كان ذلك و أنا أعبر شارع فؤاد جهة المتحف, تلاقي وجهانا لثوان أثناء العبور, و حينما وقفت جهة المتحف عادت ثانية لتستوقفني. اقتربت مني بشدة.
' إسكندرية وحشتني قوي, بقالي سنة مجتش أزور أمي, الجواز بقي و الدنيا و الحمل'
و أشارت لبطنها المنتفخة, فبادرتها:' الجواز حلو؟'
' آه حلو قوي'
' صعب؟'
' فعلا المسؤولية بقي و الحمل كمان صعب'
فتشت بعينيها عن شيء ما في أصابعي, لم تجد مبتغاها, فابتسمت ثم غادرتني دون وداع. تمت طقوس الوداع بعناية تلك السنة و لكن لم يحدث الوداع بعد!... فتشنا بعناية عن أقربائنا العجائز- يختطف الموت العجائز في الأغلب.. فتشنا عن المرضي أيضا, و لكن لدهشتنا لم يختطف الموت منهم أحدا هذا العام,
لم نستسلم لحقيقة أن الموت سينسانا هذا العام علي عكس أي عام ماض, يعترينا القلق الآن في نهاية ذلك العام للإجابة عن سؤال كل عام.. يا موت.. أي قريب ستختاره منا هذا العام مثل كل عام؟!.
في البداية وصلتني منه تلك الرسالة:' تتجوزيني؟'
هكذا فقط دون أي تفاصيل, وقتها كنت حالمة أكثر من اللازم و جاوبته برسالة مثلها:' أوافق'.
و ضحكنا بعدها سويا, لكنه تعجب حينما أصريت علي انتزاع ذلك الوعد منه,
' عدني بألا تكتبني للأبد'.. أظنه لم يفهم بعد لماذا أصريت علي الوعد, لم يفهم أن كتابتنا تعني رغبتنا القوية في النسيان, أظنني لم أحب أن يختصرني في كلمات- رغم روعة كلماته-.
بعدها استمرت الرسائل بيننا لعام و أكثر, في آخر رسالة قلت له أنه الحب دوما سينتهي نهاية مأساوية إما الفراق و إما الزواج,
لم يرد بعدها و لم أره,
أعاد لي كل رسائلي في مظروف كبير كتب عليه:
' كتبتك و نسيتك'.
تشاغلت بصنع تلك الأشكال الورقية أثناء انتظاري المضني لإختيار الموت ذلك العام,
أسلي نفسها بصنع العصافير الملونة و المراوح,
أذكر تلك الحكاية التي تناقلتها عائلتها بكل تفاصيلها,
كان ذلك منذ أكثر من المئة عام حينما خرجت إحدي البنات و لم تعد, من يومها يختار الموت منهم ضحية كل عام.
حسن تبدو الحكاية منقوصة بعض الشيء, فإاذا علمنا أن البنت لم تخرج قط و مازالت قابعة أسفل وسعاية منزل العائلة بقريتهم بدشنا... ذلك اليوم كاد الموت أن يأخذ روح تلك العجوز المتحكمة, خطأ ما أهداه روح البنت السمراء الجميلة قبل ان تغادر روح البنت لعنتهم, و أصر الموت علي الامتثال لرغبتها تحت تأثير روحها الجميلة, و انتهت الحكاية.
ديسمبر أوشك علي الإنتهاء و مازال المشي في شارع فؤاد دون دموع عسير, يقتلها القلق و الإنتظار.
تعب بعينيها تفاصيل الشارع لتحفظه, يطاردها شبح و حب لم يكتمل... تغلق كل الأبواب, تمقت كل الناس, تعترف لنفسها أنها لن تساعد الموت في مهمته و لن يكون لها عائلة و ليلعنها و يلعن المتبقي من عائلتها كيفما شاء.
تلك آخر ليلة في العام و لم يأت الموت بعد!.
حبست نفسها بغرفتها, فضت كل الرسائل و صنعت العصافير الملونة, امتلأت الغرفة من حولها بعصافير تحمل بعض أحلام الحب.
دقت الساعة الثانية عشر, لمستها أحيت كل العصافير التي أحاطتها, كادت تختنق من الريش الملون الذي أحاط بها, اكتمل نمو جناحيها عند الدقة الأخيرة للساعة
و... طارت من شباك غرفتها.
' إسكندرية وحشتني قوي, بقالي سنة مجتش أزور أمي, الجواز بقي و الدنيا و الحمل'
و أشارت لبطنها المنتفخة, فبادرتها:' الجواز حلو؟'
' آه حلو قوي'
' صعب؟'
' فعلا المسؤولية بقي و الحمل كمان صعب'
فتشت بعينيها عن شيء ما في أصابعي, لم تجد مبتغاها, فابتسمت ثم غادرتني دون وداع. تمت طقوس الوداع بعناية تلك السنة و لكن لم يحدث الوداع بعد!... فتشنا بعناية عن أقربائنا العجائز- يختطف الموت العجائز في الأغلب.. فتشنا عن المرضي أيضا, و لكن لدهشتنا لم يختطف الموت منهم أحدا هذا العام,
لم نستسلم لحقيقة أن الموت سينسانا هذا العام علي عكس أي عام ماض, يعترينا القلق الآن في نهاية ذلك العام للإجابة عن سؤال كل عام.. يا موت.. أي قريب ستختاره منا هذا العام مثل كل عام؟!.
في البداية وصلتني منه تلك الرسالة:' تتجوزيني؟'
هكذا فقط دون أي تفاصيل, وقتها كنت حالمة أكثر من اللازم و جاوبته برسالة مثلها:' أوافق'.
و ضحكنا بعدها سويا, لكنه تعجب حينما أصريت علي انتزاع ذلك الوعد منه,
' عدني بألا تكتبني للأبد'.. أظنه لم يفهم بعد لماذا أصريت علي الوعد, لم يفهم أن كتابتنا تعني رغبتنا القوية في النسيان, أظنني لم أحب أن يختصرني في كلمات- رغم روعة كلماته-.
بعدها استمرت الرسائل بيننا لعام و أكثر, في آخر رسالة قلت له أنه الحب دوما سينتهي نهاية مأساوية إما الفراق و إما الزواج,
لم يرد بعدها و لم أره,
أعاد لي كل رسائلي في مظروف كبير كتب عليه:
' كتبتك و نسيتك'.
تشاغلت بصنع تلك الأشكال الورقية أثناء انتظاري المضني لإختيار الموت ذلك العام,
أسلي نفسها بصنع العصافير الملونة و المراوح,
أذكر تلك الحكاية التي تناقلتها عائلتها بكل تفاصيلها,
كان ذلك منذ أكثر من المئة عام حينما خرجت إحدي البنات و لم تعد, من يومها يختار الموت منهم ضحية كل عام.
حسن تبدو الحكاية منقوصة بعض الشيء, فإاذا علمنا أن البنت لم تخرج قط و مازالت قابعة أسفل وسعاية منزل العائلة بقريتهم بدشنا... ذلك اليوم كاد الموت أن يأخذ روح تلك العجوز المتحكمة, خطأ ما أهداه روح البنت السمراء الجميلة قبل ان تغادر روح البنت لعنتهم, و أصر الموت علي الامتثال لرغبتها تحت تأثير روحها الجميلة, و انتهت الحكاية.
ديسمبر أوشك علي الإنتهاء و مازال المشي في شارع فؤاد دون دموع عسير, يقتلها القلق و الإنتظار.
تعب بعينيها تفاصيل الشارع لتحفظه, يطاردها شبح و حب لم يكتمل... تغلق كل الأبواب, تمقت كل الناس, تعترف لنفسها أنها لن تساعد الموت في مهمته و لن يكون لها عائلة و ليلعنها و يلعن المتبقي من عائلتها كيفما شاء.
تلك آخر ليلة في العام و لم يأت الموت بعد!.
حبست نفسها بغرفتها, فضت كل الرسائل و صنعت العصافير الملونة, امتلأت الغرفة من حولها بعصافير تحمل بعض أحلام الحب.
دقت الساعة الثانية عشر, لمستها أحيت كل العصافير التي أحاطتها, كادت تختنق من الريش الملون الذي أحاط بها, اكتمل نمو جناحيها عند الدقة الأخيرة للساعة
و... طارت من شباك غرفتها.