سليمان فياض - على الحــدود... قصة قصيرة

حدق الحارسان فى بعضهما طويلا, كان كلاهما جالسا فى كوة المخفر الخشبى, فوق أكياس الرمل, مدليا ساقيه, واضعا مدفعه الرشاش على فخذيه. كانت الشمس تتألق فى السماء, وظلال الأشياء صارت عمودية تحتها تماما. وأخذت أشعتها تلهب قدمى الحارسين, مخترقة طبقة من الرمال الدقيقة على حذاءيهما فغرقت أقدامهما فى العرق. والتفت الحارس الجنوبى داخل مخفره, وأخذ يعد الألواح الخشبية فى الجدران والسقف.
ومن ناحية الشرق, أقبلت سيارة جيب, وراحت تعبر التلال الجيرية, والصخور الحجرية, والرمال الصفراء. كانت تعلو مرة وتنخفض أخرى, محاذية الأسلاك الشائكة, فى طريقها إلى المخفر الجنوبى. ومن ناحية الغرب, أقبلت سيارة جيب أخرى, وأخذت ترقى تلا بازلتيا واطئا, ثم انحدرت من قمته. وراحت تمرق باتزان على رمال حمراء, تتناثر فوقها الحشائش والأشواك. وعند المخفرين وقفت العربتان, واستدار كل من الحارسين. طوح ساقيه فوق أكياس الرمل, وعبر أرض المخفر, وهبط درجتين خشبيتين, ومدفعه الرشاش فى قبضته اليمنى. وقال الحارس الجنوبى لسائق العربة:
ـ كيف الحال؟ هل وصلك خطاب من زوجتك؟
فقال السائق:
ـ لم يصلنى بعد. لابد أن كل شىء هناك يسير على ما يرام.
وقال الحارس الشمالى لسائق العربة:
ـ مرحبا بك. هل مررت على بيتنا فى القرية؟
فقال السائق:
ـ نعم, وهذه ملابسك النظيفة. وعلى فكرة. أختك تسلم عليك. خذ. أتعرف أن أختك جميلة حقا؟
ـ ها. أتريد أن تتزوجها؟
ـ لا. يا ليت. سأتزوج ابنة عمى.
ومد الحارس الشمالى يده, وتناول ربطة ملابسه من السائق, وقذف بها داخل المخفر.
وقال الحارس الجنوبى للجندى المرافق للسائق:
ـ أسرع. كدت أموت من الجوع.
فقال الجندى:
ـ آه. هكذا! بسرعة!
ونظر الجندى عبر التلال متضاحكا. ورمشت عيناه من حدة الضوء. وأفرغ حساء العدس فى وعاء الحارس, وناوله رغيفا واحدا, ومرقت العربة على الرمال صوب الغرب.
وقال الحارس الشمالى للجندى الذى يرافق للسائق:
ـ جئت اليوم مبكرا, ولم أشعر بالجوع بعد.
فقال الجندى:
ـ إنك لا تجوع أبدا. ومع ذلك, ها أنت لا تمتنع عن طعام.
ونظر الجندى إلى اللفافة الملقاة على أرض المخفر متضاحكا. وأفرغ حساء الأرز فى وعاء الحارس, وأعطاه رغيفا واحدا. وانزلقت العربة فى الوادى صوب الشرق.
وعند كوة المخفر أسند الحارس الجنوبى مدفعه على جانب الكوة ولكن الحارس الشمالى كفأ مدفعه على أكياس الرمل. ووضع كل من الحارسين وعاءه ورغيفه بجوار المدفع. وقفزا فوق أكياس الرمل, ودليا إحدى ساقيهما خارج الكوة. وراحا يأكلان طعامهما متقابلين. وبين اللقمة واللقمة, كان كل منهما يعاود النظر إلى الآخر, وهو يشرب جرعة من الماء.
كان الحارسان قد فرغا من طعامهما, فعقد الحارس الجنوبى ساعديه على صدره, وشبك الحارس الشمالى يديه أسفل بطنه, وأسند كل منهما رأسه إلى جدار الكوة المواجه للمدفع. ثم ناما.. متقابلين.
* * *
صحا الحارس الشمالى من غفوته. كانت الشمس تلهب ساقه خارج الكوة, فثناها بجواره على أكياس الرمل. وأخذ يثنى أصابع يديه ويفردها. ونظر إلى الشمس جهة الغرب, فبهره قرصها الفضى. وعاد ينظر إلى الحارس الجنوبى. كان لا يزال نائما, ويداه معقودتان على صدره, بينما راحت الشمس تزحف على فخذه. وصاح الحارس الشمالى بأعلى صوته:
ـ آى000 آى000
انتفض الحارس الجنوبى, ناظرا صوب الشمال, بينما أسرعت يمناه تقبض على المدفع الصغير, وضحك الحارس الشمالى عاليا, وقال وهو يضحك:
ـ آى. الشمس ستشوى رجلك.
وأعاد الحارس الجنوبى مدفعه إلى مكانه, وهز رأسه, وسحب ساقه, وهبط من الكوة. ورآه الحارس الشمالى يتناول زمزميته من حبل يتدلى فى سقف الكوخ, ويشرب, فغادر الكوة بدوره. ثم أخذا مدفعيهما, وانعطفا خارج المخفرين ناحية الظل.
جلس الحارس الشمالى عند الزاوية الجنوبية مستندا إلى الجدار, ووقف الحارس الجنوبى عند الحد الأمامى الفاصل بين الظل والضوء, وراح كل منهما يحدق فى بلاد الآخر. فى الجنوب: كان هناك جبل مخروطى أجرد, يرتفع عاليا, قد غرست فى قمته راية, وكانت تلال جيرية وصخور حجرية ورمال صفراء. وكان جبل من الحجر الوردى, بدت فى نواحى كثيرة منه فجوات تسطع حمرتها الخلابة تحت الشمس. وفى الشمال: كان هناك تل بازلتى واطئ ناحية الغرب, وأرض حمراء مترامية تكسوها الحشائش والأشواك, وكانت هضبة عالية تتناثر فى نواحيها أشجار عديدة, وينبعث من ناحيتها صوت لا يتوقف.
وهبت رياح شمالية رطبة. فراح الحارس الجنوبى يتمشى خارج منطقة الظل بجوار الأسلاك الشائكة. بينما راح الحارس الشمالى يرقبه فى صمت. وتوقف الحارس الجنوبى, ومد أصابعه فى جيبه, وأخرج علبة سجائره, وأشعل سيجارة. وحين رفع عينيه عن العود المشتعل, لمح الحارس الشمالى يحدق فيه, فهتف الحارس الجنوبى صائحا:
ـ إيه. أتريد سيجارة؟
وقف الحارس الشمالى مبتهجا, واتجه نحو الأسلاك قائلا:
ـ لا. شكرا أعطنى علبة الكبريت فقط.
وأخرج الحارس الشمالى علبة سجائره. ولكن الحارس الجنوبى صاح به:
ـ لا. دعها مكانها. خذ. هذه سيجارة مشتعلة.
وطوح الحارس الجنوبى يده عاليا, فوق الأسلاك فسقطت السيجارة بين يدى الحارس الشمالى. وطوح بيده مرة ثانية قائلا:
ـ وهذه علبة كبريت. خذها لك, معى فائض منه.
وصاح الحارس الشمالى قائلا:
ـ اسمع. خذ سيجارة منى. ها هى.
وأشعل حارس الجنوب السيجارة الشمالية, وجذب منها نفسا. وداس سيجارته الأولى بقدميه, وقال برضا:
ـ أتعرف أن سجائركم أمتع من سجائرنا.
فقال الحارس الشمالى:
ـ لا. سجائركم أفضل مذاقا.
وضحك الحارسان. كانا متواجهين بجوار الأسلاك. وقال الحارس الشمالى:
ـ ما اسم هذا الجبل؟
ـ أين؟
ـ هذا. الأحمر.
وأشار الحارس الشمالى بيده. فقال الحارس الجنوبى:
ـ آه. هذا. هو كما قلت. اسمه الجبل الأحمر.
ـ هيه.. إنه جبل عظيم. هل تأخذون منه أحجارا؟
ـ نعم. إن أحجاره غالية جدا.
ـ ماذا تفعلون بها؟
ـ نبنى منها بيوتنا.
ـ إيه.. تبنون بيوتكم من هذه الحجار الوردية. كل بيوتكم.
ـ لا. الأغنياء فقط يبنون بيوتهم منها.
ـ هيه. أغنياؤنا يبنون بيوتهم من الحجر الأبيض. أو الطوب الأحمر.
ـ ماذا قلت؟.. الطوب الأحمر؟
ـ نعم. الطوب الأحمر. ألا تعرفه؟
ـ أنا؟.. لا..
ـ لو جئت بلادنا لأريتك إياه.
ـ ربما آتى بعد أن أغادر الجيش. أتعرف أن فقراءنا يبنون بيوتهم من الحجر الأبيض؟
ـ صحيح؟ لابد أنه رخيص عندكم.
ـ جدا. كل الجبال عندنا أحجارها بيضاء.
وسكت الحارس الجنوبى, واستند بكتفه إلى كتلة ضخمة بازلتية ناتئة، وقال:
ـ هل هناك مياه قريبة من هنا؟
ـ أترى هذه الهضبة؟.. هناك نبع ماء فى الجانب الآخر منها.
ـ ولكن صوت المياه عالى جدا.
ـ إنه شلال. يتدفق من النبع أعلى الهضبة, ليلا ونهارا.
ـ ليس فى بلادنا شلال واحد. سأقول لك حقيقة. أرضكم بديعة جدا. هل كلها هكذا, مياه وأشجار؟
ـ كلها. عندنا نهر أيضا, يأتى من أقصى الشمال. اسمع. هل تريد أن تعرف أسرارا لحكومتك عن بلادى؟
ـ آه. أسرار؟. لا تهمنى الأسرار. ربما يهم ذلك حكومتى. ولكن أنا, لا شأن لى بها. قالوا لى: تعالى إلى الجيش, فجئت. وقالوا لى: قف هنا, فوقفت.
هز الحارس الجنوبى كتفيه, ومط شفتيه. قال الحارس الشمالى:
ـ قالوا لى ذلك أنا الآخر. لو لم تفعل, لقبضوا عليك. وسجنوك. وأجبروك فى النهاية على أن تكون حارسا. أنا أيضا لا يهمنى أسرار بلادك.
ـ وددت طول عمرى أن أعيش فى بلاد بها مياه وأشجار.
ـ ياه. أنا مللت الحياة بين المياه والأشجار. إننى أحب حياة الجبال, وخاصة هذا الجبل الأحمر.
وصمت الحارسان. وراحا يفكران. وقال الحارس الشمالى:
ـ أتعرف أننى كنت أرقبك منذ يومين.
ـ وأنا أيضا كنت أرقبك, منذ جئت إلى هنا.
ـ أعرف ذلك أيضا. قل لى: هل كان دمى يبدو ثقيلا عليك؟
ـ لا. لم أفكر فى ذلك. هل فكرت أنت فى هذا بالنسبة لى؟
ـ أنا. لا. لم أفكر فيه.
ـ كنت أضحك فقط.
ـ على؟
ـ لا. على هذا الذى على رأسك. اسمه.. ما اسمه؟
ـ بيريه.
ـ آه. بيريه. سمعت ذلك. لكن لماذا يوضع البيريه على الرأس؟
ـ هكذا قال جيشنا. طيب. لماذا تلبس هذه اللبدة المزركشة؟
ـ كل جيشنا يفعل ذلك.
ـ لكن ما الفرق بينك وبين المدنيين؟.. الزى العسكرى فقط؟
ـ لا أعرف. هل تأخذ سيجارة؟
ـ لا. لا أدخن كثيرا.
وأشعل الحارس الجنوبى سيجارة. وحدق كل من الحارسين فى المدفع الرشاش المدلى خلف كتف الآخر. وقال الحارس الشمالى:
ـ يبدو لى أنك جيد فى حراسة الحدود.
ـ لماذا؟
ـ لأننى قمت بالحراسة فى مائة مخفر, على طول حدودنا. ولم أجد حارسا منهم يبادلنى كلمة, إلا أنت.
وراح الحارس الشمالى يضحك, فقال الحارس الجنوبى:
ـ لماذا تضحك؟.. لأننى حادثتك؟
ـ لا لا. إننى أضحك على حارس منكم. عرضت عليه سيجارة فصوب رشاشه نحو صدرى.
ـ ياه. كدت أفعل ذلك عندما أيقظتنى من النوم.
ـ ولكن الأمر مختلف, الآن على الأقل. أليس كذلك؟
ـ أنا جديد هنا. وهذه أول مرة أقوم فيها بالحراسة وحدى منذ يومين فقط.
ـ طيب. ألا تعرف أن العلاقات مقطوعة بين بلدينا؟
ـ أعرف. منذ عام وهى مقطوعة. وقد أوصانى ضابطى ألا أتبادل كلمة مع حارس منكم.
ـ قال لى ذلك ضابطى. قال مشددا: ممنوع على حرس الحدود الاتصال بالعدو, أو تبادل السجائر معه.
ـ لكن الوحدة تقتل الإنسان هنا!
ـ أفهم ما تعنيه. لقد جربتها, هذه الوحدة اللعينة, وجربتها عشرة شهور.
ـ تصور. أن تجلس هكذا دائما, طول النهار. لا عمل لك سوى أن تجلس فى مخفر, ترقب الشمس والظل, وتعد ألواح المخفر الخشبية, ولا تقع عيناك إلا على أشياء لا تتحرك أبدا. تجلس دون كلمة, ولا تجرؤ على ان تبتعد كثيرا عن مخفرك.
ـ أنا أحس بما تعانيه. جربته عندما كنت جديدا مثلك. ثم اعتدته, وانتهى الأمر. لكنك لم تجرب بعد حراسة الليل.. فى النهار, تبصر شيئا, وتسمع. لكن فى الليل, تصبح عيناك لا قيمة لهما, إلا عندما يسطع القمر.
ـ هس. أتسمع؟
وأنصت الحارسان. وفى لحظة واحدة: التفت الحارس الجنوبى جهة الشرق, والحارس الشمالى جهة الغرب. وقال الحارس الشمالى:
ـ سيارتنا قادمة.
ـ وسيارتنا قادمة.
ـ اذهب إلى مخفرك, وإلا قدموك إلى المحاكمة.
ـ طيب هل ستأتى غدا؟
ـ أمامى يوما حراسة فى هذا المخفر.
ـ وأنا بقى لى خمسة أيام.
واجتاز كل من الحارسين الأرض الفراغ بين الأسلاك والمخفر، كانت ظلال الجبال والصخور قد أصبحت طويلة جدا وملتحمة. وأطلا على بعضهما من كوتى المخفرين. وراحا يبتسمان لبعضهما. ويرقبان أسراب النحل البرى, وهى تلتف حول بعضها, عائدة إلى أعشاشها, وطيورا مفترسة تحلق عاليا فى الطريق إلى أوكارها المنيعة, وأسراب العصافير والحمام ترفرف بأجنحتها الصغيرة. فى طريقها إلى أعشاشها البعيدة. ومرق كلب أسود من بين الأسلاك واختفى وراء التل البازلتى الأسود, وفى الأعالى تناثرت سحب صيفية خفيفة تحت السماء الرمادية تدفعها رياح الشمال, وغابت بألوانها الشفقية وراء الجبل الأحمر. ومن باب المخفر الشمالى, هبت رياح بحرية لطيفة, وعبرت كوة المخفر, والأسلاك الشائكة, على طول الحدود شرقا وغربا, ومرت من كوة المخفر الجنوبى, وبابه, وأمام باب المخفرين, وقفت العربتان واحدة بعد الأخرى, ودوى بوقهما عاليا. وهز كل من الحارسين رأسه للآخر, وأدارا ظهريهما. وعند باب المخفر, حيا كل من الحارسين بديله الليلى, ونظر من مكانه فى العربة جهة بلاد الآخر. كانت الشمس قد غابت وراء التل البازلتى. والليل يزحف من كل ناحية. وفكر الحارس الشمالى: أن هناك ليلا واحدا, يغمر الشمال والجنوب, والشرق والغرب.
* * *
حيا حارسا النهار بعضيهما. وغابت السيارتان واحدة وراء هضبة النبع, والأخرى وراء الجبل الأحمر. وصاح الحارس الجنوبى من كوة مخفره:
ـ ها.. تعالى نتحدث سويا.
فجاوبه الحارس الشمالى من الكوة المقابلة:
ـ طيب. انزل. قابلنى.
وعند أسلاك الحدود, قال الحارس الشمالى:
ـ صباح الخير.
فقال الحارس الجنوبى, وهو يتكئ بكتفه اليسرى على الصخرة:
ـ صباح الخير. كيف حالك اليوم؟
ـ على ما يرام. كيف حالك أنت؟
ـ بخير.
وتضاحكا. وراحا يرقبان الشمس, وهى تشق الأفق الشرقى وراء الجبل المخروطى الأجرد, ويتابعان أسراب النحل, وهى تمرق عبر الأسلاك, والحدأة والصقور, وهى تحلق عاليا. لكن الحارس الشمالى راح يضحك بكل قواه. فصاح الحارس الجنوبى محتجا:
ـ لماذا تضحك؟
فقال الحارس الشمالى وهو يغالب الضحك:
ـ لا شىء. فكرة خطرت لى.
ـ قلها لى.
ـ لا. ستتهمنى بالجنون!
ـ أنا؟ ألسنا أصدقاء؟.. ما الفكرة؟
فقال الحارس الشمالى:
ـ هل يمكن أن تحجزوا الشمس عنا بهذه الأسلاك, فيصبح عندنا ليل وعندكم نهار؟
فهتف الحارس الجنوبى, متظاهرا بالجد:
ـ ياه لابد أن تبنى سورا على طول الحدود, يرتفع عاليا حتى يغوص فى السماء.
لم يستطع الحارس الشمالى أن يتوقف عن الضحك, فوضع كفه على القائم الخشبى, وأسند جبهته على ظهر يده, وأمسك بطنه بيسراه. وراح الحارس الجنوبى يرقبه لحظة, ثم أغرق فى الضحك, حتى دمعت عيناه, وقال الحارس الشمالى:
ـ طيب. أنتم. هل تستطيعون منع عصافيرنا وحمامنا من النزهة فى جبالكم عند العصر؟
جمدت أسارير الحارس الجنوبى. وبانت عيناه كعينى دجاجة, تقف على ساق واحدة. وقال:
ـ لا. انتظر, يمكن أن نصيدها. طيب. أنتم. هل تستطيعون أن تمنعوا أسراب النحل والصقور من غزو بلادكم.
ـ لا. حتى الرصاص لا يكفى. ولا يكفى أيضا لصيد العصافير والحمام. ولكنك لو حاولت أنت, أو أى واحد من بلادكم, أن يعبر هذه الأسلاك, فسوف نقتله, أو نودعه السجن.
فقال الحارس الجنوبى متسائلا:
ـ لكن أنت. لو عبرت أنا الآن هذه الحدود. هل تقتلنى؟
ـ أنا؟ ألسنا أصدقاء؟.! هل أقتل صديقا؟.. لكن غيرى سيقتلك إن فعلت.
ـ طيب. لو لم أكن صديقك. وعبرت أنا هذه الأسلاك, لأرى شلال النبع مثلا, ورأيتنى أنت, أنت بالذات, هل تقتلنى؟
ـ ياه. لا أعرف. لكن. لماذا تفكر فى ذلك؟.. ربما فعلت ذلك. لا أعرف. إنك تحيرنى.
ـ طيب. دعك من هذا. اسمع. ماذا لو عبرنا الأسلاك, وجلسنا معا. تصور: حراس حدود دولتين يخرقان قوانين الحدود ويتحدثان مع بعضهما, ويأكلان. تصور ذلك.
ـ ياه. ولو وجدونا معا, ماذا سيفعلون بنا؟.. أتريد أن نحاكم بتهمة الخيانة العظمى؟
فصاح الحارس الجنوبى:
ـ إيه. الخيانة العظمى؟
كانت ظلال الحارسين والصخرة والأسلاك تتمدد جهة الغرب, ومرق الكلب الأسود من بين الأسلاك, وتبعته أعين الحارسين, وهو يتلوى بين الصخور فى الجنوب, وقال الحارس الجنوبى:
ـ تصور أن هذا الكلب يعرف من بلادنا أكثر مما أعرف أنا من بلادكم.
وهز الحارس الشمالى رأسه موافقا. وراح الحارسان ينظران إلى بعضهما. كان الحارس الجنوبى فارع الطول, ذا وجه مستطيل حاد الملامح, وبشرة سمراء لوحتها شمس الجبال, وعينين واسعتين حادتين كعينى الصقر. أما الحارس الشمالى, فسمين ذو قامة متوسطة ووجه مستدير, وبشرة بيضاء, وعينان ضيقتين كخرزتين وقال الحارس الجنوبى:
ـ أتعرف؟.. لم أكن أتصور أن لكم عيونا وآذانا مثلنا, حتى وقفت هنا للحراسة أول مرة.
فصاح الحارس الشمالى بدهشة:
ـ ماذا تقول؟ أكنت تحسبنا حيوانات نسير على أربع؟
ـ لا. كنت أفكر أنكم مثلنا. أنا أعرف أننا جميعا أبناء آدم وحواء. كنت ادرك أن لكم مثلنا عيونا وآذانا, وتسيرون على قدمين. لكن. لم أكن أتصور أنكم هكذا. لا أدرى كيف أوضح لك؟
وأضاف الحارس الجنوبى:
ـ أكنت تعرف أنت؟
فقال الحارس الشمالى:
ـ نعم كنت أعرف ذلك. أنا أقرأ الجرائد أحيانا. وقبل أن أدخل الجيش, رأيت صورة لرئيس وزرائكم وهو يخطب ضدنا.
وأضاف الحارس الشمالى:
ـ ألا تقرأ الجرائد؟
فقال الحارس الجنوبى:
ـ أنا. لا. لم أر الجرائد التى تتحدث عنها. لكننى سمعت عن شىء كهذا. كنت أعيش فى الجبل. حتى جاءوا وقالوا لى: أنت مطلوب فى الجيش.
ـ أنت سئ الحظ. الجرائد فيها أشياء كثيرة, مفيدة, أحيانا.
كانت الشمس تقترب من الزوال. وراحت الظلال تتراجع صوب مصادرها. وبدأت حرارة الرمال والصخور تعكس وهجا ألاقا تحت السماء الرمادية. وأخذت حبات العرق تنحدر على وجه الحارس الشمالى وعنقه. وقال الحارس الجنوبى:
ـ الشمس أصبحت حامية, فلنعد إلى مخفرينا.
فقال الحارس الشمالى:
ـ اسمع. ما رأيك لو جئت إليك الآن: هل تفرجنى على الجبل الأحمر؟
ـ ياه. ألا تخاف منى؟.. ألا تخاف أن أقبض عليك وأسلمك إلى ضابطى؟
ـ لا. لا أخاف. ألسنا أصدقاء؟ قل لى: هل تخاف أنت؟
ـ أنا. لا. لكن لو كنت عندك, وجاء ضابطك فجأة, ألا تتهرب وتقول لضابطك: هذا واحد من أعدائنا, قبضت عليه وهو يتسلل من الحدود.
ـ ماذا تقول؟. أنا أفعل ذلك معك, وأنت صديقى؟
فكر الحارس الجنوبى برهة, ثم قال:
ـ أعتقد أنه لن تكون هناك دوريات مفاجئة علينا. أليس كذلك؟
ـ أحسب ذلك. الأمور هنا هادئة على طول الحدود. فلماذا يقومون بدورياتهم إذن؟
لكن الحارس الجنوبى راح يحك جلد معصمه، وقال:
ـ أريد أن أستحم تحت مياه الشلال. لم أستحم منذ وقت طويل. فالمياه عندنا قليلة جدا.
ـ أتريد أن تستحم. أعتقد أن أمامنا وقت كاف بعد الغذاء, لأن الشمس, كما ترى. أصبحت فى وسط السماء.
ـ سآتى أنا إليك اليوم, بعد الغذاء. وغدا نذهب إلى الجبل الأحمر.
ـ لا مانع لدى. اتفقنا. اسمع. يقولون إن المياه عندكم لها طعم. صحيح هذا؟
ـ طبعا. كل المياه لها طعم. هل الماء عندكم بدون طعم؟
ـ الماء الفاسد يكون له طعم. أما عندنا..
ـ ياه. أريد أن أشرب من مائكم هذا. سآتيكم معى بقطعة من الحشيش. هل تحب الحشيش؟
ـ لا. أنا لا أتعاطى الحشيش.
ـ ولا أنا. لكنى حسبت أنه يطيب لك.
ـ سأقدم لك زجاجة من الويسكى. هل تحب الويسكى؟
ـ أنا لا أشرب الخمر. أريد أن أشرب من مائكم فقط.
ـ ستشرب حتى تشبع. أعتقد أنك ستشتاق إليه دائما. هات معك زمزميتك لتملأها بمائنا.
ـ طيب. فلنذهب الآن, وإلا شوتنا الشمس.
ـ ستأتى بعد الغذاء؟. آه؟
ـ طيب. سآتى.
وأدار كل من الحارسين ظهره للآخر, عائدين.
* * *
هبطا منحدرا وقفزا صخرة. وامتلأ أنف الحارس الجنوبى برائحة اليود المنبعثة من مياه الشلال. كان هديره صاخبا فى أذنيه. وراح رذاذ الشلال يتناثر على وجهه وزيه العسكرى, ووقف ينظر مبهورا بعينيه الواسعتين. وجذبه الحارس الشمالى من يده صائحا:
ـ تعال. انظر.
كانت أرض المجرى بازلتية, مسننة النتوءات والماء يجرى فوقها صافيا, يتكسر بريقه الفضى على طول المجرى, عاكسا أشعة الشمس. وفى البعيد توارى المجرى بين أحراش كثيفة من البوص, والحشائش, وأشجار الزيزفون بزهورها الربيعية الحمراء وزهور برية عجيبة الألوان. وراح الحارس الشمالى يرقبه محدقا فى عينيه. كانتا صافيتين كعينى طفل.
وانكفأ الحارس الجنوبى على بطنه, وأخذ يغرف بكفيه من ماء الشلال. وعندما رفع رأسه, صاح بالحارس الشمالى:
ـ الماء هنا ليس له طعم حقا. كم أتمنى أن أشرب منه دائما.
ونظر الحارس الجنوبى إلى الشلال, وصاح مضيفا:
ـ أنظر. يمكن للإنسان أن يمر من هنا. من وراء الشلال.
وانعطف خلف الشلال. فصاح الحارس الشمالى:
ـ أحذر. أغلق أنفك, وإلا خنقتك رائحة اليود.
كان صوتهما مرتفعا وسط هدير الشلال. وراح الحارس الشمالى يضحك راضيا, وهو يرى الحارس الجنوبى يسير خلف الشلال, قابضا على أنفه بأصابع يمناه, حتى ظهر من الناحية الأخرى. وصاح الحارس الجنوبى:
ـ أريد أن أعيش هنا.
فرد عليه الحارس الشمالى صائحا:
ـ أنا سئمت هذا كله. أريد أن أعيش فى الجبل.
فهز الحارس الجنوبى رأسه آسفا, وأشار بيده معبرا عن عدم رضاه. وعاد مرة أخرى وراء الشلال. وطرح مدفعه على ضفة المجرى المقابلة. وأخذ يخلع حذاءه ولبدته وزيه العسكرى, ويرمى بها فوق الرشاش. وجلس الحارس الشمالى يتفرج عبر مياه الشلال على الحارس الجنوبى وهو يقترب منه بحذر, وصاح الحارس الشمالى مذعورا:
ـ أغلق فمك وأنفك, وإلا خنقتك رائحة اليود.
لكن صوت الحارس الشمالى ضاع فى هدير الشلال. بينما كان الحارس الجنوبى يستقبل المياه برأسه, وهو يتلوى يمنة ويسرة مدلكا كل قطعة فى جسده بيديه. وتراجع وراء الشلال وأخذ ينفض الماء عن وجهه وصدره بكفيه وأصابعه, زافرا قطرات الماء المتساقطة من أنفه على شفتيه. وارتدى ملابسه الداخلية وزيه العسكرى وحذاءه, وعلق مدفعه على كتفه الأيمن, ومرق عائدا من وراء الشلال. وجلس بجوار الحارس الشمالى راضيا. ولم ينطق أحدهما بحرف, حتى صاح الحارس الجنوبى, وهو ينظر إلى أرض المجرى:
ـ لو سار الإنسان هنا حافى القدمين, لما بلغ الماء ركبتيه, لكن قدميه ستمزقهما أرض المجرى.
وضحك الحارس الشمالى وومضت عيناه بالسعادة, وصاح فجأة:
ـ أوه. كدت أنسى.
ـ ماذا؟
ومد الحارس الشمالى يده, وفك زرارين من سترته العسكرية, وغاصت يده خلف السترة عند بطنه, وصاح:
ـ هذه.
ـ إيه. ويسكى. لكننا سنسكر؟
ـ لا. لن نسكر. كنت أسمعهم يقولون: أبناء الجنوب لا تسكرهم الخمر.
ـ هذا صحيح. لكننى لا أشرب إلا نادرا. ثم.. ماذا أقول لهم وأنا سكران؟ سيشمون رائحة الخمر فى فمى!
ـ لن تكون سكرانا وقتها. يكفى أن تلبط بهذا الماء البارد, حتى يزول كل شىء.
ـ طيب. هات.
وتناول الحارس الجنوبى الزجاجة فى يده. وأدخل فوهتها فى فمه. وراح يجرع دون توقف. فصاح الحارس الشمالى:
ـ إيه. يكفى هذا. وتقول إنك لا تشرب إلا نادرا؟
فضحك الحارس الجنوبى وهو يعيد الزجاجة إليه. وعاد ينظر إلى أرض المجرى ويصغى إلى هدير الشلال, وبين لحظة وأخرى كانا يتناوبان الشرب من الزجاجة, وصاح الحارس الشمالى:
ـ أتعرف. عند الجبل الأجرد حصى ملون. آلاف من الحصى الملون: أزرق, وأحمر, وأصفر, وأخضر.
ـ ياه. لكن لماذا تقول هذا الآن؟ قل لى: هل سكرت يا رفيقى؟.. هل سكرت؟
ـ أنا. لا. نصف سكر. اسمع. سأملأ جيوبى من هذا الحصى الملون وآتى به, وأنثره هنا فى أرض المجرى.
فصاح الحارس الشمالى:
ـ صحيح؟.. أتخرف؟000 أحجار ملونة؟.. أحجار صغيرة, كهذه مثلا؟
وتناول حصاة بازلتية صغيرة بإصبعه من شاطئ المجرى, وأراها للحارس الجنوبى, فصاح هذا:
ـ لا. ليس لونها هكذا. لكنها فى نفس الحجم. لا. بل أكبر قليلا, كالصدف, تصور منظرها هنا, تحت ماء صاف, على أرض من البازلت الأسود.
ـ ستكون رائعة حقا. هل ستأتى بها؟
فرغت الزجاجة. فطوح بها الحارس الشمالى فى قلب الأحراش البعيدة. وطغى صوت الشلال على صوتها وهى تتكسر فى ساق شجرة زيزفون, وصاح الحارس الجنوبى:
ـ فى المرة القادمة سآتى بها معى. اسمع. كم بقى لك فى الجيش؟
ـ عام. عام واحد.
ـ عام فقط, أما أنا لا يزال أمامى عامان. ماذا ستفعل عندما تعود إلى أهلك؟
ـ أنا. عندنا أرض, وخيرات كثيرة. اسمع. أتعرف التل البازلتى الأسود؟
وأشار الحارس الشمالى بيده جهة الغرب, وصاح:
ـ .. هناك؟
فهز الحارس الجنوبى رأسه, وصاح:
ـ طبعا. أعرفه. الكلب الأسود يأتى من ورائه. أليس كذلك؟
ـ هو بعينه. خلف هذا التل, بعيدا, توجد قريتنا.
ـ ياه.. إنك قريب من بيتك هنا.
ـ النهر يمر قريبا من قريتنا, وسوف أعود لزراعة أرضنا عندما أعود. ماذا ستفعل أنت؟
ـ أنا؟.. سأجلس فى بيتنا, أنتظر سقوط المطر مع قبيلتى. قل لى: هل أبوك حى؟
ـ حى يرزق. لحظة. سأريك صورته.
ودس الحارس الشمالى يده فى جيب سترته وأخرج الصورة, وأعطاها لرفيقه. وصاح الحارس الجنوبى, وهو يتأمل الصورة:
ـ إيه. يا له من رجل. إن شاربه كبير جدا.
فصاح الحارس الشمالى بفخر:
ـ لو رأيته لما نطقت أمامه بحرف.
وصاح الحارس الجنوبى بذات اللهجة:
ـ ولو رأيت أبى لما جرؤت أن تضع ساقا على ساق فى حضرته.
وأضاف الحارس الجنوبى وهو يشير إلى الصورة:
ـ اسمع.. هذه أمك.. وهذه.. آه.. زوجتك؟
ـ لا. هذه أختى. أنا لم أتزوج بعد. ولكننى سأتزوج ابنة عمى. لو رأيت ابنة عمى لما تزوجتها أنت. لكننى أنا سأتزوجها. تصور.
لم يرفع الحارس الجنوبى عينيه بعد عن الصورة, وصاح:
ـ ياه. شعرها طويل جدا. لكنها لا تشبهك.
ـ أنا أشبه أبى. أما هى, فتشبه خالة لى. وأخى الأصغر هذا يشبه أمى, أليس كذلك؟
ـ تمام.
ومالت يد الحارس الجنوبى بالصورة على صدره. وشردت عيناه, وصاح:
ـ أتمنى الآن أن أتزوج من بلادكم.
فصاح الحارس الشمالى:
ـ أنا أريد أن أتزوج من بدوية. قل لى: هل البدويات جميلات؟ يقولون إن نساءكم جميلات جدا.
فرد عليه الحارس الجنوبى مؤكدا:
ـ جميلات. ولهن قوام عظيم. لكنهن لسن جذابات, مثل هذه.
وأشار الحارس الجنوبى نحو صورة الأخت , ثم أردف:
ـ أريد أن أتزوج من أختك.وابنى لى بيتا فى قريتكم.
ـ ياه. هل تتزوجها, أختى؟
ـ يا ليت.
وصاح الحارس الشمالى فجأة:
ـ قل لى. هل أنت مسلم أم مسيحى؟
ـ أنا. مع أننى بدوى فأنا مسيحى.
فهز الحارس الشمالى رأسه بأسف. ومط شفتيه ممتعضا. وصاح:
ـ لكن أختى مسلمة. وهم لن يقبلوا أن تتزوج أختى من مسيحى. حتى لو قبلوا زواجها ببدوى.
ـ هيه. لا أمل إذن.
وأحنى الحارس الجنوبى رأسه بين كتفيه, وشبك يديه على ركبتيه, وسكت, ثم صاح:
ـ سأروى لك سرا. كانت لى أخت. كانت تحب شابا يعمل مدرسا. وكان مسيحيا مثلها. وتقدم هو ليتزوج بها. لكن قبيلتى رفضت تزويجه بها. أتعرف السبب؟ كان الشاب من قبيلة أفل شرفا من قبيلتنا.
فصاح الحارس الشمالى:
ـ ياه. ماذا فعلت أختك؟
ـ لا شىء. قطعت شرايين يدها بصخرة مسننة. وماتت, كانت جميلة, وأحبته خمس سنوات.
وتنهد الحارسان. وهزا رأسيهما بأسف. وراحا يتأملان المجرى, وينصتان لهدير المياه, ويرقبان رشاش الماء, وهو يتناثر ولم يسمع أى من الحارسين أزيزها, وهو تعبر على ضفتى المجرى. وفى الأعالى, مرق سرب من الطائرات, فوق رأسهما.
وصاح الحارس الشمالى:
ـ طيب. لو جئت إلى بيتك. هل يسمح أهلك أن أكون واحدا منهم؟
ـ ضيفا؟
ـ ضيفا فقط؟
ـ ضيفا فقط. الناس عندنا يعيشون فى قبائل. ولكى تكون من أهل بلادنا, ستقيم فى بلدنا تسعمائة عام. أما قبل ذلك, فستظل ضيفا, غريبا, دائما.
ـ ياه. آنئذ أكون قد مت. هيه.
وأردف الحارس الشمالى حالما:
ـ كنت أود أن أتزوج من بدوية, جميلة, محبة, هادئة كالحمامة, تقبل أن تقتل نفسها من أجلى, تقبل أن تتزوجنى.
ـ على أى حال, لن تجد بدوية واحدة تقبلك زوجا.
ـ لماذا؟.. هل أنا..
ـ أنت لست من قبيلة بدوية. يناطح شرفها شرف قبيلتها.
وصمت الحارسان, وصاح الحارس الجنوبى:
ـ أتعرف فيما أفكر الآن؟
وضرب الحارس الجنوبى الهواء بيديه, وصاح:
ـ أوه. لقد طارت الفكرة من رأسى. ولكننى سأضرب لك مثلا عليها. أنا وأنت, وكلانا من بلد, ومع ذلك نحن أصدقاء. وأنت تحب الحياة فى بلادى, وأنا أحب الحياة فى بلادك.
فصاح الحارس الشمالى:
ـ آه. أنا أفهمك. لكن المسألة فى رأسى مختلفة. سأقول لك: قريبتك التى قتلت نفسها هذه. لماذا فعلت ذلك؟.. هيه. إن رأسى تعمل الآن بسرعة. سأقول لك مثلا آخر: أنا مثلا لا أستطيع أن أقابل موظفا كبيرا فى إحدى مدننا, وأتكلم معه ببساطة, لماذا؟
وصاح الحارس الجنوبى:
ـ ياه. إن لك أفكارا نظيفة. أنا لا أفهم ما قلت تماما. لكننى أحسه هنا فى صدرى. ربما كان ذلك لأنك تقرأ الجرائد وأنا لا أقرؤها.
وعاد الحارسان إلى الصمت, لم يعد أحدهما ينظر إلى وجه الآخر. وراحا يفكران, إنهما من بلدين ومع ذلك هاهما صديقان يجلسان على شاطئ واحد, ويسمعان أصوات واحدة: زقزقة العصافير فوق أشجار الزيزفون, وهدير الشلال, وأجنحة الفراش الملونة.
وضحك الحارس الجنوبى, وصاح:
ـ كانت فكرة جهنمية.
فصاح الحارس الشمالى:
ـ أى فكرة تقصد؟
ـ لوح الخشب الذى جئت به, ووضعته على القائمين الخشبيين فوق الأسلاك. لولاه لما استطعت أن أعبر كل هذه الأسلاك. إنها عريضة جدا.
ـ لو وقف الإنسان فوقها, كما قلت أنت, لسقط فى قلبها.
ـ طيب. كيف سأعود إلى مخفرى الآن؟
ـ باللوح نفسه.
ـ أعرف. لكن. هل تساعدنى حتى أقف على اللوح الخشبى مرة أخرى, وأصل إلى الصخرة؟
ـ بلا شك. سأجلس أنا, وتقف أنت على كتفى, وأظل أصعد بك, حتى تصل إلى لوح الخشب.
ـ ياه. أقف على كتفيك. ياله من عيب!
ـ عيب؟.. أى عيب فى هذا؟.. ألسنا صديقين؟
ـ طبعا.
ـ لا تفكر فى هذا إذن.
وفتح الحارس الجنوبى فمه ليتكلم. لكنهما سمعا معا:
ـ آى.. آى.. آى..
* * *
نظرا معا جهة الصوت. كان هناك جندى شمالى يقف أعلى الهضبة, ومدفعه الرشاش مصوب إليهما. ومد الحارس الجنوبى يسراه, وتناول مدفعه من كتفه, وأسرع الحارس الشمالى يحنى فوهة المدفع تجاه المجرى, وصاح به:
ـ أحذر سيقتلنا معا.. انتظر.. سأتفاهم معه.
وأسرع الحارس الشمالى يتسلق الصخرة, ويصعد المنحدر, حتى وقف أمام الجندى. وراح الحارس الجنوبى يرقب حركة أيديهما وهما يتفاهمان. كان المدفع فى يدى الجندى لا يزال مصوبا إليه. وبعد دقائق, التفت الحارس الشمالى نحوه, وأشار له بيده ليتبعه. ورآهما يديران ظهريهما إليه, وينحدران من أعلى الهضبة. وقام الحارس الجنوبى, وتسلق الصخرة, وصعد فى المنحدر. وإذ صار فى أعلى الهضبة, أشار له الحارس بكفه من أسفل الهضبة. فكمن خلف شجرة. ورآهما يشقان الرمال والتلال, حتى غابا عن ناظريه تجاه المخفر. وسمع الحارس الجنوبى محرك السيارة الشمالى, وشاهدها تمرق عائدة جهة الغرب. وعندما غابت عن ناظريه, أسرع ينحدر من الهضبة عابرا التلال والرمال. كان الحارس الشمالى واقفا ينتظر. وقال له الحارس الجنوبى:
ـ إيه. ماذا حدث؟
فقال الحارس الشمالى:
ـ طائراتكم حلقت فوق سماء بلادنا. مرت من فوق رؤوسنا دون أن نسمعها. هكذا قال لى الجندى.
ـ ياه.
قال ذلك الحارس الجنوبى, وصاح:
ـ ماذا فعلت مع الجندى؟
فقال الحارس الشمالى وهو يدخل المخفر:
ـ رجوته أن يكتم الخبر عن فرقتى.
صاح الحارس الجنوبى:
ـ والسائق. هل عرف؟
وجاءه صوت الحارس الشمالى من داخل المخفر:
ـ لا. لم يعرف شيئا.
برز الحارس الشمالى, وفى يده لوح خشبى طويل, فقال الحارس الجنوبى:
ـ عرفنى الجندى؟
ـ طبعا. عرف أنك من جيش الجنوب. يكفى أن ينظر إلى رأسك ليعرف أنك لست منا.
وسار الحارس الشمالى دائرا حول المخفر, تجاه الأسلاك, فتبعه الحارس الجنوبى وهو يقول فى ضيق:
ـ طيب لماذا جاء فى هذه الساعة؟
ـ جاء ليبلغنى أمر القيادة, أن أضرب النار فورا عند أدنى محاولة للتسلل, أو للاستفزاز.
فصاح الحارس الجنوبى:
ـ ياه. إلى هذا الحد. كان بمقدور الجندى أن يقتلنا. لقد خفت ساعتها أن تستدبر مع الجندى, وأنتما أعلى الهضبة, وتضربانى بالرصاص.
كان الحارس الشمالى قد وضع اللوح على القائمين الخشبيين فوق الأسلاك, فالتفت نحوه بسرعة, وصاح:
ـ أنا أضربك. عيب أن تقول ذلك مرة أخرى.
فقال الحارس الجنوبى برقة:
ـ طيب. لا تزعل. هل تعتقد أنه لن يتحدث فى الأمر؟
فقال الحارس الشمالى:
ـ بل أعتقد أنه سيفعل. لكن أسرع. المهم أن تنجو الآن.
وقال الحارس الجنوبى:
ـ ألم أقل لك؟.. هل كان ينبغى أن نعبر الحدود؟
ولم يجبه الحارس الشمالى. كان قد انحنى ممسكا بالقائم الخشبى. فصعد الحارس الجنوبى فوق كتفه, وسار فوق اللوح. وقفز فوق الصخرة, ومنها إلى الأرض. ثم وقف قبالته قائلا والأسلاك بينهما:
ـ لم يأت أحد إلى مخفرى أنا. لكن. ماذا ستفعل أنت؟
قال الحارس الشمالى:
ـ لو جاءوا قبل الغروب بحارس بديل. سيعدموننى فى النهاية رميا بالرصاص بتهمة الاتصال بالعدو.
ـ عدو؟.. أى عدو؟
ـ أنت!
فصاح الحارس الجنوبى مكتئبا:
ـ اسمع. ما رأيك أن تأتى إلى الآن. سنهرب فى الجبال, فلا يطولنا أحد.
ـ لكن أحدا لن يراك أنت معى. فلماذا تهرب وتجعلهم يطولونك؟
ـ طيب, آخذ أنا أجازة, وأسلمك لأبى. سيحميك أبى, لأن أحدا لن يعرف أبدا من أنت, ولا من أين جئت؟
فقال الحارس الشمالى:
ـ طيب. لو شاهدت عربة قادمة قبل الغروب, سأسرع بالهرب إليك, وأختبئ فى الجبل الأحمر, إلى أن تأخذ أجازة.
وجر الحارس الشمالى إليه اللوح الخشبى, ووضعه تحت ساعده, فقال الحارس الجنوبى:
ـ طيب. اتفقنا. اذهب إلى مخفرك. وسأذهب إلى مخفرى.
واستدار الحارسان عائدين, ودارا حول مخفريهما.
وجفل الحارس الجنوبى فجأة. كان مدفع رشاش مصوبا إلى صدره. وكانت العربة واقفة أمام باب المخفر. وكان الضابط متكئا على نافذتها. وفى ذات اللحظة, كان الحارس الشمالى يقول لنفسه, وهو يدخل مخفره:
"سأحدثه من كوة المخفر".
وصاح الضابط بالحارس الجنوبى:
ـ تقدم.
كان وجه الحارس الجنوبى مصفرا كالرمال. واستجاب لإشارة من فوهة المدفع فى يد الضابط, فصعد الدرجتين. كان فى المخفر أربعة جنود. وقال الضابط للحارس الجنوبى:
ـ سلم سلاحك.
كان الحارس الشمالى جاثما خلف كوة المخفر, ورآهم جميعا يحيطون بالحارس الجنوبى, ورآه يسلم سلاحه, ويأخذه منه جندى. فقال لنفسه:
"لولا أنه معهم, لصدتهم جميعا. لقد وقع فى الشرك".
وعلق الضابط مدفعه الرشاش فى كتفه. وقال للحارس الجنوبى:
ـ كلكم هكذا. تتحادثون مع جنود الأعداء, عندما يدير الإنسان ظهره.
فقال الحارس الجنوبى:
ـ أنا لم أقل له شيئا.
وقال الضابط:
ـ ما يكاد الواحد منا يثق بأحدكم؟ ويعتمد عليه وحده. فى مخفر من مخافر الحدود, حتى يسرع بالتعرف على أعدائنا.
فقال الحارس الجنوبى:
ـ تصادقنا فقط. وبدأت صداقتنا.
فصاح الضابط محتدا:
ـ أنا أعرف كيف تصادقتما. بدأ الأمر بسيجارة, ثم ثرثرة فارغة لا تليق, بشرف جندى فى سلاح الحدود.
وقال الحارس الشمالى لنفسه:
"سيأخذونه. ويرمونه بالرصاص".
وأضاف الضابط قائلا للحارس الجنوبى:
ـ لكن. أخبرنى. هل أنت عبيط؟
فقال الحارس الجنوبى:
ـ لماذا يا سيدى الضابط؟
فقال الضابط, ويداه لا تكفان عن الحركة:
ـ كيف جرؤت على أن تعبر الحدود إلى أرضهم, وتسلم رقبتك إليهم. أنت تعرف أن العلاقات مقطوعة بيننا وبينهم, فكيف عبرت الحدود إذن؟
وسكت الضابط, لكن الضابط الجنوبى لم يقل شيئا. فأردف الضابط:
ـ هناك واحد من اثنين سيواجهك به المدعى العسكرى: أن تكون جاسوسا بيننا للعدو, أو تكون غير حريص على شرف بلادك, إذ اتصلت بأحد أعدائنا أثناء الخدمة العسكرية. وفى الحالين, ستكون خائنا, وترمى بالرصاص.
وفتح الحارس الجنوبى فمه. لكن الضابط أشار إليه بالسكوت قائلا له:
ـ أسكت الآن. ستتكلم فى المحكمة كما تشاء. ولكنك سترمى بالرصاص فى النهاية.
وقال الضابط لجنوده:
ـ هيا بنا.
ودار الضابط حول نفسه, وعبر باب المخفر. وتبعه جندى, ثم الحارس الجنوبى, وخلفه كان جنديان يصوبان مدفعهما إلى ظهره. وإذ أصبحوا جميعا فى العربة. قال الضابط للحارس الجنوبى:
ـ فكرت أن أقتلك وأنت تعبر الأسلاك بحيلتكما القذرة التافهة. لكن الحارس الشمالى يبدو أحمق مثلك. لذلك خشيت أن يطلق الرصاص, ويكون صدام مسلح, على طول الجبهة.
وسمع الحارس الشمالى محرك العربة الجنوبية, وهى تدور حول نفسها، فقال لنفسه:
"لابد أن يهرب صديقى. سوف ألحق به".
وأسرع الحارس الشمالى يختبئ خلف المخفر, عند الزاوية الشرقية الشمالية. وشاهد العربة الجنوبية تتجه نحو الشرق, فصوب مدفعه الرشاش, وأطلق النار على عجلات السيارة. فانحرفت العربة قليلا. ثم توقفت. وللفور, انهمر الرصاص من مدفع الحارس البديل فى المخفر الجنوبى. فانبطح الحارس الشمالى على بطنه, وخادع الحارس البديل, ثم صاده. كان كل من فى العربة قد اختفوا تماما عن عينيه. وأز الرصاص, وتدفق فوق رأسه, وراحت الأسلاك تتقصف مع طلقات الرصاص. وقال الحارس الشمالى لنفسه:
"إنهم ينتظرون النجدة. سوف تأتيهم على أصوات الرصاص".
وكفت طلقات الرصاص على الحارس الشمالى, فقال لنفسه:
"إنهم الآن ينتظرون الفرصة لقتلى".
وقال الضابط للحارس الجنوبى:
ـ خذ, هذا مدفعك, عليك أن تصطاده. هذه فرصتك لتنجو. ربما أفرجوا عنك ولم يسجنوك. وربما اكتفوا بسجنك. اقتله لنا.
قبض الحارس الجنوبى على مدفعه. وقال للضابط:
ـ سوف أصيده لكم.
وتسلل إلى مقدمة السيارة. وجثم عندها. ولمح رأس الحارس الشمالى منبطحة على الأرض. وفكر:
"بوسعى أن أقتله الآن".
لكنه قال لنفسه:
"لقد عطل العربة. وقتل الحارس البديل, لينقذنى أنا".
استدار الحارس الجنوبى بسرعة نحو الضابط والجنود, وأطلق دفعات متتالية من رشاشه. وصاح بالحارس الشمالى:
ـ آى000 آى000 لقد قتلتهم لك.
وراح الحارس الجنوبى يعدو جهة مخفره. كان الحارس البديل ملقى على ظهره مفتوح الذراعين والساقين. ووقف الحارس الشمالى, وأسرع نحو الأسلاك, قائلا:
ـ لم لم تهرب, بدلا من قتلهم هكذا؟
فقال الحارس الجنوبى:
ـ لم تكن هناك فرصة واحدة. أعطونى مدفعى لاصطيادك. فقتلتهم. كانوا يساوموننى لأنجو من الإعدام.
ـ لو قتلتنى لصرت بطلا. وربما أعطوك وساما. ولكنك الآن فى نظر بلادك قاتل.
ـ فى هذه الحالة, أفضل أن أكون قاتلا على أن أكون بطلا.
وقال الحارس الشمالى:
ـ سيأتون الآن على أصوات الرصاص فى بلادك وبلادى.
وصاح الحارس الجنوبى:
ـ أتسمع؟000 انظر.
كانت هناك مصفحات وسيارات مدرعة تقبل من الشرق والغرب, فى الشمال والجنوب.
وقال الحارس الجنوبى:
ـ الآن: أصبحنا محاصرين, ولا نجاة لنا.
فقال الحارس الشمالى:
ـ أسرع بالذهاب إلى مخفرك. قل لهم, إننى أنا الذى قتلتهم, وأنك وحدك الذى نجوت.
فقال الحارس الجنوبى:
ـ النتيجة واحدة. سيرموننى بالرصاص, لأننى حادثتك, وعبرت الحدود. أنا أعرف أن فرقتى تعلم الآن ذلك. وإذا عرفوا حقيقة ما حدث هنا, فسوف يقتلوننى عدة مرات.
وأضاف الحارس الجنوبى:
ـ انج أنت. اذهب إلى مخفرك, فلا أحد يعلم عنك شيئا.
ـ أنجو؟000 انظر000 إنهم الآن يقتربون جدا. وهناك مناظير مكبرة رأونا بها الآن معا. لا نجاة لنا. أعتقد أنه ينبغى أن نسلم أنفسنا, وننتظر موتنا, أو0000
ـ أو؟
ـ نقتل أنفسنا.
ـ نقتل أنفسنا؟
ـ ذلك ما يجب أن نفعله الآن. لا حياة لنا فى بلادى أو بلادك. لا حياة لنا أبدا.
فقال الحارس الجنوبى:
ـ لدى فكرة. ارفع مدفعك وصوبه إلى صدرى. سيقتل كل منا الآخر. أسرع قبل أن يقبلوا.
ـ أطلق كل ما يمكنك من الرصاص فى صدرى.
ـ طيب. سأعد: واحد. اثنان. ثلاثة.. وتطلق.
ـ طيب.
حدق الحارسان لحظة, فى الشمس, والسحاب, والضوء, والظلال. ورفع كل من الحارسين مدفعه. وصوبه إلى صدر الآخر. وقال الحارس الجنوبى:
ـ واحد. اثنان. ثلاثة..
وراحت الأسلاك تتقصف.

(1960)


=================
محمد سليمان عبد المعطي فياض
- ولد في السابع من فبراير 1929 في قرية برهمتوش – مركز السنبلاوين بمحافظة الدقلهية في مصر
- حاز على شهادة العالية من كلية اللغة العربية (الدراسات العربية) بجامعة الأزهر 1956.
- حاز على شهادة العالية من الإجازة في التدريس (تعادل درجة الماجستير) من الكلية نفسها 1959.
- يمارس الكتابة للإذاعات والتلفزيونات العربية منذ عام 1955.
- عضو نقابات: اتحاد الكتاب الصحفيين، المهن السينمائية (شعبة السيناريو).
- عضو جمعيات: دار الأدباء – نادي القصة- الجمعية الأدبية المصرية – أتيلية القاهرة – لجنة الدفاع عن الثقافة القومية الرابطة المصرية لاتحاد آسيا وأفريقيا .. حقوق الإنسان.
- عمل مدرساً للغة العربية وآدابها .
- عمل أمينا لمكتبة دار المعلمين بالجيزة عامي 1978-1979.
- عمل وكيلاً لدار المعلمين بالجيزة عام 1979-1984 ثم أحال نفسه للمعاش التيسيري وتفرغ للتأليف.

- عمل محرر مكتب وكاتباً بالقاهرة بمجلات (الإذاعة والتلفزيون، البوليس، الشهر).
- عمل محرراً وكاتباً لصحيفة الجمهورية 1960.
- نائب رئيس تحرير مجلة "إبداع" بالقاهرة بين أعوام : 1983-1985، 1992-1993.
- عضو لجنة تحكيم بالقاهرة في مسابقة قصصية : للثقافة الجماهيرية عام 1969، ولمجلة الهلال بالقاهرة 1989.
- أشرف على إصدار عددين للقصة القصيرة في مجلة الهلال في عام 1968-1969.
- خبير لغوي في مشروع تعريب الحاسوب لبعض البرامج العربية بشركتي العالمية (صخر) بالكويت، والقاهرة (1988-1989) و (IBM) بالقاهرة 1989.
- مراسل مجلة الآداب البيروتية بالقاهرة (1972-1973).

- توفي يوم الخميس 26 فبراير 2015م في القاهرة الكاتب المصري المرموق سليمان فياض عن 86 عاما.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...