: 27 - 05 - 1940
أخي الأستاذ الزيات
إليك أقدم أطيب الثناء على الهدية النفيسة التي تفضلتَ بها على أخيك وهي المجلد الأول من (وحي الرسالة)، وهو مجموعة لمحات من بوارق فكرك الوثّاب الذي ترى به روح الشرق وعقل الغرب حين تشاء، بفضل ما وهبك الله من البصر بأسرار البلاغة العربية والثقافة الفرنسية، وتلك هِبة لا يتمتع بها من كتاب العصر إلا الأقلون
ويمتاز كتابك بميزة أصيلة هي تصويره لأكثر ما يحيط بهذا العصر من مشكلات عقلية، ومعضلات ذوقية، فهو سِجِلٌ صادق لحوادث عاناها المجتمع واضطرم لها روحك الأمين
وما عاودتُ النظر في كتابك إلا تفزّعتُ إشفاقاً عليك، فهو يشهد بأنك شديد الإحساس بالوجود. والذي يصف المجتمع وهو في مثل حالك يستأهل الإشفاق، إنه يعاني البلاء بمنحه المجتمع وهو يحمل روح المصلح. ولا يعزّيني إلا الشعور بأن الذين يشفقون في الطب لأمراض المجتمع هم في حقيقة الأمر من أعظم السعداء، وأنت في الطليعة بين كتابنا المصلحين، وإنك لعزيزُ علينا أيها الشقيُّ السعيد
وهذا وقد قال بعض الناس إنك كاتب متأنق، وذلك باطل يراد به حق، فالكتابة الرفعية فنٌّ جميل لا ينفع فيه الارتجال. ولا تحسب أنك خدعتنا حين قلت إن مجموعة (وحي الرسالة) لم تكن إلا ومضات يلمح بها الفكر من أسبوع إلى أسبوع، فالكاتب الحق لا يعرف عفو الخاطر وإن أحب أن يوصف بذلك وإنما ينقل إلى سنان القلم لواعج عاناها الفكر والروح في أعوام طوال. وهو كالشجرة التي تختزن ثمارها إلى أن يحين الموسم المنشود. فلا تحاول التعتب على من يصفك بالتأنق، لأن التأنق من صور الاهتمام، والاهتمام عملية جراحية تنقل الأفكار من عالم المعاني إلى عالم الشهود
أما بعد فأنا أرجو أن يسبغ الله عليك أثواب العافية وأن يجعل لمؤلفاتك حظاً من القبول تنسى به آلامك في خدمة الأدب الرفيع، إن جاز في دنيانا الحاضرة أن ينال المؤلفون المتفوقون بعض الجزاء. . . والله يحفظك للصديق الذي يعطف على جهودك أصدق العطف
زكي مبارك
أخي الأستاذ الزيات
إليك أقدم أطيب الثناء على الهدية النفيسة التي تفضلتَ بها على أخيك وهي المجلد الأول من (وحي الرسالة)، وهو مجموعة لمحات من بوارق فكرك الوثّاب الذي ترى به روح الشرق وعقل الغرب حين تشاء، بفضل ما وهبك الله من البصر بأسرار البلاغة العربية والثقافة الفرنسية، وتلك هِبة لا يتمتع بها من كتاب العصر إلا الأقلون
ويمتاز كتابك بميزة أصيلة هي تصويره لأكثر ما يحيط بهذا العصر من مشكلات عقلية، ومعضلات ذوقية، فهو سِجِلٌ صادق لحوادث عاناها المجتمع واضطرم لها روحك الأمين
وما عاودتُ النظر في كتابك إلا تفزّعتُ إشفاقاً عليك، فهو يشهد بأنك شديد الإحساس بالوجود. والذي يصف المجتمع وهو في مثل حالك يستأهل الإشفاق، إنه يعاني البلاء بمنحه المجتمع وهو يحمل روح المصلح. ولا يعزّيني إلا الشعور بأن الذين يشفقون في الطب لأمراض المجتمع هم في حقيقة الأمر من أعظم السعداء، وأنت في الطليعة بين كتابنا المصلحين، وإنك لعزيزُ علينا أيها الشقيُّ السعيد
وهذا وقد قال بعض الناس إنك كاتب متأنق، وذلك باطل يراد به حق، فالكتابة الرفعية فنٌّ جميل لا ينفع فيه الارتجال. ولا تحسب أنك خدعتنا حين قلت إن مجموعة (وحي الرسالة) لم تكن إلا ومضات يلمح بها الفكر من أسبوع إلى أسبوع، فالكاتب الحق لا يعرف عفو الخاطر وإن أحب أن يوصف بذلك وإنما ينقل إلى سنان القلم لواعج عاناها الفكر والروح في أعوام طوال. وهو كالشجرة التي تختزن ثمارها إلى أن يحين الموسم المنشود. فلا تحاول التعتب على من يصفك بالتأنق، لأن التأنق من صور الاهتمام، والاهتمام عملية جراحية تنقل الأفكار من عالم المعاني إلى عالم الشهود
أما بعد فأنا أرجو أن يسبغ الله عليك أثواب العافية وأن يجعل لمؤلفاتك حظاً من القبول تنسى به آلامك في خدمة الأدب الرفيع، إن جاز في دنيانا الحاضرة أن ينال المؤلفون المتفوقون بعض الجزاء. . . والله يحفظك للصديق الذي يعطف على جهودك أصدق العطف
زكي مبارك