- عِسْ عْلَى رُوحِكْ*.
ينضبط. مدى الجسم المشدود سهماً مبرياً إلى قوس الطاعة يُنشّط الدّماغ سيّالاته العصبيّة، يشدّ النّخاع حبال صواريه، يكثّف العضلُ ماءه، يحشد العظم معادنه فتغدو الروح أوسع من حدودها اللّحمية، خزّاناً من طاقة حيوية مضغوطاً معتملاً معزولاً عن محيطه مشدوداً في آن إليه، مبذول زرّ تشغيله لإبهام الأوامر فيما القلب المستتر بوجه جامد بارد كلافتة عند منعرج خطير، طائش من سرور..
الأمر الذي كشفرة بارقة شُحذت للتوّ، يحزّ خيط صنّارة الفضول، تلقي بخياله الفاحش كطُعم إلى ما وراء التلّة، وما وراءها..!؟
روحه تنهض من نومها، تنضو عن جسمها ثوب الغلس عتمة عتمة، وتروح تغتسل في بركة الفجر.. تلبس غلالة من ضباب شفيف يحجب عن أخيلته المتلصّصة قدر ما يكشف، ثمّ تشرق..
توّاً أو عمّا هنيهة لا أكثر، تنبثق وردةَ من نور، تُفيض ماء فضّتها على إطار الفراغ الرّصاصيّ العكِر، ويخفّ الصّبح على إثرها متلعثماً منفوش التّقاسيم، يرشرش الضّوء كما اتّفق في أواني الصّخور الخفيضة وعلى ذؤابات الأمكنة العجفاء، وشعور الشّجر المغبرّة.. ستُنفّر عمداً موارباً حملانها مقربة منه، ثمّ ترتع نحوه أخفّ منها، أبلغ حسناً تحت فوضويّة الألوان في ملابسها الكثيرة، وجديلتاها تحت "الفولارة" أضوأ من أيّ سفور، وأوفر رجولة هو في وجهها البدويّ، ينتقيه دون غيره من الجنود، فيبللّه طشيش الفرح من ابتسامتها الماطرة، وينتثر على جلده طلع الشّوك من حسدهم..
قليلاً آخر لا غير ويتأنّث هذا الكون الفظّ من حوله، وتسيل من شقوق الفراغ المتحجّر، من غلظة الرُّبي الصّخرية، من جفوّ سحائب الغبار الكتيمة، العذوبةُ حياة يخرّ لها الجدبُ أنهراً فتورق المخاطر على ضفاف الكرز من شفتين هما روحه الموكل وحده بحراستها من مخالب الحصى النّاشبة، كفِّ الهواء الخشنة، سؤرِ الذّئاب على أطراف حسنها الطفلي، جنودِ المعسكر زملائه، أهلِها الرّابضين في مكامن لا يراها.. تلين ملامس العنف في طبعه العدواني، يعتدل نزقه القاذع، يبدأ بترتيب بيته الدّاخلي الفوضوي وتشذيب لغته النّابية.. ينضج، يقسم لو شاءت، فقط لو أومأت بمشيئة محتملة النّعمة من رمشها أو لفتة الغنج المهلكة من رأسها أو ممّا شاءت.. يقسم أن لن "يُحرْبِش" ثانية أو يفتل حشيشة يقتحم إثرها على نساء حيّه الجبلي مخادعهنّ..
لا أفعل سوى النّوم في حضن رطِب دافئ، كأن لا أمّ لي يا بيّة ورأسِ أبي، صدّقيني -يعترف لها في سرّه الكاذب- أنتشي حتى أعمى فيتخلّق العالم برمّته امرأة بلا تقاسيم فارقة، ولا أعي حين أو كيف أدخل على إحداهنّ..
"
روحه التي أُمر بحراستها تسكن في جسده، في ضحكة أمّه منخورة السّنّ
"
كان يمكن أنّ أُقتل في ليلة ما، لكن الله حتماً شاء أن أحيا لألتقيك.. أنت نجاتي من الموت طعناً بليلة ظلماء يا بيّة.. سأحبّ في حضنك الصغير نساء العالمين، وغير "مزطول" صدّقيني.. لن ينافسك عليّ غير أمّي، أنا روحها تقول، جثّة حيّة هي لولاي، ولن تفرّط فيّ إلاّ ميتة.. يتلمّظ، تنتأ تفّاحة آدم على حدير الحنجرة صعوداً نزولاً، تجحظ عيناه وتحمرّان لفرط ما يتراصّ في حدقتيهما من رغبات مشتعلة، يعسر عليه الانضباط للواجب والأوامر، يستوي في ذهنه المتوتّر السّجن الانفرادي وحضنها، الاغتيال والحياة إلى جانبها، يهمّ بنزع البدلة العسكريّة ورمي الرّشاش والتوجّه نحوها رأساً يطيشّه الحبّ..
يستدرك انضباطه. يشتدّ عليه عود الوعي الطّفل، يفرد نحوله الطّويل في بدلته، يفرد كتفيه، يعدّل وقفته على مقاس البطولة، يكبر عشرين سنة أخرى، يصير نبيّاً يعتزل طيش الشّباب المتحرّر الشّهي على ظهر كهف يأوي قتلة غير مرئيّين، ويرعى في الصّيف والشتاء نجوم الظّهر وأشباحَ الغسق في منطقة منذورة للفتك.. يهاتف أمّه في كلّ يوم أنّه صار رجلاً وأنّه حالما تنتهي دوريّته هذه سيتزوّج.. صار صاحب "شهريّة"، ودار أبيه شبه جاهزة، أمّه تتولّى الآن ترقيع صدوعها بما يرسل لها شهريّاً من ماله.. ما المانع إذن..؟
اِسمها بيّة يُمّا. يجيب عن السّؤال نفسه كلّ هاتف، وتحدّثه عبر الهاتف نفسه عن جهاز مروى "بعد الثلاجة، اشترت شاشة تلفاز مسطّحة وكبيرة يا ولدي.. تعرف أنّ لها "ورْثة" وتقبل بالسّكن معنا أنا وأختك في دار أبيك.."
بيد أنّ روحه لم تشرق اليوم أيضاً.. !
مرّ الصّباح مشوّشاً يؤرّب التلفّت جهة مطلعها رقبته ولم تجيء. أقعى الوقت قلقاً على حصير الظّهيرة القاسية يقضم أظفاره في انتظارها، مال الزوال على كتف العصر كظيماً مسودّ الأمل دخِن الوجه، أنهى النهار مشواره الطويل خائباً مهيض الشّوق، ارتفعت حرارة إبهام القدم داخل الحذاء العسكريّ، والتلّة مظلمة بعْد..عِسْ عْلى رُوحِكْ.. كيف؟
اِختفت بيّة غِرّة جارحة، لم ينُطّ من خلف التلّة حمل من قطيعها، انطفأ صوت أمّه على شاشة هاتف بلا شحنة كهربائيّة، عاد الكون إلى فظاظته، والأدهى التحمت روحه به.. صارت متعيَّناً هشّاً لا مرئيّاً لا يعرف من أين قد تؤكل كتفها وعليه قطعاً بلا تراخ أو تردّد حراستها من نفسه والآخر في مكان مفتوح عار علنيّ محسوس مشموم مسموع مرئيّ يسكنه عدوّ لا مرئيّ بلا رائحة ولا هسيس لخطاه الغادرة.. كيف يحرسها..؟
على فوّهة الممكن الضيّقة تتراصّ المحاذير، عند أوّل الخطأ ينفتح السّجن الانفراديّ لجنديّ لم يطع الأوامر، تطير ساق أو ذراع أو رأس لجنديّ لم يتيقّظ، وعلى مدخل اللّيلة يقف الخريف الرّماديّ قتِراً نزِقاً موتوراً محتقناً كدمّلة على أهبة الفقء. تنشج ريح الشّهيلي عقيماً تنسف السّفوح والحُضض وتترك الجدب خلفاً، تصوّت كما السّعلاة فتجمّع حولها أثاث بيتها: زفير اللَّفوح، جثث الأوراق، أكياس البلاستيك السّوداء، روائح الموت المقنّع، خِفاف الكائنات، عفن الأحياء المجفّفة، مخاوف الشّتاء المدقع، غيلان الظّلام، الأتربة، الغُثاء.. وهو "عقلة الإصبع" يتخفّى عنها تحت شجرة الخرّوب المنعزلة، داخل بدلة عسكريّة ما فتئت توسع على قامته النّاحلة وتضيق على روحه الواجفة، خلف رشّاش يثقل على كتفه، ويخفّ دون جزعه.. أحد عناصر فرقته اقتيد قبل شهر برشّاشه وعتاده النّفسيّ إلى الجبل واستُرجع عارياً بلا روح.. ينضبط للأمر أكثر، أشدّ. يُفكّر أنّه ربمّا وقع ضحيّة مؤامرة دنيئة..
"
هل روحي هي الوطن الذي أُرسلت إلى هنا لحراسته
"
العريف شكري فشل في استمالة بيّة لصالحه، يحسدني، لا شكّ أوغر عليّ صدر الكولونيل صادق فعزلني هاهنا نِعِسْ على روحي..
يأهل الجدب من حوله وساوس ألغام وقنابل موقوتة يسمع لها تكتكة منتظمة ولا يراها.. يتعدّد في غبش الغروب العدوّ، يتفكّك، يتغلل في كلّ شيء ومكان جزيئات إبريّة حادّة الشّرور، ذرّات من غبار فسفوريّ..
يفرغ فؤاده وعلبة السّجائر ومعدته، وتمتلئ أمعاؤه هواء مضغوطاً مقرقراً ورأسه دواوير شكّ تسفّ كلّ بديهيّاته الصّغرى فيرتاب في البياض المورّد لضحكة بيّة، في أنّ حملانها لم تكن مجهّزة بآلات للتنصّت، في حسن نوايا الهواء الصّافي ينفخ نحوه ريحها، في وضوح العراء وبراءةِ الكتل الصّخريّة الجرداء من الفخاخ، في خلوِّ ورق الشّجر المتطاير من رسائل مشفّرة، وفي قدرة سلاحه هذا على حماية روح لا يمتلك من أمرها شيئا وتمتدّ من هدب شعره حتى طرف ظفره في صحوه وغفوه، قيامه واتكائه، اثنين وسبعين ساعة ثانية تلو ثانية..
بلغ الأمر من السّخف حدّاً مستفزّاً مقيتاً وعند منتصف المدّة صار مريعاً، مقصلة، في تؤدة فظيعة، تضيق على رقبته وإبهام قدمه الملتهب يؤزّه وجعا تحت الجورب الملتصق به، داخل الحذاء العسكريّ الصّلب الثّقيل الآن كما كتلة حجريّة تريح على قدمه المتورّمة.. يعطف ساقه المعطوبة مسنداً وقوفه إلى قدم واحدة كـ "جنديّ الصّفيح"..
يفكّر في نزع فردة الحذاء.. كانوا بلا أحذية، وقد تخفّف بعضهم من حزامه ورشّاشه وانبسطوا للمرّة الأولى بعد أسبوع من الرّباط على تخوم الجبل، للإفطار.. اللّهمّ لك صُمنا وعلى رزقك أفطرنا.. بممم قذيفة هاون ختمت الدّعاء.. كامل الفرقة العسكريّة تفحّمت.. عِسْ عِسْ عِسْ على روحِكْ، لا سلم لا استسلام لا تراخ لا تراجع لا تردّد لا خوف لا ضعف لا ذّل لا هوان لا نوم لا غفوة لا راحة لا.. لا.. لا.. حتى يأتيك أمر.. أو.. تتوتّر تفاحة آدم من جديد وتهصر النّهاية قلبه كثمرة تتعفّن..
عِسْ عْلى روحِكْ..
ممّ ولا شيء بعينيه هو العدوّ المرتقب؟ ممنّ ولا إرهابيّ في أفق الرّيبة يتراءى لي؟ وهل روحي هي الوطن الذي أُرسلت إلى هنا لحراسته من غاراتهم وسكاكينهم وحقدهم الملغّم..؟ لكنّ الجندي الحقيقي لا يحرس نفسه فقط، إنّه في حماية الوطن كافّة ورهنا لسلامته أرضا وسماء وما بينهما من حيّ وجمِد.. ما دخل روحي في المسألة..؟ أنا جنديّ.. أنا جندي حقيقي يفتدي الوطن بروحه، وليس ليحرسها وحدها دونه..؟
أوشك يصرخ ثمّ استدرك نفسه قبل إشهار العصيان المشين لأمر عسكري. سيعاقب شديداً لمخالفة الأوامر، وينبذ مذموماً خارج حدود الوطنيّة وبيّة قد تشرق غداً..
الشّمس التي لم يرها تطلع اليوم من خلف التّلة تتدحرج الآن خلفها بتؤدة وتخلّفه على إثرها للخطر الغامض. هل بدأ يقترب من مجاز الاستشهاد..؟ بيد أنّه لم ينخرط في الجنديّة إلاّ ليعيش كتونسيّ الحدّ الأدنى بأجرة شهريّة قارّة مسماراً في جدار الدوّلة، ترفع عنه الحاجةُ القلمَ فيبلغ شرط الشّبع والكسوة والنّعل ويكفكف شقوة أمّه النّازفة من كفوفها ورموشها وجراح عمرها المفتوحة مدى الأيام.. من قمّة الفقر انحدر على سغب وحفا وعري شبه تامّ وغبن يفرّخ في أحراش الرّوح، من قرية جبليّة مهملة إلى أقصى الفقر المزدهر بأصقاع البلاد المنسيّة شمال غربيّها تُرى تتدلّى على جرف السّقوط كذراع ميتة مربوطة إلى جسد صاحبها.. لم يأت بقرار ليُقتل..
يترسّب على وجهه دقاق التّراب يتلمّظه حرشاً مُزّاً على شفتيه، يتسلّل إلى ماء عينيه، يحرقه، يرمش سريعاً منفعلاً ويخشى أن يرفع يديه عن سلاحه ليمسح عينيه فينقضّ عليه أحدهم حين الغمض..
عِسْ عْلَى رُوحِكْ ساعة البلاء غفلة والغفلة غمضة، غمزة، شهوة، نهزة عشق، لحظة سهو، انشغال لحاجة بشريّة، وسَن جارف، طرفة حلم، أكلة معلبّة، صغير أفعى يجرّب سمّه، قذيفة "تربولات" بيد صبيّ، رمّانة يدويّة، شقف قارورة، فضلة أمونيتر، لفافة طعام يمنحها إيّاه أحدهم، لغم ينام في مجرى قدميه، حجر طائش، رصاصة، وهذا الكيس البلاستيكي الأسود المكوّر على شيء ما..؟ متى تدحرج حتى هنا؟ ماذا لو..؟ أحدهم رماه مقربة منه ولم يفطن إليه..؟ وبيّة التي لم تأت..؟ حُجبت أم زوّجت أم اختُطفت..؟ أم.. التحقت بهم تدلّهم عليه..؟
وهذا الكيس..؟
ينفخ فيه الخوف الصُّورَ فتنحشر إليه كلّ أضغاث العالمين أهوالاً منفوشة ويتّخذ الجبل البعيد المشجّر هيئة قمقم ضخم ينغلق على قبيلة من مردة وحوش سود ملثّمين.. تطرح عليه النّهاية إمكانات الموت المتوفّرة في حال كهذه، فيراجع دفتر حسابات الآثام المتراكمة..
الاستشهاد يجبّ ما قبله، بيد أنّي قد أعود إلى الحياة بساق واحدة أو دونهما معاً مثلاً؟ هل يا ترى تظلّ بيّة معجبة بي حينئذ..؟ ومروى..؟
لا يجد كيف يهاتف أمه فيشتدّ يقظة متحفّزة، مفغورة الحواسّ، مستنفرة. يلوب مكانه لا يعلم على أيّ من قدميه الآخذتين في التورّم يريح ولا كيف يصرف ذهنه عن الكيس.. يحشرج الصّمت المقعي عند أطراف الفراغ كأنّ ضبعا بين أحراشه يسنّ أنيابه على عظام فريسة نافقة.. قد ينفق هنا هو أيضاً، يقدّر.. أو.. قد..
في انبساط الليل على مفرش اليبس حذوه يحشر الرّعب قسوة يده إلى قاع ذاكرة تستغشي النّسيان جُنّة من الضّعف.. تنبش أكوام الصّور المدماة داخلها تبرز إلى واجهة الرّؤية واقعة الجبل الأخيرة مضيئة مبهرة.. مسافة منطقة غابيّة مشتعلة وعشرة أيّام وأحد عشرة ليلة وخمس ساعات وثلاث وثلاثين دقيقة ظلوا يمشون على الجمر منتعلين أحذية ثقيلة التصقت أسافلها بأكفّهم الملتهبة داخل الجوارب الحامية في تعقّب فرقة عسكريّة حُجزت حيث لا يعلمون.. كانوا سبعة جنود ثامنهم رعب يبسط ذراعيه على الوصيد من كهف واطئ معتم عطن وحشيّ الأرضيّة والجوانب، آووا إليه بين نار وقتلة يقرمشون حبوب الهلوسة التي عثروا عليها في متاع العناصر الإرهابيّة لتجزية الوقت والخوف والانهيار العصبيّ.. لم يكن مشهدهم يملأ أحدا رعبا، كان الدّمع الكثيف الغامض المبهوت الأبكم ما ملأ الأفئدة والبطون والمحاجر.. والكيس..؟
اِنضبط. روحه التي أُمر بحراستها تسكن في جسده، في ضحكة أمّه منخورة السّنّ، تحت "فولارة" بيّة المورّدة، في عيني زميل، في شجرة الخرّوب التي تأويه الآن، في غد يحبّ أن يبلغه تامّ الأطراف والقلب.. لم يأت ليقتل، لكن ليحيى ضاحكاً في الحياة والشهادة.. شغّل إبهام الوطن مفاعل طاقته الحيوية الدّاخليّة، صار جيشاً في واحد يحرس روحه المتعدّدة، يتربّص بضعفه وخوفه وعدوّه..
عند أوّل الفجر الموالي كان يدوس على وجع القدم المضيض، مقربة الكيس البلاستيكي المكوّر على خطر قد يكون انفجاريّاً.. ربط جأشه، حرّك الكتلة بطرف الرشّاش.. نخسها.. رفع الحذاء العسكريّ المهيب في وجه الخطر الملفوف في السّواد والقلب يورّق وجوه الأحبّة مودّعاً ويلهج بالشّهادتين.. اِنفجرت فجأة عبوّة الضّحك المضغوطة في صدره صدره.. تناثرت أشلاء مخاوفه مضرّجة بالخجل.. لحسن الحظّ، لا أحد تفطّن لجبنه الأحمق. اِفْفف.. كانت الرّائحة جدّاً عطنة..! وكانت حملان بيّة قد أشرقت من خلف التلّة..
* "عسّ على روحك": تعني بالعاميّة التونسيّة؛ احرس نفسك.
بسمة الشوالي
28 ديسمبر 2017
ينضبط. مدى الجسم المشدود سهماً مبرياً إلى قوس الطاعة يُنشّط الدّماغ سيّالاته العصبيّة، يشدّ النّخاع حبال صواريه، يكثّف العضلُ ماءه، يحشد العظم معادنه فتغدو الروح أوسع من حدودها اللّحمية، خزّاناً من طاقة حيوية مضغوطاً معتملاً معزولاً عن محيطه مشدوداً في آن إليه، مبذول زرّ تشغيله لإبهام الأوامر فيما القلب المستتر بوجه جامد بارد كلافتة عند منعرج خطير، طائش من سرور..
الأمر الذي كشفرة بارقة شُحذت للتوّ، يحزّ خيط صنّارة الفضول، تلقي بخياله الفاحش كطُعم إلى ما وراء التلّة، وما وراءها..!؟
روحه تنهض من نومها، تنضو عن جسمها ثوب الغلس عتمة عتمة، وتروح تغتسل في بركة الفجر.. تلبس غلالة من ضباب شفيف يحجب عن أخيلته المتلصّصة قدر ما يكشف، ثمّ تشرق..
توّاً أو عمّا هنيهة لا أكثر، تنبثق وردةَ من نور، تُفيض ماء فضّتها على إطار الفراغ الرّصاصيّ العكِر، ويخفّ الصّبح على إثرها متلعثماً منفوش التّقاسيم، يرشرش الضّوء كما اتّفق في أواني الصّخور الخفيضة وعلى ذؤابات الأمكنة العجفاء، وشعور الشّجر المغبرّة.. ستُنفّر عمداً موارباً حملانها مقربة منه، ثمّ ترتع نحوه أخفّ منها، أبلغ حسناً تحت فوضويّة الألوان في ملابسها الكثيرة، وجديلتاها تحت "الفولارة" أضوأ من أيّ سفور، وأوفر رجولة هو في وجهها البدويّ، ينتقيه دون غيره من الجنود، فيبللّه طشيش الفرح من ابتسامتها الماطرة، وينتثر على جلده طلع الشّوك من حسدهم..
قليلاً آخر لا غير ويتأنّث هذا الكون الفظّ من حوله، وتسيل من شقوق الفراغ المتحجّر، من غلظة الرُّبي الصّخرية، من جفوّ سحائب الغبار الكتيمة، العذوبةُ حياة يخرّ لها الجدبُ أنهراً فتورق المخاطر على ضفاف الكرز من شفتين هما روحه الموكل وحده بحراستها من مخالب الحصى النّاشبة، كفِّ الهواء الخشنة، سؤرِ الذّئاب على أطراف حسنها الطفلي، جنودِ المعسكر زملائه، أهلِها الرّابضين في مكامن لا يراها.. تلين ملامس العنف في طبعه العدواني، يعتدل نزقه القاذع، يبدأ بترتيب بيته الدّاخلي الفوضوي وتشذيب لغته النّابية.. ينضج، يقسم لو شاءت، فقط لو أومأت بمشيئة محتملة النّعمة من رمشها أو لفتة الغنج المهلكة من رأسها أو ممّا شاءت.. يقسم أن لن "يُحرْبِش" ثانية أو يفتل حشيشة يقتحم إثرها على نساء حيّه الجبلي مخادعهنّ..
لا أفعل سوى النّوم في حضن رطِب دافئ، كأن لا أمّ لي يا بيّة ورأسِ أبي، صدّقيني -يعترف لها في سرّه الكاذب- أنتشي حتى أعمى فيتخلّق العالم برمّته امرأة بلا تقاسيم فارقة، ولا أعي حين أو كيف أدخل على إحداهنّ..
"
روحه التي أُمر بحراستها تسكن في جسده، في ضحكة أمّه منخورة السّنّ
"
كان يمكن أنّ أُقتل في ليلة ما، لكن الله حتماً شاء أن أحيا لألتقيك.. أنت نجاتي من الموت طعناً بليلة ظلماء يا بيّة.. سأحبّ في حضنك الصغير نساء العالمين، وغير "مزطول" صدّقيني.. لن ينافسك عليّ غير أمّي، أنا روحها تقول، جثّة حيّة هي لولاي، ولن تفرّط فيّ إلاّ ميتة.. يتلمّظ، تنتأ تفّاحة آدم على حدير الحنجرة صعوداً نزولاً، تجحظ عيناه وتحمرّان لفرط ما يتراصّ في حدقتيهما من رغبات مشتعلة، يعسر عليه الانضباط للواجب والأوامر، يستوي في ذهنه المتوتّر السّجن الانفرادي وحضنها، الاغتيال والحياة إلى جانبها، يهمّ بنزع البدلة العسكريّة ورمي الرّشاش والتوجّه نحوها رأساً يطيشّه الحبّ..
يستدرك انضباطه. يشتدّ عليه عود الوعي الطّفل، يفرد نحوله الطّويل في بدلته، يفرد كتفيه، يعدّل وقفته على مقاس البطولة، يكبر عشرين سنة أخرى، يصير نبيّاً يعتزل طيش الشّباب المتحرّر الشّهي على ظهر كهف يأوي قتلة غير مرئيّين، ويرعى في الصّيف والشتاء نجوم الظّهر وأشباحَ الغسق في منطقة منذورة للفتك.. يهاتف أمّه في كلّ يوم أنّه صار رجلاً وأنّه حالما تنتهي دوريّته هذه سيتزوّج.. صار صاحب "شهريّة"، ودار أبيه شبه جاهزة، أمّه تتولّى الآن ترقيع صدوعها بما يرسل لها شهريّاً من ماله.. ما المانع إذن..؟
اِسمها بيّة يُمّا. يجيب عن السّؤال نفسه كلّ هاتف، وتحدّثه عبر الهاتف نفسه عن جهاز مروى "بعد الثلاجة، اشترت شاشة تلفاز مسطّحة وكبيرة يا ولدي.. تعرف أنّ لها "ورْثة" وتقبل بالسّكن معنا أنا وأختك في دار أبيك.."
بيد أنّ روحه لم تشرق اليوم أيضاً.. !
مرّ الصّباح مشوّشاً يؤرّب التلفّت جهة مطلعها رقبته ولم تجيء. أقعى الوقت قلقاً على حصير الظّهيرة القاسية يقضم أظفاره في انتظارها، مال الزوال على كتف العصر كظيماً مسودّ الأمل دخِن الوجه، أنهى النهار مشواره الطويل خائباً مهيض الشّوق، ارتفعت حرارة إبهام القدم داخل الحذاء العسكريّ، والتلّة مظلمة بعْد..عِسْ عْلى رُوحِكْ.. كيف؟
اِختفت بيّة غِرّة جارحة، لم ينُطّ من خلف التلّة حمل من قطيعها، انطفأ صوت أمّه على شاشة هاتف بلا شحنة كهربائيّة، عاد الكون إلى فظاظته، والأدهى التحمت روحه به.. صارت متعيَّناً هشّاً لا مرئيّاً لا يعرف من أين قد تؤكل كتفها وعليه قطعاً بلا تراخ أو تردّد حراستها من نفسه والآخر في مكان مفتوح عار علنيّ محسوس مشموم مسموع مرئيّ يسكنه عدوّ لا مرئيّ بلا رائحة ولا هسيس لخطاه الغادرة.. كيف يحرسها..؟
على فوّهة الممكن الضيّقة تتراصّ المحاذير، عند أوّل الخطأ ينفتح السّجن الانفراديّ لجنديّ لم يطع الأوامر، تطير ساق أو ذراع أو رأس لجنديّ لم يتيقّظ، وعلى مدخل اللّيلة يقف الخريف الرّماديّ قتِراً نزِقاً موتوراً محتقناً كدمّلة على أهبة الفقء. تنشج ريح الشّهيلي عقيماً تنسف السّفوح والحُضض وتترك الجدب خلفاً، تصوّت كما السّعلاة فتجمّع حولها أثاث بيتها: زفير اللَّفوح، جثث الأوراق، أكياس البلاستيك السّوداء، روائح الموت المقنّع، خِفاف الكائنات، عفن الأحياء المجفّفة، مخاوف الشّتاء المدقع، غيلان الظّلام، الأتربة، الغُثاء.. وهو "عقلة الإصبع" يتخفّى عنها تحت شجرة الخرّوب المنعزلة، داخل بدلة عسكريّة ما فتئت توسع على قامته النّاحلة وتضيق على روحه الواجفة، خلف رشّاش يثقل على كتفه، ويخفّ دون جزعه.. أحد عناصر فرقته اقتيد قبل شهر برشّاشه وعتاده النّفسيّ إلى الجبل واستُرجع عارياً بلا روح.. ينضبط للأمر أكثر، أشدّ. يُفكّر أنّه ربمّا وقع ضحيّة مؤامرة دنيئة..
"
هل روحي هي الوطن الذي أُرسلت إلى هنا لحراسته
"
العريف شكري فشل في استمالة بيّة لصالحه، يحسدني، لا شكّ أوغر عليّ صدر الكولونيل صادق فعزلني هاهنا نِعِسْ على روحي..
يأهل الجدب من حوله وساوس ألغام وقنابل موقوتة يسمع لها تكتكة منتظمة ولا يراها.. يتعدّد في غبش الغروب العدوّ، يتفكّك، يتغلل في كلّ شيء ومكان جزيئات إبريّة حادّة الشّرور، ذرّات من غبار فسفوريّ..
يفرغ فؤاده وعلبة السّجائر ومعدته، وتمتلئ أمعاؤه هواء مضغوطاً مقرقراً ورأسه دواوير شكّ تسفّ كلّ بديهيّاته الصّغرى فيرتاب في البياض المورّد لضحكة بيّة، في أنّ حملانها لم تكن مجهّزة بآلات للتنصّت، في حسن نوايا الهواء الصّافي ينفخ نحوه ريحها، في وضوح العراء وبراءةِ الكتل الصّخريّة الجرداء من الفخاخ، في خلوِّ ورق الشّجر المتطاير من رسائل مشفّرة، وفي قدرة سلاحه هذا على حماية روح لا يمتلك من أمرها شيئا وتمتدّ من هدب شعره حتى طرف ظفره في صحوه وغفوه، قيامه واتكائه، اثنين وسبعين ساعة ثانية تلو ثانية..
بلغ الأمر من السّخف حدّاً مستفزّاً مقيتاً وعند منتصف المدّة صار مريعاً، مقصلة، في تؤدة فظيعة، تضيق على رقبته وإبهام قدمه الملتهب يؤزّه وجعا تحت الجورب الملتصق به، داخل الحذاء العسكريّ الصّلب الثّقيل الآن كما كتلة حجريّة تريح على قدمه المتورّمة.. يعطف ساقه المعطوبة مسنداً وقوفه إلى قدم واحدة كـ "جنديّ الصّفيح"..
يفكّر في نزع فردة الحذاء.. كانوا بلا أحذية، وقد تخفّف بعضهم من حزامه ورشّاشه وانبسطوا للمرّة الأولى بعد أسبوع من الرّباط على تخوم الجبل، للإفطار.. اللّهمّ لك صُمنا وعلى رزقك أفطرنا.. بممم قذيفة هاون ختمت الدّعاء.. كامل الفرقة العسكريّة تفحّمت.. عِسْ عِسْ عِسْ على روحِكْ، لا سلم لا استسلام لا تراخ لا تراجع لا تردّد لا خوف لا ضعف لا ذّل لا هوان لا نوم لا غفوة لا راحة لا.. لا.. لا.. حتى يأتيك أمر.. أو.. تتوتّر تفاحة آدم من جديد وتهصر النّهاية قلبه كثمرة تتعفّن..
عِسْ عْلى روحِكْ..
ممّ ولا شيء بعينيه هو العدوّ المرتقب؟ ممنّ ولا إرهابيّ في أفق الرّيبة يتراءى لي؟ وهل روحي هي الوطن الذي أُرسلت إلى هنا لحراسته من غاراتهم وسكاكينهم وحقدهم الملغّم..؟ لكنّ الجندي الحقيقي لا يحرس نفسه فقط، إنّه في حماية الوطن كافّة ورهنا لسلامته أرضا وسماء وما بينهما من حيّ وجمِد.. ما دخل روحي في المسألة..؟ أنا جنديّ.. أنا جندي حقيقي يفتدي الوطن بروحه، وليس ليحرسها وحدها دونه..؟
أوشك يصرخ ثمّ استدرك نفسه قبل إشهار العصيان المشين لأمر عسكري. سيعاقب شديداً لمخالفة الأوامر، وينبذ مذموماً خارج حدود الوطنيّة وبيّة قد تشرق غداً..
الشّمس التي لم يرها تطلع اليوم من خلف التّلة تتدحرج الآن خلفها بتؤدة وتخلّفه على إثرها للخطر الغامض. هل بدأ يقترب من مجاز الاستشهاد..؟ بيد أنّه لم ينخرط في الجنديّة إلاّ ليعيش كتونسيّ الحدّ الأدنى بأجرة شهريّة قارّة مسماراً في جدار الدوّلة، ترفع عنه الحاجةُ القلمَ فيبلغ شرط الشّبع والكسوة والنّعل ويكفكف شقوة أمّه النّازفة من كفوفها ورموشها وجراح عمرها المفتوحة مدى الأيام.. من قمّة الفقر انحدر على سغب وحفا وعري شبه تامّ وغبن يفرّخ في أحراش الرّوح، من قرية جبليّة مهملة إلى أقصى الفقر المزدهر بأصقاع البلاد المنسيّة شمال غربيّها تُرى تتدلّى على جرف السّقوط كذراع ميتة مربوطة إلى جسد صاحبها.. لم يأت بقرار ليُقتل..
يترسّب على وجهه دقاق التّراب يتلمّظه حرشاً مُزّاً على شفتيه، يتسلّل إلى ماء عينيه، يحرقه، يرمش سريعاً منفعلاً ويخشى أن يرفع يديه عن سلاحه ليمسح عينيه فينقضّ عليه أحدهم حين الغمض..
عِسْ عْلَى رُوحِكْ ساعة البلاء غفلة والغفلة غمضة، غمزة، شهوة، نهزة عشق، لحظة سهو، انشغال لحاجة بشريّة، وسَن جارف، طرفة حلم، أكلة معلبّة، صغير أفعى يجرّب سمّه، قذيفة "تربولات" بيد صبيّ، رمّانة يدويّة، شقف قارورة، فضلة أمونيتر، لفافة طعام يمنحها إيّاه أحدهم، لغم ينام في مجرى قدميه، حجر طائش، رصاصة، وهذا الكيس البلاستيكي الأسود المكوّر على شيء ما..؟ متى تدحرج حتى هنا؟ ماذا لو..؟ أحدهم رماه مقربة منه ولم يفطن إليه..؟ وبيّة التي لم تأت..؟ حُجبت أم زوّجت أم اختُطفت..؟ أم.. التحقت بهم تدلّهم عليه..؟
وهذا الكيس..؟
ينفخ فيه الخوف الصُّورَ فتنحشر إليه كلّ أضغاث العالمين أهوالاً منفوشة ويتّخذ الجبل البعيد المشجّر هيئة قمقم ضخم ينغلق على قبيلة من مردة وحوش سود ملثّمين.. تطرح عليه النّهاية إمكانات الموت المتوفّرة في حال كهذه، فيراجع دفتر حسابات الآثام المتراكمة..
الاستشهاد يجبّ ما قبله، بيد أنّي قد أعود إلى الحياة بساق واحدة أو دونهما معاً مثلاً؟ هل يا ترى تظلّ بيّة معجبة بي حينئذ..؟ ومروى..؟
لا يجد كيف يهاتف أمه فيشتدّ يقظة متحفّزة، مفغورة الحواسّ، مستنفرة. يلوب مكانه لا يعلم على أيّ من قدميه الآخذتين في التورّم يريح ولا كيف يصرف ذهنه عن الكيس.. يحشرج الصّمت المقعي عند أطراف الفراغ كأنّ ضبعا بين أحراشه يسنّ أنيابه على عظام فريسة نافقة.. قد ينفق هنا هو أيضاً، يقدّر.. أو.. قد..
في انبساط الليل على مفرش اليبس حذوه يحشر الرّعب قسوة يده إلى قاع ذاكرة تستغشي النّسيان جُنّة من الضّعف.. تنبش أكوام الصّور المدماة داخلها تبرز إلى واجهة الرّؤية واقعة الجبل الأخيرة مضيئة مبهرة.. مسافة منطقة غابيّة مشتعلة وعشرة أيّام وأحد عشرة ليلة وخمس ساعات وثلاث وثلاثين دقيقة ظلوا يمشون على الجمر منتعلين أحذية ثقيلة التصقت أسافلها بأكفّهم الملتهبة داخل الجوارب الحامية في تعقّب فرقة عسكريّة حُجزت حيث لا يعلمون.. كانوا سبعة جنود ثامنهم رعب يبسط ذراعيه على الوصيد من كهف واطئ معتم عطن وحشيّ الأرضيّة والجوانب، آووا إليه بين نار وقتلة يقرمشون حبوب الهلوسة التي عثروا عليها في متاع العناصر الإرهابيّة لتجزية الوقت والخوف والانهيار العصبيّ.. لم يكن مشهدهم يملأ أحدا رعبا، كان الدّمع الكثيف الغامض المبهوت الأبكم ما ملأ الأفئدة والبطون والمحاجر.. والكيس..؟
اِنضبط. روحه التي أُمر بحراستها تسكن في جسده، في ضحكة أمّه منخورة السّنّ، تحت "فولارة" بيّة المورّدة، في عيني زميل، في شجرة الخرّوب التي تأويه الآن، في غد يحبّ أن يبلغه تامّ الأطراف والقلب.. لم يأت ليقتل، لكن ليحيى ضاحكاً في الحياة والشهادة.. شغّل إبهام الوطن مفاعل طاقته الحيوية الدّاخليّة، صار جيشاً في واحد يحرس روحه المتعدّدة، يتربّص بضعفه وخوفه وعدوّه..
عند أوّل الفجر الموالي كان يدوس على وجع القدم المضيض، مقربة الكيس البلاستيكي المكوّر على خطر قد يكون انفجاريّاً.. ربط جأشه، حرّك الكتلة بطرف الرشّاش.. نخسها.. رفع الحذاء العسكريّ المهيب في وجه الخطر الملفوف في السّواد والقلب يورّق وجوه الأحبّة مودّعاً ويلهج بالشّهادتين.. اِنفجرت فجأة عبوّة الضّحك المضغوطة في صدره صدره.. تناثرت أشلاء مخاوفه مضرّجة بالخجل.. لحسن الحظّ، لا أحد تفطّن لجبنه الأحمق. اِفْفف.. كانت الرّائحة جدّاً عطنة..! وكانت حملان بيّة قد أشرقت من خلف التلّة..
* "عسّ على روحك": تعني بالعاميّة التونسيّة؛ احرس نفسك.
بسمة الشوالي
28 ديسمبر 2017