د. هدى النعيمي - الشياطين ال 13.. قصة

وكما في بستان الكرز لتشيخوف ، وقفت في وسط بيتي لانظر بين الزاويه ، و الزاويه ، الحائط و الحائط ، النافذة و النافذه ، و كل ما تعلق على الحوائط ، و كل ما استقر على الارض من قطع مفروشة او من ادوات زينه ، حان وقت الاختيار من كل هذه الاكوام ، و التراكمات الزمنيه ، من سوف ينتقل معي الى مسكني الجديد ، و من منها سوف اخلي سبيله من عتق الادراج القديمه ليظل ضمن ذاكرتي الصورية الحاضرة دوما .

بالامس انهيت مهامي هذه في المطبخ ، رغم اني كنت قد قررت التخلي عن كمٍ كبير من اطقم الاطباق ، و اطقم الملاعق ، و الشوك ، الا انني لم استطع ان اتخلى عن كل ما اشترته لي امي ، او هذا الطبق الذي قالت انها ورثته عن جدتها ، ولم استطع ان اتخلى عن هدايا زواجي ، و لا عن الأواني الخاصه التي جلبت بعضها من الصين و اليابان و بعضها من المكسيك ، لكنني نجحت في التخلي عن عدد كبير من العلب الفارغه ، و القوارير الزجاجيه التي كنت اجمعها لظني انني سوف احتاج لها يوما ما ، فلم اكن اتخلص من قوارير المربي الفارغه ، و ما يشبهها ، وبالامس فقط اكتشفت انها تحتل اكثر ما تحتله اطقم السفرة التي جمعتها من هنا ، و هناك ، وقررت بشجاعه ان اتخلص منها .

بحسب الجدول المعد مسبقا ، سيكون إخلاء المكتبه شاغلي للايام الثلاثه القادمه ، دوما يكون السؤال العجيب هو من اين ابدا ؟ من اين ابدأ يا مكتبتي العزيزه ؟ هنا رصد زوجي كل كتبه القديمه و الحديثه ، الادبيه و العلميه ، و خاصة مراجع الهندسة التي تخصص و برع فيها ، الفلسفيه و السياسيه و كتب الاديان ، و الحضارات القديمه و مجلدات الثراث الاسلامي الثقيله ، وزنا و قيمه ، والتي لم تمسها يد منذ ان جاء بها الي البيت ، كان ما يزال ياتي بالمزيد مع كل زيارة لمعرض الكتاب السنوي ، ليفاخر بها امامي بانه حصل على كل هذه الكميه من الكتب الثراثيه القيمه بسعر زهيد ، ثم يسهب في امتداح اصحاب تلك المكتبات اللذين لا يهمهم الا نشر هذه العلوم القديمه.

لم اتعود ان اجادل زوجي في كل ما يجلبه الي البيت من كتب ، وفي المقابل لا يتداخل مع كل ما اجلبه من ادوات مطبخيه او منزليه ، فتضخمت المكتبه ، و صارت الرفوف مثقله بطبقات من الكتب ، حتى ان تنظيف تلك الرفوف غدت من المهام الصعبه التي اتحاشاها لفترة من الزمن ، ثم اواجهها بشجاعه سيدة المنزل ، واحاول ان اصنع مكانا مستجد لما سوف ياتي به المهندس من كتب اخرى ، سواء من داخل البلاد او خارجها .

في الجانب الآخر من المكتبه ، كتبي المتواضعه ، اغلبها مما جئت به من بيت ابي و مما جمعته قبل الزواج ، اما وقد صار المهندس جامع الكتب زوجي ، فقد اكتفيت بما يجلب للبيت من قراءات ، و مع مجيئ اطفالي او شياطيني الثلاثه ، لم يعد في الوقت ما يكفي للمتعة القديمه التي اسمها القراءة ، لكني لم اتخلى عن جلب المجلات المختلفه ، حتى ان زوجي صار ياتي لي بالكثر منها للتصفح في اوقات الفراغ التي يتركها لي شياطيني الثلاثه ، تلك المجلات التي تحمل اسماء ، و صور لمشاهير من عالم الفن و الادب و الرياضه ، تلك فقط لم احتفظ منها بشيئ ، لكني لم اكن القي بها في سلة المهملات فما يزال هناك من يهتم بتصفحها ، خاصه في قاعة الانتظار في صالونات التجميل ، في كل مرة اذهب فيها الي صالون التجميل الذي اعتدته ، آخذ معي ما تجمع على طاولة الصالون من مجلات تحمل على غلافها – في الأغلب – صورة لفنانة مشهورة في كامل زينتها ، واترك تلك المجلات في قاعه الانتظار ، و اجدها تتناقص دوما ، هناك من يحرص على الاحتفاظ بتلك القصاصات ، و لكن ليس انا بالتاكيد .

على الرف العلوي للمكتبه ، صناديق اعرف شكلها جيدا ، فانا اراها كلما دخلت المكان ، و اعرف انني من احضرها من بيت ابي الى هنا ، انا من رص الكتب بداخلها ، و اقفلها وشد الشريط اللاصق على جنباتها لاحكام الاغلاق ،لكني لم افكر في فتحها من ذلك الحين ، تركتها لمصيرها قابعة في هذا المكان ، حتى آن اوان ان الانتقال الى مكان آخر، لا بد من فتح الصناديق.

ها قد عرفت من اين ابدأ ، سابدا من الصناديق التي لم نفتح منذ عشرين عاما ، احضرت كرسي مرتفع ، استجمعت مهاراتي القديمه في التسلق ، حركت الصندوق الاول قليلا من مكانه ، لكنه لم يتحرك ، بل حتى انه اسقط على وجهى كماً من التراب الثقيل ، اهذا ما يسمى ذر التراب ، او ذر الرماد في العيون ؟ تركت مكاني ، غسلت وجهي و تلثمت وانا اعيد الكرة ، نجحت في تحريك الصندوق الاول ، و انزاله الى مستوى الارض ، ثم الثاني و الثالث و الرابع ، وهيا افتح يا سمسم ، و افتح يا صندوق.

الشريط اللاصق لم يعد لاصقا ، ولكنه و ياللعجب ما يزال يثبت طرفي الصندوق الكرتوني معا ، وذلك لم يكن كافيا لان يمنع التراب من التسلسل ، و التسرب الى داخل الصناديق ، ازلت الطبقه العلويه من التراب ، لاجد رفاقاً نسيت وجودهم هنا منذ زمن ، الشياطين الثلاثة عشر ، و مغامراتهم التي طالما امتعتني ، و ادخلتني الى عالم التشويق ، و البوليسيه في سن مبكره ، اعداد مكدسة من تلك السلسلة القديمه التي صادقتها في محاولة ان اعرف اكثر ، وربما لانها المجلة المتاحه لي في تلك المرحلة ، لم اتخلص من اي عدد منها ، و لم تدخل ضمن سياستي مع صالونات التجميل ، وفي كل عدد منها حكايه و مغامرة ، وفي كل مغامرة قصص من هنا ، و هناك ، لذا لم افرط في تلك الوريقات العزيزة.

حكايات ل 13 فتى وفتاة كل منهم يمثل بلدا عربيا، يقفون في وجه المؤامرات الموجهة إلى الوطن العربي ، تمرنوا في منطقة الكهف السرى التي لا يعرفها أحد في لقائهم الاول الذي تحدد في العدد الاول من السلسلة ، و على الرغم من ان اعمارهم ما بين الخامسة عشر و السابعة عشر فقط ، الا ان الشياطين جميعا يملكون مهارات عاليه ، و لذلك تم اختيارهم بعنايه من كل البلاد العربيه ، كما تم تدريبهم حتى أجادوا فنون القتال ، استخدام المسدسات ، الخناجر، الكراتيه ، كما اجاد عدد منهم عدة لغات ، في كل مغامرة يشترك خمسة أو ستة من الشياطين معا تحت قيادة زعيمهم الغامض رقم صفر الذي لم يره أحد ، ولا يعرف حقيقته أحد ، لكنه دوما موجود يعرف تحركاتهم ، و يمدهم بالتعليمات ، و يتواصل معهم مهما كانت الظروف قاسيه .

أحمد من مصر ، يجيد القيادة و التخطيط ، و اعمال التجسس و فتح الخزائن ، عثمان من السودان ، يتميز بسرعة الجري و بقدرتة على قذف كرة من المطاط المضغوط ، فتصيب من ترتطم به بالاغماء فهي تقوم مقام المسدس ، و لكن لا تقتل ، إلهام من لبنان سباحة ، و غواصة ماهرة تجيد حسابات الارقام بسرعة مذهلة تخصص مفرقعات ، هدى من المغرب تجيد قذف الخناجر من بعيد ، بوعمير من الجزائر من أمهر من يستخدمون المسدسات و المدافع الرشاشة ، مصباح من ليبيا متخصص في الاجهزة الالكترونية ، وزبيدة من تونس تجيد التنكر ، و متخصصة في الهندسة الكهربية ، فهد من سوريا لاعب اكروبات يمكنه القفز على كرسي مطاط الى ارتفاعات كبيره لدخول المنازل ، و الهرب من الحصار ، خالد من الكويت بطل في الملاكمة ، و يجيد الضرب بالبندقيه وتجهيز المفرقعات ، ريما من الاردن تجيد الرسائل الشفرية ، قيس من السعوديه خفيف الحركة يجيد الضرب بالخنجر من مسافات بعيدة ، باسم من فلسطين يجيد فتح الابواب ، و الخزائن المغلقة ، رشيد من العراق متخصص في تدبير الفخاخ .

كان الشياطين الثلاثة عشر يمثلون القدوة الحسنة لقرائهم ، و انا واحدة من هؤلاء ، ابطال بحق ، لا يخافون المخاطر ، و لا الصعاب ، يتنقلون بسهولة ، ويسر من بلد الى بلد ، يقابلون اناسا اخيارا ليساعدونهم في حل مشاكلهم ، و آخرين اشرارا يتحدونهم ، و يصارعونهم بشجاعة ، و يدخلون في معارك ، و مواجهات شرسة و خطيره ، و دوما تكون لهم الغلبه ، لانهم لا يريدون من هذا العمل الا الخير للوطن العربي الكبير ، و هم يعتبرون ان العروبه هوية لهم جميعا .

القائد الذي اختارهم بعنايه هو رقم صفر ، مجهول الهويه منذ العدد الاول ، و ما يزال ، لكنه هو من يعرف كل شيئ ، و في كل وقت ، اليوم فقط ، اربطه بشخصيه الاخ الاكبر ، التي كتبها جورج أورويل في روايته 1984 ، و التي فاقت شهرتها الافاق رغم انه يظهره فقط كصورة تلفزيونية مصاحبة للوجود اليومي للبشر ، وقد صارت صورة الأخ الأكبر تستخدم للتعبير عن قوة السلطة بل صار يدخل إلى الشفرات الكلامية، ورسائل وسائل التواصل الاجتماعي، كمساعد توضيحي ، ورمزي لما قد لا يريد المتراسلون أن يقولوه علناً.

فيما بقى “رقم صفر” قائدا محبوسا في صفحات السلسله القديمه ، لا يذكره الا من كان له معهم صولات ، و جولات خياليه ، كما حدث معي ومع بعض الصويحبات اللأتي صاحبن الشياطين الثلاثة عشر مثلي ، و على الرغم من ان احمد و خالد و فهد كانوا فرسانا لاحلامنا الصغيرة ، الا ان الرقم “صفر” الغامض ظل يرواد تلك الاحلام حتى اليقظه منها ، وكم من مرة ظننا انه رئيس تلك البلاد ، او انه الوزير في البلاد الاخرى ، فهو الذي تاتي له المهام المسندة للشياطين ال31 و هو الذي يرتب اللقاءات لهم ، و هو الذي يختار عناصر بعينها لتشارك في هذه المغامرة او تلك ، و هو من تتواصل معه السفارات ، و المنظمات الدوليه ، و الحكومات باجهزتها الاستخباريه لانقاذ ثرواتها من طمع الطامعين فيها من عصابات دوليه ، و منظمات شريره تعمل على نهب الثروات العربيه ، فيتصدى لهم الرقم “صفر” و شياطينه الثلاثة عشر .

بطلب من حكومة عربيه الى الرقم “صفر” توجه عدد من الشياطين الى بلد عربي نفطي بعد أنباء عن عصابة دوليه تخطط لتفجير انابيب النفط هناك ، و على الشياطين اكتشاف العصابة وابطال المخطط ، و بذكاء شديد من الشياطين اكتشفوا ان العصابة لا تخطط للتفجير و لكنها تخطط لسرقة النفط عن طريق تعديل مسار الانابيب تحت الماء ، و حرفها نحو قاعدة تجميع اخرى تابعة للعصابة لتبيعة من هناك لدول معاديه ، استخدم الشياطين كل مهاراتهم الجسدية و العقليه لاكتشاف المخطط و ابطاله قبل ان تتمكن العصابة من تحقيق مأربها التي كانت قريبه جدا لولا الشياطين .

جلست القرقصاء على ارضية مكتبتي ، اقرأ اعداد الشياطين الثلاثة عشر ، و انا “الأخرى” التي لم تعد تلك التي ارتأت ذات يوم الرقم”صفر الغامض” فارسا ربما يصير واقعا ذات يوم ، جلست اقرأ من جديد كيف استطاعت الهام الذكيه استدراج رجل العصابة الضخم “مندوزا” و زميلة “ارنتس جاتمان ” و استطاع احمد ، و عثمان و زبيدة من اكتشاف اسرار عصابه الثعالب الثلاثة ، و تخليص بلد عربي من شرها ، لم يرد اسم الكويت صراحة ، و لكن القوارب كانت تنظلق من ميناء “الاحمدي” و اللقاءات كانت تتم في قريه “الجهراء “.

في مغامرة اخرى ، تتواصل السفارة المصريه في امريكا بالرقم “صفر” تطلب منه تدخل الشياطين الثلاثة عشر في حل لغز اختفاء العالم المصرى “نادر قنديل ” فقد اختفى من بيته ، و جامعته منذ ايام ، و هو صاحب ابحاث علميه خطيرة ، و يجب حمايته ، فزوجه الدكتور نادر و اطفاله لا يعرفون عنه شيئا ، و السفارة المصريه لا تريد تدخل السلطات الامريكيه لاسباب سياسيه ، فاختارت الشياطين الثلاثه لحل هذا اللغز .

اقتنع الرقم “صفر” باهميه العمليه و حدد العناصر التي ستشترك فيها ، وتواصل معهم و حدد نقطة البدايه للبحث الذي بدا من امريكا ثم هونج كونج و اليابان ، حيث ان العصابه التي اختطفت العالم العربي ، اخذته الي هونج كونج ، فلحق بهم الشياطين و استطاعوا بالحنكه ان يعرفوا مكان العصابة الدوليه ، و اين مخبا الدكتور نادر ، و ايضا استخدم الشياطين مهاراتهم في استخدام المسدسات ، و الرشاشات و المتفجرات ، و السباحة و الغطس تحت الماء اضافه الى تسلق الجدران بخفه ، و الخروج من المحابس الضيفه في خفة رجال الاكروبات .

عاد الدكتور نادر الى وطنه معافى مع عائلته بفضل الشياطين ، اللذين لا ينتظرون اجرا عن مغامراتهم تلك حتى ، و هم يخاطرون بحياتهم من اجل خير الوطن العربي لانهم جميعا عرب لا اختلاف بينهم ، و لا تعني لهم الحدود حدودا للعطاء من اجل الوطن الواحد .

في مغامرة اخرى ، كان على الشياطين استعادة افلام سرية من قبضة العصابة الدوليه ، بل انه هنا ، وفي هذا العالم الغامض المثير وقع الشياطين في شرك عصابتان دوليتان تبحثان عن الافلام السريه ذاتها ، عصابه “المافيا” و عصابة “الوحش الاصفر ” و لكل من العصابتين عملاء في كل مكان ، و قد يكون اي كائن كان ممن يتعامل معه الشياطين ، تابعا هذه العصابة ، او تلك ، هذه المغامره تستدعي السفر الي باريس و بروكسل و مايوركا و غيرها ، و لا يتردد الشياطين في متابعه المغامرات في اي مكان من العالم ، لا يعوقهم نقص في الميزانيات ، فالرقم “صفر” يعمل دوما على حجز التذاكر و الفنادق ، و كل مستلزمات المغامرة ، و لا تعوقهم حدود سياسيه او حدود للتنقل بين هنا ، و هناك ، تقع العصابه تلو العصابة ، المافيا ، الوحش الاصفر ، سوبتيك و غيرها من العصابات الشريرة التي ترتكب الجرائم على ارضنا العربيه .

غريب امر هؤلاء الشياطين ، تثق بهم الدول العربيه و حتى الاجنبيه ، تتعاون معهم ، و تطلب عونهم في حل الالغاز و الاشكالات الكبرى التي تواجهها ، تفتح لهم ابواب المدن و المنشآت الخاصه من منشات نفطيه ، او مخابراتيه او منشات سريه اخرى ، يستطيعون المرور الى اي مكان يريدون ، ما دام الرقم “صفر” هو الممسك بكل الخيوط في يده ، لم يكن هذا التساؤل قد زارني يوما قط ، و انا اقرأ الشياطين الثلاثة عشر لسنوات سابقا ً! لم اتساءل لماذا و ماذا ؟ حان أوان السؤال قبل ان اغلق الصندوق ثانيه على كل شياطينه ، من هؤلاء و ماذا اراد اصحاب الأقلام التي كتبتها ارسائه في عقولنا الطريه ؟ هل نحجوا في هذه الرسالة ؟؟

احمد و الهام و قيس و خالد و عثمان و زبيدة ، و بوعمير و فهد و ريما و باسم و رشيد و هدى و مصباح ، لا تتعدى اعمارهم السابعة عشر ، بمعني اقل من السن القانوني في كل البلاد العربيه ، لكن لا ذكر في اعداد الشياطين لعائلات هؤلاء او اصحابهم او جيرانهم ، انهم ملك الرقم “صفر” فقط ، يحركهم كما يشاء ، و لا من يملك ان يرفض او يناقش ، فكل ما يقول محل ثقة لا جدال ، و يستطيع اي منهم ان يسافر من شرق الارض الى غربها دون خوف من حكومات ، او حاجة لمتطلبات قانونيه ، اعمارهم الصغيره مكنتهم من تعلم الكثير من العلوم ، و اكتساب الكثير من المهارات ، حتى ظننت ان توم كروز ، و مهماته المستحيلة ، ما هو واحد من هؤلاء الشياطين في مرحلة اخرى من حياته .

مضى اليوم الاول المخصص لنقل المكتبه ، و ما ازال قابعة على الارض ، اتصفح اعداد الشياطين في الصندوق الاول ، غبت عن المهمه الموكلة لي اليوم ، وانا اعود الى احمد و الهام وقيس و فهد و الاخرين ، حتى هجم علي شياطيني الثلاثه يبحثون عن الام التي اختفت منذ الصباح ، و لحل هذا اللغز ، انتشروا بين غرف المنزل المملوءة بالفوضى و الصناديق المفتوحه ، و الاخرى المغلقه ، لم يستخدم شياطيني الثلاثة مهارات كبرى للعثور على مكاني ، دون الغوص تحت الماء ، او فك شفرات مرسلة من بلد مجاور على جهاز سري مخبأ في درج سري تحت اللوحة ، و دون تسلق للجدران او التسلسل الى غرف ضيقه ، سمعت صغيرهم يصرخ من وراء ظهري بعلو صوته

وجدتها ، انها هنا في المكتبه العتيقه .

لن يحب احد منهم ان يقرا ما كنت اقرا في ذاك اليوم البعيد ، وما اعدت قراءته اليوم ، اعرف اهتماماتهم ، و ما تطلب منهم المدرسة اليوم قراءته ، لن احاول اقناعهم فلست بمهارة الاقناع التي يمتلكها الشياطين الثلاثه عشر ، فمعهم يمكن ان تحاور الحكومات ، و تجعلها تعدل من خططها المستقبليه بل و الاسراتيجيه ، و لهم من القدرة على اقناع رئيس المافيا ان لا صالح له بخطف علماء العرب مثل مروان ، و شداد ، بينما لا املك القدرة على اقناع اولادي بقراءه هذه القصص التي رافقتني حين كنت مثلهم .

حلم عربي قديم ، هكذا قلت لنفسي ، و انا اغلق الصندوق القديم ، حلم بعمل استخباري مشترك لصالح الوطن العربي كله ، حلم بوحدة لا تنفصم لمواجهه الاخطار بوحدة ، لحمة و قلب رجل واحد ، وامرأة واحدة ، هو الرقم “صفر” قد نطلق عليه يوما ما اسما اخر من الواقع او من التاريخ ، حلم عربي ، و محاولة لغرسة في نفس الناشئه ، علينا نحن ان نختار ان نكون “الكل في واحد لنواجه الكل ” ، حلم ، حاول الحالمون به توزيعة ، و الاعتناء به حيا قويا لسنوات ، بذور صالحة للنمو ، لكنها جُمدت منذ عشرين عاما و يزيد ، و قد تخضر يوما .. و قد لا يكون .

اقفلت الصندوق و اعدت شريطا لاصقا جديدا الى مكانه الاول لاحكام الاغلاق ، وقررت ان انقل الشياطين الى مكاني الجديد ، فربما تخرج الشياطين العربيه يوما من قمقمها لتبحث عن اصولها الأولى ، او ربما اجد ساكنا هناك لاهديه هذه النسخ العتيقة .

مررت باصابعي على اللاصق لاتأكد من متانته ، وفجأة تبخر الجانب الإيجابي من الحلم ، فماذا لو يكون الرقم صفر هو الأخ الأكبر كما في رواية جورج اورويل ١٩٨٤ وماذا لوكانت كل مصائبنا بفعل تمسكه الفردي بالقرار ..؟




تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...