لم نلتقِ قبلُ، ولم أرَ مِنكِ سوى شبحك
وحكايا تروى لي عن نبلك عن مرحِك
لم نلتقِ قَطُّ، ولكنّي
أُصغي لأخيكِ، صديقي وأخي في سجني
وقسيمي ليل الزنزانة
يحكي لي عنك كألطفِ ألطفِ إنسانة
وكأجملِ روحٍ مبتسمة ..
عن ضحكاتِكِ وهي ترنُّ صباحَ مساء
حبّكِ للرسمِ وللتفصيلِ وللأزياء
ومقصك والصحف البيضاء
وثيابك ذات الألوان المنسجمة!
أعرفُ حتى ما في درجك من أشياء!
أعرف حتى ما كنتِ قرأتِ من الكتبِ
حتى كلماتك عند اللوم أو الغضبِ!
حتى بعضَ أغانٍ أعجبتِ بها جداً
وقصائدَ مفعمةً ورداً .. !
يا سلوى،
يا حُلُماً في الصمت المكتئبِ
يا سرّاً في صدري، وخيالاً نورياً
يتوهجُ في أقصى التعبِ!
يا حبّاً لا ُيعقل، يا شعراً لا يُنسى!
يا زنبقة تتفتح في الليل الأقسى
وتضوع وتنمو في صمتي
يا مرقّصة في الحزن رؤاي كأسطورة
يا شبحاً تنقصه الصورة!
أقسم لو لاقيتك يوماً في أي مكان
لعرفتك! لو صافحتك بعد مضي زمان
لبكت أعماقي من فرح!
أتصورها خصلاتك تطفر في مرح
أتصور وجهك! صوتك! لون العينين
وكمونُ البسمةِ في الشفتين
أتصور .. لا يمكنني تجسيد الشبح!
أتصور أخوتك الأطفال، وأي حنان
تضفين على البيت العاري
وأفكّر: ما أروعها في غدها أماً ..!
* * *
في أقبية المنسيين
لا صوت هناك. وما في الليل سوى الحزن!
نام السجناء ونام أخوك. ولكني
أرقٌ، أتأملُ أغلالي
وأصارع أبعد آمالي،
وأفكر فيك .. وفيما أصنع بعد سنين
إذ أنزع أثواب السجن
أأحبك جداً أم لهوا ..؟
ثم، أتبقين كما أهوى
وكما أتصور، يا سلوى!؟).
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...