صففت على مكتبي كماً منتقى من كتب النحو والبلاغة زودتني بها مكتبتي العامرة، فارهقت بصري واجهدت ذهني في قراءة هذا الكم وتقليب صفحاته، ثم صنعت اسئلة على شفاه آخرين وراجعت بعدها كل نظريات التربية حتى تقوس ظهري، فخلدت في نوم عميق حالماً بغد مشرق اسهم فيه بصنع انسان الوطن.
احمر خد الشمس ودبت الحركة في منزلنا معلنة عن قدوم صبح جديد حينها انتزعت جسدي من على فراشي فزعاً واللهفة تقودني بشغف الى لقاء احبائي الجدد، فعنيت ايما عناية بهندامي وكأنني ذاهب الى حفلة عرس وفي الطريق وبينما اقود مركبتي رأيت عيوناً مثقلة وحواجب مقطبة ووجوهاً عابسة فبت غريباً بينهم اوزع الابتسامات عند اشارات المرور واطلق التحية باسراف يصل الى حد البلاهة وفرحت بمن يرد ولم اصدم بمن لا يجيب، وغمرتني نشوة عظمى وأنا أطيل التحديق في خطاب التعيين الملقى على الكرسي الذي بجانبي فاسترعت انتباهي جملة قفزت فوق كل الجمل وكأنها كتبت بأحرف من نور، (يعين بوظيفة مدرس على المستوى الخامس) فجعلت اشغل مساحة الوقت الفاصلة بيني وبينهم بتنقل سمعي بين اكثر من قناة بث اذاعي، غالبني الشوق اليهم ففكرت في زيادة السرعة ثم لم ألبث ان قتلت الشيطان في داخلي، خشية من ان لا ألقاهم أبداً وتغيب اللحظة التاريخية من قاموس حياتي وتدفن معي في احدى المقابر.. ها قد وصلت اليها.. منزلي الثاني ترجلت من على المركبة مهرولاً صوب غرفة عمود هذا الكيان فحياني بتحية الفاتحين الجدد.. وسلمني عهدة تنوء عن حملها جبال، وقدم لي دفتراً فرسمت فيه توقيعي التاريخي رسماً جميلاً تحولت به الى نحات قديم وفاستغرب عمود هذا الكيان نزعي للقلم اكثر من نحتي به.
ذهبت الى غرفة مجاورة فسمعت في البدء زفرة حارقة، اتبعت بتنهيدة لاهبة كاوية، وأفٍ طويلة اطلقها زميل بيده قلم أحمر، وسقط بصري على عصى غليظة مسندة الى الجدار، وبعد التحية طالبني زميل آخر بمأدبة غداء فاخرة ابتهاجاً بالمناسبة وقطع الرد على الطلب صوت جلجل في المكان فهب الجميع الى فناء واسع جميل، اصطف فيه احبائي كما الجنود في الميدان وأخذت أنا وبعض زملائي دور الضباط متقلدين.
ويجلد الجميع صوت أجش غليظ بخطبة عصماء صفق لها الحضور وينتهي مشهد البداية الجميل بنشيد الوطن:
سارعي للمجد والعلياء
مجدي لخالق السماء
وارفعي الخفاق أكبر
يحمل النور المسطر
رددي الله أكبر يا موطني
موطني عشت فخر المسلمين
عاش المليك للعلم والوطن
وتوافد الحضور نحو الفصول وبدأ كل زميل يكتب التاريخ على لوح أخضر نظيف، ولم ارض ان يكون سيد هذا البيت وصاحب الامر النافذ فيه ان يكون أفضل حالاً مني في القاء الخطب فارتجلت.. بكل الحب وبكل الرغبة الانسانية الصادقة استقبلكم لنتعاون معاً في بناء مستقبل زاهر تهلل من اجله امهاتكم ويفخر به آباؤكم.. بحماس منقطع النظير ظننت انه لا يغتر فإذا بي ارى الوجوه مستغربة واشعر بأن الاذان منزعجة فتوقفت كما المطعون في قلبه غائر العينين عاقدة الدهشة لساني، فاسقطت من ذاكرتي موقفهم الغريب وشرعت في كتابة الدرس الأول فحاطت بي سحابة من الغبار الابيض كادت ان تخنقني، فكححت بصوت متحشرج مبحوح فانقذني على الفور تلميذ نبيه برشفة ماء باردة.. فاستأنفت الشرح بنبض جديد وتنقلت بين الفصول الى ان خارت عزائمي وخارت من الاعياء واوشكت ان تنخلع مفاصلي، فتذكرت لحظتها الطبيب فكان الشفاء في عبارات لونت جدران هذا الكيان بمعناها النبيل فبثت في دمائي الحركة وتنفست الصعداء.
وفي اليوم التالي واصلت رحلتي مع التدريس بإقبال جديد.. ولكنني لن انسى ما حييت ذكرى اليوم الأول من التعيين.
احمر خد الشمس ودبت الحركة في منزلنا معلنة عن قدوم صبح جديد حينها انتزعت جسدي من على فراشي فزعاً واللهفة تقودني بشغف الى لقاء احبائي الجدد، فعنيت ايما عناية بهندامي وكأنني ذاهب الى حفلة عرس وفي الطريق وبينما اقود مركبتي رأيت عيوناً مثقلة وحواجب مقطبة ووجوهاً عابسة فبت غريباً بينهم اوزع الابتسامات عند اشارات المرور واطلق التحية باسراف يصل الى حد البلاهة وفرحت بمن يرد ولم اصدم بمن لا يجيب، وغمرتني نشوة عظمى وأنا أطيل التحديق في خطاب التعيين الملقى على الكرسي الذي بجانبي فاسترعت انتباهي جملة قفزت فوق كل الجمل وكأنها كتبت بأحرف من نور، (يعين بوظيفة مدرس على المستوى الخامس) فجعلت اشغل مساحة الوقت الفاصلة بيني وبينهم بتنقل سمعي بين اكثر من قناة بث اذاعي، غالبني الشوق اليهم ففكرت في زيادة السرعة ثم لم ألبث ان قتلت الشيطان في داخلي، خشية من ان لا ألقاهم أبداً وتغيب اللحظة التاريخية من قاموس حياتي وتدفن معي في احدى المقابر.. ها قد وصلت اليها.. منزلي الثاني ترجلت من على المركبة مهرولاً صوب غرفة عمود هذا الكيان فحياني بتحية الفاتحين الجدد.. وسلمني عهدة تنوء عن حملها جبال، وقدم لي دفتراً فرسمت فيه توقيعي التاريخي رسماً جميلاً تحولت به الى نحات قديم وفاستغرب عمود هذا الكيان نزعي للقلم اكثر من نحتي به.
ذهبت الى غرفة مجاورة فسمعت في البدء زفرة حارقة، اتبعت بتنهيدة لاهبة كاوية، وأفٍ طويلة اطلقها زميل بيده قلم أحمر، وسقط بصري على عصى غليظة مسندة الى الجدار، وبعد التحية طالبني زميل آخر بمأدبة غداء فاخرة ابتهاجاً بالمناسبة وقطع الرد على الطلب صوت جلجل في المكان فهب الجميع الى فناء واسع جميل، اصطف فيه احبائي كما الجنود في الميدان وأخذت أنا وبعض زملائي دور الضباط متقلدين.
ويجلد الجميع صوت أجش غليظ بخطبة عصماء صفق لها الحضور وينتهي مشهد البداية الجميل بنشيد الوطن:
سارعي للمجد والعلياء
مجدي لخالق السماء
وارفعي الخفاق أكبر
يحمل النور المسطر
رددي الله أكبر يا موطني
موطني عشت فخر المسلمين
عاش المليك للعلم والوطن
وتوافد الحضور نحو الفصول وبدأ كل زميل يكتب التاريخ على لوح أخضر نظيف، ولم ارض ان يكون سيد هذا البيت وصاحب الامر النافذ فيه ان يكون أفضل حالاً مني في القاء الخطب فارتجلت.. بكل الحب وبكل الرغبة الانسانية الصادقة استقبلكم لنتعاون معاً في بناء مستقبل زاهر تهلل من اجله امهاتكم ويفخر به آباؤكم.. بحماس منقطع النظير ظننت انه لا يغتر فإذا بي ارى الوجوه مستغربة واشعر بأن الاذان منزعجة فتوقفت كما المطعون في قلبه غائر العينين عاقدة الدهشة لساني، فاسقطت من ذاكرتي موقفهم الغريب وشرعت في كتابة الدرس الأول فحاطت بي سحابة من الغبار الابيض كادت ان تخنقني، فكححت بصوت متحشرج مبحوح فانقذني على الفور تلميذ نبيه برشفة ماء باردة.. فاستأنفت الشرح بنبض جديد وتنقلت بين الفصول الى ان خارت عزائمي وخارت من الاعياء واوشكت ان تنخلع مفاصلي، فتذكرت لحظتها الطبيب فكان الشفاء في عبارات لونت جدران هذا الكيان بمعناها النبيل فبثت في دمائي الحركة وتنفست الصعداء.
وفي اليوم التالي واصلت رحلتي مع التدريس بإقبال جديد.. ولكنني لن انسى ما حييت ذكرى اليوم الأول من التعيين.