ما اجتذبني في المؤلّفيْن و منذ البداية هو أولا جانبهما السرّي، الملغز، المثير للاهتمام. لقد تعرّفتُ على بورخيس من خلال كتبه، غير أنّ قصّتي مع كيليطو شيء آخر تماما.
اكتشفتُ بورخيس لمّا كنتُ طالبة بفرنسا وذلك حينما تلقّيتُ عام 1982 مجموعة أقاصيص "الألف" ( 1949) كهديّة، بينما تعرّفتُ على كيليطو الأستاذ عام 1980، كنتُ حينئذ في السنة الثالثة من الإجازة في شعبة الأدب الفرنسي ( كلية الآداب بالرباط )، و عبد الفتاح كيليطو كان يؤمّن لنا وقتئذ درسا في تحليل الرواية معتمدا على "الفرسان الثلاثة" كنص تطبيقي. كانت تحيّرني نظرته التي ملؤها الرّهبة. هذا الرّجل ذو الحركات البطيئة والذي كان يبدو لنا يملك معرفة لانهائية، كان يربكنا ونظلّ طوال مدّة درسه كأنّنا منوّمون، نخشى أن نفتح أفواهنا خوفا من أن نقول ترّهات.
بيد أنّني في هذه المرحلة لم أكن قد قرأتُ له شيئا، لأنّه لم يكن قد أصدر كتبا بعد. ليس إلاّ في أواسط الثمانينيات سيشرع في نشرها وسيترسّخ بذلك انطباعي الأوّل الذي كوّنته عنه.
ستعرف مغامرتي كقارئة مع بورخيس مفاجآت غير متوقعة (كنتُ أستشعر عدم القدرة على القيام ببحث متعمّق)، غير أنّ فضولي وشغفي أوصلاني إلى إنجاز أطروحة (2002). سترافقني بعض كتب كيليطو في هذه الرحلة الوعرة، فضلا عن دعمه المعنوي وتأطيره الأكاديمي المطبوعين بتواضع نادر قلّما نلمسه عند المشرفين على البحوث.
من هذه التجربة تخلّقت فكرة إنجاز عمل مقارن بين المؤلّفين حتى قبل صدور المجموعة القصصية "بحث" ( 1999). أحرص على الإشارة أنّني في هذا العمل سأكتفي بتقديم بعض مسارات قراءة تتقاطع مع بعض نصوص المؤلّفين التي، يتهيّأ لي، تنطوي على عناصر جديرة بأن تكون موضوع مقارنة.
بالإضافة إلى هذا الجانب الملغز، يتقاسمُ المؤلّفان جزءا هاما من مكتبتهما الحاضرة بقوّة في نصوصهما، لا يمكنني أن أعدّد كلّ شيء، يمكن أن أشير على سبيل التمثيل إلى ألف ليلة وليلة، دون كيخوطي، الكوميديا الإلهية، الميثولوجيا الإغريقية ـ الرومانية، إلخ، وبعض المؤلّفين والفلاسفة المشهورين أمثال نيتشه، ابن رشد، فلوبير وآخرين عديدين. إنّهما قارئان نهمان، لا يعرفان الكلل منذ صباهما الأوّل.
يتقاسم المؤلّفان كذلك الميل لأشكال الكتابة الموجزة : القصة القصيرة والمقالة. لهما نفس الاهتمام بالشّذرة وبالقلّة (ما قلّ و دلّ) اللتين تجعلان كلّ نص يحافظ على استقلاليته وينفلت بذلك من القراءة المتتابعة؛ نلج إليه ونخرج منه بحسب هوانا كما شأن تعاملنا مع موسوعة، ولذلك يقول بورخيس في مقدّمة أعماله الكاملة (غاليمار): "الكتاب مُؤلّف من كتب".
وكما عند بورخيس، فإنّه من الصّعب التفرقة بين الأنواع؛ الخيال والمقال يتشابكان بكيفية متناغمة وأصيلة. وبالنتيجة فإنّ كتابتهما لا تنصاع في الغالب إلى أيّ تصنيف.
تمثّل بعض عناوين المؤلّفات أوالقصص تشابهات مدهشة: المؤلّف ونصوص أخرى (1960) والمؤلّف ونظراؤه (أو الكتابة و التناسخ (1985)، بحث (1999) وتحقيقات (1952)، دانتي (قصة من قصص "بحث" ) وتسع مقالات عن دانتي (1982)، بحث ابن رشد ومن شرفة ابن رشد، المكتبة ("بحث") ومكتبة بابل ("تخييلات" 1944)... فضلا عن تأمّلات حول مفهوم المؤلّف، حول الكتابة استقصاء لوسائلها، حول البحث عن الحبّ المثالي، حول اللغة، حول الكتب... موضوعات تخترق نصوص المؤلّفيْن.
يمكن أن نلتقط مصاهرة أخرى بين المجاميع القصصية للمؤلّفين، تلك المتعلّقة بلاواقعية العالم المرئي (العوالم الافتراضية)، الشخصيات تتحرّك في فضاءات مشوّشة، عند التخوم بين الواقع والحلم، فضاءات يحوم فيه الكثير من الارتياب ومن الشك، فضاءات غامضة : الدّار في قصة "مفاتيح"، المكتبة في قصة "المكتبة"، الفيلا التي حطّ بها السّارد في قصة "مويرا"، كذلك، فإنّ في فضاءات "تخييلات"، "الألف"، "كتاب الرّمل"، "تقرير برودي"... الارتياب نفسه يسكن الشخصيات التي تتوه في أفكارها وفي افتراضاتها.
يمكن أن نتحدّث عند المؤلّفيْن عن كتابة الافتراضات أوالتخمينات؛ يضاعف المؤلّف من الاحتمالات، من التشعّبات جاعلا القارئ يستحمّ في بحر من الشك و من الارتياب التام. بمقدار ما نتقدّم في القراءة، تنقلب الافتراضات، تتناقض، تبطل الواحدة الأخرى، بمقدار ما يتخلّق المحكي من هذه الافتراضات وينمو ويتطوّر بفضلها. إنّ زمن الافتراضات هو عموما عند كيليطو زمن المستقبل، إلاّ أنّه أحيانا ما يوظّف حتى زمن الحاضر ليلتبس الأمر على القارئ. إنّ مرورا ذكيا، في هذه الحالة، من المستقبل إلى الحاضر يحدث فيجعل القارئ يعتقد أنّه، في هذه المرّة، يقف على أرض صلبة ومستقرة : "لن أنجح في لفت انتباهها وإذا ما قصدتها ستتجاهلني، و ستجد الوسيلة لحديث طويل مع هذا أوذاك، ولمّا سأفوه بكلمة متلعثما، لن تصغي إليّ. أيّ حفاوة تظهرها للنّاس، والنّظرات البرّاقة التي ترميهم بها، والبسمة التي تخصّهم بها ! إنّها متواطئة معهم ، لا شكّ في ذلك" (1).
المحيّر أنّ الكتابة الافتراضية، التخمينية، المتاهية تهيمن في الأقاصيص التي يكون السّارد فيها باحثا عن امرأة منفلتة، بعيدة المنال (دانتي، مفاتيح، مويرا).
كلّ هذا يوحي بالحبكة البوليسية، بالتّحقيق أوالاستقصاء، بالرواية البوليسية، فعنصرا التآمر والاختفاء يبرهنان على ذلك في محكي "مويرا". وهنا سيكون ممتعا معالجة عنوان "بحث" بمقارنته مع عنوان "تحقيقات" لبورخيس.
هذان العنوانان وقد شكّلا جناسا تاما (En quete / Enquete )، يحيلان على سجل ذي إيحاءات بوليسية، فإذا كانت لفظة "بحث" تكتسي شكل تنقيب حيث الشخصيات تبحث من دون انقطاع عن حقيقة، عن إجابة... فبالنسبة لعنوان " تحقيقات" لبورخيس الذي هو ترجمة للعنوان الإسباني Otras Inquisiciones ، فإنّ له قصّة كاملة. لقد وضعت هذه الترجمة بالفعل مشكلة لبول و سيلفيا بنيشو (المترجمين) اللذين قاما بحلّها بالتوافق مع الأصل الاشتقاقي لـ Inquisition باختيار كلمة "تحقيقات" التي تؤدّي المعنى بالضبط للعنوان الإسباني وإن كانت توحي بالتقصّي البوليسي وتتملّص من الرّغبة في إعادة الكتابة. لكن بورخيس، بالنسبة لمنشورات لابلياد، رغب أن يجد ثانية اللفظة المستفزة للعنوان الإسباني "تحقيقات أخرى" لأنّ المؤلّف لم يعد يعترف بـ"تحقيقاته" الأولى (1925 ) فارضا على نفسه تحريا فعليا، نفيا ذاتيا. هكذا، فإنّ "تحقيقات أخرى" تعبّر (ها هنا ملمح مستفز بالتأكيد) عن الرّغبة في التّصالح مع الماضي حتى وإن كان عدد من مقالات الكتاب الأوّل قد حُذفت. يعالج بورخيس، كاتب المقالات، في هذا المؤلّف مسائل ميتافزيقية، ثيولوجية، استطيقية، يبقى المشترك بين هذه الموضوعات هو نقض استعلاء المعرفة العالمة وخرافات اللاهوت.
هكذا، تصير الكتابة عند المؤلّفيْن بحثا لا يتوقّف عن الاحتمالات، عن الموضوعات، عن المفاجآت، عن الانفعالات.
لكي نعود إلى موضوعة المرأة المنفلتة، بعيدة المنال، فإنّ الالتجاء إلى دانتي ذو قيمة عند المؤلّفيْن. دانتي هو قبل كلّ شيء الكوميديا الالهية، هذا الكتاب ـ المبجّل بالنّسبة لبورخيس والذي عبره ترتسم صورة دانتي، وحكاية حبّه المستحيل كما يصفها بورخيس : "بشفقة لا حدود لها، يحكي لنا دانتي قدر العاشقيْن، لكنّنا نحسّ أنّه يغار من مصيرهما. باولو وفرنتشيسكا هما في الجحيم وهو، سيتمّ إنقاذه، سوى أنّهما تحابّا بينما هو لم يحظ بحبّ بياتريس". "أشتبه في أن يكون دانتي شيّد أجمل كتاب في الأدب فقط ليضمّنه بعض اللقاءات مع بياتريس المتعذّر استعادتها".
يضع كيليطو كتاب الكوميديا الالهية بين يدي سارد قصة "دانتي" الذي يعترف بأنّه لم يقرأه مؤثرا قراءة الروايات البوليسية والقصص المصوّرة على قراءة الأعمال الكبرى للأدب العالمي. لكن لسخرية المصادفة، تعرّف السّارد، بفضل "تعليق حنيني" (2) لبورخيس على مقطع وحيد لدانتي؛ النشيد الخامس من الجحيم الذي يحكي قصة باولو و فرنتشيسكا. إنّ سارد دانتي، عبر قصة هذا الثنائي وقد تضاعفت بقصة لانسلو وكونيفر، يحاول أن يثير إعجاب F ، أن يلفت انتباهها، أن يقترب منها. نحسّهما، في لحظة معينة ، في المكتبة، قريبين جدّا الواحد من الآخر، مكبّين على الكوميديا الالهية، وكلّ شيء قد يصير ممكنا، قبلة على شاكلة قبلة لانسلو وكونيفر، وباولو و فرنتشيسكا، لكن لا دانتي ولا بورخيس ولا سارد القصة لم يعرفوا العشق المتيّم الذي جمع هذين الثنائيين ذائعي الصيت في تاريخ الأدب.
يمكن رصد تعالقات أخرى مدهشة بين "المكتبة" وكتاب "محاولة في السيرة الذاتية" (1972).
الطفل الصغير المريض في قصة كيليطو يجعلني أفكّر وباندهاش في بورخيس، الطفل الذي أمضى جزءا كبيرا من طفولته ومراهقته في البيت. العدسة المكبّرة للطفل الصغير تتصادى وتتماثل مع الصغير بورخيس، قصير النّظر بشكل كبير، ضعيف الجسم، يحمل نظارات بزجاج سميك ويمضي سحابة وقته في مكتبة والده الواسعة. الذكريات التي يحتفظ بها من هذه المرحلة هي ذكريات قراءاته.
لكنّ العمى سيمنعه من الاقتراب المباشر من الكتب، كما هذا الطفل في قصة كيليطو الذي تمّ منعه من ولوج المكتبة وحتى لمّا تمكّن من تحدّي العقبات وأخذ كتابا، لم يتوصّل إلى حلّ رموزه. لنفكّرْ في "الكتب المتعذّر اختراقها" في "مكتبة بابل".
الطفل، بفقده لوعيه، أدّى ثمن فضوله كما شخصيات رواية "إسم الوردة" لإمبرطو إيكو التي ماتت مسمومة بفعل الكتاب المحرّم. فكرة المكتبة المجرمة، القاتلة استهوت العديد من الكتّاب، المكتبة ـ المتاهة التي تصطاد قرّاءها، تقتلهم وتنتهي بإحراقهم.
لمّا سارع قاطنو المكتبة في "مكتبة بابل"، بحثا عن الكتاب الذي يخفي أسرار الكون ومن بينها أساسا "مبرّرات أوتبريرات" أفعال كلّ إنسان، تشاجروا فيما بينهم، تلفّظوا بلعنات، تقاتلوا، قذفوا إلى قيعان الأنفاق بالكتب الخادعة أوالمخادعة، وانتهوا بأن ماتوا متساقطين من أعلى السلالم السماوية من قبل أناس قدموا من مناطق بعيدة، وآخرين أصيبوا بالجنون.
والدا الطفل الصغير في كتاب "حصان نيتشه"، ولاسيّما الأم، ألم يخشيا جنون ولدهما النّاسخ والقارئ النّهم ؟ في لحظة ما، كان الطفل الصغير يستشعر، هو نفسه، مهدّدا بالجنون، وربّما يكون قد عثر على تبرير لهذا التّهديد باتّباع نصائح العقاد، وذلك بإعادة قراءة نفس المؤلّفات(3).
من المؤكّد أنّ العديد من الترابطات الأخرى ممكنة، سأقتصر على ذكر التعالق الموجود بين نصّي "بحث ابن رشد" و "من شرفة ابن رشد" والذي يستحقّ اهتماما متميّزا لأنّ البحث عن الآخر، عن ثقافته، عن لغته كجزء لا يتجزّأ من هويّتنا هو في القلب من العمليين.
يجعلنا عنوان "من شرفة ابن رشد" نفكّر بشكل لا مفرّ منه في "بحث ابن رشد" لبورخيس حيث الفيلسوف الكبير وهو يبحث عن معنى كلمتيْ تراجيديا وكوميديا عند أرسطو "يرى من خلال الشرفة المشبكة" صبيانا يمثّلون دون أن يفكّروا في التمثيل، أحدهم يلعب دور المؤذن وآخر يجسّد الصومعة وثالث يمثّل جماعة المصلّين. غير أنّ ابن رشد لم يدرك أنّ الإجابة على تساؤله كانت أمامه وانتهى، لا ندري كيف، بالعثور على معنى الكلمتين الغامضتين : "يطلق أرسطو تسمية تراجيديا على المدائح، وكوميديا على الأهاجي وكشف المثالب. وهناك وفرة وفيرة من التراجيديات والكوميديات العظيمة تزخر بها صفحات القرآن الكريم والمعلقات على جدار الكعبة".
وكما ابن رشد الذي يتلهّف بحثا عن معنى تراجيديا وكوميديا اليونانيتين، فإنّ سارد محكي كيليطو "من شرفة ابن رشد" لم ينقطع، هو الآخر، بحثا عن تأويل العبارة الغريبة "لغتنا الأعجمية" التي ينسبها إلى ابن رشد دون أن يكون متيقّنا من أنّ العبارة إيّاها كان قد حلم بها. ويعترف، في موضع آخر من النص، أنّ "فيلسوف قرطبة لم ينطق أبدا بجملتنا الشّهيرة". إنّ الإحالة على بورخيس تنبثق في المحكي حينما يتمّ استحضار المشهد الذي رواه بورخيس في "بحث ابن رشد "لمّا كان الفيلسوف ينظر من شرفته إلى صبيان يتشاجرون ويتكلّمون بلهجة فظّة.
مسألة اللّغة هي إذن مرتبطة، على ما يبدو، بالشّرفة؛ أن تنظر من خلال الشّرفة المشبكة يترجم هذا الفضول في معرفة الآخر، في التساؤل عبر الآخر عن الذات.
وعلى شاكلة بورخيس الذي ، عند نهاية حكايته، يتماهى مع ابن رشد بعد قرون عديدة، فإنّ سارد كيليطو، ومن خلال وضعيته في النافذة، يتماهى بشكل افضل مع ابن رشد أكثر من بورخيس. هذا الأخير مذكور في النص، ألا يمكن أن يكون الشخصية الرابعة في النافذة التي ظلّت مغلقة ؟ سيكون، في هذه الحالة، لقاء في الحلم للشخصيات الأربع المثقفة والآتية من آفاق مختلفة، لكن كلّ واحدة منها منشغلة بالاقتراب من الآخرى : السّارد هو في بحث عن دلالة عبارة، ابن رشد، فيما يخصّه، يبحث عن التعريف الدّقيق للكلمتين اليونانيتين؛ تراجيديا و كوميديا، A.K مترجم السّارد يقتفي هذا الأخير كما ظلّه أوضميره (قرينه ؟)،وأخيرا بورخيس الذي يسعى جاهدا لمعرفة الثقافة العربية بينما هو يجهل لغتها..
لقد فشل ابن رشد بحسب بورخيس ونتيجة استقصائه تبلغ حدود العبث؛ بورخيس يعترف هو الآخر بفشله في مسعاه (4)، سارد "من شرفة ابن رشد" يكتشف مندهشا أنّ العبارة الحلمية ليست لابن رشد وليست له وإنّما هي لابن منظور ، صاحب قاموس لسان العرب! كانت تعبّر في تلك المرحلة عن خوف اللغة من الآخر (الترك ؟ الفرس ؟)، غير أنّ المحكي ينتهي بالاعتراف بلغة الآخر؛ سيشرع المترجم، المدافع الشرس عن اللغة العربية، أمام دهشة السّارد الكبرى في التحدّث باللغة الفرنسية. المستقبل هو للحوار بين اللّغات، خشبة نجاة الإنسانية.
هكذا، يبدو كيليطو، وإلى أبعد الحدود، قارئا ذكيا لبورخيس يعرف كيف يتحاور معه ومن خلال نصوصه مخترقا ومتجاوزا الاختلافات والتخوم.
هوامش ( من وضع المترجم ):
1 ـ مويرا، عبد الفتاح كيليطو، ترجمة عبد الكبير الشرقاوي، قاف صاد، ع7 ، يونيو2008، ص 119
2 ـ حصان نيتشه، عبد الفتاح كيليطو، ترجمة عبد الكبير الشرقاوي، 2003، ص 120
3 ـ م.س، ص 185
4 ـ " أراد أن يتخيّل ما هي الدراما دون أن تكون لديه أية فكرة عن ما هو المسرح، لم يكن أكثر عبثية منّي، عندما أردت أن أتخيّل ابن رشد دون أن تتوفّر لي أي مادة عنه سوى نتف من "رينان"، و "لين" و"آسين بلاثيوس"
*Libération, 26 / 6 / 2015
زهرة اللهيوي
(أستاذة الأدب الفرنسي بكلية الآداب، جامعة مولاي إسماعيل، مكناس، المغرب)
اكتشفتُ بورخيس لمّا كنتُ طالبة بفرنسا وذلك حينما تلقّيتُ عام 1982 مجموعة أقاصيص "الألف" ( 1949) كهديّة، بينما تعرّفتُ على كيليطو الأستاذ عام 1980، كنتُ حينئذ في السنة الثالثة من الإجازة في شعبة الأدب الفرنسي ( كلية الآداب بالرباط )، و عبد الفتاح كيليطو كان يؤمّن لنا وقتئذ درسا في تحليل الرواية معتمدا على "الفرسان الثلاثة" كنص تطبيقي. كانت تحيّرني نظرته التي ملؤها الرّهبة. هذا الرّجل ذو الحركات البطيئة والذي كان يبدو لنا يملك معرفة لانهائية، كان يربكنا ونظلّ طوال مدّة درسه كأنّنا منوّمون، نخشى أن نفتح أفواهنا خوفا من أن نقول ترّهات.
بيد أنّني في هذه المرحلة لم أكن قد قرأتُ له شيئا، لأنّه لم يكن قد أصدر كتبا بعد. ليس إلاّ في أواسط الثمانينيات سيشرع في نشرها وسيترسّخ بذلك انطباعي الأوّل الذي كوّنته عنه.
ستعرف مغامرتي كقارئة مع بورخيس مفاجآت غير متوقعة (كنتُ أستشعر عدم القدرة على القيام ببحث متعمّق)، غير أنّ فضولي وشغفي أوصلاني إلى إنجاز أطروحة (2002). سترافقني بعض كتب كيليطو في هذه الرحلة الوعرة، فضلا عن دعمه المعنوي وتأطيره الأكاديمي المطبوعين بتواضع نادر قلّما نلمسه عند المشرفين على البحوث.
من هذه التجربة تخلّقت فكرة إنجاز عمل مقارن بين المؤلّفين حتى قبل صدور المجموعة القصصية "بحث" ( 1999). أحرص على الإشارة أنّني في هذا العمل سأكتفي بتقديم بعض مسارات قراءة تتقاطع مع بعض نصوص المؤلّفين التي، يتهيّأ لي، تنطوي على عناصر جديرة بأن تكون موضوع مقارنة.
بالإضافة إلى هذا الجانب الملغز، يتقاسمُ المؤلّفان جزءا هاما من مكتبتهما الحاضرة بقوّة في نصوصهما، لا يمكنني أن أعدّد كلّ شيء، يمكن أن أشير على سبيل التمثيل إلى ألف ليلة وليلة، دون كيخوطي، الكوميديا الإلهية، الميثولوجيا الإغريقية ـ الرومانية، إلخ، وبعض المؤلّفين والفلاسفة المشهورين أمثال نيتشه، ابن رشد، فلوبير وآخرين عديدين. إنّهما قارئان نهمان، لا يعرفان الكلل منذ صباهما الأوّل.
يتقاسم المؤلّفان كذلك الميل لأشكال الكتابة الموجزة : القصة القصيرة والمقالة. لهما نفس الاهتمام بالشّذرة وبالقلّة (ما قلّ و دلّ) اللتين تجعلان كلّ نص يحافظ على استقلاليته وينفلت بذلك من القراءة المتتابعة؛ نلج إليه ونخرج منه بحسب هوانا كما شأن تعاملنا مع موسوعة، ولذلك يقول بورخيس في مقدّمة أعماله الكاملة (غاليمار): "الكتاب مُؤلّف من كتب".
وكما عند بورخيس، فإنّه من الصّعب التفرقة بين الأنواع؛ الخيال والمقال يتشابكان بكيفية متناغمة وأصيلة. وبالنتيجة فإنّ كتابتهما لا تنصاع في الغالب إلى أيّ تصنيف.
تمثّل بعض عناوين المؤلّفات أوالقصص تشابهات مدهشة: المؤلّف ونصوص أخرى (1960) والمؤلّف ونظراؤه (أو الكتابة و التناسخ (1985)، بحث (1999) وتحقيقات (1952)، دانتي (قصة من قصص "بحث" ) وتسع مقالات عن دانتي (1982)، بحث ابن رشد ومن شرفة ابن رشد، المكتبة ("بحث") ومكتبة بابل ("تخييلات" 1944)... فضلا عن تأمّلات حول مفهوم المؤلّف، حول الكتابة استقصاء لوسائلها، حول البحث عن الحبّ المثالي، حول اللغة، حول الكتب... موضوعات تخترق نصوص المؤلّفيْن.
يمكن أن نلتقط مصاهرة أخرى بين المجاميع القصصية للمؤلّفين، تلك المتعلّقة بلاواقعية العالم المرئي (العوالم الافتراضية)، الشخصيات تتحرّك في فضاءات مشوّشة، عند التخوم بين الواقع والحلم، فضاءات يحوم فيه الكثير من الارتياب ومن الشك، فضاءات غامضة : الدّار في قصة "مفاتيح"، المكتبة في قصة "المكتبة"، الفيلا التي حطّ بها السّارد في قصة "مويرا"، كذلك، فإنّ في فضاءات "تخييلات"، "الألف"، "كتاب الرّمل"، "تقرير برودي"... الارتياب نفسه يسكن الشخصيات التي تتوه في أفكارها وفي افتراضاتها.
يمكن أن نتحدّث عند المؤلّفيْن عن كتابة الافتراضات أوالتخمينات؛ يضاعف المؤلّف من الاحتمالات، من التشعّبات جاعلا القارئ يستحمّ في بحر من الشك و من الارتياب التام. بمقدار ما نتقدّم في القراءة، تنقلب الافتراضات، تتناقض، تبطل الواحدة الأخرى، بمقدار ما يتخلّق المحكي من هذه الافتراضات وينمو ويتطوّر بفضلها. إنّ زمن الافتراضات هو عموما عند كيليطو زمن المستقبل، إلاّ أنّه أحيانا ما يوظّف حتى زمن الحاضر ليلتبس الأمر على القارئ. إنّ مرورا ذكيا، في هذه الحالة، من المستقبل إلى الحاضر يحدث فيجعل القارئ يعتقد أنّه، في هذه المرّة، يقف على أرض صلبة ومستقرة : "لن أنجح في لفت انتباهها وإذا ما قصدتها ستتجاهلني، و ستجد الوسيلة لحديث طويل مع هذا أوذاك، ولمّا سأفوه بكلمة متلعثما، لن تصغي إليّ. أيّ حفاوة تظهرها للنّاس، والنّظرات البرّاقة التي ترميهم بها، والبسمة التي تخصّهم بها ! إنّها متواطئة معهم ، لا شكّ في ذلك" (1).
المحيّر أنّ الكتابة الافتراضية، التخمينية، المتاهية تهيمن في الأقاصيص التي يكون السّارد فيها باحثا عن امرأة منفلتة، بعيدة المنال (دانتي، مفاتيح، مويرا).
كلّ هذا يوحي بالحبكة البوليسية، بالتّحقيق أوالاستقصاء، بالرواية البوليسية، فعنصرا التآمر والاختفاء يبرهنان على ذلك في محكي "مويرا". وهنا سيكون ممتعا معالجة عنوان "بحث" بمقارنته مع عنوان "تحقيقات" لبورخيس.
هذان العنوانان وقد شكّلا جناسا تاما (En quete / Enquete )، يحيلان على سجل ذي إيحاءات بوليسية، فإذا كانت لفظة "بحث" تكتسي شكل تنقيب حيث الشخصيات تبحث من دون انقطاع عن حقيقة، عن إجابة... فبالنسبة لعنوان " تحقيقات" لبورخيس الذي هو ترجمة للعنوان الإسباني Otras Inquisiciones ، فإنّ له قصّة كاملة. لقد وضعت هذه الترجمة بالفعل مشكلة لبول و سيلفيا بنيشو (المترجمين) اللذين قاما بحلّها بالتوافق مع الأصل الاشتقاقي لـ Inquisition باختيار كلمة "تحقيقات" التي تؤدّي المعنى بالضبط للعنوان الإسباني وإن كانت توحي بالتقصّي البوليسي وتتملّص من الرّغبة في إعادة الكتابة. لكن بورخيس، بالنسبة لمنشورات لابلياد، رغب أن يجد ثانية اللفظة المستفزة للعنوان الإسباني "تحقيقات أخرى" لأنّ المؤلّف لم يعد يعترف بـ"تحقيقاته" الأولى (1925 ) فارضا على نفسه تحريا فعليا، نفيا ذاتيا. هكذا، فإنّ "تحقيقات أخرى" تعبّر (ها هنا ملمح مستفز بالتأكيد) عن الرّغبة في التّصالح مع الماضي حتى وإن كان عدد من مقالات الكتاب الأوّل قد حُذفت. يعالج بورخيس، كاتب المقالات، في هذا المؤلّف مسائل ميتافزيقية، ثيولوجية، استطيقية، يبقى المشترك بين هذه الموضوعات هو نقض استعلاء المعرفة العالمة وخرافات اللاهوت.
هكذا، تصير الكتابة عند المؤلّفيْن بحثا لا يتوقّف عن الاحتمالات، عن الموضوعات، عن المفاجآت، عن الانفعالات.
لكي نعود إلى موضوعة المرأة المنفلتة، بعيدة المنال، فإنّ الالتجاء إلى دانتي ذو قيمة عند المؤلّفيْن. دانتي هو قبل كلّ شيء الكوميديا الالهية، هذا الكتاب ـ المبجّل بالنّسبة لبورخيس والذي عبره ترتسم صورة دانتي، وحكاية حبّه المستحيل كما يصفها بورخيس : "بشفقة لا حدود لها، يحكي لنا دانتي قدر العاشقيْن، لكنّنا نحسّ أنّه يغار من مصيرهما. باولو وفرنتشيسكا هما في الجحيم وهو، سيتمّ إنقاذه، سوى أنّهما تحابّا بينما هو لم يحظ بحبّ بياتريس". "أشتبه في أن يكون دانتي شيّد أجمل كتاب في الأدب فقط ليضمّنه بعض اللقاءات مع بياتريس المتعذّر استعادتها".
يضع كيليطو كتاب الكوميديا الالهية بين يدي سارد قصة "دانتي" الذي يعترف بأنّه لم يقرأه مؤثرا قراءة الروايات البوليسية والقصص المصوّرة على قراءة الأعمال الكبرى للأدب العالمي. لكن لسخرية المصادفة، تعرّف السّارد، بفضل "تعليق حنيني" (2) لبورخيس على مقطع وحيد لدانتي؛ النشيد الخامس من الجحيم الذي يحكي قصة باولو و فرنتشيسكا. إنّ سارد دانتي، عبر قصة هذا الثنائي وقد تضاعفت بقصة لانسلو وكونيفر، يحاول أن يثير إعجاب F ، أن يلفت انتباهها، أن يقترب منها. نحسّهما، في لحظة معينة ، في المكتبة، قريبين جدّا الواحد من الآخر، مكبّين على الكوميديا الالهية، وكلّ شيء قد يصير ممكنا، قبلة على شاكلة قبلة لانسلو وكونيفر، وباولو و فرنتشيسكا، لكن لا دانتي ولا بورخيس ولا سارد القصة لم يعرفوا العشق المتيّم الذي جمع هذين الثنائيين ذائعي الصيت في تاريخ الأدب.
يمكن رصد تعالقات أخرى مدهشة بين "المكتبة" وكتاب "محاولة في السيرة الذاتية" (1972).
الطفل الصغير المريض في قصة كيليطو يجعلني أفكّر وباندهاش في بورخيس، الطفل الذي أمضى جزءا كبيرا من طفولته ومراهقته في البيت. العدسة المكبّرة للطفل الصغير تتصادى وتتماثل مع الصغير بورخيس، قصير النّظر بشكل كبير، ضعيف الجسم، يحمل نظارات بزجاج سميك ويمضي سحابة وقته في مكتبة والده الواسعة. الذكريات التي يحتفظ بها من هذه المرحلة هي ذكريات قراءاته.
لكنّ العمى سيمنعه من الاقتراب المباشر من الكتب، كما هذا الطفل في قصة كيليطو الذي تمّ منعه من ولوج المكتبة وحتى لمّا تمكّن من تحدّي العقبات وأخذ كتابا، لم يتوصّل إلى حلّ رموزه. لنفكّرْ في "الكتب المتعذّر اختراقها" في "مكتبة بابل".
الطفل، بفقده لوعيه، أدّى ثمن فضوله كما شخصيات رواية "إسم الوردة" لإمبرطو إيكو التي ماتت مسمومة بفعل الكتاب المحرّم. فكرة المكتبة المجرمة، القاتلة استهوت العديد من الكتّاب، المكتبة ـ المتاهة التي تصطاد قرّاءها، تقتلهم وتنتهي بإحراقهم.
لمّا سارع قاطنو المكتبة في "مكتبة بابل"، بحثا عن الكتاب الذي يخفي أسرار الكون ومن بينها أساسا "مبرّرات أوتبريرات" أفعال كلّ إنسان، تشاجروا فيما بينهم، تلفّظوا بلعنات، تقاتلوا، قذفوا إلى قيعان الأنفاق بالكتب الخادعة أوالمخادعة، وانتهوا بأن ماتوا متساقطين من أعلى السلالم السماوية من قبل أناس قدموا من مناطق بعيدة، وآخرين أصيبوا بالجنون.
والدا الطفل الصغير في كتاب "حصان نيتشه"، ولاسيّما الأم، ألم يخشيا جنون ولدهما النّاسخ والقارئ النّهم ؟ في لحظة ما، كان الطفل الصغير يستشعر، هو نفسه، مهدّدا بالجنون، وربّما يكون قد عثر على تبرير لهذا التّهديد باتّباع نصائح العقاد، وذلك بإعادة قراءة نفس المؤلّفات(3).
من المؤكّد أنّ العديد من الترابطات الأخرى ممكنة، سأقتصر على ذكر التعالق الموجود بين نصّي "بحث ابن رشد" و "من شرفة ابن رشد" والذي يستحقّ اهتماما متميّزا لأنّ البحث عن الآخر، عن ثقافته، عن لغته كجزء لا يتجزّأ من هويّتنا هو في القلب من العمليين.
يجعلنا عنوان "من شرفة ابن رشد" نفكّر بشكل لا مفرّ منه في "بحث ابن رشد" لبورخيس حيث الفيلسوف الكبير وهو يبحث عن معنى كلمتيْ تراجيديا وكوميديا عند أرسطو "يرى من خلال الشرفة المشبكة" صبيانا يمثّلون دون أن يفكّروا في التمثيل، أحدهم يلعب دور المؤذن وآخر يجسّد الصومعة وثالث يمثّل جماعة المصلّين. غير أنّ ابن رشد لم يدرك أنّ الإجابة على تساؤله كانت أمامه وانتهى، لا ندري كيف، بالعثور على معنى الكلمتين الغامضتين : "يطلق أرسطو تسمية تراجيديا على المدائح، وكوميديا على الأهاجي وكشف المثالب. وهناك وفرة وفيرة من التراجيديات والكوميديات العظيمة تزخر بها صفحات القرآن الكريم والمعلقات على جدار الكعبة".
وكما ابن رشد الذي يتلهّف بحثا عن معنى تراجيديا وكوميديا اليونانيتين، فإنّ سارد محكي كيليطو "من شرفة ابن رشد" لم ينقطع، هو الآخر، بحثا عن تأويل العبارة الغريبة "لغتنا الأعجمية" التي ينسبها إلى ابن رشد دون أن يكون متيقّنا من أنّ العبارة إيّاها كان قد حلم بها. ويعترف، في موضع آخر من النص، أنّ "فيلسوف قرطبة لم ينطق أبدا بجملتنا الشّهيرة". إنّ الإحالة على بورخيس تنبثق في المحكي حينما يتمّ استحضار المشهد الذي رواه بورخيس في "بحث ابن رشد "لمّا كان الفيلسوف ينظر من شرفته إلى صبيان يتشاجرون ويتكلّمون بلهجة فظّة.
مسألة اللّغة هي إذن مرتبطة، على ما يبدو، بالشّرفة؛ أن تنظر من خلال الشّرفة المشبكة يترجم هذا الفضول في معرفة الآخر، في التساؤل عبر الآخر عن الذات.
وعلى شاكلة بورخيس الذي ، عند نهاية حكايته، يتماهى مع ابن رشد بعد قرون عديدة، فإنّ سارد كيليطو، ومن خلال وضعيته في النافذة، يتماهى بشكل افضل مع ابن رشد أكثر من بورخيس. هذا الأخير مذكور في النص، ألا يمكن أن يكون الشخصية الرابعة في النافذة التي ظلّت مغلقة ؟ سيكون، في هذه الحالة، لقاء في الحلم للشخصيات الأربع المثقفة والآتية من آفاق مختلفة، لكن كلّ واحدة منها منشغلة بالاقتراب من الآخرى : السّارد هو في بحث عن دلالة عبارة، ابن رشد، فيما يخصّه، يبحث عن التعريف الدّقيق للكلمتين اليونانيتين؛ تراجيديا و كوميديا، A.K مترجم السّارد يقتفي هذا الأخير كما ظلّه أوضميره (قرينه ؟)،وأخيرا بورخيس الذي يسعى جاهدا لمعرفة الثقافة العربية بينما هو يجهل لغتها..
لقد فشل ابن رشد بحسب بورخيس ونتيجة استقصائه تبلغ حدود العبث؛ بورخيس يعترف هو الآخر بفشله في مسعاه (4)، سارد "من شرفة ابن رشد" يكتشف مندهشا أنّ العبارة الحلمية ليست لابن رشد وليست له وإنّما هي لابن منظور ، صاحب قاموس لسان العرب! كانت تعبّر في تلك المرحلة عن خوف اللغة من الآخر (الترك ؟ الفرس ؟)، غير أنّ المحكي ينتهي بالاعتراف بلغة الآخر؛ سيشرع المترجم، المدافع الشرس عن اللغة العربية، أمام دهشة السّارد الكبرى في التحدّث باللغة الفرنسية. المستقبل هو للحوار بين اللّغات، خشبة نجاة الإنسانية.
هكذا، يبدو كيليطو، وإلى أبعد الحدود، قارئا ذكيا لبورخيس يعرف كيف يتحاور معه ومن خلال نصوصه مخترقا ومتجاوزا الاختلافات والتخوم.
هوامش ( من وضع المترجم ):
1 ـ مويرا، عبد الفتاح كيليطو، ترجمة عبد الكبير الشرقاوي، قاف صاد، ع7 ، يونيو2008، ص 119
2 ـ حصان نيتشه، عبد الفتاح كيليطو، ترجمة عبد الكبير الشرقاوي، 2003، ص 120
3 ـ م.س، ص 185
4 ـ " أراد أن يتخيّل ما هي الدراما دون أن تكون لديه أية فكرة عن ما هو المسرح، لم يكن أكثر عبثية منّي، عندما أردت أن أتخيّل ابن رشد دون أن تتوفّر لي أي مادة عنه سوى نتف من "رينان"، و "لين" و"آسين بلاثيوس"
*Libération, 26 / 6 / 2015
زهرة اللهيوي
(أستاذة الأدب الفرنسي بكلية الآداب، جامعة مولاي إسماعيل، مكناس، المغرب)