انطلقت مسيرة الشيف الحسين الهواري في عالم الطبخ كمساعد طباخ تحديدا في سنة 1972، لتتوج مسيرته بعدة جوائز وألقاب وشهادات تقديرية طيلة 43 سنة من البحث والاجتهاد والعطاء في فن الطبخ. فهو تقلد منصب رئيس الطهاة للطبخ لأكثر من 35 سنة، كما شغل منصب الكاتب العام للفيدرالية المغربية لفنون الطبخ، وهو عضو في الأكاديمية الوطنية الفرنسية لفنون الطبخ، وعميد الشيفات في المغرب الكبير. عمل في المراسيم الملكية، وقام أيضا بالإشراف على البرنامج التلفزيوني الخاص بالطبخ المغربي"مأدبة" على القناة المغربية الأولى لسنة 2006. هو أيضا عضو مؤسس للمعرض الدولي، وهو أيضا باحث ومؤرخ في تاريخ وتراث الطبخ المغربي والعربي والعالمي، وعضو مؤسس للمعرض الدولي" كريماي" منذ تأسيسه سنة 2000. كما أنه عضو في اتحاد طهاة العرب بمصر، ورئيس حكام مباريات الطهي معترف به من طرف وزارة التكوين المهني للتحكيم في المباريات المنظمة بالمدارس سواء الحكومية أو الخصوصية والتي شغل بها سابقا منصب مكون ومعلم لتدريس الطبخ وفنون الطهي، هو مدرب وقائد للمنتخب المغربي للطهي الفائز ببطولة العرب للطبخ المنظمة بمصر"شرم الشيخ" لسنة 2018، متوجا ب 8 ميداليات وبالدرع الدوري" غولدن شيف"، بالإضافة إلى بطولات أخرى....شارك في عدة دورات تدريبية بفرنسا وإيطاليا، وإسبانيا، وألمانيا، ومصر، والسنغال...كما أنه منخرط في عدة جمعيات لها ذات الصلة بفن الطبخ.
لم تتوقف إنجازات الشيف الحسين الهواري عند هذا الحد فهو من المبدعين في عالم الطبخ، تعلم الطبخ الأوربي من كبار المتخصصين حين كان يعمل في بداية مشواره في المطاعم المصنفة، وأضاف إلى معرفته اجتهاده في الطبخ المغربي والعربي، ولم يكتف بما تعلمه، وإنما غاص في عمق التاريخ كباحث ومؤرخ للتراث والطبخ المغربي والعربي والعالمي. ببساطة هو لا يجيد فقط طهي الطعام بمهارة، بل يعرف خباياه كأصله ومنشأه وسلسلة تطوره. فبالنسبة إليه البحث والعلم والمعرفة أشياء ضرورية يجب أن يتسلح بهما الطباخ بالإضافة إلى الموهبة وتقنيات المهنة، لتكون الشهرة في آخر المطاف تحصيل حاصل تسعى إلى صاحبها بعد اجتهاد وتعب متواصلين.
وبعد كل ما حققه الشيف الحسين الهواري من نجاحات وشهرة وجوائز وشهادات تقديرية، إلا أنه يحمل على عاتقه مسؤولية و أمانة الطبخ المغربي كإرث لامادي موروث عن الأجداد، وذلك بالحفاظ عليه من الضياع والنسيان والسرقة. هذا الشيف المناضل والمبدع معه أجرينا الحوار التالي:
- في البداية حدثنا عن كيفية ولوجك لعالم الطبخ؟.
* باختصار شديد لقد بدأت في تعلم وممارسة هذه المهنة في عمر صغير، وبالموازاة مع ذلك كنت أتابع دراستي في عدة مجالات مختلفة ومتعددة من أدب وفنون وتاريخ وثقافة عامة. غير أن شغفي الشديد للتاريخ هو ما دفعني لأتخصص في دراسة تاريخ الطبخ المغربي والعالمي.
- من كان داعمك الأساسي في اختيارك هذا المجال؟. ومن هو الشخص الذي تعلمت على يديه فنون الطبخ؟.
* الدافع الحقيقي وراء تعلمي هذا الفن هو تحصيل مهنة للعيش في كرامة ومواجهة الحياة الصعبة التي كنت أعيشها في طفولتي. وأحمد الله لما أنعمه علي بوجود أشخاص أخذوا بيدي وساعدوني، لذا لن أنسى خيرهم ما حييت. فقد كانت مؤازرتهم لي وأنا طفل صغير شيئا مهما وكبيرا. وعليه أتوجه بالشكر الجزيل والعرفان لكثير من هؤلاء الطيبين مثل: السيد "لحسن ايدر" صاحب مجموعة من الفنادق والمطاعم. هذا الشخص الذي تكفل بتعليمي وتدريبي هو وبعض من مساعديه وآخرين.
كما اريد توضيح أمر مهم وهو أنه في القرن الماضي كانت مهنة المطعمة والطبخ الأوروبي حكرا على الفرنسيين وبعض الأوروبيين، وهذا هو السبب الذي جعلني أتتلمذ على يد بعضهم لاسيما في الفنادق المصنفة "chefs étoilés"، ما جعلني أتقن العمل بحرفية عالية. بعدها انتقلت بالتدريب والتدرج في سلم المهنة الطويل لفترة طويلة تقارب 45 سنة يصعب إعطاء تفاصيلها.
- قمت بإعداد برنامج الطبخ "مائدة" الذي كان يعرض على القناة المغربية الأولى. حدثنا عن هذه التجربة الخاصة؟. وهل يمكن لهذه البرامج أن تعكس الجوهر الحقيقي للطبخ المغربي؟.
* كانت تجربة التلفزة المغربية تجربة فريدة وناجحة بالنسبة لي، فهي بمثابة تحدي كبير واجهته في مشواري وذلك لكوني كنت أحمل ثقافة مطبخية أوروبية عصرية. وهذا ما فرض علي أن أراجع مناهجي وأتوجه إلى دراسة الطبخ المغربي بعمق. فقد وجدت نفسي ولمدة 15 سنة أو أكثر مهتما ودارسا للطبخ المغربي ومتعمقا فيه (وهي المدة التي قضيتها في التلفزيون المغربي مقدما لبرنامج الطبخ مأدبة). وبهذه المناسبة أشكر السيدة نور التازي "منتجة برنامج الطبخ مأدبة" لأنها شجعتني كثيرا وأفادتني أكثر، بالإضافة إلى كونها كانت سببا رئيسيا في نجاح البرنامج لما لها من إطلاع واسع ومعرفة عميقة بالطبخ المغربي والعالمي، كما أن لها الفضل في اختياري لهذا المنصب بعد اختبار مع طباخين وطهاة آخرين...وقد كان التحدي "casting" كبيرا لإنجاح ذلك البرنامج الذي تخصص في الطبخ العائلي، والذي تتنوع وصفاته بين المغربي والأوروبي والعالمي. كذلك لا يفوتني أن أشكر كبار المخرجين والتقنيين الذين كان لهم دور مهم في نجاح برنامج "مأدبة". وعلى رأسهم المخرج "ناصر الهوير" والمخرج الكبير "عبد الحق وادن" وآخرين...كما أشكر بالمناسبة الصديقة السيدة "دليلة" مقدمة البرنامج. لتكون هاته التجربة مفيدة لي بالمقام الأول، لا سيما وأنها كانت أحد الأسباب التي دفعتني للغوص والبحث العميق في تاريخ الطبخ المغربي والإلمام بكل خباياه.
- باعتبارك باحثا ومؤرخا في المطبخ المغربي والعربي والعالمي. في نظرك ما الفرق بين المطبخ المغربي والمطبخ العربي؟. وهل يمكن اعتبار الأطباق المغربية المتداولة حاليا كافية لتمثيل هذا الموروث الممتد لآلاف السنين أم أنه لازال من الإرث الغذائي الكثير لنفض الغبار عنه والتعريف به؟.
* عرف الطبخ المغربي الأصيل وفنون العيش عموما تغيرات كبيرة بين الماضي والحاضر، كما أنها تطل على تطورات قادمة لا محالة في المستقبل. فقد مرت بسنوات من الإزدهار الكبير في حقب وعصور سابقة، كما عرفت تراجعا في حقب أخرى تبعا لأسباب كثيرة ومعروفة في التاريخ العام لا مجال للخوض فيها حاليا وذلك لأن شرحها يطول فيه الحديث. وعلى كل حال فإن لصيرورة الحياة دور مهم في ذلك. بالإضافة إلى أن ضرورة العيش وديمومة الحياة تفرض ذلك على جميع مناحي الحياة. فالطبخ شأنه شأن الجميع خاضع للتطور الحضاري والعمراني الإجتماعي في كل المجتمعات حسب الشدة أو الرخاء في كل حقبة مرت. ففي الوقت الحالي وصلتنا الكثير من الوصفات القديمة، وظلت تابثة ومستمرة. في حين أن هناك الكثير منها لم تصمد وتلاشت وبعضها طواه النسيان، رغم أن مجموعة كبيرة منها كانت تشكل الطبخ المغربي في القرن الثاني عشر الميلادي، وهو أوج ازدهار الطبخ المغربي، حيث أحصيت أكثر من 500 وصفة كانت سائدة حينها ليضيع اليوم جزء كبير منها، وبالتالي يكون ما وصلنا يعتبر جزء ضئيل لا يعكس ثروتها الحقيقية . فلا يخفى على أحد من الدارسين والباحثين في مجال الطعام والأغذية والطبخ عموما أو ما يطلق عليهم اسم المؤرخين والفقهاء الذواقة "gastronomes et historiens de la gastronomie" الذين درسوا تاريخ الطعام والغذاء منذ ما قبل التاريخ وكل العصور القديمة والوسطى؛ أي منذ أن كان الإنسان يعيش الحياة البدائية حتى طور أدواته وأصبح ذواقا. فكثير من هؤلاء العلماء المتنورين يضعون الطبخ المغربي في مركز عالمي ضمن المطابخ العالمية المعاصرة، بل إن منهم من يذهب إلى اعتباره ضمن المطابخ المصنفة الأولى لعدة اعتبارات تميزه عن غيره لا يلاحظها إلا المصنفين المتمرسين ذو الإختصاص والتجربة. وبالتالي فالتجديد في الطبخ المغربي لا ينفي ولا يغير في الحقيقة من أصالته وتفرده واستمراريته، فالأصالة والمعاصرة وجهان لعملة واحدة، حيث لا يمكن اعتبار ذلك إلا تطويرا وتطورا طبيعيا وحضاريا لا يتنصل من عمقه التاريخي. فهو جزء من التقاليد العريقة المغربية، وفي الوقت ذاته وجه للمعاصرة والاستمرارية. وعليه فإنه من الضروري جدا الحفاظ على هذا التراث الثقافي والحضاري المغربي من الضياع والنسيان والإندثار. وسأشرح في حينه تركيبة هذا النظام الذي يشكل كتلة وتشكيلة لمجموعة من العناصر التي قد تكون مستعصية، فصار بعضها مع مرور الزمن بسيطا والبعض الآخر ظل معقدا "bloc" لأن الطبخ المغربي هو مجموعة كبيرة من الوصفات القديمة والحديثة والتركيبات والمترادفات المتداخلة الممتزجة، مكملة بعضها البعض في سلسلة متناغمة.
- في الآونة الأخيرة تم إدرج طبق الكسكس إلى الثرات العالمي لمنظمة الأمم العالمية للثقافة والعلوم باليونيسكو كأقدم طبق مغاربي يوحد بلدان شمال إفريقيا. في نظرك إلى أي حد يمكن لفن الطبخ أن ينتصر دبلوماسيا في توحيد البلدان المغاربية مقارنة مع السياسة التي فرقتها؟
* يعتبر طبق الكسكس طعام جامع لعدة شعوب ووجبة لها قيمتها عند تلك الشعوب، لكن ما يختلف عليه الباحثون هو أصله ومنشأه. فقد كثرت حوله الدراسات والبحوث وأغلبها تبقى مجرد فرضيات لا أدلة متوفرة على صحتها، لأن هذه الدراسات تعتمد على المنحى الأيديولوجي أكثر من البحث العلمي والتاريخي والمنطقي والواقعي. وحول موضوع تاريخ طعام الكسكس قمت بدراسات عميقة أفضت إلى أن أصوله ومنطلقه من المغرب قديما، وتحديدا ابتداء من القرن الحادي عشر الميلادي، بحسب مصادر ومراجع مدونة ومؤكدة بعيدا عن الفرضيات والمعلومات المروج لها في وسائط التواصل الاجتماعي والفضائيات التي تغفل في طرحها البحث العلمي. وعلى كل حال فإن الحديث عن تاريخ هذه الوجبة يطول حوله الكلام وسنؤجل ذلك إلى مناسبة أخرى.
- يعتبر المطبخ المغربي الأول عربيا وإفريقيا والثاني عالميا نظرا لتنوعه وعراقته ولذوقه الخاص، برأيك ما هو السر وراء صموده في هذه المكانة المميزة في ظل المنافسة الشرسة للمطبخ العالمي؟. وهل الجهود المبذولة من طرف الدولة كافية للنهوض بهذا الموروث اللامادي؟
* يجب أن نعرف أن تشكل الطبخ المغربي جاء تبعا لتضافر جهود الكثير من المغاربة قديما وحديثا، لأن هؤلاء المؤسسون القدماء اختلفت أذواقهم كما اختلفت مناطقهم ومواردهم وموادهم وأدواتهم. ومع الزمن تمكنوا من تشكيل نمط حياة ونموذج موحد أصبح هو النموذج والنمط المغربي، وذلك بفضل التعايش السلمي والاستقرار والازدهار الإقتصادي والسلم الإجتماعي الذي ساد في مرحلة من مراحل تاريخ المغرب. بالإضافة إلى أن وجود ثقافة غذائية غنية تتراوح بين الشدة والرخاء، والتي كان القبول بها واتخاذها كمعيار إجتماعي متفق عليه من طرف أغلبية مكونات المجتمع المغربي. ولهذه الأسباب إستمر تطور المطبخ المغربي بنجاح إنطلاقا من البساطة إلى الإزدهار عبر تقريب وجهات نظرهم وتداخل عاداتهم وتقاليدهم، ليتمكن هذا الموروث اللامادي من الصمود والوصول إلى كثير من مناطق المغرب. إلى جانب أن تطويره قد تم داخل طبقات المجتمع الراقية سواء كغذاء أو كفن من فنون العيش الراقية، ليصبح الطعام عند طبقة مجتمعية كجزء من الرفاهية. ولربما هذا هو ما عجل بتطوره وبطريقة ما انتشر في باقي المجتمع بمختلف طبقاته ومناطقه سواء الإثنية أو الإجتماعية أو الجغرافية. وهكذا أعتقد أن الطبخ المغربي تكون بفعل روافد كثيرة ومتعددة، ساهم كل رافد منها بجزء من الكل، ودفع كل رافد بمستحقاته في سبيل تكوين هذا النظام وفي نقل هذا النموذج أو النمط الغذائي المعيشي، ليصبح في آخر المطاف نمطا شموليا وعاما لجميع المغاربة. وإذ ما أعددنا تلك الروافد الأساسية بمجملها فإننا سنعود إلى حقب قديمة في المغرب تمتد إلى عصور ما قبل التاريخ والتي ساهم تطورها في التأثير عليه حتى تحددت ملامحه في العصور الوسطى، والتي أخذ فيها شكله الحالي ليتم تجديده إبتداء من القرن العاشر الميلادي، كما تثبت المصادر والمراجع التاريخية المدونة والمتوفرة سواء في المغرب أو في الأندلس، وهي المصادر ذاتها التي اعتمدناها في وصولنا إلى هذا الاستنتاج ما دام أن التاريخ لا يعترف إلا بالأدلة المكتوبة القاطعة والملموسة، ونحن نتوفر على الكثير من الحجج في هذا الشأن. وما الكتب التاريخية التي تعود بنا إلى القرن العاشر الميلادي إلا رحلات للمؤرخين والفقهاء كجغرافي الأندلسي أبي عبيدة البكري صاحب المسالك والممالك، والجغرافيين المشرقيين وخاصة العباسيين وغيرهم كثير...استمرت مؤلفاتهم حتى القرن الرابع عشر للميلاد، حيث صدرت مجموعة من الكتب لمؤلفين في عصر بني مرين يتناولون بالوصف الدقيق نوعية الأطعمة والوجبات التي كانت سائدة في المغرب قديما منذ عصر المرابطين والموحدين، وأخص بالذكر هنا كتاب ( الطبيخ بين العدوتين المغرب والأندلس في عصر الموحدين )، وهو وثيقة تاريخية هامة لأن كثير من تلك الوصفات لا زالت قائمة حتى يومنا وإن كان بعضها اندثر لسوء الحظ. وهناك أيضا كتاب الطبخ لمؤلفه ابن رزين التجيبي المسمى ( فضالة الخوان في طيبات الطعام والألوان ) وهو بدوره عاصر دولة بني مرين.
- يعكس فن الطبخ هوية شعب وثقافته، ترى إلى أي حد نجح المطبخ المغربي في التعريف بحضارة المغرب العريقة لكل الشعوب؟. وما هو تقييمك للكفاءات المغربية الصاعدة في مجال الطبخ؟.
* كما أسلفت سابقا فإن الطبخ المغربي هو إرث يمتد لآلاف السنين، ويمكن الحفاظ عليه لآلاف السنين القادمة مستقبلا لأنه نابع من ثقافة الشعب المغربي؛ وأقصد بكلامي هذا الروافد المكونة لهذا الموروث الثقافي والحضاري المغربي، والذي يدفعني إلى الحديث عن مكونات المجتمع المغربي أو الروافد، ونحن نعرف أن المغرب توالت عليه في القديم حضارات متعددة، وكل منها ترك أثره في النسيج الحضاري للمجتمع المغربي. ولو عدنا إلى الحضارات القديمة التي شكلت هذا الخليط الثقافي والحضاري المغربي فإننا في البداية سنعود إلى حقبة تواجد السكان الأصليين الأوائل الأمازيغ وبعدهم الفينيقيين ثم القرطاجيين ثم الرومان والوندال والبيزنطيين والعرب المسلمين الخ...زيادة على إثنيات عرقية متعددة من يهود وأفارقة وشرقيين...وهذا النسيج الإجتماعي المختلف والمتنوع الذي تميز كل جزء منه بخصائص وخصوصيات ساهمت بشكل كبير في تكوين هذا التشكيل والنسيج العام الذي تبلور عنه وجود هذا النمط الغذائي المعيشي المغربي والذي أصبح يعرف الآن بالمطبخ المغربي. وعليه فلا يجوز إقصاء أو الاستخفاف من أي رافد مهما كان، فلكل رافد دوره في الشكل العام والمحصل عليه لهذا الإرث الذي نفتخر به كمغاربة.
- في ظل الأزمة الحالية لفيروس كورونا وتأثيرها القاتل على القطاع السياحي. برأيك ما مدى تأثير هذه الجائحة على المطاعم والطهاة خاصة على المدى الطويل؟.
* بطبيعة الحال كلنا نشعر بالحزن والأسى لما خلفه هذا الوباء من تداعيات على قطاع السياحة عموما والمهنيين وعمال الفنادق والمطاعم وقطاعات عديدة مرتبطة ولها علاقة بهذا الميدان...خصوصا حيث أصبح هذا مشكلا عالميا مشتركا بين كثير من البلدان التي تعتمد على السياحة والسفر كمدخول اقتصادي، وبالتالي فما أعتقده في الوقت الحالي هو أن تؤخذ تدابير لوقف تدهور أوضاع عمال هذا القطاع المتضرر والمساعدة في خلق بديل لإنقاذ هذه الفئة المتضررة، وطبعا إصدار قوانين على المدى البعيد للحد من عدم تكرار هذه الكارثة سواء الصحية أو الإجتماعية أو الإقتصادية على هذا الميدان والشغيلة التي تعيش ظروفا هشة وأزمة مالية حقيقية.
- برأيك ما هو مفتاح النجاح؟ وهل تؤمن بالموهبة أم بالتكوين والدراسة؟. وهل تكتفي بما تعلمته في إنجاز أطباقك أم أنك دائم الإبداع والابتكار؟.
* أظن أن الدراسة والتكوين ضروريان، فكل منهما يكمل الآخر. فلا يخفى على أحد أن الإرادة والمثابرة والتصميم والاجتهاد هم أساس النجاح والتفوق، فلا يمكن استبعاد كل هذا وبهذا يمكن القول أن أهم شيء وهو البحث العلمي وحب الاستطلاع والرغبة في المعرفة والعلم زيادة على التدرب المستمر والسفر من أجل العلم والخبرة، لأن ذلك يساعد على اكتساب مهارات وخبرات واقعية حقيقية غير افتراضية كافية لدخول هذا الميدان من أبوابه الواسعة. وبعد ذلك تأتي مرحلة النضج والابتكار والاختراع لأنها ببساطة نتاج سنوات من الاختبارات المهنية ومخالطة المهنيين والعارفين بأسرار المهنة.
- في خضم كل هذا النجاح الذي وصلت إليه ما هي نصيحتك لشيف في بداية حياته ويحلم بأن يحقق نجاح وشهرة في هذا المجال؟.
* أوصي الجميع دائما بالصبر لأن هذا الميدان صعب كثيرا، و صعوبته هي إحدى الدوافع التي تجعل كثيرا من الناس يمتهنون هذه المهنة ويستمرون في تعاطيها مثل تحدي يختبرون فيه قدرات الذات، بالإضافة إلى أن بلوغ القمة ليس بالسهولة التي تبدوا عليها، فلكل نجاح ثمن باهظ. فالشهرة في الحقيقة ماهي إلا تحصيل حاصل وليست باختيار مقصود أو هدف منشود، لأن هؤلاء المشاهير في أغلبهم مارسوا هذه المهنة كأي مهنة أو حرفة للعيش فى كرامة و من أجل تحسين مستوى حياتهم قبل كل شيء، لتكون الشهرة في المقام الأخير، وبالتالي فغالبا ما يكون قدومها متأخرا، لأن ما يأتي في المقام الأول هو الاستمرارية والنجاح، لتظل الشهرة في المجمل مجرد تحصيل حاصل ناتج عن اجتهاد الشخص وتعبه.
- ما هي مشاريعك المستقبلية؟.
* إلى جانب دراستي اللامنقطعة في موضوع تاريخ الطبخ المغربي والعالمي عبر بحثي في المصادر القديمة والمراجع والوثائق التي لا تشبع نهمي الكبير في المعرفة والعلم قبل أي شيء آخر، هناك أيضا مجالات كثيرة أعمل عليها لكنها تأتي في الدرجة الثانية.
- في الختام كلمة أخيرة لك؟
* يجب الحفاظ على هذا التراث اللامادي والحضاري المغربي من الضياع والنسيان والسرقة...وتحياتي الخالصة،
أخوكم الهواري الحسين.
للصحفية السيدة حسناء فرجاني
www.facebook.com
لم تتوقف إنجازات الشيف الحسين الهواري عند هذا الحد فهو من المبدعين في عالم الطبخ، تعلم الطبخ الأوربي من كبار المتخصصين حين كان يعمل في بداية مشواره في المطاعم المصنفة، وأضاف إلى معرفته اجتهاده في الطبخ المغربي والعربي، ولم يكتف بما تعلمه، وإنما غاص في عمق التاريخ كباحث ومؤرخ للتراث والطبخ المغربي والعربي والعالمي. ببساطة هو لا يجيد فقط طهي الطعام بمهارة، بل يعرف خباياه كأصله ومنشأه وسلسلة تطوره. فبالنسبة إليه البحث والعلم والمعرفة أشياء ضرورية يجب أن يتسلح بهما الطباخ بالإضافة إلى الموهبة وتقنيات المهنة، لتكون الشهرة في آخر المطاف تحصيل حاصل تسعى إلى صاحبها بعد اجتهاد وتعب متواصلين.
وبعد كل ما حققه الشيف الحسين الهواري من نجاحات وشهرة وجوائز وشهادات تقديرية، إلا أنه يحمل على عاتقه مسؤولية و أمانة الطبخ المغربي كإرث لامادي موروث عن الأجداد، وذلك بالحفاظ عليه من الضياع والنسيان والسرقة. هذا الشيف المناضل والمبدع معه أجرينا الحوار التالي:
- في البداية حدثنا عن كيفية ولوجك لعالم الطبخ؟.
* باختصار شديد لقد بدأت في تعلم وممارسة هذه المهنة في عمر صغير، وبالموازاة مع ذلك كنت أتابع دراستي في عدة مجالات مختلفة ومتعددة من أدب وفنون وتاريخ وثقافة عامة. غير أن شغفي الشديد للتاريخ هو ما دفعني لأتخصص في دراسة تاريخ الطبخ المغربي والعالمي.
- من كان داعمك الأساسي في اختيارك هذا المجال؟. ومن هو الشخص الذي تعلمت على يديه فنون الطبخ؟.
* الدافع الحقيقي وراء تعلمي هذا الفن هو تحصيل مهنة للعيش في كرامة ومواجهة الحياة الصعبة التي كنت أعيشها في طفولتي. وأحمد الله لما أنعمه علي بوجود أشخاص أخذوا بيدي وساعدوني، لذا لن أنسى خيرهم ما حييت. فقد كانت مؤازرتهم لي وأنا طفل صغير شيئا مهما وكبيرا. وعليه أتوجه بالشكر الجزيل والعرفان لكثير من هؤلاء الطيبين مثل: السيد "لحسن ايدر" صاحب مجموعة من الفنادق والمطاعم. هذا الشخص الذي تكفل بتعليمي وتدريبي هو وبعض من مساعديه وآخرين.
كما اريد توضيح أمر مهم وهو أنه في القرن الماضي كانت مهنة المطعمة والطبخ الأوروبي حكرا على الفرنسيين وبعض الأوروبيين، وهذا هو السبب الذي جعلني أتتلمذ على يد بعضهم لاسيما في الفنادق المصنفة "chefs étoilés"، ما جعلني أتقن العمل بحرفية عالية. بعدها انتقلت بالتدريب والتدرج في سلم المهنة الطويل لفترة طويلة تقارب 45 سنة يصعب إعطاء تفاصيلها.
- قمت بإعداد برنامج الطبخ "مائدة" الذي كان يعرض على القناة المغربية الأولى. حدثنا عن هذه التجربة الخاصة؟. وهل يمكن لهذه البرامج أن تعكس الجوهر الحقيقي للطبخ المغربي؟.
* كانت تجربة التلفزة المغربية تجربة فريدة وناجحة بالنسبة لي، فهي بمثابة تحدي كبير واجهته في مشواري وذلك لكوني كنت أحمل ثقافة مطبخية أوروبية عصرية. وهذا ما فرض علي أن أراجع مناهجي وأتوجه إلى دراسة الطبخ المغربي بعمق. فقد وجدت نفسي ولمدة 15 سنة أو أكثر مهتما ودارسا للطبخ المغربي ومتعمقا فيه (وهي المدة التي قضيتها في التلفزيون المغربي مقدما لبرنامج الطبخ مأدبة). وبهذه المناسبة أشكر السيدة نور التازي "منتجة برنامج الطبخ مأدبة" لأنها شجعتني كثيرا وأفادتني أكثر، بالإضافة إلى كونها كانت سببا رئيسيا في نجاح البرنامج لما لها من إطلاع واسع ومعرفة عميقة بالطبخ المغربي والعالمي، كما أن لها الفضل في اختياري لهذا المنصب بعد اختبار مع طباخين وطهاة آخرين...وقد كان التحدي "casting" كبيرا لإنجاح ذلك البرنامج الذي تخصص في الطبخ العائلي، والذي تتنوع وصفاته بين المغربي والأوروبي والعالمي. كذلك لا يفوتني أن أشكر كبار المخرجين والتقنيين الذين كان لهم دور مهم في نجاح برنامج "مأدبة". وعلى رأسهم المخرج "ناصر الهوير" والمخرج الكبير "عبد الحق وادن" وآخرين...كما أشكر بالمناسبة الصديقة السيدة "دليلة" مقدمة البرنامج. لتكون هاته التجربة مفيدة لي بالمقام الأول، لا سيما وأنها كانت أحد الأسباب التي دفعتني للغوص والبحث العميق في تاريخ الطبخ المغربي والإلمام بكل خباياه.
- باعتبارك باحثا ومؤرخا في المطبخ المغربي والعربي والعالمي. في نظرك ما الفرق بين المطبخ المغربي والمطبخ العربي؟. وهل يمكن اعتبار الأطباق المغربية المتداولة حاليا كافية لتمثيل هذا الموروث الممتد لآلاف السنين أم أنه لازال من الإرث الغذائي الكثير لنفض الغبار عنه والتعريف به؟.
* عرف الطبخ المغربي الأصيل وفنون العيش عموما تغيرات كبيرة بين الماضي والحاضر، كما أنها تطل على تطورات قادمة لا محالة في المستقبل. فقد مرت بسنوات من الإزدهار الكبير في حقب وعصور سابقة، كما عرفت تراجعا في حقب أخرى تبعا لأسباب كثيرة ومعروفة في التاريخ العام لا مجال للخوض فيها حاليا وذلك لأن شرحها يطول فيه الحديث. وعلى كل حال فإن لصيرورة الحياة دور مهم في ذلك. بالإضافة إلى أن ضرورة العيش وديمومة الحياة تفرض ذلك على جميع مناحي الحياة. فالطبخ شأنه شأن الجميع خاضع للتطور الحضاري والعمراني الإجتماعي في كل المجتمعات حسب الشدة أو الرخاء في كل حقبة مرت. ففي الوقت الحالي وصلتنا الكثير من الوصفات القديمة، وظلت تابثة ومستمرة. في حين أن هناك الكثير منها لم تصمد وتلاشت وبعضها طواه النسيان، رغم أن مجموعة كبيرة منها كانت تشكل الطبخ المغربي في القرن الثاني عشر الميلادي، وهو أوج ازدهار الطبخ المغربي، حيث أحصيت أكثر من 500 وصفة كانت سائدة حينها ليضيع اليوم جزء كبير منها، وبالتالي يكون ما وصلنا يعتبر جزء ضئيل لا يعكس ثروتها الحقيقية . فلا يخفى على أحد من الدارسين والباحثين في مجال الطعام والأغذية والطبخ عموما أو ما يطلق عليهم اسم المؤرخين والفقهاء الذواقة "gastronomes et historiens de la gastronomie" الذين درسوا تاريخ الطعام والغذاء منذ ما قبل التاريخ وكل العصور القديمة والوسطى؛ أي منذ أن كان الإنسان يعيش الحياة البدائية حتى طور أدواته وأصبح ذواقا. فكثير من هؤلاء العلماء المتنورين يضعون الطبخ المغربي في مركز عالمي ضمن المطابخ العالمية المعاصرة، بل إن منهم من يذهب إلى اعتباره ضمن المطابخ المصنفة الأولى لعدة اعتبارات تميزه عن غيره لا يلاحظها إلا المصنفين المتمرسين ذو الإختصاص والتجربة. وبالتالي فالتجديد في الطبخ المغربي لا ينفي ولا يغير في الحقيقة من أصالته وتفرده واستمراريته، فالأصالة والمعاصرة وجهان لعملة واحدة، حيث لا يمكن اعتبار ذلك إلا تطويرا وتطورا طبيعيا وحضاريا لا يتنصل من عمقه التاريخي. فهو جزء من التقاليد العريقة المغربية، وفي الوقت ذاته وجه للمعاصرة والاستمرارية. وعليه فإنه من الضروري جدا الحفاظ على هذا التراث الثقافي والحضاري المغربي من الضياع والنسيان والإندثار. وسأشرح في حينه تركيبة هذا النظام الذي يشكل كتلة وتشكيلة لمجموعة من العناصر التي قد تكون مستعصية، فصار بعضها مع مرور الزمن بسيطا والبعض الآخر ظل معقدا "bloc" لأن الطبخ المغربي هو مجموعة كبيرة من الوصفات القديمة والحديثة والتركيبات والمترادفات المتداخلة الممتزجة، مكملة بعضها البعض في سلسلة متناغمة.
- في الآونة الأخيرة تم إدرج طبق الكسكس إلى الثرات العالمي لمنظمة الأمم العالمية للثقافة والعلوم باليونيسكو كأقدم طبق مغاربي يوحد بلدان شمال إفريقيا. في نظرك إلى أي حد يمكن لفن الطبخ أن ينتصر دبلوماسيا في توحيد البلدان المغاربية مقارنة مع السياسة التي فرقتها؟
* يعتبر طبق الكسكس طعام جامع لعدة شعوب ووجبة لها قيمتها عند تلك الشعوب، لكن ما يختلف عليه الباحثون هو أصله ومنشأه. فقد كثرت حوله الدراسات والبحوث وأغلبها تبقى مجرد فرضيات لا أدلة متوفرة على صحتها، لأن هذه الدراسات تعتمد على المنحى الأيديولوجي أكثر من البحث العلمي والتاريخي والمنطقي والواقعي. وحول موضوع تاريخ طعام الكسكس قمت بدراسات عميقة أفضت إلى أن أصوله ومنطلقه من المغرب قديما، وتحديدا ابتداء من القرن الحادي عشر الميلادي، بحسب مصادر ومراجع مدونة ومؤكدة بعيدا عن الفرضيات والمعلومات المروج لها في وسائط التواصل الاجتماعي والفضائيات التي تغفل في طرحها البحث العلمي. وعلى كل حال فإن الحديث عن تاريخ هذه الوجبة يطول حوله الكلام وسنؤجل ذلك إلى مناسبة أخرى.
- يعتبر المطبخ المغربي الأول عربيا وإفريقيا والثاني عالميا نظرا لتنوعه وعراقته ولذوقه الخاص، برأيك ما هو السر وراء صموده في هذه المكانة المميزة في ظل المنافسة الشرسة للمطبخ العالمي؟. وهل الجهود المبذولة من طرف الدولة كافية للنهوض بهذا الموروث اللامادي؟
* يجب أن نعرف أن تشكل الطبخ المغربي جاء تبعا لتضافر جهود الكثير من المغاربة قديما وحديثا، لأن هؤلاء المؤسسون القدماء اختلفت أذواقهم كما اختلفت مناطقهم ومواردهم وموادهم وأدواتهم. ومع الزمن تمكنوا من تشكيل نمط حياة ونموذج موحد أصبح هو النموذج والنمط المغربي، وذلك بفضل التعايش السلمي والاستقرار والازدهار الإقتصادي والسلم الإجتماعي الذي ساد في مرحلة من مراحل تاريخ المغرب. بالإضافة إلى أن وجود ثقافة غذائية غنية تتراوح بين الشدة والرخاء، والتي كان القبول بها واتخاذها كمعيار إجتماعي متفق عليه من طرف أغلبية مكونات المجتمع المغربي. ولهذه الأسباب إستمر تطور المطبخ المغربي بنجاح إنطلاقا من البساطة إلى الإزدهار عبر تقريب وجهات نظرهم وتداخل عاداتهم وتقاليدهم، ليتمكن هذا الموروث اللامادي من الصمود والوصول إلى كثير من مناطق المغرب. إلى جانب أن تطويره قد تم داخل طبقات المجتمع الراقية سواء كغذاء أو كفن من فنون العيش الراقية، ليصبح الطعام عند طبقة مجتمعية كجزء من الرفاهية. ولربما هذا هو ما عجل بتطوره وبطريقة ما انتشر في باقي المجتمع بمختلف طبقاته ومناطقه سواء الإثنية أو الإجتماعية أو الجغرافية. وهكذا أعتقد أن الطبخ المغربي تكون بفعل روافد كثيرة ومتعددة، ساهم كل رافد منها بجزء من الكل، ودفع كل رافد بمستحقاته في سبيل تكوين هذا النظام وفي نقل هذا النموذج أو النمط الغذائي المعيشي، ليصبح في آخر المطاف نمطا شموليا وعاما لجميع المغاربة. وإذ ما أعددنا تلك الروافد الأساسية بمجملها فإننا سنعود إلى حقب قديمة في المغرب تمتد إلى عصور ما قبل التاريخ والتي ساهم تطورها في التأثير عليه حتى تحددت ملامحه في العصور الوسطى، والتي أخذ فيها شكله الحالي ليتم تجديده إبتداء من القرن العاشر الميلادي، كما تثبت المصادر والمراجع التاريخية المدونة والمتوفرة سواء في المغرب أو في الأندلس، وهي المصادر ذاتها التي اعتمدناها في وصولنا إلى هذا الاستنتاج ما دام أن التاريخ لا يعترف إلا بالأدلة المكتوبة القاطعة والملموسة، ونحن نتوفر على الكثير من الحجج في هذا الشأن. وما الكتب التاريخية التي تعود بنا إلى القرن العاشر الميلادي إلا رحلات للمؤرخين والفقهاء كجغرافي الأندلسي أبي عبيدة البكري صاحب المسالك والممالك، والجغرافيين المشرقيين وخاصة العباسيين وغيرهم كثير...استمرت مؤلفاتهم حتى القرن الرابع عشر للميلاد، حيث صدرت مجموعة من الكتب لمؤلفين في عصر بني مرين يتناولون بالوصف الدقيق نوعية الأطعمة والوجبات التي كانت سائدة في المغرب قديما منذ عصر المرابطين والموحدين، وأخص بالذكر هنا كتاب ( الطبيخ بين العدوتين المغرب والأندلس في عصر الموحدين )، وهو وثيقة تاريخية هامة لأن كثير من تلك الوصفات لا زالت قائمة حتى يومنا وإن كان بعضها اندثر لسوء الحظ. وهناك أيضا كتاب الطبخ لمؤلفه ابن رزين التجيبي المسمى ( فضالة الخوان في طيبات الطعام والألوان ) وهو بدوره عاصر دولة بني مرين.
- يعكس فن الطبخ هوية شعب وثقافته، ترى إلى أي حد نجح المطبخ المغربي في التعريف بحضارة المغرب العريقة لكل الشعوب؟. وما هو تقييمك للكفاءات المغربية الصاعدة في مجال الطبخ؟.
* كما أسلفت سابقا فإن الطبخ المغربي هو إرث يمتد لآلاف السنين، ويمكن الحفاظ عليه لآلاف السنين القادمة مستقبلا لأنه نابع من ثقافة الشعب المغربي؛ وأقصد بكلامي هذا الروافد المكونة لهذا الموروث الثقافي والحضاري المغربي، والذي يدفعني إلى الحديث عن مكونات المجتمع المغربي أو الروافد، ونحن نعرف أن المغرب توالت عليه في القديم حضارات متعددة، وكل منها ترك أثره في النسيج الحضاري للمجتمع المغربي. ولو عدنا إلى الحضارات القديمة التي شكلت هذا الخليط الثقافي والحضاري المغربي فإننا في البداية سنعود إلى حقبة تواجد السكان الأصليين الأوائل الأمازيغ وبعدهم الفينيقيين ثم القرطاجيين ثم الرومان والوندال والبيزنطيين والعرب المسلمين الخ...زيادة على إثنيات عرقية متعددة من يهود وأفارقة وشرقيين...وهذا النسيج الإجتماعي المختلف والمتنوع الذي تميز كل جزء منه بخصائص وخصوصيات ساهمت بشكل كبير في تكوين هذا التشكيل والنسيج العام الذي تبلور عنه وجود هذا النمط الغذائي المعيشي المغربي والذي أصبح يعرف الآن بالمطبخ المغربي. وعليه فلا يجوز إقصاء أو الاستخفاف من أي رافد مهما كان، فلكل رافد دوره في الشكل العام والمحصل عليه لهذا الإرث الذي نفتخر به كمغاربة.
- في ظل الأزمة الحالية لفيروس كورونا وتأثيرها القاتل على القطاع السياحي. برأيك ما مدى تأثير هذه الجائحة على المطاعم والطهاة خاصة على المدى الطويل؟.
* بطبيعة الحال كلنا نشعر بالحزن والأسى لما خلفه هذا الوباء من تداعيات على قطاع السياحة عموما والمهنيين وعمال الفنادق والمطاعم وقطاعات عديدة مرتبطة ولها علاقة بهذا الميدان...خصوصا حيث أصبح هذا مشكلا عالميا مشتركا بين كثير من البلدان التي تعتمد على السياحة والسفر كمدخول اقتصادي، وبالتالي فما أعتقده في الوقت الحالي هو أن تؤخذ تدابير لوقف تدهور أوضاع عمال هذا القطاع المتضرر والمساعدة في خلق بديل لإنقاذ هذه الفئة المتضررة، وطبعا إصدار قوانين على المدى البعيد للحد من عدم تكرار هذه الكارثة سواء الصحية أو الإجتماعية أو الإقتصادية على هذا الميدان والشغيلة التي تعيش ظروفا هشة وأزمة مالية حقيقية.
- برأيك ما هو مفتاح النجاح؟ وهل تؤمن بالموهبة أم بالتكوين والدراسة؟. وهل تكتفي بما تعلمته في إنجاز أطباقك أم أنك دائم الإبداع والابتكار؟.
* أظن أن الدراسة والتكوين ضروريان، فكل منهما يكمل الآخر. فلا يخفى على أحد أن الإرادة والمثابرة والتصميم والاجتهاد هم أساس النجاح والتفوق، فلا يمكن استبعاد كل هذا وبهذا يمكن القول أن أهم شيء وهو البحث العلمي وحب الاستطلاع والرغبة في المعرفة والعلم زيادة على التدرب المستمر والسفر من أجل العلم والخبرة، لأن ذلك يساعد على اكتساب مهارات وخبرات واقعية حقيقية غير افتراضية كافية لدخول هذا الميدان من أبوابه الواسعة. وبعد ذلك تأتي مرحلة النضج والابتكار والاختراع لأنها ببساطة نتاج سنوات من الاختبارات المهنية ومخالطة المهنيين والعارفين بأسرار المهنة.
- في خضم كل هذا النجاح الذي وصلت إليه ما هي نصيحتك لشيف في بداية حياته ويحلم بأن يحقق نجاح وشهرة في هذا المجال؟.
* أوصي الجميع دائما بالصبر لأن هذا الميدان صعب كثيرا، و صعوبته هي إحدى الدوافع التي تجعل كثيرا من الناس يمتهنون هذه المهنة ويستمرون في تعاطيها مثل تحدي يختبرون فيه قدرات الذات، بالإضافة إلى أن بلوغ القمة ليس بالسهولة التي تبدوا عليها، فلكل نجاح ثمن باهظ. فالشهرة في الحقيقة ماهي إلا تحصيل حاصل وليست باختيار مقصود أو هدف منشود، لأن هؤلاء المشاهير في أغلبهم مارسوا هذه المهنة كأي مهنة أو حرفة للعيش فى كرامة و من أجل تحسين مستوى حياتهم قبل كل شيء، لتكون الشهرة في المقام الأخير، وبالتالي فغالبا ما يكون قدومها متأخرا، لأن ما يأتي في المقام الأول هو الاستمرارية والنجاح، لتظل الشهرة في المجمل مجرد تحصيل حاصل ناتج عن اجتهاد الشخص وتعبه.
- ما هي مشاريعك المستقبلية؟.
* إلى جانب دراستي اللامنقطعة في موضوع تاريخ الطبخ المغربي والعالمي عبر بحثي في المصادر القديمة والمراجع والوثائق التي لا تشبع نهمي الكبير في المعرفة والعلم قبل أي شيء آخر، هناك أيضا مجالات كثيرة أعمل عليها لكنها تأتي في الدرجة الثانية.
- في الختام كلمة أخيرة لك؟
* يجب الحفاظ على هذا التراث اللامادي والحضاري المغربي من الضياع والنسيان والسرقة...وتحياتي الخالصة،
أخوكم الهواري الحسين.
للصحفية السيدة حسناء فرجاني
التراث الغذاءي المغربي Patrimoine Alimentaire Marocain
التراث الغذاءي المغربي Patrimoine Alimentaire Marocain. ٤٬٢٠٩ تسجيلات إعجاب · يتحدث ١ عن هذا. صفحة لحفظ التراث الغذائي المغربي و للتعريف Patrimoine de la no