أولاً: الأستاذ مصطفى الحاج حسين الإنسان.
س 1/ من هو الأستاذ مصطفى الحاج حسين.
ج 1/ ـــ أنا مصطفى الحاج حسين، ابن العائلة الفقيرة والكثيرة العدد، فنحن ستة أخوة ذكور، وست أخوات إناث، وأنا رقم اثنين، هناك أخ يكبرني بسنتين ونصف، وهو مفكر ومغن وملحن، ويعود الفضل إليه في توعيتي وكتابتي، فهو اهتم بي منذ أن بدأت الكتابة، وكان يحرص عليّ في تنامي موهبتي، وفي إبعادي عن السياسة المعارضة خوفاً عليّ من الاعتقال، كما حدث مع رفاقي.
تركت المدرسة قبل أن أنهي المرحلة الابتدائية، ورحت أعمل مع والدي في مهنة البناء الشاقة، وبدأت قصائدي تولد وأنا في العمل أحمل الأحجار الثقيلة والإسمنت اللعين، وكنت أهرع إلى الجدران الرطبة لأنقش عليها كلماتي لغاية ما أنقلها على الورق.
عملت في مهن عديدة، وتوظفت في قطاع الدولة أمين مستودع في المخابز الآلية، وفي الإسكان العسكري معلم بناء، وعملت في التجارة، والتطريز الالكتروني، وفي كل هذه الأعمال كنت أخفق وأفشل وأنكسر وأتبهدل، لأني لا أصلح إلّا للكتابة التي توجع الرأس ولا تطعم خبزاً.
وهكذا أمضيت عمري إلى أن قامت الدنيا في بلدي، وصار القتل من أبسط أمور الحياة، خشيت على أبنائي فهربت ولجأت إلى تركيا، وها أنا أنتظر وأحلم بالعودة قبل أن أموت في بلد غريب.
————————————————
س 2/ مِن بناء العمران، إلى بناء الكلمات... ما أثر الحرفة اليدوية الشاقة على مسار تطور بناء شخصية مصطفى الحاج حسين؟
ج 2/ ـــ تعلمت من أبي المكابرة، والتمسك بالكرامة، والصبر، والتحدي، والجَلَد، والتحمل، والجرأة، والجسارة، والبنيان. والبناء بدوره علمني الدقة، والنظافة، والترتيب، ودقة النظر، والاستقامة، والارتفاع، والشهوق، والنهوض، والتماسك، والصلابة، والمتانة، والتناسق، والجمال، والازدهار.
————————————————
س 3/ الأستاذ مصطفى الحاج حسين... انقطاع مبكر جداً عن الدراسة... ومن بعد تتجلى القدرات الكامنة... ما السر وراء هذا التجلي من غير تأثير المحيط المثقف... عوامل محيط اجتماعي؟ عصامية تتحدى الإكراهات؟
ج 3/ ـــ تألمت لأحوال عمال البناء الذين يعملون في البرد والحر، ولا أحد يحس بعذاباتهم ومعاناتهم وفقرهم، هم يعملون أكثر من أي إنسان آخر، ولا يتقاضون إلا القليل، ومع ذلك هم مهمشون، لا شأن لهم في الحياة الاجتماعية وكأنهم ليسوا بشراً، ينظرون لهم على أنهم أجلاف قساة لا يحسون ولا يشعرون... وأنا أردت أن أقول إن هؤلاء العمال أكثر إنسانية من الجميع.
————————————————
س 4/ الصحة تخون... والعزيمة تنتصر، هل من تفسير؟
ج 4/ ـــ خانتي الصحة باكراً... السكري، ثم القلب، ثم تصلب الشرايين في الفخذين، ثم الضغط، ثم الفالج، ثم عدم قدرتي على المشي، ثم الألم في ظهري وكفوف راحتي وأصابعي، ثم الصوت، ثم النظر... ولا يمر أسبوع إلا وأنا حاجز في المشفى، ومع كل هذا أعمل في اليوم مقدار عشرين ساعة بين قراءة على الفيس والنت، وبين كتابة، أريد أن أترك مشاعري وأفكاري وأحلامي وخيالاتي على جدار الزمن قبل أن أموت... لا أريد أن أموت كما يموت البعير... أتمنى أن أكون باقياً بين الأجيال القادمة لأقدم لهم عصارة روحي.
————————————————
ثانياً: الأستاذ مصطفى الحاج حسن الأديب .
س 1/ شاعر أم قاص... أم في منزلة بين المنزلتين ولماذا؟
ج 1/ أنا في البداية شاعر، كتبت الشعر أولاً ولسنوات عديدة، وعرفت عند الوسط الأدبي في بلدي، لكني كنت وما زلت أتضايق من كثرة عدد الذين يتنطعون ويدعون كتابة الشعر... معظم من يتجرأ ويكتب الشعر يظن أن الأمر بسيطاً، وهذا ما يزعجني، ومعظم النقاد عندنا بلهاء مرتزقة، يجاملون، يسايرون، يتملقون، ينافقون، يخجلون، يخافون، يباعون، يشترون، يهزؤون، يستهينون، يسخرون من القراء. كنا في حلب أعداداً لا تحصى من كتاب الشعر، وكل واحد منا يعتبر نفسه شاعر عصره، وتقف إلى جانبه شلته بالطبع، وهذا ما دعاني للسخرية من هذا الوسط، فتحولت لكتابة القصة لأن عدد كتاب القصة على رؤوس الأصابع، ذهبت للقصة، ونجحت وتفوقت ونلت الجوائز الكثيرة، ثم توقفت عن الكتابة نهائياً لمدة تقارب عشرين سنة، حتى إنّي نسيت الكتابة، وانقطعت صلتي بالأدباء لكي أحمي نفسي من كتبة التقارير... حاربوني بحجة أنني كاتب جريء أسخر من السلطة والحكام، لكن وضع البلد والثورة والقتل والدمار والتشرد أعادني للشعر لأنفس عن نفسي... فأنا أختنق.
————————————————
س 2/ زخم شعري مقابل حضور أقل للسرديات... غواية قصيدة نثر حداثية؟
ج 2/ ـــ قلت لكم أنا شاعر في الدرجة الأولى، أكتب القصة، ولكني أجد صعوبة في الوقت، لو كنت أضمن أني سأعيش مطولاً لكنت كتبت قصصاً كثيرة وروايات. عندي مواضيع هائلة، لكنها تحتاج لوقت، ثم إن عندي قصصاً ستغضب الآخرين، لأنها تمسهم، وأنا في غنىً عن العداوات أو فقدان محبة من هم حولي، من أهل إلى أقارب إلى أصدقاء.
القصيدة كتابتها أسهل من حيث الزمن، دقائق معدودة لا أكثر، وأنا لا أراجع ما أكتب، ولا أنقح، وأكتب قصيدتي دفقة واحدة كما زخات المطر، وهذا ما يصعب عليّ كتابة القصة والرواية، لو كتبت عملاً ولم أنهه أعود إليه بأفكار جديدة، وقد لا تتفق مع الأفكار السابقة.
أنا لا أفكر إن كنت أكتب قصيدة نثر، أنا شاعر، وهذه السخافات والقشور من وزن وقافية لا أعتبرها هامة في الشعر... إن مفهوم الشعر الحديث مختلف تماماً عن مفهوم الشعر التقليدي الذي بات لا يتناسب مع عصرنا الحاضر... بات الشعر التقليدي لا يتناسب إلّا مع الإنسان السلفي المتخلف والمتحجر العقل والقلب.
————————————————
س 3/ عن قصيدة النثر... ما السر في الانغماس في بحرها على حد الغرق... سهولة مفترضة، أم جنون يسكن الذات الهاربة من جمود؟
ج 3/ ـــ من الخطأ أن يظن البعض أن قصيدة النثر أسهل من الشعر التقليدي، فالشعر التقليدي على الأقل يستند إلى الأوزان والقافية، في حين أن قصيدة النثر لا تستند إلى شيء خارجي، إن جماليتها تنبعث من داخلها، لا سند ولا معين لها سوى عمقها وجماليتها وسعة بصيرتها... الشعر الحقيقي يوجد فقط في رأيي في قصيدة النثر، والباقي ضرب على التنك ليس إلّا.
————————————————
س 4/ بالمناسبة، ما تعريف الأستاذ مصطفى الحاج حسين لقصيدة النثر كما يراها هو، بعيداً عن حمى تعريفها الساكنة أدباء العصر ونقاده؟
ج 4/ ـــ قصيدة النثر هي الكهرباء التي لم تكتشف في عصر القصيدة التقليدية، وأنا أسأل: "ماذا كان من حضارة قبل أن توجد الكهرباء؟"... الحضارات السابقة بدون كهرباء لا توازي خمسة بالمائة من الحضارة التي ننعم بها في عصر الكهرباء... معظم قصائد الشعر السابق في شعرنا القديم كانت ركيكة ومملة ورتيبة ومكررة وممجوجة وثقيلة، إلّا فيما ندر من شعراء كالمتنبي، ومن هم بحق شعراء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 5/ وصف قصيدة النثر بأنها حداثية... ما القيمة المضافة بتوسيمها بوسم "الحداثة"؟
ج 5/ ـــ قصيدة النثر هي رادار حياتنا المعاصرة تقول وتكشف وتحدد وتؤكد وتبين وتبصر وترى وتشاهد وتحسُّ وتلمسُ وتقترب وتمسك وتحط يدها على مشاكلنا وعلى دقات قلوبنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 6/ ما الرد على من يقول إنك كاتب تكتب نثراً فنياً بديعاً، وإنك لست شاعراً، لأن الشعر كلام موزون مقفى؟
ج 6/ ـــ أضحك من هذا للكلام حتى الثمالة، فأنا أستطيع أن أعطيك كلاماً تافهاً وفارغاً وسخيفاً ومنحطاً، ولكنه في قالب موزون على أصعب بحر شعر وعلى أقوى قافية.
————————————————
س 7/ هل تؤمن بأن قصيدة النثر الحداثية هي قصيدة المرحلة.... قصيدة الدهشة وتكسير جمود؟
ج 7/ قصيدة النثر هي قصيدة المرحلة الراهنة والمستقبل أيضاً، هي مفتاح عصر النور والتطور والحرية.
————————————————
س 8/ أشاعر ملتزم أنت، أم شاعر ذاتي... على ضوء تقاطب الخطاب الشعري عندك بين حد شعر الذات، وحد شعر الموضوع؟
ج 8/ ـــ الشعر ينطلق من الذات، وهو مسبارها، ولكن الإنسان مرتبط إلى حد التلاصق بالآخرين، لذلك ينطلق الشاعر من الخاص إلى العام، دون أن يتعمد أو ينتبه.
————————————————
س 9/ هل تحس بأنك قدمت تطوراً نوعياً في مسيرة القصيدة العربية على حد قول المنبهرين بشعرك، وما أكثرهم على جسد الخريطة الثقافية العربية؟
ج 9/ ـــ أنا أحاول أن أعبر بلغة خاصة بي... لا أكرر صور الآخرين، أو جملهم، أو عباراتهم، وفي اعتقادي هذا هو المطلوب من الشاعر المبدع.
————————————————
س 10/ ما رسالة الشاعر في زمن التحكم والقهر والاضطهاد؟
ج 10/ الحياة تحتاج إلى أنبياء وفلاسفة وشعراء، وهم قادة العالم، ورسالة الشاعر هي أن يقود ويعلم الحب ويدل على الجمال... مهمته تكون أكثر من مزدوجة، وأكثر من خطيرة، فهو يغامر برأسه في أي دقيقة.
————————————————
س 11/ من شعرك الغزير... تهدي لرواد برنامجك قصيدة تعكس الشاعر الذاتي، وأخرى تعبر عن الشاعر الملتزم.
ج 11/ القصيدة الأولى: من الشعر الذاتي:
= لَوْلَاكِ =
كلّ صباح
ينبعث منكِ الضّوء
تغمرينَ قلبي برائحةِ النّدى
أتنفسُ ضحكتكِ
أحتسي فتنة عينيكِ
أوغل في تأمل روحكِ
أرتحل في ثنايا البوحِ
أثمل من سهوبِ أنوثتكِ
أتأكدُ أنّكِ روح الكون
لولاكِ
ما كان للوجودِ طعم
ولا معنى
وما كان للغةِ أجنحة
ولا للسماءِ شهوق
لولاكِ
لغادرَ الموج البحر
وانتابت القمر كآبة وملل
وظنّت الفراشات
أنّ لا ورد في الدنيا
والورد سيعتقد
أنه ثقيل الدّم
وغليظ الأنفاس
ما كان للموسيقى أثر
ولا عرفت العصافير
أن تحلّق
وما كان من داعٍ
للسّهرِ وللشعرِ
لولاكِ
يرحل الليل بلا رجعة
وتتخلّى الفصول عنّا
ويصير المطر حطباً
والغيم جبلاً من ترابٍ وحجر
لولاكِ
قد تكفّ الأرض عن دورانها
وتفقد الحياة بهجتها
والأشياء تأبى تطاوعنا
يتمرّد الهواء ويتحجّر
وربما ينتحر
إذ لا معنى لنبضهِ
لولا أنتِ
لا حاجة للدّروبِ
واجتياز المسافات
ما حاجة الشجر للغصونِ
وما حاجة الثلج لبياضهِ
ستكون الأسماء
بلا اسم
والأماكن
ستتخلّى عن عناوينها
وطعم العسل
سيصير مالحاً
ومذاق القهوة
فلفلاً حاراً
وكنتُ
لن أحتاج
لعينيّ
ويديّ سأعتبرهما
زائدتين عندي
وشفتايّ تتحولان
إلى خشب
الزمن
طاعن بالعفونةِ
الجّبالُ ستقعي
الوديان
ستنتفخُ بالرّطوبةِ
الظلالُ ستحترق
الهواجسُ ستختنق
الأحلامُ
لن تنبعث
وسيكون الصّوتُ
أخرس
والصّمتُ
هو السائد
المطلق
لولا أنت.
مصطفى الحاج حسين .
إسطنبول.
————————————————
القصيدة الثانية: عن الهم العام .
= في بلادي =
في بلادي
يحصدُ الفقراءُ
غلالَ الدّمِ
وتقطفُ النّساءُ
سِلالَ الدّمعِ
ويرضعُ الأطفالُ
حليبَ الانفجاراتِ
وتتزيّنُ الفتياتُ
بالشّحوبِ والارتجافِ
ويحملُ الرّجالُ على أكتافِهِمْ
جثَّةَ الخرابِ
في بلادي
ترسلُ الشَّمسُ أشعَةَ الهلاكِ
وتتمترسُ الجبالُ
خلفَ المدافعِ
وتأوي العصافيرُ
إلى حجرِ النّارِ
في بلادي
ننصبُ فخاً للقمرِ
نعلّقُهُ على عَمودِ الحقدِ
ونسلخُ عنهُ الضّوءَ
في بلادي
يذبحُ الأخُ أخاهُ
بتهمةِ الخيانةِ
وتكونُ سكّينُهُ
يدَ الغريبِ
في بلادي
صارَتِ الأشجارُ تورِقُ جثثاً
وصارَ النّهارُ يُطِلُّ
على الفاجعةِ
وغدا النّدى
قطرانَ السّرابِ
في بلادي
تفحَّمَ الهواءُ
وصارَ السّلامُ
رماداً
وعمَّ الانهيارُ
وتراكمَ السّخطُ
في صدرِ الغمامِ
في بلادي
جفَّتْ خطواتُنا
وتحوَّلَ نبضُنا يباساً.
مصطفى الحاج حسين .
إسطنبول.
————————————————
س 12/ عن فنون السرد...
ما الذي يغريك منها وأنت الشاعر؟
ج 12/ ـــ أحب وأستمتع بكتابة المونولوج... أحب فضح ونبش الداخل بدون عوائق أو خجل أو تردد... أريد سبر أغوار النفس البشرية، وهذا ما يغريني في فنون السرد، لأن النفس البشرية معقدة لدرجة أن صاحبها لا يفهمها في كثير من الأحيان.
————————————————
س 13/ السرد عندك... محطات استراحة، أم وجه ثان لعملة واحدة... المبدع والإبداع؟
ج 13/ ـــ حين أريد أن أتحدث بطريقة السخرية أو المباشرة أميل إلى السرد، ففيه آخذ حريتي وراحتي في التعبير وقول ما أريد، فأنا كاتب لا يستريح أو يعرف الراحة، دائماً مشغول بفضح واقعنا، وبالكشف عما بداخلنا من لواعج وهموم وحب دفين.
————————————————
س 14/ قصص، ورواية... تجريب أم مغامرة؟
ج 14/ ـــ أنا لا أهتم بالتجريب... دائماً أجد نفسي في قلب المعركة مع شخوص قصتي الأشرار، سواء أكانوا مسؤولين أم تجاراً أم سماسرة أم أشخاصاً غير إنسانين، وأعمل على أن يتمرد الضعيف ويثور ويصرخ في أضعف الحالات.
————————————————
س 15/ لو قيل إنك شاعر ولست قاصاً وروائياً... بماذا تدفع التهمة؟
ج 15/ ـــ أقول أنتم تبترون لي جناحي الثاني، فأنا حتى الآن لا أعرف، ولا أستطيع أن أحدد أين يمكن أن أصنف، أشاعر أنا أم قاص؟ هناك من يعاملني على أساس أني شاعر، وهناك من يتعامل معي على أساس أني قاص، وهناك من يعاملني بازدواجية، وأنا أنظر لنفسي هكذا... شاعر وقاص، ولي تجربة روائية كتبتها بطريقة القصة القصيرة.
————————————————
س 16/ أحب قصة إلى نفسك تهديها لمحيطك الكريم.
ج 16/ ـــ أحب قصة إلى نفسي هي:
= إقلاق راحة =
استطعتُ أن أنجو، انطلقتُ راكضاً، بعدَ أن تسللتُ على أطرافِ أصابعي ركضتُ بسرعةٍ جنونية يسبقني لهاثي، يربكني قلبي بخفقانهِ، يعيقُ الظّلام من سرعتي، خاصة وأنَّ أزقتنا مليئة بالحفرِ وأكوامِ القمامة.
أخيراً وصلتُ، على الفور أيقظتُ الشّرطة، تثاءبوا، تمطّوا، رمقوني بغضبٍ، وحينَ شرحتُ لهم ما أنا فيه أخذوا يتضاحكونَ، سألني الرقيب:
ـــ هل أنتَ تهذي؟
أقسمتُ لهم بأنّي لا أهذي، ولستُ في حلم، بل ما أقوله حقيقة، وإن كانوا لا يصدقونَ فعليهم أن يذهبوا معي ليشاهدوا بأعينهم، وليشنقوني في حال كان كلامي كاذباً.
لكنَّ المساعد المناوب أخبرني، بعد أن تظاهر بالاقتناع:
ـــ نحن لا نستطيع تشكيل دورية للذهاب معك إلاً بعد أن يأتي سيادة النقيب.
وحينَ سألته عن موعدِ مجيءِ سيادة رئيس المخفر أجاب:
ـــ صباحاً، بعد التاسعة.
ولولا خوفي الشّديد من رجالِ الشّرطة لكنتُ صرختُ بوجههِ:
ـــ لكنّي لا أستطيع الانتظار، إنّ الأمرَ غاية في الخطورة.
كبحتُ انفعالي وسألته برقةٍ واحترام:
ـــ ألا يوجد هاتف في منزل سيادته ؟
صاح المساعد ذو الكرش المنتفخة:
ـــ أتريد أن نزعج سيادته من أجلك أيّها الصعلوك؟
وتمنيت أن أرد:
ـــ أنا لست صعلوكاً، بل مواطن، أتمتع بالجّنسية، وبالحقوق كافة...
ولكنّي همست:
ـــ حسناً يا سيدي، هل لك أن تدلّني على منزل سيادته، وأنا أتعهد لك بالذّهاب إليه، والحصول على موافقته بتشكيل الدورية.
وما كدتُ أنهي كلام، وأنا في غايةِ التهذيبِ والاحترام، حتى قذفني المساعد بفردةِ حذائهِ المركونِ قربَ سريره، وبصراخهِ المخيف قائلاً:
ـــ أنتَ لا تفهم؟، وحقّ الله إنّكَ "جحِش"، أتريد أن تذهبَ إلى بيته؟ يا لشجاعتكَ! انقلع وانتظر،
وإياكَ أن تعاود إزعاجنا... قسماً "لأحشرنك" بالمنفردة.
جلستُ أنتظر، لم أستطع الثّبات، أخذتُ أتمشى بهدوءٍ شديدٍ عبرَ الممرّ الضّيق، وأنا أراقب عقاربَ السّاعة... الدقيقة كانت أطول من يوم كامل، وعناصر الشّرطة عادوا يغطّونَ في نومٍ عميقٍ، اكتشفت أنّ جميعهم مصابونَ بداءِ الشّخيرِ، صوتُ شخير المساعد أعلى الأصوات، رحتُ أتخيّل مقدار قوّة الشّخير عند سيادة النّقيب .
تململتُ، ضجرتُ، يئستُ، فقدتُ قدرتي على الصّبرِ، فصرختُ:
ــ يا ناس أنا في عرضكم.
رفعَ الشّرطي رأسه، حدجني بعينينِ ناعستينِ، وزعقَ:
ـــ اخرس يا عديمَ الذّوق.
خرستُ، وانتظرتُ، عاودتُ المشي في الممرِّ ومراقبةِ الثّواني، دخّنتُ ما لا يحصى من السجائرِ، أحصيتُ عددَ بلاط الممرّ عشرات المرّات، طالَ انتظاري، تجدّدَ وتمدّدَ، ضقتُ ذرعاً، نفذ صبري، وطلعت روحي، اكتويتُ بنار الوقت، قلقي يتضاعف، فمرور الوقت ليس من صالحي، عليّ أن أفعل شيئاً... هل أعود بمفردي؟
لكن، يجب أن يكون أحد معي، شخص له صفة رسمية، لكن ما باليد حيلة، فخطر لي أن ألجأ إلى أخي، فهو أقرب الناس إليّ.
خرجتُ من المخفرِ خلسة، هرولتُ، ركضتُ، وكنتُ أضاعف من سرعتي، حتى أخذتُ ألهث، العرقُ يتصبّب منّي غزيراً.
قالت زوجة أخي "عائشة" بعد أن رويت حكايتي لأخي:
ـــ نحنُ لا علاقة لنا بالمشاكلِ، عد إلى الشّرطة.
خرجتُ من بيتِ أخي "عبدو" والدّموعُ تترقرقُ في عينيّ، تذكّرت كلام المرحوم أبي:
ـــ الرجل الذي تسيطر عليه زوجته لا ترج منه خيراً.
توجهت إلى أبناء عمي، طرقت عليهم الأبواب، وتوالت الأكاذيب:
ـــ محمود ذهب إلى عمله باكراً.
ـــ حسن مريض، لم يذق النوم.
وبخشونة قال ناجي:
ـــ أنت لا تأتي إلينا إلاّ ووراءك المصائب.
يونس ابن عمتي أرغى وأزبد، أقسم وتوعد، لكنه في النهاية، نصحني أن أعود للمخفر، حتى لا نخرج عن القانون.
قررت أن أعود إلى حارتي، هناك سألجأ إلى الجيران، قد تكون النخوة عندهم، أشد حرارة من نخوة أخي، وأبناء عمي، والشرطة، ولمّا بلغت الزقاق صرخت:
ـــ يا أهل النخوة الحقوني... الله يستر على أعراضكم.
فتحت الأبواب بعجل، خرج الناس فزعين، التفوا حولي يسألونني، وأنا أشرح لهم من خلال دموعي، لكن جاري فؤاد أخرسني:
ـــ نحن لا علاقة لنا بك وبزوجتك... اذهب إلى الشرطة.
عدت إلى المخفر، وجدت المساعد ونفراً من العناصر مستيقظين، واستبشرت خيراً حين ناداني:
ـــ هل معك نقود أيها المواطن؟
ـــ نعم سيدي.
ـــ إذاً اذهب وأحضر لنا فطوراً على ذوقك حتى ننظر في أمرك.
دفعت معظم ما أحمل في جيبي، تناولوا جميعهم فطورهم بشراهة، تمنيت أن أشاركهم طعامي، فكرت
أن أقترب دون استئذان، أليست نقودي ثمن طعامهم هذا؟ وحين دنوت خطوة، لمحني المساعد واللقمة الهائلة في فمه، فأشار إلي أن أقترب، سعدت بإشارة يده، واعتبرته طيب القلب، نسيت أنه ضربني ليلة أمس بحذائه الضخم، وحين دنوت منه أشار:
ــ خذ هذا الإبريق واملأه بالماء.
اشتعل حقدي من جديد، اشتد نفوري منه ومن عناصره.
ها هي الساعة تتجاوز الحادية عشرة، ورئيس المخفر لم يأت بعد، ولما اقتربت من المساعد مستوضحاً:
ـــ يا سيدي، لقد تأخر سيادة النقيب.
رمقني بغضب، وصاح :
ـــ لا تؤاخذه يا حضرة، فهو لا يعرف أنك بانتظاره.
في الثانية عشرة وسبع دقائق وصل النقيب، هرعت نحو مكتبه، لكن الحاجب أوقفني:
ـــ سيادة النقيب لا يسمح لأحد بالدخول قبل أن يشرب القهوة.
المدة التي وقفتها تكفي المرء أن يشرب عشرة فناجين من القهوة... ولما هممت بالدخول مرة أخرى أوقفني الحاجب من جديد:
ـــ سيادته لا يسمح لأحد بالدخول قبل أن يوقع البريد.
انتظرت... دخنت لفافتين قبل أن أتقدم، لكن الشرطي باغتني بصياحه:
ـــ سيادته لا يقابل أحداً قبل أن يطلع على جرائد اليوم. لاحت بالباب فتاة شقراء ممشوقة القوام، لا تتجاوز العشرين، عارية الفخذين والكتفين والصدر والظهر، تضع نظارة، وتحمل حقيبة، تجر خلفها كلباً غزير الشعر مثل خروف، نبح عليّ بوحشية، راحت تخاطبه بلغة لم أفهمها، اتجهت نحو مكتب النقيب، انحنى الشرطي، فتح لها الباب، دلف الكلب للداخل، ثم تبعته، دوت في أذنيّ عبارة حفظتها:
ـــ سيادته لا يسمح لأحد بالدخول.
لكنني مددت رأسي، وحاولت الدخول خلفها، جذبني الحاجب من ياقة قميصي، وثب الكلب نحوي، نابحاً بعصبية واحتقار:
ـــ سيادته لا يسمح لأحد بالدخول قبل أن ينصرف ضيوفه.
أدخل الشرطي إليهم ثلاثة فناجين من القهوة، سألت نفسي:
ـــ هل يشرب كلبها القهوة أيضاً؟
طال انتظاري، الضحكات الشبقة تتسرب من خلف الباب، والشرطي في كل رنة جرس، يدخل حاملاً كؤوس الشراب، الشاي، الزهورات، المتة، الكازوز، الميلو، الكاكاو، وإبريق ماء مثلج، وأخيراً دخل حاملاً محارم "هاي تكس"، الضحكات تتعالى، ونباح الكلب يزداد، كلما نظرت نحو الباب.
تمنيت أن يفتح الباب ويطل عليّ كلبها، حينها سأرتمي على قوائمه، وأتوسل إليه ليكون وسيطاً لي عند سيادة رئيس المخفر، لكنني تذكرت، فكلبها للأسف لا أفهم لغته.
وبدون وعي مني وجدتني أهجم نحو الباب الموصد، أدقه بعنف وأصرخ:
ـــ أرجوك يا جناب الكلب... أريد مقابلة النقيب.
وما هي إلاّ لحظات حتى غامت الدنيا، توالت اللكمات، الرفسات، اللعنات... والنباح يتعالى... ويتعالى... ويتعالى.
وحين بدأ العالم يتراءى لي وجدت نفسي ملقى في زاوية الزنزانة، غارقاً في دمي.
مصطفى الحاج حسين.
حلب.
————————————————
س 17/ راض عن، أم غير مقتنع بما حبّرت لحد الساعة؟
ج 17/ ـــ أنا أقوم بتمزيق كل ما لست راضياً عنه من كتاباتي... لقد مزقت الكثير مما كتبت... ولأسباب عديدة، منها أسباب سياسية وعاطفية وفنية، ومعظم قصائدي في البدايات مزقتها لأن وزنها لم يستقم معي بشكل صحيح، هذا يوم كنت أتدرب على الوزن، ومرة مزقت ما يقارب مائة قصيدة مراضاة لزوجتي لأنها كتبت عن حب آخر، فقدت القصائد ولم تقتنع زوجتي، وهذا ما جعلني أندم ندماً شديداً.
————————————————
س 18/ والشهرة... تسعى إليها، أم لا تغريك بسحرها؟ ولماذا؟
ج 18/ ـــ يوم كنت شاباً حلمت بالشهرة وبأنني سأكون مثل نزار قباني ومحمود درويش... ولم أحصل على هذه الشهرة... بل تعرضت لعقد نفسية، فأخذت لا أتأقلم مع الواقع، وبدأت الشجار مع أبي... وحاولت الانتحار.
اليوم ماذا ستفيدني الشهرة وأنا محبوس في بيتي لا أغادره إلّا برفقة أبنائي إلى المشفى.
————————————————
= ثالثاً: النص والمبدع:
س 1/ طلب منك اختيار نص شعري، ونص قصصي لتقدمه لرواد البرنامج من مثقفين ونقاد، فتفضلت بوضع الاختيارين... لماذا اخترت هذين النصين بالذات؟
ج 1/ أنا لم أختر والله، أي عمل أنا أعتز به، دائماً أختار ما يقع تحت يدي بسرعة.
————————————————
رابعاً: قالوا عنه، وحاوروه... فما تعقيبه؟
= الأستاذ إبراهيم محمد كسار / سوريا.
1/ (مصطفى كاتب غير مولع بالتجديد كثيراً، فهو ـــ غالباً ـــ ما يسرد قصصه بواقعية حادة، معتمداً المباشرة لفظاً ومعنى، واضعاً نصب عينيه قارئه، فهو كثير الاهتمام به، لذا يبتعد عن كل ما يبعده
عن القارئ، ولا تكاد أمسية من الفعاليات الثقافية بحلب شارك فيها مصطفى الحاج حسين تخلو من تعلق المتلقين بقصصه ومن تأثيرها المباشر فيهم)
= الرد 1:
نعم، أنا لا أفكر لحظة الكتابة بالشكل أبداً لأن التفكير في هذه اللحظة يقودني إلى التكلف والتصنع والذهنية والبرود والجمود... أنا أترك نفسي على سجيتها، أكتب ما يمليه عليّ نبض قلبي، وهذا من صالح العمل... الصدق والعفوية يجعلني أكسب المتلقي وأشده بحيث لا يشرد عن نصي ولا يغفو. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2/ (أمّا موضوعات شعره فمتنوّعة، ولكن يغلب عليها موضوعان أساسيان هما: الهم السياسي – الاجتماعي، والغزل).
= الرد 2:
أنا لا أبحث عن الموضوع... إنّ ما يكوي الروح سيظهر بلا إرادة مني، وما يعتلج في القلب سينفضح وينكشف.
————————————————
الأستاذة حبيبة محرزي / تونس .
1/ (المرأة لا تغيب عن إبداع الشاعر المتميز، فمن أحق بالاهتمام، هل هي المرأة المظلومة المكابدة في الأحياء الشعبية، أم في الريف والأوساط الفقيرة، أم هي المرأة المثقفة المتعلمة والعاملة؟).
= الرد 1:
ـــ المرأة العربية مظلومة في كل الأحوال، سواء أكانت في الريف أم المدينة... متعلمة أم غير متعلمة... عاملة أم موظفة أم مثقفة... فهناك من يقوم باستغلالها وخداعها والاتجار بها، سواء أدركت هذا أم لم تدركه، رضيت به أم قاومته.
لا تتحرر المرأة إن لم يتحرر الرجل، والرجل ما زال غارقاً في العبودية الفكرية والدينية والعشائرية، وأنا انتصرت للمرأة الريفية أكثر لأن أمّي تنتمي لهذا القطاع، وأنا منذ صغري أدركت أن أمّي مظلومة ومضحية.
————————————————
= الأستاذة أميمة الشعراني / سوريا.
1/ (ماهي مرتكزات البناء الشعري في قصيدتك؟).
= الرد 1:
الحدث، النبض، تسارع تدفق الدم في الشريان، الومضة، الحالة، الانهمار، الرعد، البرق، العاصفة، الصاعقة، الزلزال، البركان، الانفجار، المفاجأة، المباغتة، الانخساف، التحليق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2/ (الشعر أم القصة كان أكثر طواعية في التعبير عن هدفك من الكتابة وما أردت توصيله للمتلقي؟).
= الرد 2:
الشعر يعطيني المجال الأوسع، والأرحب، والأعمق... للشعر نوافذ أكثر... وأقمار أكبر... وهواء أنقى... الشعر يجعلني أتنفس بشكل أعمق وأقوى لأنه يوسع رئتي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3/ (من خلال تجربتك الغنية، وقد مارست النثر والشعر النثري، كيف تقنع المتلقي بشعرية قصيدة
النثر؟).
= الرد 3:
حين أدخل قلبه أكون قد أقنعته بأن ما يسمعه شعر حقيقي... حين أرسم على وجهه الدهشة يكون قد غاص في بحر القصيدة ونسي الوزن والقافية... حين يشعر أن قصيدتي هو من كان يود كتابتها أكون قد أقنعته.
————————————————
الأستاذ لحجاب أبو جمال / المغرب.
1/ (جمالية القصة وتميزها ساهمت فيه شاعرية الشاعر).
= الرد 1:
يرجع حبي للقصة والرواية إلى الأدب الشعبي الذي عشقته منذ صغري، فأنا تعلقت، بل دهشت بحكايات الزير سالم، وعنترة، وبني هلال، والسندباد البحري، وغيرهم... هم وسعوا الخيال عندي، وجعلوني أميل إلى فن الحكاية وما تتمتع به من تشويق وإثارة ومتعة وحوار ووصف متقن وتصاعد وتنام وعقدة وحل... بل وانفجار.
————————————————
الأستاذ عبد اللطيف ديدوش / المغرب.
1/ (عرفت ضيفنا الشاعر مصطفى الحاج حسين كشاعر مجيد ومتمكن من أدواته الإبداعية، وقرأت له مجموعة من النصوص المنشورة في صفحته، أو في صفحات إبداعية، ولا أدري لماذا كلما قرأت له نصاً شعرياً أجدني أصنف شاعرنا في ملتقى أو في تماس قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، فما رأي شاعرنا بخصوص هذا الانطباع؟ ).
الرد 1:
قصيدة التفعيلة هي ثقافتي الحقيقية... عرفت الشعر الكلاسيكي، ولكن منذ البداية وجدتني أنفر من النظم والقريض والتقليد والنمط الرتيب والممل... تعلقت منذ البداية بالشاعر العملاق نزار قباني، وكان نزار محدثاً متمرداً جاء بلغة جديدة على الشعر العربي، فهو أبدع في القصيدة الكلاسيكية لدرجة أنّنا لا نحس بها أنها تقليدية... بل نحسبها قصيدة تفعيلة... وأيضاً كتب نزار قصيدة التفعيلة، وتخلص من الرتابة والزوائد والحشو والقافية المتكلفة، وزود القصيدة بمواضيع حديثة تحكي عن زمننا الراهن... ثم إنني تدربت كثيراً على كتابة شعر التفعيلة لدرجة أنني أوشكت أن أتقتنه.
كنت أنتمي إلى شلة شعراء يتصفون فوق الروعة، وكانوا يكتبون الشعر الكلاسيكي والتفعيلة دون أن يعادوا قصيدة النثر... وكنت معهم على وفاق في القراءة والكتابة والثقافة... ومن هؤلاء الشعراء (إبراهيم محمد كسار / محمد زكريا حيدر / علي محمد شريف / فواز حجو).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2/ (لاحظت أن نصوصكم، كما هو الحال في جل النصوص الحديثة، تنحو منحى تذويت الموضوع،
وموضعة الذات، وتنافي الحدود بين الأجناس، فشعرك يحضر فيه نوع من السرد الممتع والمكثف، أفلا ترى معي أن قصيدة النثر ـــ من خلال ما سبق ـــ قد ثارت على الشكل وعلى المضمون، وذلك بتشكيل النص بخلطة سحرية قائمة على السرد والحوار والاستعارة والسوريالية ومقاطع مسرحية والذاتية الوجودية والدهشة والنفحات العبثية والعدمية؟ هل يمكن القول إن النص الحديث أو القصيدة النثرية نص يصعب تصنيفه، أو هو نص تتقاطع وتتماهى فيه الكثير من الأجناس الأدبية؟ ألا يثير هذا النص الحديث بهذا الشكل إشكالية الشعرية، ويدعو إلى إعادة النظر في مفهوم الشعر؟).
= الرد 2:
نعم، قصيدة النثر استفادت من كل الأجناس الأدبية من قصة ورواية ومسرحية وخاطرة ومقولة... ومن الخطب السياسية والمواعظ الدينية والسينما والرسم والفن التشكيلي والموسيقى والرقص... ومن كل أصناف التعبير والسرد والإيحاء والمباشرة ... فهي منفتحة على العالم... مفتوحة الأبواب والنوافذ... تكره الهواء المتعفن والرطب.
————————————————
= خديجة ناصر / المغرب.
1/ (شاعرنا القدير، السيد مصطفى الحاج حسين، لقد تعرفت على إبداعك في الشعر عن طريق قصيدتك الرائعة "شقوق الماء" التي ترجمتها إلى الفرنسية، وكانت نموذجاً يغطي جوانب كثيرة من خصوصيات شخصكم العصامي المهووس بوطنيته.
إلى أي حد يمكن أن نصنف قصيدتك هذه ضمن الشعر الملتزم؟
الرد 1:
مفهوم الأدب الملتزم وغير الملتزم أنا لا أتقبله أو أؤمن به، هذه تسميات لا معنى لها عندي بما أن الإنسان جزء لا يتجزأ... حتماً سيكون فكره وأدبه صورة معبرة عنه، وسيكون أيضاً جزءاً لا يتجزأ... لا يمكن أن أكون ملتزماً في مكان، ومتراخياً في مكان... سأكون متوافقاً مع ذاتي ونفسي وفكري وإيماني... فمن يملك الإحساس في الحب سيملك الإحساس في الوطنية والإنسانية... لذلك نجد الشاعر الحقيقي ملتزماً على كافة الأصعدة... ومن كان عنده خلل في وجدانه سيكون عنده خلل في كتاباته... لا يمكن لقاتل أو ظالم أو سادي أو إنسان يحمل بداخله القسوة أن يكون متوازناً في الحب والوطنية والإنسانية... هل رافق "هولاكو" شعراء يذكرهم التاريخ؟... هل كان "نيرون" حقاً شاعراً، وهل كان لشعره قيمة؟... الحيوان لا يقول الشعر... وحده الإنسان ذو القلب الكبير والفكر الراقي هو من يقول الشعر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2/ (وهل اهتمامك بمعناة أبناء وطنك سوريا، وانحصار فضاء اهتمامك بالمحلي، شعراَ وقصة، هو تركيز يخدم القضية الوطنية، دون أن يتجاوزها إلى القضايا العربية؟).
الرد 2:
القضية الوطنية الصادقة لا تتعارض أو تتناقض مع القضية العربية، نحن نعيش في دويلات متشابهة من حيث المعاناة والفكر والثقافة، والأدب الذي ينطلق من المحلية هو وحده الذي يصل إلى العالمية... فأنا أعرف ظروف ومعاناة الشعب السوري أكثر مما أعرف ظروف ومعناة أي فئة من الشعب العربي الذي يعيش في بلد آخر كالمغرب العربي مثلاً، فكاتب الجزائر يكتب عن بلده بشكل أجمل وأعمق وأقوى وأحلى... وكذلك الكاتب السوري يفعل ذات الفعل... وتبقى الهموم العامة
والأساسية والقضايا المصيرية مشتركة ومتلاحمة.
فهل ممكن أن يكون محمود درويش غير فلسطيني مثلا؟... قصائد محمود درويش كان لابد أن يكتبها شاعر فلسطيني... والشاعر أبو قاسم الشابي كان حتماً سيكون من تونس، وليس من القاهرة مثلاً... كتابات أي أديب تدل على بلده ومسقط رأسه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3/ (وهل ترون أن هذه ميزة تعد لصالح الأديب؟)
الرد 3:
الأديب الحقيقي تكون كتاباته هويّة بلده، تاريخ بلده، شمس بلده، حضارة بلده، تطلعات وأحلام بلده... وغير هذا يبقى مشكوكاً في أمره.
————————————————
= السيرة الذاتية للأديب مصطفى الحاج حسين =
* مصطفى الحاج حسين، كاتب وشاعر وقاص سوريـ من مواليد حلب - الباب، عام 1961 م.
درس الابتدائية في "الباب" ولم يكمل الصف السادس .
ثم انقطع عن متابعة الدراسة، عندما ألحقه والده بالعمل بمهنة البناء - مهنته - عندما اضطرت الأسرة للهجرة الدائمة إلى حلب بسبب العمل.
في مرحلة المراهقة بدأت تتّضح موهبته الأدبية من خلال شغفه بقراءة القصص والروايات والشعر والتاريخ.
ثمّ بدأت تجربته الإبداعية بمحاولات لم تعد تتوقّف من كتابة الشعر والقصة القصيرة والأغنية ، ثم بدأ النشر في المجلات الأدبية والصحف.
وصار له حضور في الملتقيات الأدبية والأمسيات والمحاضرات العامة في أغلب منابر الأدب والثقافة
في حلب والمحافظات السورية.
ثم صار يشارك في المسابقات بين الأدباء الشباب.
وممّا حفّزه على الاستمرار في الكتابة، هو رأي الأصدقاء من الكتاب والشعراء والنقاد، والجمهور الذي كان يتفاعل معه ويشجّعه.
وقد تعزّزت موهبة الكتابة عنده بإحرازه على عدد من الجّوائز الأدبية بالمركز الأول على مستوى محلي وقطري، ثم مستوى عربي.
وأهمها كانت جائزة الدكتورة الشاعرة سعاد الصباح، في دولة الكويت، عن مجموعته القصصية (قهقهات الشيطان) عام 1995 م، حيث هو الكاتب السوري الوحيد الذي نال الجائزة دون أن يقاسمه
أحد بها، كما حصل مع غيره من الأدباء.
ونال قبلها جوائز متعدّدة من اتحاد الكتاب العرب بحلب ودمشق والمراكز الثقافية وبعض المنابر كالنادي العربي الفلسطيني.
صدرت له الكتب الآتية:
1ـ قهقهات الشيطان / مجموعة قصصية / ط 1.
2ـ قهقهات الشيطان / مجموعة قصصية / ط 2.
3ـ قبل أن يستفيق الضوء / ديوان شعر ط 1.
4 ـ راية الندى / ديوان شعر / طبعة ورقية.
5 ـ تلابيب الرّجاء / ديوان شعر / طبعة ورقية.
6 ـ أصابع الرّكام / ديوان شعر / طبعة ورقية.
7 ـ المبدع ذو الضّفتين / مجموعة قصصية / طبعة ورقية.
8 ـ فشّة خلق / مجموعة قصصية / طبعة ورقية
9 ـ نوافذ على الجرح / ديوان شعر.
10 ـ تابوت العدم / ديوان شعر / طباعة الكترونية
11 ـ أجنحة الجمر / ديوان شعر / طباعة الكترونية
12 ـ قصيدتي مقبرتي / ديوان شعر / طباعة إلكترونية.
13 ـ أبجدية القبلات / ديوان شعر / طباعة إلكترونية.
14 ـ ذبيح الجهات / ديوان شعر طباعة إلكترونية.
15 ـ سعف السراب ديوان شعر / طباعة إلكترونية.
16 ـ ملح السراب / رواية / طباعة إلكترونية.
17 ـ شقوق الماء / ديوان شعر / طباعة إلكترونية.
18 ـ شرف العائلة / مجموعة قصصية / طبعة ورقية.
19 ـ عسل القلوب / أدباء ونقاد كتبوا عنه.
20 ـ أخاديد الظلام / ديوان شعر.
21 ـ تكايا السعير / ديوان شعر / قيد التحضير.
= وهناك كتب مشتركة مع أدباء من سوريا والوطن العربي مطبوعة وموزعة:
1ـ الساخرون / نماذج من القصة الساخرة في سورية / إعداد خطيب بدلة.
2 ـ ديوان شعر مشترك / طبع في الأردن.
مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول
حاوره: د. عبد الرحمن بو طيب.
المغرب
س 1/ من هو الأستاذ مصطفى الحاج حسين.
ج 1/ ـــ أنا مصطفى الحاج حسين، ابن العائلة الفقيرة والكثيرة العدد، فنحن ستة أخوة ذكور، وست أخوات إناث، وأنا رقم اثنين، هناك أخ يكبرني بسنتين ونصف، وهو مفكر ومغن وملحن، ويعود الفضل إليه في توعيتي وكتابتي، فهو اهتم بي منذ أن بدأت الكتابة، وكان يحرص عليّ في تنامي موهبتي، وفي إبعادي عن السياسة المعارضة خوفاً عليّ من الاعتقال، كما حدث مع رفاقي.
تركت المدرسة قبل أن أنهي المرحلة الابتدائية، ورحت أعمل مع والدي في مهنة البناء الشاقة، وبدأت قصائدي تولد وأنا في العمل أحمل الأحجار الثقيلة والإسمنت اللعين، وكنت أهرع إلى الجدران الرطبة لأنقش عليها كلماتي لغاية ما أنقلها على الورق.
عملت في مهن عديدة، وتوظفت في قطاع الدولة أمين مستودع في المخابز الآلية، وفي الإسكان العسكري معلم بناء، وعملت في التجارة، والتطريز الالكتروني، وفي كل هذه الأعمال كنت أخفق وأفشل وأنكسر وأتبهدل، لأني لا أصلح إلّا للكتابة التي توجع الرأس ولا تطعم خبزاً.
وهكذا أمضيت عمري إلى أن قامت الدنيا في بلدي، وصار القتل من أبسط أمور الحياة، خشيت على أبنائي فهربت ولجأت إلى تركيا، وها أنا أنتظر وأحلم بالعودة قبل أن أموت في بلد غريب.
————————————————
س 2/ مِن بناء العمران، إلى بناء الكلمات... ما أثر الحرفة اليدوية الشاقة على مسار تطور بناء شخصية مصطفى الحاج حسين؟
ج 2/ ـــ تعلمت من أبي المكابرة، والتمسك بالكرامة، والصبر، والتحدي، والجَلَد، والتحمل، والجرأة، والجسارة، والبنيان. والبناء بدوره علمني الدقة، والنظافة، والترتيب، ودقة النظر، والاستقامة، والارتفاع، والشهوق، والنهوض، والتماسك، والصلابة، والمتانة، والتناسق، والجمال، والازدهار.
————————————————
س 3/ الأستاذ مصطفى الحاج حسين... انقطاع مبكر جداً عن الدراسة... ومن بعد تتجلى القدرات الكامنة... ما السر وراء هذا التجلي من غير تأثير المحيط المثقف... عوامل محيط اجتماعي؟ عصامية تتحدى الإكراهات؟
ج 3/ ـــ تألمت لأحوال عمال البناء الذين يعملون في البرد والحر، ولا أحد يحس بعذاباتهم ومعاناتهم وفقرهم، هم يعملون أكثر من أي إنسان آخر، ولا يتقاضون إلا القليل، ومع ذلك هم مهمشون، لا شأن لهم في الحياة الاجتماعية وكأنهم ليسوا بشراً، ينظرون لهم على أنهم أجلاف قساة لا يحسون ولا يشعرون... وأنا أردت أن أقول إن هؤلاء العمال أكثر إنسانية من الجميع.
————————————————
س 4/ الصحة تخون... والعزيمة تنتصر، هل من تفسير؟
ج 4/ ـــ خانتي الصحة باكراً... السكري، ثم القلب، ثم تصلب الشرايين في الفخذين، ثم الضغط، ثم الفالج، ثم عدم قدرتي على المشي، ثم الألم في ظهري وكفوف راحتي وأصابعي، ثم الصوت، ثم النظر... ولا يمر أسبوع إلا وأنا حاجز في المشفى، ومع كل هذا أعمل في اليوم مقدار عشرين ساعة بين قراءة على الفيس والنت، وبين كتابة، أريد أن أترك مشاعري وأفكاري وأحلامي وخيالاتي على جدار الزمن قبل أن أموت... لا أريد أن أموت كما يموت البعير... أتمنى أن أكون باقياً بين الأجيال القادمة لأقدم لهم عصارة روحي.
————————————————
ثانياً: الأستاذ مصطفى الحاج حسن الأديب .
س 1/ شاعر أم قاص... أم في منزلة بين المنزلتين ولماذا؟
ج 1/ أنا في البداية شاعر، كتبت الشعر أولاً ولسنوات عديدة، وعرفت عند الوسط الأدبي في بلدي، لكني كنت وما زلت أتضايق من كثرة عدد الذين يتنطعون ويدعون كتابة الشعر... معظم من يتجرأ ويكتب الشعر يظن أن الأمر بسيطاً، وهذا ما يزعجني، ومعظم النقاد عندنا بلهاء مرتزقة، يجاملون، يسايرون، يتملقون، ينافقون، يخجلون، يخافون، يباعون، يشترون، يهزؤون، يستهينون، يسخرون من القراء. كنا في حلب أعداداً لا تحصى من كتاب الشعر، وكل واحد منا يعتبر نفسه شاعر عصره، وتقف إلى جانبه شلته بالطبع، وهذا ما دعاني للسخرية من هذا الوسط، فتحولت لكتابة القصة لأن عدد كتاب القصة على رؤوس الأصابع، ذهبت للقصة، ونجحت وتفوقت ونلت الجوائز الكثيرة، ثم توقفت عن الكتابة نهائياً لمدة تقارب عشرين سنة، حتى إنّي نسيت الكتابة، وانقطعت صلتي بالأدباء لكي أحمي نفسي من كتبة التقارير... حاربوني بحجة أنني كاتب جريء أسخر من السلطة والحكام، لكن وضع البلد والثورة والقتل والدمار والتشرد أعادني للشعر لأنفس عن نفسي... فأنا أختنق.
————————————————
س 2/ زخم شعري مقابل حضور أقل للسرديات... غواية قصيدة نثر حداثية؟
ج 2/ ـــ قلت لكم أنا شاعر في الدرجة الأولى، أكتب القصة، ولكني أجد صعوبة في الوقت، لو كنت أضمن أني سأعيش مطولاً لكنت كتبت قصصاً كثيرة وروايات. عندي مواضيع هائلة، لكنها تحتاج لوقت، ثم إن عندي قصصاً ستغضب الآخرين، لأنها تمسهم، وأنا في غنىً عن العداوات أو فقدان محبة من هم حولي، من أهل إلى أقارب إلى أصدقاء.
القصيدة كتابتها أسهل من حيث الزمن، دقائق معدودة لا أكثر، وأنا لا أراجع ما أكتب، ولا أنقح، وأكتب قصيدتي دفقة واحدة كما زخات المطر، وهذا ما يصعب عليّ كتابة القصة والرواية، لو كتبت عملاً ولم أنهه أعود إليه بأفكار جديدة، وقد لا تتفق مع الأفكار السابقة.
أنا لا أفكر إن كنت أكتب قصيدة نثر، أنا شاعر، وهذه السخافات والقشور من وزن وقافية لا أعتبرها هامة في الشعر... إن مفهوم الشعر الحديث مختلف تماماً عن مفهوم الشعر التقليدي الذي بات لا يتناسب مع عصرنا الحاضر... بات الشعر التقليدي لا يتناسب إلّا مع الإنسان السلفي المتخلف والمتحجر العقل والقلب.
————————————————
س 3/ عن قصيدة النثر... ما السر في الانغماس في بحرها على حد الغرق... سهولة مفترضة، أم جنون يسكن الذات الهاربة من جمود؟
ج 3/ ـــ من الخطأ أن يظن البعض أن قصيدة النثر أسهل من الشعر التقليدي، فالشعر التقليدي على الأقل يستند إلى الأوزان والقافية، في حين أن قصيدة النثر لا تستند إلى شيء خارجي، إن جماليتها تنبعث من داخلها، لا سند ولا معين لها سوى عمقها وجماليتها وسعة بصيرتها... الشعر الحقيقي يوجد فقط في رأيي في قصيدة النثر، والباقي ضرب على التنك ليس إلّا.
————————————————
س 4/ بالمناسبة، ما تعريف الأستاذ مصطفى الحاج حسين لقصيدة النثر كما يراها هو، بعيداً عن حمى تعريفها الساكنة أدباء العصر ونقاده؟
ج 4/ ـــ قصيدة النثر هي الكهرباء التي لم تكتشف في عصر القصيدة التقليدية، وأنا أسأل: "ماذا كان من حضارة قبل أن توجد الكهرباء؟"... الحضارات السابقة بدون كهرباء لا توازي خمسة بالمائة من الحضارة التي ننعم بها في عصر الكهرباء... معظم قصائد الشعر السابق في شعرنا القديم كانت ركيكة ومملة ورتيبة ومكررة وممجوجة وثقيلة، إلّا فيما ندر من شعراء كالمتنبي، ومن هم بحق شعراء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 5/ وصف قصيدة النثر بأنها حداثية... ما القيمة المضافة بتوسيمها بوسم "الحداثة"؟
ج 5/ ـــ قصيدة النثر هي رادار حياتنا المعاصرة تقول وتكشف وتحدد وتؤكد وتبين وتبصر وترى وتشاهد وتحسُّ وتلمسُ وتقترب وتمسك وتحط يدها على مشاكلنا وعلى دقات قلوبنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 6/ ما الرد على من يقول إنك كاتب تكتب نثراً فنياً بديعاً، وإنك لست شاعراً، لأن الشعر كلام موزون مقفى؟
ج 6/ ـــ أضحك من هذا للكلام حتى الثمالة، فأنا أستطيع أن أعطيك كلاماً تافهاً وفارغاً وسخيفاً ومنحطاً، ولكنه في قالب موزون على أصعب بحر شعر وعلى أقوى قافية.
————————————————
س 7/ هل تؤمن بأن قصيدة النثر الحداثية هي قصيدة المرحلة.... قصيدة الدهشة وتكسير جمود؟
ج 7/ قصيدة النثر هي قصيدة المرحلة الراهنة والمستقبل أيضاً، هي مفتاح عصر النور والتطور والحرية.
————————————————
س 8/ أشاعر ملتزم أنت، أم شاعر ذاتي... على ضوء تقاطب الخطاب الشعري عندك بين حد شعر الذات، وحد شعر الموضوع؟
ج 8/ ـــ الشعر ينطلق من الذات، وهو مسبارها، ولكن الإنسان مرتبط إلى حد التلاصق بالآخرين، لذلك ينطلق الشاعر من الخاص إلى العام، دون أن يتعمد أو ينتبه.
————————————————
س 9/ هل تحس بأنك قدمت تطوراً نوعياً في مسيرة القصيدة العربية على حد قول المنبهرين بشعرك، وما أكثرهم على جسد الخريطة الثقافية العربية؟
ج 9/ ـــ أنا أحاول أن أعبر بلغة خاصة بي... لا أكرر صور الآخرين، أو جملهم، أو عباراتهم، وفي اعتقادي هذا هو المطلوب من الشاعر المبدع.
————————————————
س 10/ ما رسالة الشاعر في زمن التحكم والقهر والاضطهاد؟
ج 10/ الحياة تحتاج إلى أنبياء وفلاسفة وشعراء، وهم قادة العالم، ورسالة الشاعر هي أن يقود ويعلم الحب ويدل على الجمال... مهمته تكون أكثر من مزدوجة، وأكثر من خطيرة، فهو يغامر برأسه في أي دقيقة.
————————————————
س 11/ من شعرك الغزير... تهدي لرواد برنامجك قصيدة تعكس الشاعر الذاتي، وأخرى تعبر عن الشاعر الملتزم.
ج 11/ القصيدة الأولى: من الشعر الذاتي:
= لَوْلَاكِ =
كلّ صباح
ينبعث منكِ الضّوء
تغمرينَ قلبي برائحةِ النّدى
أتنفسُ ضحكتكِ
أحتسي فتنة عينيكِ
أوغل في تأمل روحكِ
أرتحل في ثنايا البوحِ
أثمل من سهوبِ أنوثتكِ
أتأكدُ أنّكِ روح الكون
لولاكِ
ما كان للوجودِ طعم
ولا معنى
وما كان للغةِ أجنحة
ولا للسماءِ شهوق
لولاكِ
لغادرَ الموج البحر
وانتابت القمر كآبة وملل
وظنّت الفراشات
أنّ لا ورد في الدنيا
والورد سيعتقد
أنه ثقيل الدّم
وغليظ الأنفاس
ما كان للموسيقى أثر
ولا عرفت العصافير
أن تحلّق
وما كان من داعٍ
للسّهرِ وللشعرِ
لولاكِ
يرحل الليل بلا رجعة
وتتخلّى الفصول عنّا
ويصير المطر حطباً
والغيم جبلاً من ترابٍ وحجر
لولاكِ
قد تكفّ الأرض عن دورانها
وتفقد الحياة بهجتها
والأشياء تأبى تطاوعنا
يتمرّد الهواء ويتحجّر
وربما ينتحر
إذ لا معنى لنبضهِ
لولا أنتِ
لا حاجة للدّروبِ
واجتياز المسافات
ما حاجة الشجر للغصونِ
وما حاجة الثلج لبياضهِ
ستكون الأسماء
بلا اسم
والأماكن
ستتخلّى عن عناوينها
وطعم العسل
سيصير مالحاً
ومذاق القهوة
فلفلاً حاراً
وكنتُ
لن أحتاج
لعينيّ
ويديّ سأعتبرهما
زائدتين عندي
وشفتايّ تتحولان
إلى خشب
الزمن
طاعن بالعفونةِ
الجّبالُ ستقعي
الوديان
ستنتفخُ بالرّطوبةِ
الظلالُ ستحترق
الهواجسُ ستختنق
الأحلامُ
لن تنبعث
وسيكون الصّوتُ
أخرس
والصّمتُ
هو السائد
المطلق
لولا أنت.
مصطفى الحاج حسين .
إسطنبول.
————————————————
القصيدة الثانية: عن الهم العام .
= في بلادي =
في بلادي
يحصدُ الفقراءُ
غلالَ الدّمِ
وتقطفُ النّساءُ
سِلالَ الدّمعِ
ويرضعُ الأطفالُ
حليبَ الانفجاراتِ
وتتزيّنُ الفتياتُ
بالشّحوبِ والارتجافِ
ويحملُ الرّجالُ على أكتافِهِمْ
جثَّةَ الخرابِ
في بلادي
ترسلُ الشَّمسُ أشعَةَ الهلاكِ
وتتمترسُ الجبالُ
خلفَ المدافعِ
وتأوي العصافيرُ
إلى حجرِ النّارِ
في بلادي
ننصبُ فخاً للقمرِ
نعلّقُهُ على عَمودِ الحقدِ
ونسلخُ عنهُ الضّوءَ
في بلادي
يذبحُ الأخُ أخاهُ
بتهمةِ الخيانةِ
وتكونُ سكّينُهُ
يدَ الغريبِ
في بلادي
صارَتِ الأشجارُ تورِقُ جثثاً
وصارَ النّهارُ يُطِلُّ
على الفاجعةِ
وغدا النّدى
قطرانَ السّرابِ
في بلادي
تفحَّمَ الهواءُ
وصارَ السّلامُ
رماداً
وعمَّ الانهيارُ
وتراكمَ السّخطُ
في صدرِ الغمامِ
في بلادي
جفَّتْ خطواتُنا
وتحوَّلَ نبضُنا يباساً.
مصطفى الحاج حسين .
إسطنبول.
————————————————
س 12/ عن فنون السرد...
ما الذي يغريك منها وأنت الشاعر؟
ج 12/ ـــ أحب وأستمتع بكتابة المونولوج... أحب فضح ونبش الداخل بدون عوائق أو خجل أو تردد... أريد سبر أغوار النفس البشرية، وهذا ما يغريني في فنون السرد، لأن النفس البشرية معقدة لدرجة أن صاحبها لا يفهمها في كثير من الأحيان.
————————————————
س 13/ السرد عندك... محطات استراحة، أم وجه ثان لعملة واحدة... المبدع والإبداع؟
ج 13/ ـــ حين أريد أن أتحدث بطريقة السخرية أو المباشرة أميل إلى السرد، ففيه آخذ حريتي وراحتي في التعبير وقول ما أريد، فأنا كاتب لا يستريح أو يعرف الراحة، دائماً مشغول بفضح واقعنا، وبالكشف عما بداخلنا من لواعج وهموم وحب دفين.
————————————————
س 14/ قصص، ورواية... تجريب أم مغامرة؟
ج 14/ ـــ أنا لا أهتم بالتجريب... دائماً أجد نفسي في قلب المعركة مع شخوص قصتي الأشرار، سواء أكانوا مسؤولين أم تجاراً أم سماسرة أم أشخاصاً غير إنسانين، وأعمل على أن يتمرد الضعيف ويثور ويصرخ في أضعف الحالات.
————————————————
س 15/ لو قيل إنك شاعر ولست قاصاً وروائياً... بماذا تدفع التهمة؟
ج 15/ ـــ أقول أنتم تبترون لي جناحي الثاني، فأنا حتى الآن لا أعرف، ولا أستطيع أن أحدد أين يمكن أن أصنف، أشاعر أنا أم قاص؟ هناك من يعاملني على أساس أني شاعر، وهناك من يتعامل معي على أساس أني قاص، وهناك من يعاملني بازدواجية، وأنا أنظر لنفسي هكذا... شاعر وقاص، ولي تجربة روائية كتبتها بطريقة القصة القصيرة.
————————————————
س 16/ أحب قصة إلى نفسك تهديها لمحيطك الكريم.
ج 16/ ـــ أحب قصة إلى نفسي هي:
= إقلاق راحة =
استطعتُ أن أنجو، انطلقتُ راكضاً، بعدَ أن تسللتُ على أطرافِ أصابعي ركضتُ بسرعةٍ جنونية يسبقني لهاثي، يربكني قلبي بخفقانهِ، يعيقُ الظّلام من سرعتي، خاصة وأنَّ أزقتنا مليئة بالحفرِ وأكوامِ القمامة.
أخيراً وصلتُ، على الفور أيقظتُ الشّرطة، تثاءبوا، تمطّوا، رمقوني بغضبٍ، وحينَ شرحتُ لهم ما أنا فيه أخذوا يتضاحكونَ، سألني الرقيب:
ـــ هل أنتَ تهذي؟
أقسمتُ لهم بأنّي لا أهذي، ولستُ في حلم، بل ما أقوله حقيقة، وإن كانوا لا يصدقونَ فعليهم أن يذهبوا معي ليشاهدوا بأعينهم، وليشنقوني في حال كان كلامي كاذباً.
لكنَّ المساعد المناوب أخبرني، بعد أن تظاهر بالاقتناع:
ـــ نحن لا نستطيع تشكيل دورية للذهاب معك إلاً بعد أن يأتي سيادة النقيب.
وحينَ سألته عن موعدِ مجيءِ سيادة رئيس المخفر أجاب:
ـــ صباحاً، بعد التاسعة.
ولولا خوفي الشّديد من رجالِ الشّرطة لكنتُ صرختُ بوجههِ:
ـــ لكنّي لا أستطيع الانتظار، إنّ الأمرَ غاية في الخطورة.
كبحتُ انفعالي وسألته برقةٍ واحترام:
ـــ ألا يوجد هاتف في منزل سيادته ؟
صاح المساعد ذو الكرش المنتفخة:
ـــ أتريد أن نزعج سيادته من أجلك أيّها الصعلوك؟
وتمنيت أن أرد:
ـــ أنا لست صعلوكاً، بل مواطن، أتمتع بالجّنسية، وبالحقوق كافة...
ولكنّي همست:
ـــ حسناً يا سيدي، هل لك أن تدلّني على منزل سيادته، وأنا أتعهد لك بالذّهاب إليه، والحصول على موافقته بتشكيل الدورية.
وما كدتُ أنهي كلام، وأنا في غايةِ التهذيبِ والاحترام، حتى قذفني المساعد بفردةِ حذائهِ المركونِ قربَ سريره، وبصراخهِ المخيف قائلاً:
ـــ أنتَ لا تفهم؟، وحقّ الله إنّكَ "جحِش"، أتريد أن تذهبَ إلى بيته؟ يا لشجاعتكَ! انقلع وانتظر،
وإياكَ أن تعاود إزعاجنا... قسماً "لأحشرنك" بالمنفردة.
جلستُ أنتظر، لم أستطع الثّبات، أخذتُ أتمشى بهدوءٍ شديدٍ عبرَ الممرّ الضّيق، وأنا أراقب عقاربَ السّاعة... الدقيقة كانت أطول من يوم كامل، وعناصر الشّرطة عادوا يغطّونَ في نومٍ عميقٍ، اكتشفت أنّ جميعهم مصابونَ بداءِ الشّخيرِ، صوتُ شخير المساعد أعلى الأصوات، رحتُ أتخيّل مقدار قوّة الشّخير عند سيادة النّقيب .
تململتُ، ضجرتُ، يئستُ، فقدتُ قدرتي على الصّبرِ، فصرختُ:
ــ يا ناس أنا في عرضكم.
رفعَ الشّرطي رأسه، حدجني بعينينِ ناعستينِ، وزعقَ:
ـــ اخرس يا عديمَ الذّوق.
خرستُ، وانتظرتُ، عاودتُ المشي في الممرِّ ومراقبةِ الثّواني، دخّنتُ ما لا يحصى من السجائرِ، أحصيتُ عددَ بلاط الممرّ عشرات المرّات، طالَ انتظاري، تجدّدَ وتمدّدَ، ضقتُ ذرعاً، نفذ صبري، وطلعت روحي، اكتويتُ بنار الوقت، قلقي يتضاعف، فمرور الوقت ليس من صالحي، عليّ أن أفعل شيئاً... هل أعود بمفردي؟
لكن، يجب أن يكون أحد معي، شخص له صفة رسمية، لكن ما باليد حيلة، فخطر لي أن ألجأ إلى أخي، فهو أقرب الناس إليّ.
خرجتُ من المخفرِ خلسة، هرولتُ، ركضتُ، وكنتُ أضاعف من سرعتي، حتى أخذتُ ألهث، العرقُ يتصبّب منّي غزيراً.
قالت زوجة أخي "عائشة" بعد أن رويت حكايتي لأخي:
ـــ نحنُ لا علاقة لنا بالمشاكلِ، عد إلى الشّرطة.
خرجتُ من بيتِ أخي "عبدو" والدّموعُ تترقرقُ في عينيّ، تذكّرت كلام المرحوم أبي:
ـــ الرجل الذي تسيطر عليه زوجته لا ترج منه خيراً.
توجهت إلى أبناء عمي، طرقت عليهم الأبواب، وتوالت الأكاذيب:
ـــ محمود ذهب إلى عمله باكراً.
ـــ حسن مريض، لم يذق النوم.
وبخشونة قال ناجي:
ـــ أنت لا تأتي إلينا إلاّ ووراءك المصائب.
يونس ابن عمتي أرغى وأزبد، أقسم وتوعد، لكنه في النهاية، نصحني أن أعود للمخفر، حتى لا نخرج عن القانون.
قررت أن أعود إلى حارتي، هناك سألجأ إلى الجيران، قد تكون النخوة عندهم، أشد حرارة من نخوة أخي، وأبناء عمي، والشرطة، ولمّا بلغت الزقاق صرخت:
ـــ يا أهل النخوة الحقوني... الله يستر على أعراضكم.
فتحت الأبواب بعجل، خرج الناس فزعين، التفوا حولي يسألونني، وأنا أشرح لهم من خلال دموعي، لكن جاري فؤاد أخرسني:
ـــ نحن لا علاقة لنا بك وبزوجتك... اذهب إلى الشرطة.
عدت إلى المخفر، وجدت المساعد ونفراً من العناصر مستيقظين، واستبشرت خيراً حين ناداني:
ـــ هل معك نقود أيها المواطن؟
ـــ نعم سيدي.
ـــ إذاً اذهب وأحضر لنا فطوراً على ذوقك حتى ننظر في أمرك.
دفعت معظم ما أحمل في جيبي، تناولوا جميعهم فطورهم بشراهة، تمنيت أن أشاركهم طعامي، فكرت
أن أقترب دون استئذان، أليست نقودي ثمن طعامهم هذا؟ وحين دنوت خطوة، لمحني المساعد واللقمة الهائلة في فمه، فأشار إلي أن أقترب، سعدت بإشارة يده، واعتبرته طيب القلب، نسيت أنه ضربني ليلة أمس بحذائه الضخم، وحين دنوت منه أشار:
ــ خذ هذا الإبريق واملأه بالماء.
اشتعل حقدي من جديد، اشتد نفوري منه ومن عناصره.
ها هي الساعة تتجاوز الحادية عشرة، ورئيس المخفر لم يأت بعد، ولما اقتربت من المساعد مستوضحاً:
ـــ يا سيدي، لقد تأخر سيادة النقيب.
رمقني بغضب، وصاح :
ـــ لا تؤاخذه يا حضرة، فهو لا يعرف أنك بانتظاره.
في الثانية عشرة وسبع دقائق وصل النقيب، هرعت نحو مكتبه، لكن الحاجب أوقفني:
ـــ سيادة النقيب لا يسمح لأحد بالدخول قبل أن يشرب القهوة.
المدة التي وقفتها تكفي المرء أن يشرب عشرة فناجين من القهوة... ولما هممت بالدخول مرة أخرى أوقفني الحاجب من جديد:
ـــ سيادته لا يسمح لأحد بالدخول قبل أن يوقع البريد.
انتظرت... دخنت لفافتين قبل أن أتقدم، لكن الشرطي باغتني بصياحه:
ـــ سيادته لا يقابل أحداً قبل أن يطلع على جرائد اليوم. لاحت بالباب فتاة شقراء ممشوقة القوام، لا تتجاوز العشرين، عارية الفخذين والكتفين والصدر والظهر، تضع نظارة، وتحمل حقيبة، تجر خلفها كلباً غزير الشعر مثل خروف، نبح عليّ بوحشية، راحت تخاطبه بلغة لم أفهمها، اتجهت نحو مكتب النقيب، انحنى الشرطي، فتح لها الباب، دلف الكلب للداخل، ثم تبعته، دوت في أذنيّ عبارة حفظتها:
ـــ سيادته لا يسمح لأحد بالدخول.
لكنني مددت رأسي، وحاولت الدخول خلفها، جذبني الحاجب من ياقة قميصي، وثب الكلب نحوي، نابحاً بعصبية واحتقار:
ـــ سيادته لا يسمح لأحد بالدخول قبل أن ينصرف ضيوفه.
أدخل الشرطي إليهم ثلاثة فناجين من القهوة، سألت نفسي:
ـــ هل يشرب كلبها القهوة أيضاً؟
طال انتظاري، الضحكات الشبقة تتسرب من خلف الباب، والشرطي في كل رنة جرس، يدخل حاملاً كؤوس الشراب، الشاي، الزهورات، المتة، الكازوز، الميلو، الكاكاو، وإبريق ماء مثلج، وأخيراً دخل حاملاً محارم "هاي تكس"، الضحكات تتعالى، ونباح الكلب يزداد، كلما نظرت نحو الباب.
تمنيت أن يفتح الباب ويطل عليّ كلبها، حينها سأرتمي على قوائمه، وأتوسل إليه ليكون وسيطاً لي عند سيادة رئيس المخفر، لكنني تذكرت، فكلبها للأسف لا أفهم لغته.
وبدون وعي مني وجدتني أهجم نحو الباب الموصد، أدقه بعنف وأصرخ:
ـــ أرجوك يا جناب الكلب... أريد مقابلة النقيب.
وما هي إلاّ لحظات حتى غامت الدنيا، توالت اللكمات، الرفسات، اللعنات... والنباح يتعالى... ويتعالى... ويتعالى.
وحين بدأ العالم يتراءى لي وجدت نفسي ملقى في زاوية الزنزانة، غارقاً في دمي.
مصطفى الحاج حسين.
حلب.
————————————————
س 17/ راض عن، أم غير مقتنع بما حبّرت لحد الساعة؟
ج 17/ ـــ أنا أقوم بتمزيق كل ما لست راضياً عنه من كتاباتي... لقد مزقت الكثير مما كتبت... ولأسباب عديدة، منها أسباب سياسية وعاطفية وفنية، ومعظم قصائدي في البدايات مزقتها لأن وزنها لم يستقم معي بشكل صحيح، هذا يوم كنت أتدرب على الوزن، ومرة مزقت ما يقارب مائة قصيدة مراضاة لزوجتي لأنها كتبت عن حب آخر، فقدت القصائد ولم تقتنع زوجتي، وهذا ما جعلني أندم ندماً شديداً.
————————————————
س 18/ والشهرة... تسعى إليها، أم لا تغريك بسحرها؟ ولماذا؟
ج 18/ ـــ يوم كنت شاباً حلمت بالشهرة وبأنني سأكون مثل نزار قباني ومحمود درويش... ولم أحصل على هذه الشهرة... بل تعرضت لعقد نفسية، فأخذت لا أتأقلم مع الواقع، وبدأت الشجار مع أبي... وحاولت الانتحار.
اليوم ماذا ستفيدني الشهرة وأنا محبوس في بيتي لا أغادره إلّا برفقة أبنائي إلى المشفى.
————————————————
= ثالثاً: النص والمبدع:
س 1/ طلب منك اختيار نص شعري، ونص قصصي لتقدمه لرواد البرنامج من مثقفين ونقاد، فتفضلت بوضع الاختيارين... لماذا اخترت هذين النصين بالذات؟
ج 1/ أنا لم أختر والله، أي عمل أنا أعتز به، دائماً أختار ما يقع تحت يدي بسرعة.
————————————————
رابعاً: قالوا عنه، وحاوروه... فما تعقيبه؟
= الأستاذ إبراهيم محمد كسار / سوريا.
1/ (مصطفى كاتب غير مولع بالتجديد كثيراً، فهو ـــ غالباً ـــ ما يسرد قصصه بواقعية حادة، معتمداً المباشرة لفظاً ومعنى، واضعاً نصب عينيه قارئه، فهو كثير الاهتمام به، لذا يبتعد عن كل ما يبعده
عن القارئ، ولا تكاد أمسية من الفعاليات الثقافية بحلب شارك فيها مصطفى الحاج حسين تخلو من تعلق المتلقين بقصصه ومن تأثيرها المباشر فيهم)
= الرد 1:
نعم، أنا لا أفكر لحظة الكتابة بالشكل أبداً لأن التفكير في هذه اللحظة يقودني إلى التكلف والتصنع والذهنية والبرود والجمود... أنا أترك نفسي على سجيتها، أكتب ما يمليه عليّ نبض قلبي، وهذا من صالح العمل... الصدق والعفوية يجعلني أكسب المتلقي وأشده بحيث لا يشرد عن نصي ولا يغفو. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2/ (أمّا موضوعات شعره فمتنوّعة، ولكن يغلب عليها موضوعان أساسيان هما: الهم السياسي – الاجتماعي، والغزل).
= الرد 2:
أنا لا أبحث عن الموضوع... إنّ ما يكوي الروح سيظهر بلا إرادة مني، وما يعتلج في القلب سينفضح وينكشف.
————————————————
الأستاذة حبيبة محرزي / تونس .
1/ (المرأة لا تغيب عن إبداع الشاعر المتميز، فمن أحق بالاهتمام، هل هي المرأة المظلومة المكابدة في الأحياء الشعبية، أم في الريف والأوساط الفقيرة، أم هي المرأة المثقفة المتعلمة والعاملة؟).
= الرد 1:
ـــ المرأة العربية مظلومة في كل الأحوال، سواء أكانت في الريف أم المدينة... متعلمة أم غير متعلمة... عاملة أم موظفة أم مثقفة... فهناك من يقوم باستغلالها وخداعها والاتجار بها، سواء أدركت هذا أم لم تدركه، رضيت به أم قاومته.
لا تتحرر المرأة إن لم يتحرر الرجل، والرجل ما زال غارقاً في العبودية الفكرية والدينية والعشائرية، وأنا انتصرت للمرأة الريفية أكثر لأن أمّي تنتمي لهذا القطاع، وأنا منذ صغري أدركت أن أمّي مظلومة ومضحية.
————————————————
= الأستاذة أميمة الشعراني / سوريا.
1/ (ماهي مرتكزات البناء الشعري في قصيدتك؟).
= الرد 1:
الحدث، النبض، تسارع تدفق الدم في الشريان، الومضة، الحالة، الانهمار، الرعد، البرق، العاصفة، الصاعقة، الزلزال، البركان، الانفجار، المفاجأة، المباغتة، الانخساف، التحليق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2/ (الشعر أم القصة كان أكثر طواعية في التعبير عن هدفك من الكتابة وما أردت توصيله للمتلقي؟).
= الرد 2:
الشعر يعطيني المجال الأوسع، والأرحب، والأعمق... للشعر نوافذ أكثر... وأقمار أكبر... وهواء أنقى... الشعر يجعلني أتنفس بشكل أعمق وأقوى لأنه يوسع رئتي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3/ (من خلال تجربتك الغنية، وقد مارست النثر والشعر النثري، كيف تقنع المتلقي بشعرية قصيدة
النثر؟).
= الرد 3:
حين أدخل قلبه أكون قد أقنعته بأن ما يسمعه شعر حقيقي... حين أرسم على وجهه الدهشة يكون قد غاص في بحر القصيدة ونسي الوزن والقافية... حين يشعر أن قصيدتي هو من كان يود كتابتها أكون قد أقنعته.
————————————————
الأستاذ لحجاب أبو جمال / المغرب.
1/ (جمالية القصة وتميزها ساهمت فيه شاعرية الشاعر).
= الرد 1:
يرجع حبي للقصة والرواية إلى الأدب الشعبي الذي عشقته منذ صغري، فأنا تعلقت، بل دهشت بحكايات الزير سالم، وعنترة، وبني هلال، والسندباد البحري، وغيرهم... هم وسعوا الخيال عندي، وجعلوني أميل إلى فن الحكاية وما تتمتع به من تشويق وإثارة ومتعة وحوار ووصف متقن وتصاعد وتنام وعقدة وحل... بل وانفجار.
————————————————
الأستاذ عبد اللطيف ديدوش / المغرب.
1/ (عرفت ضيفنا الشاعر مصطفى الحاج حسين كشاعر مجيد ومتمكن من أدواته الإبداعية، وقرأت له مجموعة من النصوص المنشورة في صفحته، أو في صفحات إبداعية، ولا أدري لماذا كلما قرأت له نصاً شعرياً أجدني أصنف شاعرنا في ملتقى أو في تماس قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، فما رأي شاعرنا بخصوص هذا الانطباع؟ ).
الرد 1:
قصيدة التفعيلة هي ثقافتي الحقيقية... عرفت الشعر الكلاسيكي، ولكن منذ البداية وجدتني أنفر من النظم والقريض والتقليد والنمط الرتيب والممل... تعلقت منذ البداية بالشاعر العملاق نزار قباني، وكان نزار محدثاً متمرداً جاء بلغة جديدة على الشعر العربي، فهو أبدع في القصيدة الكلاسيكية لدرجة أنّنا لا نحس بها أنها تقليدية... بل نحسبها قصيدة تفعيلة... وأيضاً كتب نزار قصيدة التفعيلة، وتخلص من الرتابة والزوائد والحشو والقافية المتكلفة، وزود القصيدة بمواضيع حديثة تحكي عن زمننا الراهن... ثم إنني تدربت كثيراً على كتابة شعر التفعيلة لدرجة أنني أوشكت أن أتقتنه.
كنت أنتمي إلى شلة شعراء يتصفون فوق الروعة، وكانوا يكتبون الشعر الكلاسيكي والتفعيلة دون أن يعادوا قصيدة النثر... وكنت معهم على وفاق في القراءة والكتابة والثقافة... ومن هؤلاء الشعراء (إبراهيم محمد كسار / محمد زكريا حيدر / علي محمد شريف / فواز حجو).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2/ (لاحظت أن نصوصكم، كما هو الحال في جل النصوص الحديثة، تنحو منحى تذويت الموضوع،
وموضعة الذات، وتنافي الحدود بين الأجناس، فشعرك يحضر فيه نوع من السرد الممتع والمكثف، أفلا ترى معي أن قصيدة النثر ـــ من خلال ما سبق ـــ قد ثارت على الشكل وعلى المضمون، وذلك بتشكيل النص بخلطة سحرية قائمة على السرد والحوار والاستعارة والسوريالية ومقاطع مسرحية والذاتية الوجودية والدهشة والنفحات العبثية والعدمية؟ هل يمكن القول إن النص الحديث أو القصيدة النثرية نص يصعب تصنيفه، أو هو نص تتقاطع وتتماهى فيه الكثير من الأجناس الأدبية؟ ألا يثير هذا النص الحديث بهذا الشكل إشكالية الشعرية، ويدعو إلى إعادة النظر في مفهوم الشعر؟).
= الرد 2:
نعم، قصيدة النثر استفادت من كل الأجناس الأدبية من قصة ورواية ومسرحية وخاطرة ومقولة... ومن الخطب السياسية والمواعظ الدينية والسينما والرسم والفن التشكيلي والموسيقى والرقص... ومن كل أصناف التعبير والسرد والإيحاء والمباشرة ... فهي منفتحة على العالم... مفتوحة الأبواب والنوافذ... تكره الهواء المتعفن والرطب.
————————————————
= خديجة ناصر / المغرب.
1/ (شاعرنا القدير، السيد مصطفى الحاج حسين، لقد تعرفت على إبداعك في الشعر عن طريق قصيدتك الرائعة "شقوق الماء" التي ترجمتها إلى الفرنسية، وكانت نموذجاً يغطي جوانب كثيرة من خصوصيات شخصكم العصامي المهووس بوطنيته.
إلى أي حد يمكن أن نصنف قصيدتك هذه ضمن الشعر الملتزم؟
الرد 1:
مفهوم الأدب الملتزم وغير الملتزم أنا لا أتقبله أو أؤمن به، هذه تسميات لا معنى لها عندي بما أن الإنسان جزء لا يتجزأ... حتماً سيكون فكره وأدبه صورة معبرة عنه، وسيكون أيضاً جزءاً لا يتجزأ... لا يمكن أن أكون ملتزماً في مكان، ومتراخياً في مكان... سأكون متوافقاً مع ذاتي ونفسي وفكري وإيماني... فمن يملك الإحساس في الحب سيملك الإحساس في الوطنية والإنسانية... لذلك نجد الشاعر الحقيقي ملتزماً على كافة الأصعدة... ومن كان عنده خلل في وجدانه سيكون عنده خلل في كتاباته... لا يمكن لقاتل أو ظالم أو سادي أو إنسان يحمل بداخله القسوة أن يكون متوازناً في الحب والوطنية والإنسانية... هل رافق "هولاكو" شعراء يذكرهم التاريخ؟... هل كان "نيرون" حقاً شاعراً، وهل كان لشعره قيمة؟... الحيوان لا يقول الشعر... وحده الإنسان ذو القلب الكبير والفكر الراقي هو من يقول الشعر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2/ (وهل اهتمامك بمعناة أبناء وطنك سوريا، وانحصار فضاء اهتمامك بالمحلي، شعراَ وقصة، هو تركيز يخدم القضية الوطنية، دون أن يتجاوزها إلى القضايا العربية؟).
الرد 2:
القضية الوطنية الصادقة لا تتعارض أو تتناقض مع القضية العربية، نحن نعيش في دويلات متشابهة من حيث المعاناة والفكر والثقافة، والأدب الذي ينطلق من المحلية هو وحده الذي يصل إلى العالمية... فأنا أعرف ظروف ومعاناة الشعب السوري أكثر مما أعرف ظروف ومعناة أي فئة من الشعب العربي الذي يعيش في بلد آخر كالمغرب العربي مثلاً، فكاتب الجزائر يكتب عن بلده بشكل أجمل وأعمق وأقوى وأحلى... وكذلك الكاتب السوري يفعل ذات الفعل... وتبقى الهموم العامة
والأساسية والقضايا المصيرية مشتركة ومتلاحمة.
فهل ممكن أن يكون محمود درويش غير فلسطيني مثلا؟... قصائد محمود درويش كان لابد أن يكتبها شاعر فلسطيني... والشاعر أبو قاسم الشابي كان حتماً سيكون من تونس، وليس من القاهرة مثلاً... كتابات أي أديب تدل على بلده ومسقط رأسه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3/ (وهل ترون أن هذه ميزة تعد لصالح الأديب؟)
الرد 3:
الأديب الحقيقي تكون كتاباته هويّة بلده، تاريخ بلده، شمس بلده، حضارة بلده، تطلعات وأحلام بلده... وغير هذا يبقى مشكوكاً في أمره.
————————————————
= السيرة الذاتية للأديب مصطفى الحاج حسين =
* مصطفى الحاج حسين، كاتب وشاعر وقاص سوريـ من مواليد حلب - الباب، عام 1961 م.
درس الابتدائية في "الباب" ولم يكمل الصف السادس .
ثم انقطع عن متابعة الدراسة، عندما ألحقه والده بالعمل بمهنة البناء - مهنته - عندما اضطرت الأسرة للهجرة الدائمة إلى حلب بسبب العمل.
في مرحلة المراهقة بدأت تتّضح موهبته الأدبية من خلال شغفه بقراءة القصص والروايات والشعر والتاريخ.
ثمّ بدأت تجربته الإبداعية بمحاولات لم تعد تتوقّف من كتابة الشعر والقصة القصيرة والأغنية ، ثم بدأ النشر في المجلات الأدبية والصحف.
وصار له حضور في الملتقيات الأدبية والأمسيات والمحاضرات العامة في أغلب منابر الأدب والثقافة
في حلب والمحافظات السورية.
ثم صار يشارك في المسابقات بين الأدباء الشباب.
وممّا حفّزه على الاستمرار في الكتابة، هو رأي الأصدقاء من الكتاب والشعراء والنقاد، والجمهور الذي كان يتفاعل معه ويشجّعه.
وقد تعزّزت موهبة الكتابة عنده بإحرازه على عدد من الجّوائز الأدبية بالمركز الأول على مستوى محلي وقطري، ثم مستوى عربي.
وأهمها كانت جائزة الدكتورة الشاعرة سعاد الصباح، في دولة الكويت، عن مجموعته القصصية (قهقهات الشيطان) عام 1995 م، حيث هو الكاتب السوري الوحيد الذي نال الجائزة دون أن يقاسمه
أحد بها، كما حصل مع غيره من الأدباء.
ونال قبلها جوائز متعدّدة من اتحاد الكتاب العرب بحلب ودمشق والمراكز الثقافية وبعض المنابر كالنادي العربي الفلسطيني.
صدرت له الكتب الآتية:
1ـ قهقهات الشيطان / مجموعة قصصية / ط 1.
2ـ قهقهات الشيطان / مجموعة قصصية / ط 2.
3ـ قبل أن يستفيق الضوء / ديوان شعر ط 1.
4 ـ راية الندى / ديوان شعر / طبعة ورقية.
5 ـ تلابيب الرّجاء / ديوان شعر / طبعة ورقية.
6 ـ أصابع الرّكام / ديوان شعر / طبعة ورقية.
7 ـ المبدع ذو الضّفتين / مجموعة قصصية / طبعة ورقية.
8 ـ فشّة خلق / مجموعة قصصية / طبعة ورقية
9 ـ نوافذ على الجرح / ديوان شعر.
10 ـ تابوت العدم / ديوان شعر / طباعة الكترونية
11 ـ أجنحة الجمر / ديوان شعر / طباعة الكترونية
12 ـ قصيدتي مقبرتي / ديوان شعر / طباعة إلكترونية.
13 ـ أبجدية القبلات / ديوان شعر / طباعة إلكترونية.
14 ـ ذبيح الجهات / ديوان شعر طباعة إلكترونية.
15 ـ سعف السراب ديوان شعر / طباعة إلكترونية.
16 ـ ملح السراب / رواية / طباعة إلكترونية.
17 ـ شقوق الماء / ديوان شعر / طباعة إلكترونية.
18 ـ شرف العائلة / مجموعة قصصية / طبعة ورقية.
19 ـ عسل القلوب / أدباء ونقاد كتبوا عنه.
20 ـ أخاديد الظلام / ديوان شعر.
21 ـ تكايا السعير / ديوان شعر / قيد التحضير.
= وهناك كتب مشتركة مع أدباء من سوريا والوطن العربي مطبوعة وموزعة:
1ـ الساخرون / نماذج من القصة الساخرة في سورية / إعداد خطيب بدلة.
2 ـ ديوان شعر مشترك / طبع في الأردن.
مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول
حاوره: د. عبد الرحمن بو طيب.
المغرب