المصطفى المحبوب - موقف الحافلة رقم 39...

أشياء كثيرة كانت تزعجني ، لم أكن أتوقع وجودها بجيب سروالي أو بالقرب من وسادة نومي أو حتى بجانب آلة السحب المالي التي بدأت أتردد عليها عند نهاية كل شهر..
مازالت هذه الأسئلة تعكر صفو حياتي ، تذكرني بأسئلة صديقي الكسول أيام الدراسة ، بأجوبة أساتذة تعلمت على أيديهم ، تذكرني بسخرية حارس الدراجات أمام باب المدرسة، وبانزعاجي من تصرفات بائع سندويتش السمك والفلفل الحار ، وبتذمري من سخرية بائع السجائر بالتقسيط..،
كانت السجائر حلوة وقت الإستراحة ، كان الأكل لذيذا وأنا ألتهمه بسرعة أمام أعين جميلة أحببتها ، أعين تمتنع عن الأكل لتتمتع بالأصوات التي أصدرها وأنا أمضغ بسرعة ، وأنا أدخن بشراهة مخافة ان تنتهي مدة الاستراحة ..
كانت خمس عشرة دقيقة كافية بأن أعيش كل متع الدنيا ،
كانت كل هذه الأشياء لا تسبب لي مشكلة أو عائقا للسعادة أوالمتع التي كنا نوزعها كما نريد ..
أتذكر جيدا الفتاة التي أعطتني شريط أغنية بعثته لي تلميذة كانت تحبني ، أخذته دون ممانعة ، لم أكن أتصور أن هذا الجمال يمكنه أن يعشق هذا الرأس الغليظ ، لم أتمكن من أكل غذائي ذلك اليوم ، حتى أمي أبدت نفس الملاحظات التي أشعر بها ذلك الوقت ...
لكن كل شيء تغير الآن ، وأصبحت الأشياء المزعجة كثيرة ، سأفكر في ترك الحياة قبل أن تتعفن ، قبل أن يمر سارقو متع الطفولة والذكريات ، قبل أن يمر الرجال الذين ساهموا في نضوب بحيرة المدرسة التي كنت أركض بين هضابها والحي الفقير الذي تعودت على أنهاره المتسخة ، ..
لم أفكر في تخريب أواني الجيران أو تعكير صفو النهر الذي يمر بجانب الأبواب المفتوحة طول اليوم ، أما الكلاب التي كانت تركض نحوي كلما هممت بتغيير ملابسي وسط الحي الذي أسكنه فمازالت تحتفظ بأول شربة ماء قدمتها لها أول يوم قدمت فيه لحانة الشعر ، إنه الوحيد الذي يذكرني بفرحي أيام مرحلة الدراسة الثانوية ، وبأصدقائي الذي يحبون شعرهم الطويل وصراخهم وهم يغنون متجهين إلى موقف الحافلة ..

المصطفى المحبوب
المغرب ..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...