“البيت الذي ليس فيه مكتبة لا يؤتَمن جانبه”، هذا ما كان يردده صديقي القاص والكاتب المسرحي العراقي الراحل جليل القيسي. اليوم أقرأ أن بورخيس أسمى الكون مكتبة، وتخيّل الفردوس على شكل مكتبة لأن جوهر الحقيقة يكمن عنده في الكتب؛ قراءة الكتب، تأليف الكتب، التحدث عن الكتب، على الرغم من أن حجم مكتبته كان يبعث على خيبة الأمل، كما يقول ألبرتو مانغويل، أحد أهم أساتذة علم القراءة، في كتابه “مع بورخيس”.
وكان زواره يتوقعون أن شقته مكان مكسوّ بالكتب، برفوف تطفح حتى حافّتها، أكوام من المطبوعات تسدّ الممرات وتبرز خارج كل فجوة أدغالا من حبر وورق. لكنهم كانوا يجدون بدلا من ذلك شقة صغيرة يقيم فيها الكاتب مع أمه وخادمة، تتوزع في زواياها المهملة حقائب مملوءة بالكتب.
وعندما زاره الروائي البيروفي ماريو فارغاس يوسا، أيام شبابه في أواسط خمسينات القرن العشرين، تساءل “لماذا لا يسكن المعلم في مسكن أكثر اتساعا وفخامة؟”، فأحس بورخيس بإهانة كبيرة، وردّ عليه “ربما كانت تلك هي الطريقة التي يتعاملون فيها مع الأمور في ليما، لكننا هنا في بوينس آيرس لا نهوى التفاخر”.
كانت بعض حقائب الكتب تضم خلاصة قراءات بورخيس، ابتداء من تلك التي احتوت على مفخرته: الموسوعات والقواميس، التي تعلّق بها مذ كان طفلا يرافق والده إلى المكتبة الوطنية، حيث أنه أكثر خجلا من أن يطلب كتابا، لذا كان يتناول أحد مجلدات “دائرة المعارف البريطانية” من على الرفّ، ويقرأ المادة التي ينفتح عليها المجلّد أمام عينيه. ولم يتخلّ أبدا عن تلك العادة فيمضي ساعات عديدة وهو يقلَب صفحات الموسوعة.
وثمة حقائب أخرى في مخدع بورخيس اشتملت على واحدة من أكبر مجموعات الأدب الأنكلوساكسوني والأيسلندي في أميركا اللاتينية، وعلى طبعات عديدة من كتب لجيمس جويس وإليوت، وعدد من الكتاب والشعراء المهمّين في العالم.
والغريب أن كتبه التي ألّفها كانت غائبة عن حقائب الكتب في الشقة، وكان يقول بفخر لزائريه الذين يطلبون منه رؤية طبعة قديمة من أعماله إنه لا يمتلك كتابا واحدا يحمل اسمه! مؤكدا لهم أن الأسماء الموجودة في مكتبته هي التي تسندها، ولا حاجة لوجود اسمه بينها.
يقول مانغويل، الذي كان يقرأ لبورخيس الكتب بعد أن فقد بصره إثر مرض وراثي يتنقل في العائلة، إنه أثناء زيارته له، ذات مرة، أحضر ساعي البريد طردا كبيرا يحتوي على نسخة من أحد كتبه المترجمة إلى الألمانية، وقد جعلها الناشر في غلاف سميك مزخرف وموشاة بخيوط من الذهب تقديرا له، فاستلمها بورخيس وعرف من خلالي شكل الكتاب فردد أن الناشر حوّله من كتاب إلى حلية، ثم أهداه لساعي البريد الذي جاء به.
اليوم نجد العديد من القصور الفخمة لرجال أعمال ووزراء وموسرين تحتوي على مكتبات كبيرة مملوءة بمجلدات فاخرة من الكتب العربية والأجنبية، لكنها ليست أكثر من “ديكور”، إذ يتباهى بها أصحابها أمام زوارهم، مثلما يتباهون بأطباقهم وملاعقهم وأصناف الطعام التي يقدمونها لهم!
كاتب من العراق
وكان زواره يتوقعون أن شقته مكان مكسوّ بالكتب، برفوف تطفح حتى حافّتها، أكوام من المطبوعات تسدّ الممرات وتبرز خارج كل فجوة أدغالا من حبر وورق. لكنهم كانوا يجدون بدلا من ذلك شقة صغيرة يقيم فيها الكاتب مع أمه وخادمة، تتوزع في زواياها المهملة حقائب مملوءة بالكتب.
وعندما زاره الروائي البيروفي ماريو فارغاس يوسا، أيام شبابه في أواسط خمسينات القرن العشرين، تساءل “لماذا لا يسكن المعلم في مسكن أكثر اتساعا وفخامة؟”، فأحس بورخيس بإهانة كبيرة، وردّ عليه “ربما كانت تلك هي الطريقة التي يتعاملون فيها مع الأمور في ليما، لكننا هنا في بوينس آيرس لا نهوى التفاخر”.
كانت بعض حقائب الكتب تضم خلاصة قراءات بورخيس، ابتداء من تلك التي احتوت على مفخرته: الموسوعات والقواميس، التي تعلّق بها مذ كان طفلا يرافق والده إلى المكتبة الوطنية، حيث أنه أكثر خجلا من أن يطلب كتابا، لذا كان يتناول أحد مجلدات “دائرة المعارف البريطانية” من على الرفّ، ويقرأ المادة التي ينفتح عليها المجلّد أمام عينيه. ولم يتخلّ أبدا عن تلك العادة فيمضي ساعات عديدة وهو يقلَب صفحات الموسوعة.
وثمة حقائب أخرى في مخدع بورخيس اشتملت على واحدة من أكبر مجموعات الأدب الأنكلوساكسوني والأيسلندي في أميركا اللاتينية، وعلى طبعات عديدة من كتب لجيمس جويس وإليوت، وعدد من الكتاب والشعراء المهمّين في العالم.
والغريب أن كتبه التي ألّفها كانت غائبة عن حقائب الكتب في الشقة، وكان يقول بفخر لزائريه الذين يطلبون منه رؤية طبعة قديمة من أعماله إنه لا يمتلك كتابا واحدا يحمل اسمه! مؤكدا لهم أن الأسماء الموجودة في مكتبته هي التي تسندها، ولا حاجة لوجود اسمه بينها.
يقول مانغويل، الذي كان يقرأ لبورخيس الكتب بعد أن فقد بصره إثر مرض وراثي يتنقل في العائلة، إنه أثناء زيارته له، ذات مرة، أحضر ساعي البريد طردا كبيرا يحتوي على نسخة من أحد كتبه المترجمة إلى الألمانية، وقد جعلها الناشر في غلاف سميك مزخرف وموشاة بخيوط من الذهب تقديرا له، فاستلمها بورخيس وعرف من خلالي شكل الكتاب فردد أن الناشر حوّله من كتاب إلى حلية، ثم أهداه لساعي البريد الذي جاء به.
اليوم نجد العديد من القصور الفخمة لرجال أعمال ووزراء وموسرين تحتوي على مكتبات كبيرة مملوءة بمجلدات فاخرة من الكتب العربية والأجنبية، لكنها ليست أكثر من “ديكور”، إذ يتباهى بها أصحابها أمام زوارهم، مثلما يتباهون بأطباقهم وملاعقهم وأصناف الطعام التي يقدمونها لهم!
كاتب من العراق