الغرفة فارغة من أغراضه. وحده يجتر ماضيه كبقرة. بل هو بقرة حقيقة لأنه فقد شيئا عزيزا عليه. فقد عقله الذي به يستطيع أن يوهم الناس بأنه على صواب. ولكنه ليس كذلك هو فقرة ضائعة من كتاب الضحك ويعرف موضع السم مندسا في الأوراق. في الدهاليز المظلمة في الغرفة النائية جلس ألبرطو وراء الآلة الكاتبة لينهي الفصل الأخير لكن الرعاة منعوه قبل أن ينقر على الحروف. ألقوا عليه القبض وساقوه كبقرة إلى المحاكمة.
في دوامة الأسئلة التي انهالت عليه كالمطارق فقد ألبرطو وعيه. تركوه وحيدا في الغرفة الدامسة ورجعوا إلى صلواتهم. كانت تأتيه همهماتهم من بعيد.همهمات أثارت تقززه .
في أقصى درجات العزلة انتابته عاصفة هوجاء من الضحك. هستيريا فضيعة. كاد أن يختنق من شدة الضحك.
قال كبيرهم وهو يتميز من الغيظ لقد أصبحنا مهزلة في آخر الزمان لا عاش ولا كان من يجبرنا على الاستسلام. قرون مضت ونحن صابرون. يكفي الآن على الأمور أن تعود إلى الزمن المقدس. إذا سمحنا لهذا الأهوج الأخرق وأمثاله أن يتلاعبوا بتعاليمنا ومعتقداتنا باسم الأدب والفن فوداعا لكل الثوابت.
في الغرفة المجاورة كان يسمع أزيز باب ترك مفتوحا عمدا وصوت صبيب صنبور يأتي من النافذة المشتركة بين الغرفتين من أجل تعذيبه. وثنيه عن مشروعه.
لم يكن وحده كانت معه قطته الأليفة الوديعة وصوفيا حبيبة القلب التي درست معه في أكاديمية الفنون بروما. جلسا في الحديقة المجاورة لمنزلهما .عادة ما يقصدانها عصرا ويجلسان هناك حتى توشك الشمس على المغيب يتركان المكان ويدلفان إلى الحانة المجاورة يعبان بيرتين ثم يعودان إلى المنزل ليتناولا عشاءهما مع كأسي نبيذ. ثم يستسلمان لبعضهما البعض .
الكتاب ممزق تنقصه بعض الصفحات. والقطة لم تكف عن المواء والبقرة التي ظن نفسه مثلها غادرت الكنيسة واجتازت الشارع تحت وابل من تزمير السيارات الحاد .
بقرة ألبرطو بدورها ضاحكة والضحك ملفوف بسم قاتل هل نأكل البقرة أم ضحكها؟ نحن نأكل الحكاية.بل نأكل السم في تلافيف الفراغ. ألبرطو أثناء المحاكمة تذكر كل حيواته السالفة ووقف طويلا عند السماء الفارغة. لم يكن قصير القامة ولا أفطس الأنف ولا قبيح الوجه ولا مرتبطا ولا يملك كهفا. كان فقط لا ينظر إلى السماء.
عادت البقرة إلى الغرفة محملة بالجرائد وعلبة سجائر وكيسا من القنينات الصفراء جلست بالقرب منه .أفرشت أرض الغرفة الفارغة ووضعت ما جلبت وصاحت في وجه ألبرطو :
_اعلف واترك الضحك جانبا فأمثالك مجرد رعاة عندي.
لم يجبها. تناول قنينة باردة كان عطشه شديدا. لم يرتو منذ أن قبض عليه. أدنى الكأس من شفتيه وبكى .مسحت صوفيا دموعه وانحنت عليه بقبلة وغطت في نوم عميق. في الصباح استيقظ ألبرطو. فرك عينيه. استيقظت صوفي قبله وخرجت لعملها. جال ببصره في الغرفة ليست كغرفة المحاكمة ولا وجود لرهبان الدير ولا البقرة ولا صرير البوابة المتروكة عمدا ولا القطة فانفرجت من بين شفتيه ابتسامة. نهض من سريره فتعثرت قدماه بشيء انحنى ليستطلع الأمر فوجد الكتاب الذي فرغ منه البارحة ظل قابعا بجانبه على السرير. التقطه ووضعه على الأريكة المجاورة. قصد الحمام ليتخلص من ليلة كابوسية بامتياز.
في المساء جلس ألبرطو إلى مكتبه بينما صوفي تهيئ الشاي فسألته :
_ما هو الحلم المزعج الذي حلمته البارحة وكان غريبا ؟
_انه يا عزيزتي ليس حلما بل لغزا محيرا كان السبب فيه هو أرسطو هذا ما وجدتني أدونه اللحظة .
_أرسطو ؟ وما دخل أرسطو في الحلم تساءلت صوفيا باستغراب ؟
_اسألي فرويد أو البقرة فهما الشاهدان على حلمي .
ضحكت صوفيا حتى كادت تستلقي على قفاها فتبعها ألبرطو وأطلق ضحكة مدوية. ولكن قبل أن يكملا الضحكات سمعا دقات عنيفة كادت تخلع الباب من مكانه.
_دقات من ؟ تساءلا معا.
لم يتذكرا شيئا على الإطلاق كل الأشرطة تلاشت. ظلام كثيف يجثم كبحر لجي سحيق الأغوار. السديم يلغي الصور. أورانوس يعود من جديد ليغتصب غايا .الكوابيس تعود من جديد.لم تعد السماء فارغة. انفلت العقال.توزعت قطرات الدم على المحيطات. الضحك وحده من يفسخ عقدة الإله الصامت الراكن إلى الحزن العازف على أوتار اليقين.
صوفيا لم تفهم ما يدور. في الغرفة تبحث عن منفذ للخروج. لم يفتحا الباب. الدقات بدأت تقل ثم انقطعت. ألبرطو وراء الآلة الكاتبة يفرغ مكبوتاته يقتحم بوابة الحلم لتفضي به إلي قعر الدهليز القابع في أقصى الدير حيث البدء والتكوين. هو لا يبحث عن شيء سوى السخرية من الكون. لم يجد له موقع قدم كي يقتحم العقبة ويفضي إلى الضفة الأخرى كي ينفذ بجلده. صوفيا معه في أحلك أيامه تود لو تفتديه بعمرها. تستسلم لشرود الذكريات أيام التقيا معا في عنفوان الشباب تطلق العنان لأحلام اليقظة تستدعيها فتأتي مطواعة كفلق الصبح. كل الأماكن شاهدة على قصة حبهما رغم اعتراض الأسرة على ارتباطهما لأنها من أسرة ارستقراطية عريقة في روما. تحدت الجميع من أجله. قاطعتها أسرتها ومازالت القطيعة قائمة.
في جلسة مغلقة جلس كبار الأساقفة ينظرون في قضية ألبرطو واتفقوا على تسميمه وتنحيته لأنه يهدم التعاليم.
رفعوا الجلسة وأصدروا التعليمات وعينوا من سيقوم بالمهمة على أكمل وجه.
في مخفر الشرطة جلست صوفيا حزينة لا تقوى على مسك دموعها.
في دوامة الأسئلة التي انهالت عليه كالمطارق فقد ألبرطو وعيه. تركوه وحيدا في الغرفة الدامسة ورجعوا إلى صلواتهم. كانت تأتيه همهماتهم من بعيد.همهمات أثارت تقززه .
في أقصى درجات العزلة انتابته عاصفة هوجاء من الضحك. هستيريا فضيعة. كاد أن يختنق من شدة الضحك.
قال كبيرهم وهو يتميز من الغيظ لقد أصبحنا مهزلة في آخر الزمان لا عاش ولا كان من يجبرنا على الاستسلام. قرون مضت ونحن صابرون. يكفي الآن على الأمور أن تعود إلى الزمن المقدس. إذا سمحنا لهذا الأهوج الأخرق وأمثاله أن يتلاعبوا بتعاليمنا ومعتقداتنا باسم الأدب والفن فوداعا لكل الثوابت.
في الغرفة المجاورة كان يسمع أزيز باب ترك مفتوحا عمدا وصوت صبيب صنبور يأتي من النافذة المشتركة بين الغرفتين من أجل تعذيبه. وثنيه عن مشروعه.
لم يكن وحده كانت معه قطته الأليفة الوديعة وصوفيا حبيبة القلب التي درست معه في أكاديمية الفنون بروما. جلسا في الحديقة المجاورة لمنزلهما .عادة ما يقصدانها عصرا ويجلسان هناك حتى توشك الشمس على المغيب يتركان المكان ويدلفان إلى الحانة المجاورة يعبان بيرتين ثم يعودان إلى المنزل ليتناولا عشاءهما مع كأسي نبيذ. ثم يستسلمان لبعضهما البعض .
الكتاب ممزق تنقصه بعض الصفحات. والقطة لم تكف عن المواء والبقرة التي ظن نفسه مثلها غادرت الكنيسة واجتازت الشارع تحت وابل من تزمير السيارات الحاد .
بقرة ألبرطو بدورها ضاحكة والضحك ملفوف بسم قاتل هل نأكل البقرة أم ضحكها؟ نحن نأكل الحكاية.بل نأكل السم في تلافيف الفراغ. ألبرطو أثناء المحاكمة تذكر كل حيواته السالفة ووقف طويلا عند السماء الفارغة. لم يكن قصير القامة ولا أفطس الأنف ولا قبيح الوجه ولا مرتبطا ولا يملك كهفا. كان فقط لا ينظر إلى السماء.
عادت البقرة إلى الغرفة محملة بالجرائد وعلبة سجائر وكيسا من القنينات الصفراء جلست بالقرب منه .أفرشت أرض الغرفة الفارغة ووضعت ما جلبت وصاحت في وجه ألبرطو :
_اعلف واترك الضحك جانبا فأمثالك مجرد رعاة عندي.
لم يجبها. تناول قنينة باردة كان عطشه شديدا. لم يرتو منذ أن قبض عليه. أدنى الكأس من شفتيه وبكى .مسحت صوفيا دموعه وانحنت عليه بقبلة وغطت في نوم عميق. في الصباح استيقظ ألبرطو. فرك عينيه. استيقظت صوفي قبله وخرجت لعملها. جال ببصره في الغرفة ليست كغرفة المحاكمة ولا وجود لرهبان الدير ولا البقرة ولا صرير البوابة المتروكة عمدا ولا القطة فانفرجت من بين شفتيه ابتسامة. نهض من سريره فتعثرت قدماه بشيء انحنى ليستطلع الأمر فوجد الكتاب الذي فرغ منه البارحة ظل قابعا بجانبه على السرير. التقطه ووضعه على الأريكة المجاورة. قصد الحمام ليتخلص من ليلة كابوسية بامتياز.
في المساء جلس ألبرطو إلى مكتبه بينما صوفي تهيئ الشاي فسألته :
_ما هو الحلم المزعج الذي حلمته البارحة وكان غريبا ؟
_انه يا عزيزتي ليس حلما بل لغزا محيرا كان السبب فيه هو أرسطو هذا ما وجدتني أدونه اللحظة .
_أرسطو ؟ وما دخل أرسطو في الحلم تساءلت صوفيا باستغراب ؟
_اسألي فرويد أو البقرة فهما الشاهدان على حلمي .
ضحكت صوفيا حتى كادت تستلقي على قفاها فتبعها ألبرطو وأطلق ضحكة مدوية. ولكن قبل أن يكملا الضحكات سمعا دقات عنيفة كادت تخلع الباب من مكانه.
_دقات من ؟ تساءلا معا.
لم يتذكرا شيئا على الإطلاق كل الأشرطة تلاشت. ظلام كثيف يجثم كبحر لجي سحيق الأغوار. السديم يلغي الصور. أورانوس يعود من جديد ليغتصب غايا .الكوابيس تعود من جديد.لم تعد السماء فارغة. انفلت العقال.توزعت قطرات الدم على المحيطات. الضحك وحده من يفسخ عقدة الإله الصامت الراكن إلى الحزن العازف على أوتار اليقين.
صوفيا لم تفهم ما يدور. في الغرفة تبحث عن منفذ للخروج. لم يفتحا الباب. الدقات بدأت تقل ثم انقطعت. ألبرطو وراء الآلة الكاتبة يفرغ مكبوتاته يقتحم بوابة الحلم لتفضي به إلي قعر الدهليز القابع في أقصى الدير حيث البدء والتكوين. هو لا يبحث عن شيء سوى السخرية من الكون. لم يجد له موقع قدم كي يقتحم العقبة ويفضي إلى الضفة الأخرى كي ينفذ بجلده. صوفيا معه في أحلك أيامه تود لو تفتديه بعمرها. تستسلم لشرود الذكريات أيام التقيا معا في عنفوان الشباب تطلق العنان لأحلام اليقظة تستدعيها فتأتي مطواعة كفلق الصبح. كل الأماكن شاهدة على قصة حبهما رغم اعتراض الأسرة على ارتباطهما لأنها من أسرة ارستقراطية عريقة في روما. تحدت الجميع من أجله. قاطعتها أسرتها ومازالت القطيعة قائمة.
في جلسة مغلقة جلس كبار الأساقفة ينظرون في قضية ألبرطو واتفقوا على تسميمه وتنحيته لأنه يهدم التعاليم.
رفعوا الجلسة وأصدروا التعليمات وعينوا من سيقوم بالمهمة على أكمل وجه.
في مخفر الشرطة جلست صوفيا حزينة لا تقوى على مسك دموعها.