رسائل الأدباء : رسالة من محمد عوص محمد إلى أحمد حسن الزيات

08 - 04 - 1935

صديقي العزيز صاحب الرسالة

تحية وسلاما.
أما بعد.
فقد زعم علماء النفس - والنفس أمارة بالسوء - أن ارتكب جرما مرة نازعته غريزته إلى ارتكابه مرة أخرى. ومهما حاول الشقي أن يتوب ويرجع، فان جوارحه تتحرك، وأعضاءه تتدافع نحو تلك الجريمة، رغم كل مقاومة

والجريمة التي نحن في حديثها الآن هي ترجمة الشعر بالشعر. جريمة قديمة أليمة. ولها في صفحات الأجرام الأدبي أصول عريقة عميقة. والذين ارتكبوها وأمعنوا في ارتكابها، كان نصيبهم عادة الإعدام الأدبي مدى الحياة

ولقد كنت تبت من تلك الجريمة - أو خيل إلي أني تبت - حتى قرأت - وأنا أقضي عيد الفطر تحت شمس أسوان المشرقة - تلك القصيدة البديعة التي نظمتها كاتبتنا البارعة الآنسة مي، فنازعتني النفس اللجوج، إلى أن أكسر التوبة، وتقوضت صروح المقاومة أمام ذلك الشعر المغري والمعاني الساحرة. وسهلت الشاعرة أمامنا الصعاب بترجمة نثرية قربت البعيد، ومهدت العسير، فما شككت في أن كل أديب في الأقطار العربية سيندفع بالرغم منه إلى ترجمة تلك القصيدة

أما أني لم أرسل مع الترجمة اسما، بل وحاولت إخفاء خطي، فهل ينتظر من مرتكب الجريمة الاعتراف الصريح، وهل يستغرب منه أن يخفي معالمها جهد طاقته؟

والآن وقد نجحت المجازفة، فلا بأس عليك من إرسال الجائزة. فان دراهم الأدباء حلال للأدباء. ولا أشك في أن أصدقائي الأدباء سيلحون في أن تنفق تلك الدرهم، في وليمة أدبية تعد لهم. وهم يزعمون أن خير الطعام ما جاء من طريق مسابقة أدبية. ولقد أحاول إفهام هؤلاء أن الأفضل أن يشتري بالدرهم سفر قيم يكتب في أوله حديث الجائزة، من أجل الذكرى والتاريخ. وما أظنهم ممن يجدي فيهم الإقناع. وإليك التحية الخالصة من أخيك

محمد عوص محمد
الجيزة في 3 أبريل سنة 1935

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...