كامل محمود حبيب - من الأعماق...

قصة من الحياة:
(مهداة إلى الأستاذ أنور المعداوي)



مضى الليل إلا أقلّه و (إلهام) تضطرب في فراشها لا تستقر، تتلمس الكرى فلا تجده وتنشد الراحة فلا تنالها، وقد اطمأنت إلى الظلام والسكون يعصرها الهم ويضنيها الأسى، تنغمر في خواطرها والساعات تنطوي. و (إلهام) فتاة في الثامنة عشرة من سني حياتها فهي في شبابها الأول تنبض بالحياة وتتفتح عن أمل باسم وتتألق عن جمال رائع فتان، تشع نوراً وسعادة وتتلألأ بهاءً وضياءً. لم تذق الحزن ولا عرفت معنى الكآبة، فهي بين أبيها وأمها وأختها الصغرى في بهجة ما تنقطع أسبابها، فما لها - الآن - تجلس وحدها في ظلام الحجرة وظلام الأخيلة؟ وإن الشيطان ليوسوس لها بين حين وحين فلا ترى الحياة إلا عوداً من ثقاب تشعله في ثيابها، وإلا حبلاً تلفه حول عنقها وتتعلق به فيقضقض عظام رقبتها، وإلا نافذة تنفتح لتقذف بنفسها منها. ولكنه ما يزال فيها بقية من دين وصبابة من أمل.

وتسرب نور الصباح إلى حجرة إلهام يفزعها عن فراشها وعن خواطرها في وقت معاً، واندفعت صوب الشباك تريد أن تسرّي عن نفسها بعض ما أمضّها فما وجدت في نسمات الصباح الندية ما يرفه عنها كربة قلبها، ولا في النور الجميل المتدفق من لدن المشرق ما يمسح على همّ روحها.

يا عجبا! لقد كانت تجد في بسمة الصبح الجمال والحياة والنشاط جميعاً فما بالها الآن تفر منها في ضيق وملل.

وفي عصر يوم من أيام الربيع - منذ أربع سنوات - والرياح تهب رخيةً لينة توقع لحن السعادة والنور على قيثارة الربيع الهادئ الجميل، والطائر الغريد يثب على أفنان الشجر وهو يشدو بأنغام النشوة والمرح، والأزاهير تنفح عبيرها في خيلاء وتتمايل سكرى وقد هزتها اللذة واستخفها الطرب، والشمس تنحدر إلى خدرها رويداً رويداً لتذر هذا العالم المضطرب ينام في هدوء وراحة وأشعتها تتعابث وتتعانق، يودع بعضها بعضاً قبل أن تتلاشى لدى المغرب.

حينذاك اندفعت إلهام إلى الحديقة في ثوبها الحريري الأبيض الرفاف وهي في عطرها المتأرج وشبابها الفياض تنفث الحياة في هذه الناحية وما فيها سوى البستاني العجوز يفحص الأرض بفأسه الصغيرة، اندفعت إلى الحديقة تحنو على أزهارها وتحبو شجيراتها ببعض عطفها وتتنقل هنا وهناك، فهي زهرة نضيرة بين أزاهير، ولكن فيها هي الحياة الوثابة وفيها الجمال الآسر وفيها الخفة والفتنة وفيها السعادة والبشرى. لقد تفتحت الأزاهير وتكاد أوراقها أن تذبل، أما هي فتوشك أن تتفتح عن أكمامها فتبدو في بهائها ورونقها ملء العين وسحر القلب وإن ربيع الأزاهير لينطوي في غير بطأ ولا تلبث، أما ربيعها هي فيقبل في هدوء وأناة، وغمُر الحديقة نور الفتاة فتراءت كأنما ترقص طرباً وحبوراً.

ودخل (عادل) إلى الحديقة - على حين غفلة - فألفى الفتاة أمامه وجهاً لوجه فرأى فيها معاني قلبه الشاب ولكنه ما يزال في الجامعة وما تزال هي طفلة. وسألها عن أبيها وعن أمها فما وجدهما. لقد خرج معاً ليقضيا شطراً من الليل خارج الدار. وهمَّ الفتى أن يرجع غير أن الفتاة طلبت إليه أن يتلبث قليلاً لتعرض أمامه أزهارها وشجيراتها.

وتحدثت الفتاة في طلاقة واستمع الفتى. وانطلقت وانطلق هو إلى جانبها يحدثها وتحدثه هي حديث الزهر والشجر والربيع والأصيل والعطر. . ورقت كلمات الفتى وتكسرت نبراته. . . ثم خرج ووقفت هي تنظر إليه في صمت، وأحسست الفتاة بالوحدة حين رأت عادلاً يتوارى خلف سور الحديقة فأرادت أن تندفع في إثره لترده إليها، ولكن. .

وعادل فتى سمهري القوام قوي العضل وضاح الجبين يتألق وجهه حياة ونشاطاً، وتنبعث من عينيه أشعة نفاذة قوية علامة الذكاء والفطنة، وتضطرب في محجريه آثار عبرات مكفوفة علامة الإنسانية والرقة، وهو - إذ ذاك - طالب في السنة النهائية من كلية الآداب واسع الأفق حلو الحديث طلي الأسلوب رقيق الحاشية، طيب القلب، عالي الهمة، يعتز بعلمه وأدبه، حريص على كبريائه وكرامته.

لقد دأب عادل - منذ أن التحق بكلية الآداب - على أن يزور (فكري بك) - والد إلهام - كل أسبوع فهو صديق أبيه وهو عونه هنا في القاهرة. وإن عادلاً ليفزع إلى فكري بك يستعينه على أمره ويستنير برأيه ويطمئن إلى نصيحته، وهو فتى ريفي يشفق على نفسه أن يجرفه تيار المدينة ويتهيب أن يعصف به لهو الحياة، فهو يرى في (البك) الأب والقائد والمثل الأعلى، وفكري بك يرى في عادل الابن والصاحب والصديق. وأنس واحد إلى واحد واطمأن إليه، فعادل ما يبرح يزور (البك) و (البك) ما يبرح يفتقد عادلاً ويطلبه فيلح في الطلب، يقيمه على بعض شأنه ويفتح له بابه وقلبه وذراعيه.

لطالما جاء عادل إلى الدار، ولطالما تحدث إلى إلهام في عطف، ولطالما جلس إليها يعينها على الدرس ولطالما قص لها الأقاصيص وأهدى إليها الكتب ولكنها لم تحس بما يدفعها إليه إلا في هذه المرة. أفكان ذلك من أثر شعورها بأنه أزال عنها الوحدة في الحديقة في عصر يوم من أيام الربيع؟ أم هو شعور بالعطف عليه حين لم يجد أباها فأراد أن يرتد في خذلان؟ أم هو التقدير والإجلال لمن وجدت فيه الحمى والعون؟ لا ريب فهي قد أحست في نفسها شعوراً غامضاً لا تعرف مأتاه ولا تدرك كنهه ولكنه يدفع قلبها صوب هذا الفتى.

وبدأت الفتاة تترقب موعد زيارة عادل في شغف وتنتظر مقدمه في شوق وتتأهب للقياه في زينة. ولكنها في سنها المبكرة ما تزال تجهل ما يضطرب في نفسها.

وانطوت الأيام والفتاة تأنس إلى فتاها، تهفو إلى مجلسه وترنو إلى حديثه وقلبها يزداد تعلقاً به وأخيلتها تحوم حواليه فهي تخلق الأسباب لتسأله فيجيب وتتصنع الجهل ليشرح لها درساً أو يحل لها مسألة، والفتى مطمئن إلى ما تفعل راض بما يجد، يرى فيه راحة قلبه وشفاء نفسه. غير أن الفتاة لم تستطع أن تدرك كنه ما تحس. هذه العاطفة المشبوبة تبعث فيها الحيرة والاضطراب وهي تكتمها فلا تتحدث بها إلى أمها ولا تبوح بها إلى أختها الصغيرة. وكيف تفعل وفي رأيها أن فتاها لا يبادلها عطفاً بعطف ولا إخلاصاً بإخلاص؛ وهي إن فعلت لا تأمن أمها أن تغلظ لها في الحديث أو تتهكم عليها بكلمات قاسية عنيفة. وأختها طفلة لا تفهم لغة القلب ولا تعي حديث الهوى، وهي لا تستطيع أن تحدث صاحبها بذات نفسها خشية أن يكون في شغل عنها فيحتقر خلجات روحها ويمتهن نبضات قلبها. وألقت بها هذه الخواطر في تيهاء مقفرة ثم قنعت بأن تستمتع برؤيته بين الحين والحين، وأن تسعد بحديثه بين الفينة والفينة، تروي ظمأ نفسها وتنقع غلة قلبها، والأيام تنطوي. . .

أما عادل فقد أحس بالهوى الجياش يتدفق إلى قلبه في غير هوادة ولا لين منذ أن رآها تثب بين النبت والزهر ترفل في ثوبها الحريري الهفهاف تتوثب نشاطاً وحياة وتتألق بهجة ونوراً، وشغف بها حين رآها تستكمل - على الأيام - أنوثتها وجمالها، فهو يتودد إليها في رفق ويسعى إلى رضاها في صمت؛ والحياء يمنعه عن أن يكشف لها عن دخيلة قلبه خشية أن تنفر منه فلا يراها بعدُ وأن تزدري عاطفته فتسخر منه فتتحطم كبرياؤه وتتصدع كرامته.

وحال الخجل بينه وبين أن يحدث أباها بما يكن للفتاة من حب خيفة أن يثور به فيضع بينهما سداً لا يستطيع واحد أن يظهره وإن جهد.

وليست هذه بالسبيل التي يسلكها إلى غايته، فهناك في القرية أبوه وهو رجل ذو عقل وتجربة، يرى الرأي ويوطئ للأمر فينفذ إليه من منافذ يعجز عنها عادل نفسه.

وألقت به هذه الخواطر في تيهاء مقفرة، ثم قنع بأن يستمتع برؤية فتاته بين الحين والحين وأن يسعد بحديثها بين الفينة والفينة يروي ظمأ نفسه وينقع غلة قلبه، والأيام تنطوي.

ورأى الأب بعيني تجاربه أن الفتى يحنو على الفتاة وأن فتاته تعطف على الفتى، وخشي أن تمتد يد إلى يد أو يهفو صدر نحو صدر أو تقترب شفة من شفة، ثم ساورته الريبة واستولى عليه الشك. فماذا يفعل؟ وهولا يريد أن يغلق بابه دون الفتى وهو صديق أبيه، ولا أن يدفعه عن داره وهو يستعينه على بعض شأنه، ولا أن ينشر ظنونه أمام الفتى فيظن هو ويظن أبوه أنه يعرض ابنته كما تعرض السلعة البائرة في السوق الراكدة يبتغي من وراء ذلك أمراً. وتملكته الحيرة.

وجاء عادل - كدأبه - يزور (سعادة البك)، ورأته إلهام وهو يدلف إلى حجرة المكتب فانطلقت إلى هناك كعادتها، ولكن أباها طردها في غلظة، ونهاها عن أن تدخل حجرة فيها (الأستاذ عادل) إلا أن يؤذن لها.

وذهل الفتى حين بدا له أن عين الشيخ يقظة مترقبة، وعجب ألا ينطلي على (البك) ما يتصنعه من رزانة وما يتكلفه من هدوء: الآن وقع ما كان يخشاه وضرب بينه وبينها بحجاب كثيف ما يستطيع واحد أن يظهره وإن جهد. وأطرق الفتى وقد تجهم وجهه وتقبضت أساريره، ثم خرج من لدن الرجل يهيم على وجهه وقلبه يبكي في حرقة وألم ونفسه تتغيظ في أسى ولوعة وثارت كبرياؤه فخاصم الدار وروحه ترف حواليها.

يا لقلبي حين تغشاه غاشية من مصائب الحياة ونكباتها فلا يجد عنها مصرفاً! الآن ذاق قلب الفتى مرارة الحسرة والكمد حين تلفّت فإذا هو وحيد على حيد الطريق، أما الفتاة. . .!

ومضت سنة كاملة والفتى يدافع نفسه عن الدار التي يهفو إليها قلبه. وحين خيل إليه أنه ثأر لكبريائه واقتص لكرامته أحس برغبة ملحّة تجذبه إلى دار فكري بك - مرة ثانية - ليرى هناك روح قلبه ونور عينيه وجمال حياته.

وعجب عادل أنْ رأى الخادم يتقدمه ليفسح أمامه الطريق وليقوده إلى حجرة الجلوس دون حجرة المكتب! ماذا كان؟ لا ريب فقد أصبح غريباً عن هذه الدار فهو يرى الأستار تسدل في وجهه، والأبواب تغلق دونه، ولا يجد السبيل إلا إلى حجرة الجلوس، ولا يلقى إلا (سعادة البك) و (البك) يلقاه كما يلقى رجلاً غريباً عنه ويحدثه حديثاً فيه التكلف والتصنع ويجلس إليه في فتور وملل. وأحس بأن في الدار حركة لم يتألّفها وأن شيئاً يتوارى خلف الأستار المنسدلة. ماذا وراء؟ وهو قد كان - منذ شهور - يدخل إلى الدار في غير إذن فتنفتح الأبواب وترتفع الأستار ويهفو نحوه كل من في الدار في غير تحرج ولا حذر. . .

وذهب عادل يتحسس من الأمر وإنه لذو حيلة ورأي فتناهى إليه أن فتاته قد سُميت على جلال بن عزت بك وهو ضابط في الجيش وهو من أسرة ذات جاه وثراء، وإن الدار تموج منذ أيام بمن يهيئون لليوم السعيد يوم أن تزف إلهام إلى جلال.

ورجع الفتى إلى داره يلفه الهم ويطويه الأسى وفي نفسه ثورة بركان هائج لا يهدأ، فهو يذهب ويجيء ويضطرب في الحجرة مثلما اضطرب وحش كاسر في قفص. آه، يا قيود الإنسانية لو قُيِّض للفتى أن يقذف بك عن عاتقه لزأر زئير سبع غاظته الحياة وعضَّته الأيام! ولكنك أرغمته على أن يكتم الحيوانية الصريحة فيه، فهو يضم جوانحه على أتراحه وقلبه يكاد ينشق من فرط الشجن. وحين آده الجهد والإرهاق جلس إلى نفسه يحدثها: (ماذا كان في غيابي؟ لعلها وجدت فقدي زماناً ثم تسلت، ولعل أمها قد طلبتني ساعة ثم نسيت، ولعل (البك) انتظرني حيناً ثم انصرف! يا لطيشي حين خاصمت هذه الدار وفيها روح قلبي، ونور عيني، وجمال حياتي! هذا ذنبي أحمله وأعاني من وخزاته ما ينوء به ذو الجلد والصبر. ولكن هل أستسلم وأخضع؟ كلاّ! غداً أجد السبيل إليها وأحدثها حديث قلبي، ثم أرى ماذا تفعل وماذا تقول. ولكن كيف أفعل وهي قد سميت على رجل غيري وستصبح - بعد أيام - زوجة وربة دار. إن قلبي لا يستطيع الصبر ولا السلوان، فغداً أراها وأتحدث إليها). وانطوى الليل كله فما غمضت عينيه ولا هدأت ثائرته، وفي الصباح انطلق إلى هناك يلقى الفتاة!

وجلس إليها في غير رقبة ولا حذر يحدثها ويعتب عليها وينشر أمامها مكنون قلبه وهي تقول له: (أترى يوم أن تلاقينا في الحديقة منذ سنوات أربع، لقد أحسست بقلبي يندفع نحوك، وشعرت بروحي تصفّق حواليك، ووجدت - منذ تلك الساعة - لذة الحياة وسعادة القلب، وخشيت أن أنفض نفسي أمامك، وأنت في شغل عني، فلا أجد منك إلا الاحتقار والامتهان، وأنا أرسف في أغلال التقاليد وقيود البيت، وما كان لي - وأنا فتاة فيَّ الخفر والحياء - أن أتحدث حديث الحب إلى فتى فيه الشباب، لم يسع هوإِليَّ، ولم يكشف لي عن دوافع قلبه ولا خلجات ضميره)! وأطرق الفتى ساعة ثم قال: (وماذا وراء، وأنا أحبك ملء روحي، وأراك نور الحياة وشباب القلب؟) قالت: (. . . وحين وافقت على رأي أبي كنت قد خشيت أن تكون قد طردتني من نفسك لأنك نأيت عني، وخفت أن أطرد خطيبي فأتخلّف عن الركب، وإن شبح ابنة عمي ليضطرب في ناظري كلما ذكرت الخطبة والزواج، فهي قد تأبت حيناً على الزوج أنفة منها وصلفاً. وهي الآن قد أشرفت على الأربعين ولما تجده، لقد فاتها الركب، وتخلفت عن القافلة). فقال: (فماذا ترين وأنا لا أجد الصبر عنك؟ إن عقلي قد ضل فهولا يهتدي إلى رأي)، قالت: (سنرى، وإن في الوقت فسحة).

وخرج الفتى ليذر فتاته وحدها في مضطرب من الأفكار يلتهمها الهم ويفريها الأسى، وهي جالسة في ظلام الحجرة وظلام الأخيلة، وإن الشيطان ليوسوس لها فلا ترى الحياة إلا عوداً من ثقاب تشعله في ثيابها، وإلا حبلاً تلفه فوق عنقها، وإلا نافذة مفتوحة تقذف بنفسها منها. وأصاب الحزن نفسها، وزعزعتها الحيرة، فبدت في عيني أمها ذاوبة ذابلة، وهي تلقى خطيبها في فتور، وتحدثه في ملل، وهي تغدو وتروح في تراخ، وتقضي حاجاتها في كسل. ونظرت إليها أمها بعيني المرأة والأم معاً، فتبين لها أن قلبها قد تحول ناحية أخرى، فراحت تتسلل إلى قلبها في عطف حيناً، وفي مكر حيناً آخر، فما تلبث الفتاة أن كشفت لها عن خطرات قلبها. . .

وراحت الأم تنبه جلالاً إلى أمر ذي خطر، وتوحي إلى ابنتها الصغيرة أن تسر إلى عادل أن يقطع صلته بهذا البيت فلا يزوره أبداً، فهو يخلق بزياراته مشكلة يعضل عليهم حلها.

ووعى الشابان كل ما سمعا. أما عادل فانطلق يتلمس دواءً لقلبه، وأما جلال فراح إلى غريمه يحدثه: (. . . وأنت تعلم - يا صاحبي - أنها سميت عليّ، وأنني أحبها، وأنني رجل حرب لا أومن إلا بأحد أمرين: الفوز في المعركة، أو الموت! فأنت حين تضحي تحفظ عليّ حياتي. . .) فأجابه عادل في هدوء: (وأنت حين تفوز في المعركة تقتلها وتقتلني معها)! قال جلال: (ولكنني قد أعددت كل شيء، وتستطيع أنت أن توهمها بأنك لا تليق صحياً، أو أنك تخشى انتقامي). قال: (وهذا لا أرضاه، وكيف أرضى أن تنهار كبريائي في نظر الفتاة، ولا تنس أن رجلاً ثالثاً سيعيش دائماً بينكما. لقد سبقتُك إلى قلبها، وإن كنت أنت سبقتني إلى خطبتها). قال جلال: (ولكنني أفزع إلى كرمك ورجولتك). فأجابه عادل: (هذا شيء لا أملكه، فنبضات قلبي وقلبها تتفقان معاً، فكيف أستطيع؟) فقال جلال في رجاء: (أرجو أن تفكر في الأمر ملياً قبل أن تهدم بيتاً توشك عمده أن تقام على أساس).

وافترق الشابان ابتغاء أن يقلّب كل واحد منهما الرأي، واتفقا على أن يضحي واحد في سبيل الآخر! وظل الشابان في تردد وحيرة، والفتاة في الدار لا تجد الخيرة من أمرها، وهي قد وافقت منذ حين على أن تتزوج من جلال. فمن عسى أن يضحي يا قارئي العزيز؟

كامل محمود حبيب

14 - 03 - 1949

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...