إلي الذين يموتون دون أن يدركوا وينقذهم الموت
أنا متأكّد أنّه هنا من أجلي. يراقب منذ الصباح كلّ خطوة من خطواتي، كلّ نظرة، كلّ تردّد من تردّداتي، يحلّلها، يزِنها، محاولا أن يكتشف من خلالها الخوف الذي يعرف أنّه بداخلي.
لقد قرّروا إذن أنني سأموت مرتجفا، ومرتديا ثوب الرعب القديم. ولم أعد أشكّ في أنّ هذا ما سيحدث فعلا.
لكنّني، لا أفهم لماذا في هذه اللحظة، لم أعد أخشاهم. لا هم، ولا قاتلهم المأجور، الذي يبدو من خلال شفتيه اللتين ترتجفان من الخوف، مبتدئا وغير مرتاح في دوره. الشفتان ذاتهما اللتان ستضحكان بعد قليل بسخرية، أو تستسلمان إلي معركة اكاستانيت»، في اللحظة التي سيقطع فيها، المسدّس، أو السكّين، أو ربما المدفع الرشّاش، أو حتّي القنبلة اليدويّة أصل إلي درجة أتمني فيها أن لا يقتصدوا في توفير الإمكانيات اللازمة لحالتي- خيط حياتي.
خيط حياتي...أحاول أن أتخيّل خيطا وحياتي..لا توافق بينهما. أو قد يحمل الخيط عقدا صغيرة وكبيرة تفصلها مسافات منتظمة.
يا إلهي! كم كنتُ مخطئا بشأني! كنتُ متأكّدا من صلاح حياتي، أو بالأحري من استقامتها. كان كلّ شيء يبدو لي واضحا، عاديا، متناسقا: أبي، أمي، غرفتي، سريري، إخوتي وأخواتي، أعمامي وعمّاتي، أبناء عمومتي، جيراني، أصحابي، زملائي، أصدقائي، المدرسة، الثانوية، الجامعة، الشهادات، الوظيفة، زملاء العمل، المدير، المقهي، الصالونات، قاعات العرض، غرفتي الثانية، سريري الثاني، غرفة المعيشة، المطبخ، غرفة الطعام، الحديقة، الكلب، القطّ، أطفال الآخرين، الاجتماعات، المواقف السياسية، مكاتب الاقتراع، عدم اكتراثي، احتقاري، شغفي، سخريتي وقناعاتي..
لم أتصوّر للحظة أنّ كلّ تصرف نابع من كلّ عادة، بحيث يرتبط كلّ واحد بالآخر بضغط تمارسه الجماعة، كان ربما هراءً أو إنكارا. هو أيضا رفض الانتماء إلي جماعات أكثر اتّساعا أو تحديدا إلي جماعة أخري غير مرئية كانت تعيش ملتصقة بي، تكبر عند بابي، تتجاوز بملايين المرات حجمي، وتسير بطريقة مدَوِّخَة في طريق لم تستطع عيناي أن تلمحها.
في ركن من أفريقيا، كان والدي يعمل كاهنا. كاهن أسود، هذا ما كان يُقال في الأحياء الراقية البيضاء. ثمّ يضيفون، لكنّه، ليس كالآخرين. كان والدي يَقْبل، بل يعترف، بأنّ خلاص أرواحنا، واكتشاف الحقيقة، ندين به لذوي البشرة البيضاء. لأنّ الروح بيضاء والحقيقة بيضاء، كالثلج، كالصوف، كالسكّر، كالملح، كالحليب، كالرجل الأبيض. كان الرجل الأبيض يشبه الأشياء الطيّبة وأنا كنت أحبّ الأشياء الطيّبة. لقد أدركوا هذا وقبِلوا بتواجدي بين أطفالهم. كوالدي، لم أكن أشبه الآخرين وكنت أبدو ذكيّا. وبفضل هذه الميزة، فتحوا لي أبواب أسرار الغرب.
الحقيقة الأولي كانت الرّب.
الثانية، كانت الحضارة التي حملها الرجل الأبيض متحدّيا، الأمراض، المصاريف، التضحيات، إلي المتخلّفين، وأحيانا رغما عنهم، أولئك التلاميذ الفشلة في مدرسة الحياة الكبري.
علّمونا استخدام الصابون، واللقاح، علّمونا السينما، والطرقات المزدحمة بعرباتهم التي تشتغل بالمحرّك، والملعب الذي نتحرّر فيه من الكبرياء والادّعاء، فنصبحَ مصارعي العضلة المسالمة. وحين تستيقظ غرائزنا الهمجية والمقَاتِلة، كنا نستخدمها في المهمّة النبيلة للدفاع عن القِيم التقليدية.
ولم تكن تنقصنا الفُرص للدفاع عنها، في مكان ما في ركن آخر من أفريقيا، أو في مكان أبعد في آسيا، وربما، كما كانوا يهمسون، يوما ما في أوروبا.
المادية تترصّدنا. قرّر الرجل الأحمر، داخل بشرته البيضاء، السوداء أو الصفراء، تحدّي نظام العالم، الحضارة، القيم الإنسانية، الديمقراطية.
استوعبتُ كلّ هذا شيئا فشيئا. ثمّ شربته بجرعات كاملة، في حين تجرّأت مجموعة من الأناركيين، ومن المغامرين، عند بابي، في مدينتي، في منطقتي، علي أن تثور علي الحقيقة. وهم ماذا كانوا يحملون؟ كلمات متّسخة جدا بأفواههم، كان علينا أن نغسلها بالماء المقدَّس للاستماع إليها مجدّدا-عدالة! حريّة! عمل! صداقة! لم أستطع أن أمنع نفسي من الصراخ: نصّابون. لم يكونوا أكثر من نصّابي التاريخ.
كان الرجل ذو البشرة السوداء يعمل، وكانوا يطالبون بحقّه في العمل، قائلين بأنّه يعمل كثيرا. كان الرجل الأسود حرّا وكانوا يطالبون بحقه في الحرّية لأنه كان يركض بحريّة كبيرة وسط أدغاله. كانت العدالة محقَّقة ومحقّقة بشكل جيّد.
كلّ ما كان علينا فعله هو الخضوع للقوانين والتعليمات، اجتناب المحرّمات، الاعتراف بواجباتنا والقيام بها. الصداقة! لم يكن الرجل الأبيض يطلب أكثر من منح صداقته، لكن علي مهل، دون الاخلال بتوازن العلاقات القديمة، منعا لأي سوء فهم.
لم أستطع البقاء علي الحياد، وفي كل صباح، في الجريدة التي كنت أعمل بها، كنت أقول الحقيقة للشعب، وأنا أصرخ بشراسة. كنت أحذِّره من المجهول، من الديكتاتورية، من الأنظمة المضِرَّة والتضامن المزيَّف. كان همّه الوحيد هو خلاص روحه، في إطار احترام مشيئة الرّب. كان خبزه اليومي متواجدا في راحة يد من أتي من بعيد ليبني له أفرانا وليظهر الثروات التي كان يتمتّع بها هو أيضا، وهو يبذل أقلّ جهد ممكن.
»فلنعد النظر في كل هذا»، كانت هذه لازمة الرومانسيين، القتلة، مفجِّري القنابل...
لم أكن قادرا علي التسامح مع هذه الفكرة داخل وجداني. العمل، وحده العمل يعيد النظر في الفرد، يشكّله من جديد، ومن هنا، يغيّر العالم. أنا عملتُ، ونجحتُ، وأيّ شخص في مكاني، كان سيفعل الشيء ذاته. ما يستطيع إنسان أن يحقِّقه، هو ممكن لإنسان آخر...وهكذا، شرع النظام بدوره، وفي حالة دفاع شرعيّ عن النفس، في تفجير القنابل، في الخنق، في السجن، في الذبح. قلتُ لنفسي إنّه: ايطهِّرب. كان يسجن الآلاف وسط كيلومترات من الأسلاك الشائكة الحديدية.
كنتُ أقول لنفسي: »إنّه يحمينا». سيطر علي الشوارع، علي الأحياء، علي الهويات. كنتُ أقول لنفسي: »الوقاية خير من الخضوع». أوقفوني، ضربوني، اشتبهوا بي، أطلقوا سراحي.
قلتُ لنفسي: ا لقد ارتكبَ خطأ، هذا طبيعي في هذه الحالة. وهكذا، توالي حدوث أشياء كثيرة، كنتُ سأراها غير مقبولة، في ظروف طبيعية.
اكتشف والدي الذي كان بطبيعة الحال طاعنا في السن ليفهم الحدث ودائما مرتبطا جدا ببعض الأساطير، روحا وطنية بداخله.
-بأنا وطنيٌّ، لأن أرض بلادي السمراء تحرقني من خلال أقدام إخوتي العارية. لستُ عنيفا. سأحارب بالكلمة.
لا تبطلُ الكلمة مفعولَ القذيفة، لكنّ القذيفةَ تخرس الأفواه الجريئة أكثر مما ينبغي.
مات والدي وهو يقود مظاهرة تطالب بإلغاء الإجراءات التي أصبحت مذلَّة أكثر فأكثر. بكيتُ عشيّة دفنه. في الصباح، بعد الدفن، قرّرت أنّ النظام بقوّته الأخلاقية، لا يستطيع أن يستسلم..للجريمة. صدمتني هذه الكلمة. كنت أردّدها علي مسامعي، ثم علي مسامع الآخرين، وأخيرا كتبتها. أصبحت هذه الجرأة جريمتي.
وها أنا مُدان
لا يزال الرجل تحت، قبالة باب فيلّتي. لم تستسلم الشمس الغائبة بعد لليل. عليّ أن أخرج إذا أردتُ أن أعرف. يدفعني خوفي الكبير من الموت إلي مواجهته، كأنني أريد أن أقيس حجمه لأعرف إن كان يستحق أو لا، كل الإنكار والجبن اللذين نبرّرهما به.
الرجل الآن في الجهة الأخري من الشارع. أستطيع أن أغامر حتي أصل إلي باب بيتي.
لا أدري إن كنت قد وزنت كلّ شيء لمحته عيناي وأنا أعبر الصالون ثم الرواق. بلا شك، يصبح كل شيء غريبا ومنفصلا عني لأنه فجأة لم يعد جزءا من عالمي. ما هو عالمي؟ يغتصبني الجواب. عليّ أن أحلّله، أن أعثر علي ذاتي...أفتح الباب. تفاجئني بروق وتضرب بطني لكماتٌ خفيفة. بالكاد أدرك أنني أنهار وأنا أنظر إلي الرجل، بشفتين مشدودتين. شفتاه لا ترتجفان، لا تضحكان بسخرية. تقتلانني بسحقي بين مخالب الكراهية.
أنا مُلقي علي الأرض ونظري لا يدرك شيئا. وحيدا، سألحق بوالدي. لكنّ والدي كانت تصحبه آلاف السواعد البشرية التي تسانده و تدفئ يديه حرارةُ شعب كامل. يداي معزولتان. أرغب في شيء واحد فقط: أن يضمّ أحدهم يدي، حتّي لو كان قاتلي.
أمدّ يدي اليمني نحو الشيء الأسود الموجود أمامي، والذي لا يمكن أن يكون إلا يدي اليسري. علي أن أضمّ يديّ الاثنتين، أن أصالح بينهما، لأتصالح مع ذاتي. تتشنّج أمعائي المؤلمة بسبب المجهود القاسي جدا والذي يفوق قدرتي البشرية. لكنّني ألمس الشيء الأسود رغم كلّ شيء، وأكتشف أنّه بارد وأملس. لقد وصلت إلي هنا!
أحاول جاهدا أن أطرد الضباب، فيلمح نظري لآخر مرّة يكون فيها صافيا، يدي علي حذاء قاتلها.
يحرّرني الموت في اللحظة التي يظهر لي فيها النظام مرتديا في قدميه، لون بشرتي.
===================================
محمد بو دية (1932 - 1973) مقاتل ثوري ومسرحي وصحفي جزائري انخرط في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ولد يوم 24 شباط 1932 في حي الباب الجديد (من أحياء القصبة العليا) في الجزائر العاصمة. بعد تلقي تعليمه، تأثر بالتيار الوطني الاستقلالي ثم اهتم بالمسرح حيث التحق بالمركز الجهوي للفنون الدرامية في عام 1954. هاجر بعد اندلاع الثورة إلى فرنسا وانضم إلى فيدرالية جبهة التحرير هناك، شارك في عدة عمليات فدائية جرح في إحداها عام 1956، كانت أكثر عملياته شهرة هي تفجير أنابيب النفط في مرسيليا يوم 25 آب 1958م التي قبض عليه بسببها وحكم بالسجن 20 عاماً. نجح في الهرب من السجن عام 1961م ولجأ إلى تونس. عمل في فرقة المسرح التابعة لجبهة التحرير الوطني، وفي كانون الثاني عام 1963 أصبح مدير الإدارة للمسرح الوطني وهو أول مسرح أقيم في الجزائر بعد الاستقلال. أسس جريدة "نوفمبر" و"الجزائر هذا المساء".
فكره الثوري
كان محمد بودية متأثراً بالأفكار الاشتراكية دون أن يعتنق الفكر الشيوعي، وخلال إدارته للمسرح الوطني أرسل العديد من رسائل التأييد إلى حركات التحرر في العالم يؤيدهم في ما يفعلون ويبرز لهم المثال الناجح لثورة الجزائر التحريرية، في 17 تشرين الأول 1964 وجه رسالة تنديد إلى سفارة إسبانيا بالجزائر أدان فيها محاكمة مجموعة ساندوفا، راسل وزير العدل الإسباني في 28 كانون الأول 1964 من أجل إطلاق سراح الشاعر كارلوس لغريزو المدان من طرف محكمة عسكرية خلال دكتاتورية فرانكو.
كان صديقاً أيضاً لأهل المسرح الكوبي وقام بتبادل الزيارات معهم. قرر تخصيص مداخيل الموسم الصيفي للمسرح عام 1964م دعماً لكفاح الشعب الفلسطيني. كان محمد بودية وثيق الصلة بالرئيس أحمد بن بلة، لذلك عارض بشدة حركة التصحيح الثوري التي قامت في 19 حزيران 1965 بقيادة العقيد هواري بومدين، وغادر الجزائر نحو فرنسا.
علاقته بالقضية الفلسطينية
بدأت علاقة محمد بودية المباشرة بالقضية الفلسطينية من خلال تردده على ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في الجزائر سعيد السبع، ثم انتقل إلى كوبا وهناك التقى مع وديع حداد المسؤول العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وقرر بعد هذا اللقاء وضع خبرته السابقة خلال الثورة الجزائرية في خدمة النضال الفلسطيني، ولتنمية قدرته قرر الانتساب إلى جامعة باتريس لومومبا في موسكو (جامعة الكي جي بي) وهناك تدرب على مختلف التقنيات التي لم يكن يعرفها، تعرف في موسكو محمد بودية على شاب فنزويلي متحمس للنضال ضد الإمبريالية في العالم، كان هذا الشاب هو كارلوس (ابن آوى) ولم يجد محمد بودية صعوبة في تجنيده لصالح القضية الفلسطينية، كما نجح في إقناع كثيرين بعدالة قضية فلسطين وساهموا بخبرهم في دعم النضال.
عاد محمد بودية إلى باريس في مطلع السبعينيات بصفته "قائد العمليات الخاصة للجبهة الشعبية في أوروبا" وإتخذ اللقب الحربي "أبو ضياء". كان أول عمل قام به هو التنسيق مع الجماعات اليسارية الأوروبية مثل الألوية الحمراء الإيطالية، مجموعة بادر ماينهوف الألمانية، الجيش الأحمر الياباني، ثوار الباسك، الجيش الثوري الأرمني. وجد محمد بودية نفسه في ميدان يعشقه بشدة، كان المدبر الرئيسي لجميع عمليات الجبهة الشعبية في أوروبا في مطلع السبعينات كما ذكرت تقارير المخابرات الفرنسية والبريطانية والسي آي أيه والموساد. ومع ذلك، لم يثبت ضده أي دليل يدينه، وكانت المخابرات الفرنسية حائرة بشدة في أمره حيث كان يبدو عادياً جداً في النهار ومشغولاً ببروفات مسرحية برفقة ممثلين، لكنه كان رجلاً آخر في الليل.
عملياته
من عملياته الكثيرة: التخطيط لإرسال 3 ألمانيات شرقيات إلى القدس لتفجير عدة أهداف إسرائيلية وقد كشفت العملية فيما بعد، خطط أيضاً لتفجير مركز "شونو" بالنمسا وكان مركز تجمع ليهود الإتحاد السوفياتي المهاجرين إلى إسرائيل، خطط أيضا لتفجير مخازن إسرائيلية ومصفاة بترول في روتردام ب هولاندا، وأهم عملياته الناجحة على الإطلاق هي تفجير خط أنبوب بترولي بين إيطاليا والنمسا في 5 آب 1972 م، مخلفا خسائر قدرها 2,5 مليار دولار وضياع 250 ألف طن من نفط ينتجه العرب ويستغله أعدائهم. محمد بودية الذي كان معارضا لنظام هواري بومدين ويقال أنه كان يخطط لتحرير أحمد بن بلة، رفض عروضا عديدة للعمل رفقة الأمن العسكري (المخابرات الجزائرية آنذاك) التي كان أيضاً يخوض حرباً شرسة أخرى ضد الموساد، بودية المعتز كثيراً بحرية حركته سمحت له أيضاً بتقديم العون لمنظمة أيلول الأسود التابعة لفتح، ومن نتائج هذا التعاون هي مشاركته في عملية ميونيخ أثناء الأولمبياد عام 1972م، وكان دوره هو استضافة أفراد الكومندوس الفلسطيني قبل العملية ثم تهريبهم وإخفائهم بعدها، محمد بودية كان أيضاً صديقاً مقرباً لعلي حسن سلامة مسؤول أمن عرفات (القوة 17) وكان دائماً ينزل عنده عندما يزور بيروت.
اغتياله
في أعقاب عملية ميونخ الشهيرة، أمرت غولدا مائير الموساد بتنظيم عمليات اغتيال قيادات فلسطينية في جميع أنحاء العالم، كعملية فردان في بيروت عام 1973 م واغتيال فلسطينيين في باريس مثل محمود الهمشري ووائل زعيتر إضافة إلى باسل الكبيسي ومحاولة اغتيال سعيد السبع في طرابلس، لبنان، [2] محمد بودية أدان الاغتيالات عبر إعلانات نشرت في جريدة "لوموند" الفرنسية ووقعت عليها شخصيات عديدة منها يهود، ودفع هو ثمن الإعلانات، وكان يعلم جداً أنه هو أيضاً مستهدف، لذلك كان شديد الحرص، لذلك خطط الموساد لاغتياله بتجنيد يهود فرنسيين يعملون في مديرية أمن الإقليم dst، وتم زرع لغم ضغط تحت مقعد سيارته الرونو 16 الزرقاء اللون، وسقط محمد بودية شهيداً لما هم بركوب سيارته في صباح 28 حزيران 1973 أمام المركز الجامعي لشارع فوس برنار في باريس.
تولى القاضي جون باسكال التحقيق ولم يتوصل إلى أية نتيجة.
تكريمه
و تقديراً للرجل ورغم كونه معارضاً، سمح الرئيس هواري بومدين بدفن جثمانه في مقبرة القطار بالجزائر العاصمة. و يذكر أيضاً أن أبا داود (محمد عودة) قائد كومندوس عملية ميونخ التابع لمنظمة أيلول الأسود، عندما أطلق سراحه من فرنسا عام 1977م بوساطة جزائرية، أول ما قام به هو زيارة قبر الشهيد محمد بودية للترحم عليه، أما "كارلوس" الذي خلف بودية في منصبه فقد سمى عمليتي مطار أورلي في باريس عام 1975 م ضد طائرات العال الإسرائيلية باسم "عملية الشهيد محمد بودية".
* عن ويكيبيديا
أنا متأكّد أنّه هنا من أجلي. يراقب منذ الصباح كلّ خطوة من خطواتي، كلّ نظرة، كلّ تردّد من تردّداتي، يحلّلها، يزِنها، محاولا أن يكتشف من خلالها الخوف الذي يعرف أنّه بداخلي.
لقد قرّروا إذن أنني سأموت مرتجفا، ومرتديا ثوب الرعب القديم. ولم أعد أشكّ في أنّ هذا ما سيحدث فعلا.
لكنّني، لا أفهم لماذا في هذه اللحظة، لم أعد أخشاهم. لا هم، ولا قاتلهم المأجور، الذي يبدو من خلال شفتيه اللتين ترتجفان من الخوف، مبتدئا وغير مرتاح في دوره. الشفتان ذاتهما اللتان ستضحكان بعد قليل بسخرية، أو تستسلمان إلي معركة اكاستانيت»، في اللحظة التي سيقطع فيها، المسدّس، أو السكّين، أو ربما المدفع الرشّاش، أو حتّي القنبلة اليدويّة أصل إلي درجة أتمني فيها أن لا يقتصدوا في توفير الإمكانيات اللازمة لحالتي- خيط حياتي.
خيط حياتي...أحاول أن أتخيّل خيطا وحياتي..لا توافق بينهما. أو قد يحمل الخيط عقدا صغيرة وكبيرة تفصلها مسافات منتظمة.
يا إلهي! كم كنتُ مخطئا بشأني! كنتُ متأكّدا من صلاح حياتي، أو بالأحري من استقامتها. كان كلّ شيء يبدو لي واضحا، عاديا، متناسقا: أبي، أمي، غرفتي، سريري، إخوتي وأخواتي، أعمامي وعمّاتي، أبناء عمومتي، جيراني، أصحابي، زملائي، أصدقائي، المدرسة، الثانوية، الجامعة، الشهادات، الوظيفة، زملاء العمل، المدير، المقهي، الصالونات، قاعات العرض، غرفتي الثانية، سريري الثاني، غرفة المعيشة، المطبخ، غرفة الطعام، الحديقة، الكلب، القطّ، أطفال الآخرين، الاجتماعات، المواقف السياسية، مكاتب الاقتراع، عدم اكتراثي، احتقاري، شغفي، سخريتي وقناعاتي..
لم أتصوّر للحظة أنّ كلّ تصرف نابع من كلّ عادة، بحيث يرتبط كلّ واحد بالآخر بضغط تمارسه الجماعة، كان ربما هراءً أو إنكارا. هو أيضا رفض الانتماء إلي جماعات أكثر اتّساعا أو تحديدا إلي جماعة أخري غير مرئية كانت تعيش ملتصقة بي، تكبر عند بابي، تتجاوز بملايين المرات حجمي، وتسير بطريقة مدَوِّخَة في طريق لم تستطع عيناي أن تلمحها.
في ركن من أفريقيا، كان والدي يعمل كاهنا. كاهن أسود، هذا ما كان يُقال في الأحياء الراقية البيضاء. ثمّ يضيفون، لكنّه، ليس كالآخرين. كان والدي يَقْبل، بل يعترف، بأنّ خلاص أرواحنا، واكتشاف الحقيقة، ندين به لذوي البشرة البيضاء. لأنّ الروح بيضاء والحقيقة بيضاء، كالثلج، كالصوف، كالسكّر، كالملح، كالحليب، كالرجل الأبيض. كان الرجل الأبيض يشبه الأشياء الطيّبة وأنا كنت أحبّ الأشياء الطيّبة. لقد أدركوا هذا وقبِلوا بتواجدي بين أطفالهم. كوالدي، لم أكن أشبه الآخرين وكنت أبدو ذكيّا. وبفضل هذه الميزة، فتحوا لي أبواب أسرار الغرب.
الحقيقة الأولي كانت الرّب.
الثانية، كانت الحضارة التي حملها الرجل الأبيض متحدّيا، الأمراض، المصاريف، التضحيات، إلي المتخلّفين، وأحيانا رغما عنهم، أولئك التلاميذ الفشلة في مدرسة الحياة الكبري.
علّمونا استخدام الصابون، واللقاح، علّمونا السينما، والطرقات المزدحمة بعرباتهم التي تشتغل بالمحرّك، والملعب الذي نتحرّر فيه من الكبرياء والادّعاء، فنصبحَ مصارعي العضلة المسالمة. وحين تستيقظ غرائزنا الهمجية والمقَاتِلة، كنا نستخدمها في المهمّة النبيلة للدفاع عن القِيم التقليدية.
ولم تكن تنقصنا الفُرص للدفاع عنها، في مكان ما في ركن آخر من أفريقيا، أو في مكان أبعد في آسيا، وربما، كما كانوا يهمسون، يوما ما في أوروبا.
المادية تترصّدنا. قرّر الرجل الأحمر، داخل بشرته البيضاء، السوداء أو الصفراء، تحدّي نظام العالم، الحضارة، القيم الإنسانية، الديمقراطية.
استوعبتُ كلّ هذا شيئا فشيئا. ثمّ شربته بجرعات كاملة، في حين تجرّأت مجموعة من الأناركيين، ومن المغامرين، عند بابي، في مدينتي، في منطقتي، علي أن تثور علي الحقيقة. وهم ماذا كانوا يحملون؟ كلمات متّسخة جدا بأفواههم، كان علينا أن نغسلها بالماء المقدَّس للاستماع إليها مجدّدا-عدالة! حريّة! عمل! صداقة! لم أستطع أن أمنع نفسي من الصراخ: نصّابون. لم يكونوا أكثر من نصّابي التاريخ.
كان الرجل ذو البشرة السوداء يعمل، وكانوا يطالبون بحقّه في العمل، قائلين بأنّه يعمل كثيرا. كان الرجل الأسود حرّا وكانوا يطالبون بحقه في الحرّية لأنه كان يركض بحريّة كبيرة وسط أدغاله. كانت العدالة محقَّقة ومحقّقة بشكل جيّد.
كلّ ما كان علينا فعله هو الخضوع للقوانين والتعليمات، اجتناب المحرّمات، الاعتراف بواجباتنا والقيام بها. الصداقة! لم يكن الرجل الأبيض يطلب أكثر من منح صداقته، لكن علي مهل، دون الاخلال بتوازن العلاقات القديمة، منعا لأي سوء فهم.
لم أستطع البقاء علي الحياد، وفي كل صباح، في الجريدة التي كنت أعمل بها، كنت أقول الحقيقة للشعب، وأنا أصرخ بشراسة. كنت أحذِّره من المجهول، من الديكتاتورية، من الأنظمة المضِرَّة والتضامن المزيَّف. كان همّه الوحيد هو خلاص روحه، في إطار احترام مشيئة الرّب. كان خبزه اليومي متواجدا في راحة يد من أتي من بعيد ليبني له أفرانا وليظهر الثروات التي كان يتمتّع بها هو أيضا، وهو يبذل أقلّ جهد ممكن.
»فلنعد النظر في كل هذا»، كانت هذه لازمة الرومانسيين، القتلة، مفجِّري القنابل...
لم أكن قادرا علي التسامح مع هذه الفكرة داخل وجداني. العمل، وحده العمل يعيد النظر في الفرد، يشكّله من جديد، ومن هنا، يغيّر العالم. أنا عملتُ، ونجحتُ، وأيّ شخص في مكاني، كان سيفعل الشيء ذاته. ما يستطيع إنسان أن يحقِّقه، هو ممكن لإنسان آخر...وهكذا، شرع النظام بدوره، وفي حالة دفاع شرعيّ عن النفس، في تفجير القنابل، في الخنق، في السجن، في الذبح. قلتُ لنفسي إنّه: ايطهِّرب. كان يسجن الآلاف وسط كيلومترات من الأسلاك الشائكة الحديدية.
كنتُ أقول لنفسي: »إنّه يحمينا». سيطر علي الشوارع، علي الأحياء، علي الهويات. كنتُ أقول لنفسي: »الوقاية خير من الخضوع». أوقفوني، ضربوني، اشتبهوا بي، أطلقوا سراحي.
قلتُ لنفسي: ا لقد ارتكبَ خطأ، هذا طبيعي في هذه الحالة. وهكذا، توالي حدوث أشياء كثيرة، كنتُ سأراها غير مقبولة، في ظروف طبيعية.
اكتشف والدي الذي كان بطبيعة الحال طاعنا في السن ليفهم الحدث ودائما مرتبطا جدا ببعض الأساطير، روحا وطنية بداخله.
-بأنا وطنيٌّ، لأن أرض بلادي السمراء تحرقني من خلال أقدام إخوتي العارية. لستُ عنيفا. سأحارب بالكلمة.
لا تبطلُ الكلمة مفعولَ القذيفة، لكنّ القذيفةَ تخرس الأفواه الجريئة أكثر مما ينبغي.
مات والدي وهو يقود مظاهرة تطالب بإلغاء الإجراءات التي أصبحت مذلَّة أكثر فأكثر. بكيتُ عشيّة دفنه. في الصباح، بعد الدفن، قرّرت أنّ النظام بقوّته الأخلاقية، لا يستطيع أن يستسلم..للجريمة. صدمتني هذه الكلمة. كنت أردّدها علي مسامعي، ثم علي مسامع الآخرين، وأخيرا كتبتها. أصبحت هذه الجرأة جريمتي.
وها أنا مُدان
لا يزال الرجل تحت، قبالة باب فيلّتي. لم تستسلم الشمس الغائبة بعد لليل. عليّ أن أخرج إذا أردتُ أن أعرف. يدفعني خوفي الكبير من الموت إلي مواجهته، كأنني أريد أن أقيس حجمه لأعرف إن كان يستحق أو لا، كل الإنكار والجبن اللذين نبرّرهما به.
الرجل الآن في الجهة الأخري من الشارع. أستطيع أن أغامر حتي أصل إلي باب بيتي.
لا أدري إن كنت قد وزنت كلّ شيء لمحته عيناي وأنا أعبر الصالون ثم الرواق. بلا شك، يصبح كل شيء غريبا ومنفصلا عني لأنه فجأة لم يعد جزءا من عالمي. ما هو عالمي؟ يغتصبني الجواب. عليّ أن أحلّله، أن أعثر علي ذاتي...أفتح الباب. تفاجئني بروق وتضرب بطني لكماتٌ خفيفة. بالكاد أدرك أنني أنهار وأنا أنظر إلي الرجل، بشفتين مشدودتين. شفتاه لا ترتجفان، لا تضحكان بسخرية. تقتلانني بسحقي بين مخالب الكراهية.
أنا مُلقي علي الأرض ونظري لا يدرك شيئا. وحيدا، سألحق بوالدي. لكنّ والدي كانت تصحبه آلاف السواعد البشرية التي تسانده و تدفئ يديه حرارةُ شعب كامل. يداي معزولتان. أرغب في شيء واحد فقط: أن يضمّ أحدهم يدي، حتّي لو كان قاتلي.
أمدّ يدي اليمني نحو الشيء الأسود الموجود أمامي، والذي لا يمكن أن يكون إلا يدي اليسري. علي أن أضمّ يديّ الاثنتين، أن أصالح بينهما، لأتصالح مع ذاتي. تتشنّج أمعائي المؤلمة بسبب المجهود القاسي جدا والذي يفوق قدرتي البشرية. لكنّني ألمس الشيء الأسود رغم كلّ شيء، وأكتشف أنّه بارد وأملس. لقد وصلت إلي هنا!
أحاول جاهدا أن أطرد الضباب، فيلمح نظري لآخر مرّة يكون فيها صافيا، يدي علي حذاء قاتلها.
يحرّرني الموت في اللحظة التي يظهر لي فيها النظام مرتديا في قدميه، لون بشرتي.
===================================
محمد بو دية (1932 - 1973) مقاتل ثوري ومسرحي وصحفي جزائري انخرط في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ولد يوم 24 شباط 1932 في حي الباب الجديد (من أحياء القصبة العليا) في الجزائر العاصمة. بعد تلقي تعليمه، تأثر بالتيار الوطني الاستقلالي ثم اهتم بالمسرح حيث التحق بالمركز الجهوي للفنون الدرامية في عام 1954. هاجر بعد اندلاع الثورة إلى فرنسا وانضم إلى فيدرالية جبهة التحرير هناك، شارك في عدة عمليات فدائية جرح في إحداها عام 1956، كانت أكثر عملياته شهرة هي تفجير أنابيب النفط في مرسيليا يوم 25 آب 1958م التي قبض عليه بسببها وحكم بالسجن 20 عاماً. نجح في الهرب من السجن عام 1961م ولجأ إلى تونس. عمل في فرقة المسرح التابعة لجبهة التحرير الوطني، وفي كانون الثاني عام 1963 أصبح مدير الإدارة للمسرح الوطني وهو أول مسرح أقيم في الجزائر بعد الاستقلال. أسس جريدة "نوفمبر" و"الجزائر هذا المساء".
فكره الثوري
كان محمد بودية متأثراً بالأفكار الاشتراكية دون أن يعتنق الفكر الشيوعي، وخلال إدارته للمسرح الوطني أرسل العديد من رسائل التأييد إلى حركات التحرر في العالم يؤيدهم في ما يفعلون ويبرز لهم المثال الناجح لثورة الجزائر التحريرية، في 17 تشرين الأول 1964 وجه رسالة تنديد إلى سفارة إسبانيا بالجزائر أدان فيها محاكمة مجموعة ساندوفا، راسل وزير العدل الإسباني في 28 كانون الأول 1964 من أجل إطلاق سراح الشاعر كارلوس لغريزو المدان من طرف محكمة عسكرية خلال دكتاتورية فرانكو.
كان صديقاً أيضاً لأهل المسرح الكوبي وقام بتبادل الزيارات معهم. قرر تخصيص مداخيل الموسم الصيفي للمسرح عام 1964م دعماً لكفاح الشعب الفلسطيني. كان محمد بودية وثيق الصلة بالرئيس أحمد بن بلة، لذلك عارض بشدة حركة التصحيح الثوري التي قامت في 19 حزيران 1965 بقيادة العقيد هواري بومدين، وغادر الجزائر نحو فرنسا.
علاقته بالقضية الفلسطينية
بدأت علاقة محمد بودية المباشرة بالقضية الفلسطينية من خلال تردده على ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في الجزائر سعيد السبع، ثم انتقل إلى كوبا وهناك التقى مع وديع حداد المسؤول العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وقرر بعد هذا اللقاء وضع خبرته السابقة خلال الثورة الجزائرية في خدمة النضال الفلسطيني، ولتنمية قدرته قرر الانتساب إلى جامعة باتريس لومومبا في موسكو (جامعة الكي جي بي) وهناك تدرب على مختلف التقنيات التي لم يكن يعرفها، تعرف في موسكو محمد بودية على شاب فنزويلي متحمس للنضال ضد الإمبريالية في العالم، كان هذا الشاب هو كارلوس (ابن آوى) ولم يجد محمد بودية صعوبة في تجنيده لصالح القضية الفلسطينية، كما نجح في إقناع كثيرين بعدالة قضية فلسطين وساهموا بخبرهم في دعم النضال.
عاد محمد بودية إلى باريس في مطلع السبعينيات بصفته "قائد العمليات الخاصة للجبهة الشعبية في أوروبا" وإتخذ اللقب الحربي "أبو ضياء". كان أول عمل قام به هو التنسيق مع الجماعات اليسارية الأوروبية مثل الألوية الحمراء الإيطالية، مجموعة بادر ماينهوف الألمانية، الجيش الأحمر الياباني، ثوار الباسك، الجيش الثوري الأرمني. وجد محمد بودية نفسه في ميدان يعشقه بشدة، كان المدبر الرئيسي لجميع عمليات الجبهة الشعبية في أوروبا في مطلع السبعينات كما ذكرت تقارير المخابرات الفرنسية والبريطانية والسي آي أيه والموساد. ومع ذلك، لم يثبت ضده أي دليل يدينه، وكانت المخابرات الفرنسية حائرة بشدة في أمره حيث كان يبدو عادياً جداً في النهار ومشغولاً ببروفات مسرحية برفقة ممثلين، لكنه كان رجلاً آخر في الليل.
عملياته
من عملياته الكثيرة: التخطيط لإرسال 3 ألمانيات شرقيات إلى القدس لتفجير عدة أهداف إسرائيلية وقد كشفت العملية فيما بعد، خطط أيضاً لتفجير مركز "شونو" بالنمسا وكان مركز تجمع ليهود الإتحاد السوفياتي المهاجرين إلى إسرائيل، خطط أيضا لتفجير مخازن إسرائيلية ومصفاة بترول في روتردام ب هولاندا، وأهم عملياته الناجحة على الإطلاق هي تفجير خط أنبوب بترولي بين إيطاليا والنمسا في 5 آب 1972 م، مخلفا خسائر قدرها 2,5 مليار دولار وضياع 250 ألف طن من نفط ينتجه العرب ويستغله أعدائهم. محمد بودية الذي كان معارضا لنظام هواري بومدين ويقال أنه كان يخطط لتحرير أحمد بن بلة، رفض عروضا عديدة للعمل رفقة الأمن العسكري (المخابرات الجزائرية آنذاك) التي كان أيضاً يخوض حرباً شرسة أخرى ضد الموساد، بودية المعتز كثيراً بحرية حركته سمحت له أيضاً بتقديم العون لمنظمة أيلول الأسود التابعة لفتح، ومن نتائج هذا التعاون هي مشاركته في عملية ميونيخ أثناء الأولمبياد عام 1972م، وكان دوره هو استضافة أفراد الكومندوس الفلسطيني قبل العملية ثم تهريبهم وإخفائهم بعدها، محمد بودية كان أيضاً صديقاً مقرباً لعلي حسن سلامة مسؤول أمن عرفات (القوة 17) وكان دائماً ينزل عنده عندما يزور بيروت.
اغتياله
في أعقاب عملية ميونخ الشهيرة، أمرت غولدا مائير الموساد بتنظيم عمليات اغتيال قيادات فلسطينية في جميع أنحاء العالم، كعملية فردان في بيروت عام 1973 م واغتيال فلسطينيين في باريس مثل محمود الهمشري ووائل زعيتر إضافة إلى باسل الكبيسي ومحاولة اغتيال سعيد السبع في طرابلس، لبنان، [2] محمد بودية أدان الاغتيالات عبر إعلانات نشرت في جريدة "لوموند" الفرنسية ووقعت عليها شخصيات عديدة منها يهود، ودفع هو ثمن الإعلانات، وكان يعلم جداً أنه هو أيضاً مستهدف، لذلك كان شديد الحرص، لذلك خطط الموساد لاغتياله بتجنيد يهود فرنسيين يعملون في مديرية أمن الإقليم dst، وتم زرع لغم ضغط تحت مقعد سيارته الرونو 16 الزرقاء اللون، وسقط محمد بودية شهيداً لما هم بركوب سيارته في صباح 28 حزيران 1973 أمام المركز الجامعي لشارع فوس برنار في باريس.
تولى القاضي جون باسكال التحقيق ولم يتوصل إلى أية نتيجة.
تكريمه
و تقديراً للرجل ورغم كونه معارضاً، سمح الرئيس هواري بومدين بدفن جثمانه في مقبرة القطار بالجزائر العاصمة. و يذكر أيضاً أن أبا داود (محمد عودة) قائد كومندوس عملية ميونخ التابع لمنظمة أيلول الأسود، عندما أطلق سراحه من فرنسا عام 1977م بوساطة جزائرية، أول ما قام به هو زيارة قبر الشهيد محمد بودية للترحم عليه، أما "كارلوس" الذي خلف بودية في منصبه فقد سمى عمليتي مطار أورلي في باريس عام 1975 م ضد طائرات العال الإسرائيلية باسم "عملية الشهيد محمد بودية".
* عن ويكيبيديا