يقول الكاتب الأرجنتيني «خورخي لويس بورخيس» في أحد نصوصه: «أنا الذي تخيلت الجنة دومًا على شكل مكتبة».
العلاقة بين الكاتب ومكتبته خاصة جدًّا، من الصعب أن تكتشف أسرارها، إذ تبقى لكل واحد طريقته في التعامل مع المكتبة. ومن الأسئلة التي تلفت الانتباه: ما مصير هذه المكتبات بعد رحيل أصحابها؟ ماذا يحدث لها؟ أين تذهب؟
هناك من يفضل أن تتبرع أسرة الكاتب الراحل بمكتبته لإحدى المكتبات العامة أو الخاصة، كلٌّ وفق رغبته، كي لا تتداعى المكتبة مع الزمن، وتفرغ محتوياتها على أرصفة الشوارع كما حدث مع الأديب المصري يوسف الشاروني، الذي فزع كثيرون حين وجدوا، بعد أقل من شهرين على وفاته في 2017، كتبًا من مكتبته تحمل إهداءات له ومنه على رصيف محطة مترو الإسعاف وسط العاصمة القاهرة.
آخرون يتمسكون بالإبقاء على المكتبة في نفس مكانها، نوعًا من الاعتزاز بالذكرى والتمسك بها، أو ربما لتحافظ على جرعة الحنين نحو من رحل كي لا يخفت هذا الحنين مع الأيام.
هنا نحكي عن خمسة كُتاب مصريين، رحلوا وتركوا مكتبات ضخمة، بعضها لا تزال كتبها مخزنة لدى الأسرة، وأخرى تحتفظ بها البيروقراطية في أروقتها.
مكتبة نجيب محفوظ: رهينة الحكومة
مكتبة نجيب محفوظ لا تزال رهينة لدى صندوق التنمية الثقافية الحكومي، الذي من المفترض أن يشرف على تجهيز متحف محفوظ، لكن مر 12 عامًا منذ قرار فاروق حسني، وزير الثقافة المصري الأسبق، في 2006 بإنشاء المتحف، دون أن ينتهي العمل فيه.
كان على أسرة محفوظ أن تسمح للصندوق بالحصول على المكتبة لتدخل في إطار العرض المتحفي كأحد مقتنيات الأستاذ وآثاره، لكن أحدًا لا يدري مصير المكتبة الآن.
وحده الكاتب يوسف القعيد أكد أن ابنة محفوظ فكرت في استعادة مكتبة والدها خوفًا عليها من الضياع، لكن الأخيرة تراجعت بعد وعود باستكمال العمل سريعًا.
قد يعجبك أيضًا: مكتبة محمود درويش: أثر الشاعر لا يزول
مكتبة إبراهيم أصلان: في «الكراتين»
رحل الكاتب إبراهيم أصلان في 2012، تاركًا مكتبة ضخمة فكر مرات في إعادة ترتيبها وفرز ما فيها، غير أنه لم يفعل. والآن يحاول ابنه هشام أن ينفذ ما فكر فيه أبوه.
يقول هشام أصلان لـ«منشور»: «المكتبة الآن في صناديق كرتونية لا حصر لها. عدد الكتب رهيب، ولا مكان لها، الكراتين في كل مكان، كأنها تحاصرنا، لا يمكنني أن أتنازل عنها هكذا لأن فيها كنوزًا وكتبًا مهمة للغاية، من المؤكد أني أحتاجها لأضمها إلى مكتبتي، لكني حتى الآن لم أفرزها. هذا عمل يحتاج جهدًا ضخمًا».
الدكتور خالد عزب، رئيس قطاع الخدمات والمشروعات في مكتبة الإسكندرية، طلب من هشام أن يتبرع له ببعض كتب أصلان، ووافق الأخير شريطة أن يفرزها أولًا.
مكتبة علاء الديب: أهلًا بالزائرين
اعتاد الكاتب الراحل علاء الديب أن يفرز مكتبته كل سنتين تقريبًا. يحتفظ بما يراه مهمًّا، ويتبرع بما لا يهتم به، أو ما لم يعد يشغله.
اعتاد أحد أصحاب المكتبات في القاهرة أن يتردد على الكاتب في منزله، وكان الديب لا يبخل على الرجل ببعض الكتب كل فترة. الأمر نفسه فعله أكثر من مرة مع الناشرة كرم يوسف، صاحبة دار «الكتب خان»، عندما كانت تنظم فعالية عرض كتب على الرصيف بأسعار زهيدة، لا يتجاوز سعر الكتاب الواحد فيها 20 جنيهًا.
عصمت قنديل، زوجة علاء الديب، توضح أن الكاتب الراحل لم يكن يستطيع أن يحتمل الكتب أكثر من عامين، إذ كانت تصله مئات الكتب ليعرضها في باب «عصير الكتب» الذي اعتاد كتابته، فتحول البيت إلى مكتبة بالفعل، ولذلك «كنا نفرزها معًا، ونستغني عن ما يمكن الاستغناء عنه».
اختلف الأمر بعد رحيل الديب، بحسب ما تضيفه عصمت لـ«منشور»، فـ«لم يعد باستطاعتي أن أستغني عن شيء. المكتبة هي ما تبقى لي من علاء، فيها روحه وكتبه وابتسامته، المكتبة جزء من علاء، من ذكراه، والتفكير في الاستغناء عنها يؤلمني. لن أتبرع بها مطلقًا، لكن أهلًا وسهلًا بأي زائر يبحث عن كتاب ما، وحين يجده في المكتبة سيحصل عليه بكل سرور طبعًا، أما أن أتنازل عن المكتبة، فهذا أمر مستبعَد تمامًا، تمامًا».
مكتبة جمال الغيطاني: مركز ثقافي
بعد رحيل جمال الغيطاني، فكرت زوجته ماجدة الجندي في أن تؤسس لمكتبته مركزًا ثقافيًّا في إحدى مناطق القاهرة القديمة، التي عاش فيها الغيطاني بروحه وكتب عنها كثيرًا، ومنحته أسرارها كما لم تفعل مع أحد قبله.
«المكتبة جزء من جمال، ولا يمكن أن أتخلى عنها. ابناه أيضًا، ماجدة ومحمد، لن يقبلا فكرة التنازل عن المكتبة بأي حال، وتحت أي ظروف، فالمكتبة تكتسب قيمتها من ارتباط جمال بها، وذكرياته معها، ونحن أيضًا»، بحسب ماجدة.
مكتبة جلال عامر: بيته
عبر سنوات طويلة، كوَّن جلال عامر مكتبة هائلة، تقريبًا شغلت البيت كله، واعتاد أن يربي أولاده على حب المكتبة والقراءة باستمرار.
يقول راجي عامر إن أباه كان يدير ما يشبه الندوات داخل البيت، قريبًا من المكتبة، ويتناقش مع الأسرة حول أي كتاب، ما خلق ذكريات لا تُنسى وترتبط طبعًا بالمكتبة.
يؤكد راجي أنه «من الصعب على الأسرة التفريط في مكتبة الوالد، لأن مكوناتها تكاد تكون حية وتعكس مواقف كثيرة ربطت الأسرة بها. المكتبة التي طالما جلس جلال عامر بجوارها، يقضي الساعات الطويلة معها كأنها حبيبته، أصبحت تمثل المكون المعرفي لأبنائه الذين لن يفرطوا فيها».
يرفض راجي وإخوته التبرع بالمكتبة أو جزء منها، سواء كان التبرع لإحدى قطاعات وزارة الثقافة، أو لدار نشر، أو مكتبة خاصة. معظم الأوقات التي كان يقضيها عامر في بيته كانت مع المكتبة، وفي اللقاءات مع الأسرة ظلت المكتبة هي البطل ومحور الحديث كله: «قولًا واحدًا، لن نفرط في مكتبة جلال عامر».
العلاقة بين الكاتب ومكتبته خاصة جدًّا، من الصعب أن تكتشف أسرارها، إذ تبقى لكل واحد طريقته في التعامل مع المكتبة. ومن الأسئلة التي تلفت الانتباه: ما مصير هذه المكتبات بعد رحيل أصحابها؟ ماذا يحدث لها؟ أين تذهب؟
هناك من يفضل أن تتبرع أسرة الكاتب الراحل بمكتبته لإحدى المكتبات العامة أو الخاصة، كلٌّ وفق رغبته، كي لا تتداعى المكتبة مع الزمن، وتفرغ محتوياتها على أرصفة الشوارع كما حدث مع الأديب المصري يوسف الشاروني، الذي فزع كثيرون حين وجدوا، بعد أقل من شهرين على وفاته في 2017، كتبًا من مكتبته تحمل إهداءات له ومنه على رصيف محطة مترو الإسعاف وسط العاصمة القاهرة.
آخرون يتمسكون بالإبقاء على المكتبة في نفس مكانها، نوعًا من الاعتزاز بالذكرى والتمسك بها، أو ربما لتحافظ على جرعة الحنين نحو من رحل كي لا يخفت هذا الحنين مع الأيام.
هنا نحكي عن خمسة كُتاب مصريين، رحلوا وتركوا مكتبات ضخمة، بعضها لا تزال كتبها مخزنة لدى الأسرة، وأخرى تحتفظ بها البيروقراطية في أروقتها.
مكتبة نجيب محفوظ: رهينة الحكومة
مكتبة نجيب محفوظ لا تزال رهينة لدى صندوق التنمية الثقافية الحكومي، الذي من المفترض أن يشرف على تجهيز متحف محفوظ، لكن مر 12 عامًا منذ قرار فاروق حسني، وزير الثقافة المصري الأسبق، في 2006 بإنشاء المتحف، دون أن ينتهي العمل فيه.
كان على أسرة محفوظ أن تسمح للصندوق بالحصول على المكتبة لتدخل في إطار العرض المتحفي كأحد مقتنيات الأستاذ وآثاره، لكن أحدًا لا يدري مصير المكتبة الآن.
وحده الكاتب يوسف القعيد أكد أن ابنة محفوظ فكرت في استعادة مكتبة والدها خوفًا عليها من الضياع، لكن الأخيرة تراجعت بعد وعود باستكمال العمل سريعًا.
قد يعجبك أيضًا: مكتبة محمود درويش: أثر الشاعر لا يزول
مكتبة إبراهيم أصلان: في «الكراتين»
رحل الكاتب إبراهيم أصلان في 2012، تاركًا مكتبة ضخمة فكر مرات في إعادة ترتيبها وفرز ما فيها، غير أنه لم يفعل. والآن يحاول ابنه هشام أن ينفذ ما فكر فيه أبوه.
يقول هشام أصلان لـ«منشور»: «المكتبة الآن في صناديق كرتونية لا حصر لها. عدد الكتب رهيب، ولا مكان لها، الكراتين في كل مكان، كأنها تحاصرنا، لا يمكنني أن أتنازل عنها هكذا لأن فيها كنوزًا وكتبًا مهمة للغاية، من المؤكد أني أحتاجها لأضمها إلى مكتبتي، لكني حتى الآن لم أفرزها. هذا عمل يحتاج جهدًا ضخمًا».
الدكتور خالد عزب، رئيس قطاع الخدمات والمشروعات في مكتبة الإسكندرية، طلب من هشام أن يتبرع له ببعض كتب أصلان، ووافق الأخير شريطة أن يفرزها أولًا.
مكتبة علاء الديب: أهلًا بالزائرين
اعتاد الكاتب الراحل علاء الديب أن يفرز مكتبته كل سنتين تقريبًا. يحتفظ بما يراه مهمًّا، ويتبرع بما لا يهتم به، أو ما لم يعد يشغله.
اعتاد أحد أصحاب المكتبات في القاهرة أن يتردد على الكاتب في منزله، وكان الديب لا يبخل على الرجل ببعض الكتب كل فترة. الأمر نفسه فعله أكثر من مرة مع الناشرة كرم يوسف، صاحبة دار «الكتب خان»، عندما كانت تنظم فعالية عرض كتب على الرصيف بأسعار زهيدة، لا يتجاوز سعر الكتاب الواحد فيها 20 جنيهًا.
عصمت قنديل، زوجة علاء الديب، توضح أن الكاتب الراحل لم يكن يستطيع أن يحتمل الكتب أكثر من عامين، إذ كانت تصله مئات الكتب ليعرضها في باب «عصير الكتب» الذي اعتاد كتابته، فتحول البيت إلى مكتبة بالفعل، ولذلك «كنا نفرزها معًا، ونستغني عن ما يمكن الاستغناء عنه».
اختلف الأمر بعد رحيل الديب، بحسب ما تضيفه عصمت لـ«منشور»، فـ«لم يعد باستطاعتي أن أستغني عن شيء. المكتبة هي ما تبقى لي من علاء، فيها روحه وكتبه وابتسامته، المكتبة جزء من علاء، من ذكراه، والتفكير في الاستغناء عنها يؤلمني. لن أتبرع بها مطلقًا، لكن أهلًا وسهلًا بأي زائر يبحث عن كتاب ما، وحين يجده في المكتبة سيحصل عليه بكل سرور طبعًا، أما أن أتنازل عن المكتبة، فهذا أمر مستبعَد تمامًا، تمامًا».
مكتبة جمال الغيطاني: مركز ثقافي
بعد رحيل جمال الغيطاني، فكرت زوجته ماجدة الجندي في أن تؤسس لمكتبته مركزًا ثقافيًّا في إحدى مناطق القاهرة القديمة، التي عاش فيها الغيطاني بروحه وكتب عنها كثيرًا، ومنحته أسرارها كما لم تفعل مع أحد قبله.
«المكتبة جزء من جمال، ولا يمكن أن أتخلى عنها. ابناه أيضًا، ماجدة ومحمد، لن يقبلا فكرة التنازل عن المكتبة بأي حال، وتحت أي ظروف، فالمكتبة تكتسب قيمتها من ارتباط جمال بها، وذكرياته معها، ونحن أيضًا»، بحسب ماجدة.
مكتبة جلال عامر: بيته
عبر سنوات طويلة، كوَّن جلال عامر مكتبة هائلة، تقريبًا شغلت البيت كله، واعتاد أن يربي أولاده على حب المكتبة والقراءة باستمرار.
يقول راجي عامر إن أباه كان يدير ما يشبه الندوات داخل البيت، قريبًا من المكتبة، ويتناقش مع الأسرة حول أي كتاب، ما خلق ذكريات لا تُنسى وترتبط طبعًا بالمكتبة.
يؤكد راجي أنه «من الصعب على الأسرة التفريط في مكتبة الوالد، لأن مكوناتها تكاد تكون حية وتعكس مواقف كثيرة ربطت الأسرة بها. المكتبة التي طالما جلس جلال عامر بجوارها، يقضي الساعات الطويلة معها كأنها حبيبته، أصبحت تمثل المكون المعرفي لأبنائه الذين لن يفرطوا فيها».
يرفض راجي وإخوته التبرع بالمكتبة أو جزء منها، سواء كان التبرع لإحدى قطاعات وزارة الثقافة، أو لدار نشر، أو مكتبة خاصة. معظم الأوقات التي كان يقضيها عامر في بيته كانت مع المكتبة، وفي اللقاءات مع الأسرة ظلت المكتبة هي البطل ومحور الحديث كله: «قولًا واحدًا، لن نفرط في مكتبة جلال عامر».