أنا لست من هناك.. صرخت كقطرة ماءٍ رفضت أن تتلاشى وسط محيطٍ لا تنتمي إليه.. لا تشبهه.. ولا يحبها بصدق.. فقدت في رحلتي اسمي، عنواني، تاريخ ميلادي ولم يعد لي من عيدٍ أحتفل به..
أفلت حلمي من يدي كطائرةٍ ورقية.. رحلت إلى المجهول وأخذت معها قطعةً من قلبي.. ركضت خلفها حتى خذلتني ساقاي.. وبكيت إلى أن صحوت في حياةٍ أخرى.. تأملت صوري ولم أحببها يوماً.. كانت خصمي الذي يشبهني رغم أنفي.. أكرهها وأشفق عليها، ولم يكن لدي من كلمات ٍ تعزي صاحبها الذي تلصصت عليه مراراً دون أن يعرف بذلك..
عبرت من زمنٍ لآخر.. آخذاً معي صفحاتٍ مهترئة لصحفٍ أغلقت أبوابها قبل أن أولد.. باحثاً عن سماءٍ تتسع كعلية للحقيقة والكلمات والصور التي لا تكذب.. بعد أن قضيت عمري في جمعها دون كللٍ أو ملل.. وكنت أذكر بوضوح أن الشمس كانت قادرةً على منحنا شيئاً من الدفىء والأمل والنور وسط وجوهٍ بلا أسماء.. كانت تتحضر للتخلي عن ملامحها ومبادئها على حدٍ سواء مع كل رقصةٍ لبندول الساعة حتى وإن لم يطلب منها أحد ذلك، لكنها لم تتخلى عن أرقامها التي باتت إسمها.. عنوانها وهويتها الجديدة، لم أكن أفهم فرحتها لتساقط الأوراق عن الأغصان ولم أستوعب نشوتها لذوبان الثلج ورحيل الفصول.. لم أعرف إن كانت تستوعب الحياة أم تؤدي طقوساً تحتفي بالموت المقنع، لم أعرف لها وجهةً ولم أعرف لها لوناً.. بشر في هيئة ضبابية تخفي خلفها الرتابة والسكون.. يعيشون على حافة الهاوية بين الشيء واللا شيء..
اعتقدت أنني لن أفهم، وحاولت ألا أفهم خوفاً من أن أصدق حدوث ما بدأت أفهمه، فلم يعد هناك من نهار ولم يعد هناك من حروف بعد أن تلاشت ذات ليلٍ لغتنا وتلاشت معها المدن والشمس، بقي الكثير من الغرباء وتحول بعض الأحبة إلى صورةٍ عنهم.. صورةٍ لا تشبه تلك التي عرفناهم بها، فغادرونا وهم بيننا لتغيب الأرواح وتظل الذكريات حاضرةً على أنقاض الأجساد.. تلك الأجساد التي لا تحمل بين جنباتها أي بقاياٍ لهم..
ووسط غربةٍ لا تعرف الرحمة تخدرت النفوس قبل العقول، فجرت حالة اللامبالاة.. مهرجانٌ من الغفلة.. يتراقص الحضور فيه بلا وعي على وقع نوعٍ جديدٍ من الموسيقى بات يعرف بالصرخة الصامتة، تلاشى الحديث في العلن.. لتبقى همسات في أحضان ضحكاتٍ مشبوهة.. وسط نظراتٍ زائغة ودخانٍ وقح.. سيلٌ من الحديث المبتذل والمعقم.. بين تواضعٍ سمج ورقيٍ مصطنع وعواطف تلمع صوراً مشوهة بمناديل من الحرير.. يجتمع (رجال) حول (لوحاتٍ) عارية لنساءٍ عارية داخل الإطار وخارجه.. فيثرثرون.. يقهقهون.. دون أن يلحظوا عوراتهم.. يبكي الأطفال وتنتحب السيدات.. تترنح الأجساد وتتعرى.. يتكشف اللحم فتنفر الذئاب.. يسيل الدم واللعاب.. كابوس الغرق فوق اليابسة والسقوط من الفراش.. من أين تأتي تلك الصرخة؟ من هؤلاء ؟ من يسكن الخيام؟ لا ماء في الصنبور.. جفت البحار وجفت الدموع.. البرد قارس.. الضوء يعمي.. والعالم بين عارٍ وعري..
خالد جهاد..
أفلت حلمي من يدي كطائرةٍ ورقية.. رحلت إلى المجهول وأخذت معها قطعةً من قلبي.. ركضت خلفها حتى خذلتني ساقاي.. وبكيت إلى أن صحوت في حياةٍ أخرى.. تأملت صوري ولم أحببها يوماً.. كانت خصمي الذي يشبهني رغم أنفي.. أكرهها وأشفق عليها، ولم يكن لدي من كلمات ٍ تعزي صاحبها الذي تلصصت عليه مراراً دون أن يعرف بذلك..
عبرت من زمنٍ لآخر.. آخذاً معي صفحاتٍ مهترئة لصحفٍ أغلقت أبوابها قبل أن أولد.. باحثاً عن سماءٍ تتسع كعلية للحقيقة والكلمات والصور التي لا تكذب.. بعد أن قضيت عمري في جمعها دون كللٍ أو ملل.. وكنت أذكر بوضوح أن الشمس كانت قادرةً على منحنا شيئاً من الدفىء والأمل والنور وسط وجوهٍ بلا أسماء.. كانت تتحضر للتخلي عن ملامحها ومبادئها على حدٍ سواء مع كل رقصةٍ لبندول الساعة حتى وإن لم يطلب منها أحد ذلك، لكنها لم تتخلى عن أرقامها التي باتت إسمها.. عنوانها وهويتها الجديدة، لم أكن أفهم فرحتها لتساقط الأوراق عن الأغصان ولم أستوعب نشوتها لذوبان الثلج ورحيل الفصول.. لم أعرف إن كانت تستوعب الحياة أم تؤدي طقوساً تحتفي بالموت المقنع، لم أعرف لها وجهةً ولم أعرف لها لوناً.. بشر في هيئة ضبابية تخفي خلفها الرتابة والسكون.. يعيشون على حافة الهاوية بين الشيء واللا شيء..
اعتقدت أنني لن أفهم، وحاولت ألا أفهم خوفاً من أن أصدق حدوث ما بدأت أفهمه، فلم يعد هناك من نهار ولم يعد هناك من حروف بعد أن تلاشت ذات ليلٍ لغتنا وتلاشت معها المدن والشمس، بقي الكثير من الغرباء وتحول بعض الأحبة إلى صورةٍ عنهم.. صورةٍ لا تشبه تلك التي عرفناهم بها، فغادرونا وهم بيننا لتغيب الأرواح وتظل الذكريات حاضرةً على أنقاض الأجساد.. تلك الأجساد التي لا تحمل بين جنباتها أي بقاياٍ لهم..
ووسط غربةٍ لا تعرف الرحمة تخدرت النفوس قبل العقول، فجرت حالة اللامبالاة.. مهرجانٌ من الغفلة.. يتراقص الحضور فيه بلا وعي على وقع نوعٍ جديدٍ من الموسيقى بات يعرف بالصرخة الصامتة، تلاشى الحديث في العلن.. لتبقى همسات في أحضان ضحكاتٍ مشبوهة.. وسط نظراتٍ زائغة ودخانٍ وقح.. سيلٌ من الحديث المبتذل والمعقم.. بين تواضعٍ سمج ورقيٍ مصطنع وعواطف تلمع صوراً مشوهة بمناديل من الحرير.. يجتمع (رجال) حول (لوحاتٍ) عارية لنساءٍ عارية داخل الإطار وخارجه.. فيثرثرون.. يقهقهون.. دون أن يلحظوا عوراتهم.. يبكي الأطفال وتنتحب السيدات.. تترنح الأجساد وتتعرى.. يتكشف اللحم فتنفر الذئاب.. يسيل الدم واللعاب.. كابوس الغرق فوق اليابسة والسقوط من الفراش.. من أين تأتي تلك الصرخة؟ من هؤلاء ؟ من يسكن الخيام؟ لا ماء في الصنبور.. جفت البحار وجفت الدموع.. البرد قارس.. الضوء يعمي.. والعالم بين عارٍ وعري..
خالد جهاد..