منقول - تاريخ العباسية المغربية، واختلافها عن المشرقية

عن سلوة الأنفاس و عن الزموري و ابن الزيات أن شيخنا الجليل الزاهد الفاضل أبي العباس السبتي المولود في سبتة عصر المرابطين و دفين مراكش عصر الموحدين كان يأمر و يوجه أتباعه و مريديه و طلاب علمه و المتبركين به بان يتصدقوا بأفضل مما رزقوا به و عرف مذهبه بالجود و الكرم و نكران الذات و قد ذكر ابن رشد و معاصريه معلومات قيمة حول خصاله و ورعه و زهده و صدقاته . إن ركيزة مذهبه هي التصدق و الصدقات و الإحسان و الجود و عمل الخير هم أساس علمه. فكان الناس ينزعون إلى تلبية دعوته بالتصدق باولى ثمرات منتجهم أكان زرعا أو قمحا أو طعاما أو غذاء ملبين دعوته في إيمان صادق وجاد فسميت الباكورة أو الثمرة الأولى باسمه بإهداءها له إلى أبي العباس السبتي ( العباسية ) .
يقول المثل الشعبي “فلان حاضي العباسية، و”فلان شاد العباسية”، واش كاين شي عباسية؟
ذكر شيخنا محمد بوخبزة التطواني نقلا عن الأستاذ محمد بن تاويت التطواني من مقالات له.
نظرية (الوجود ينفعل بالجود) ظهر بها أبو العباس السبتي دفين مراكش، وأحد رجالها السبعة فيما يقول المخرفون، وتدبرها أبو الوليد ابن رشد فصاغها في الكلمة المذكورة، والسبتي تلميذ أبي عبد الله الفخار دفين تطوان المتوفى سنة 586هـ وهذا تلميذ القاضي عياض، ونظرية انفعال الوجود بالجود مازالت سارية المفعول إلى الآن، وقد أدركنا (السفانجية) أي صانعي السفانج وهي طعام لذيذ يصنع من دقيق مختمر يقلى في الزيت في شكل دوائر صغيرة وكبيرة وربما قلي معها بيض فتأتي في غاية الجودة واللذة، يفطر عليها كثير من الناس، وأول ما يبدأ به السفانجي صنع كرات منها يتصدق بها قبل الشروع في العمل، وتسمى هذه الكرات (العباسية) نسبة إلى أبي العباس السبتي.
أما العباسية المشرقية فهي مختلفة كثيرا و لها أسماء أخرى و رموز تتعلق بعصر بني العباس خصوصا أهل بغداد و العراق و تسمى كذلك بالجعفرية نسبة لجعفر السفاح و سنعود الى ذكر تفاصيلها بعد أن نفصل تاريخ شيخنا الجليل الزاهد الفاضل أبي العباس السبتي صاحب الكرامات و أقتبس جزءا من مقالات صدرت عن الرابطة المحمدية لعلماء المغرب في هذا الشأن

منقول بتصرف عن (بوابة الرابطة المحمدية للعلماء)
أبو العباس السبتي ومذهبه في الإحسان
أبو العباس السبتي ومذهبه في الإحسان
أبو العباس أحمد بن جعفر الخزرجي السبتي، أكبر أولياء المدينة وأشهر رجالاتها السبعة، عربي الأصل، ولد بمدينة سبتة سنة أربع وعشرين وخمسمائة، وتوفي بمراكش في اليوم الثالث من جمادى الأخيرة سنة واحد وستمائة[1].
وينتسب إلى أسرة فقيرة، إذ بوفاة والده اضطرت أمه إلى دفعه لحائك لتعلم الحرفة مقابل أجر، إلا أنه كان يفضل التردد على الشيخ أبي عبد الله محمد الفخار (دفين تطوان) لأخذ العلم.
ولعل رغبته في التعلم، والرعاية الخاصة التي كان يلقاها من شيخه بسبب ذلك، كانت وراء سرعة تعلمه، فلم تكد تمضي ست سنوات حتى حفظ القرآن والرسالة وفنونا من العربية وآدابها، وتسجل له الروايات مواقف وأخبارا مع شيخه: (كثرة سؤاله عن معنى آيات، كقوله تعالى: ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان﴾[2].
وأبدى أبو العباس الرغبة في السفر برسم طلب العلم ولقاء المشايخ، ووقع اختياره على مراكش، لأنها كما قال لشيخه: (مدينة العلم والخير والصلاح)[3].
ولأنها كذلك، عاصمة الدولة الجديدة، فقد كان خروج أبي العباس من سبتة سنة أربعين وخمسمائة (وعمره ست عشرة سنة) وهي السنة التي تأكد فيها انتصار الموحدين على المرابطين، خصوصا بعد مقتل تاشفين سنة تسع وثلاثين وخمسمائة.
وفي طريقه من سبتة إلى مراكش بمعية وصيفه مسعود الحاج (دفين حومة الموقف)[4]، صدرت عنه كرامات[5]، تبرز مشاغل المجتمعات القروية التي مر بها وهمومها، وتعطي صورة عن المتاعب التي لقياها في رحلتهما[6].
وجد أبو العباس مدينة مراكش في حالة حصار (استمر من محرم إلى شوال سنة واحد وأربعين وخمسمائة)، فصعد إلى جبل جليز مع وصيفه، وفي تعطير الأنفاس: (أن الله أنبع عينا من ماء وجعل يتعبد في ذلك الجبل والفقير معه يخدمه)[7].
وتكتنف سيرته ثغرات ونقط استفهام، ابتداء من تاريخ حلوله بمراكش، فبدل أن تقدم المصادر تفاصيل عن حياته، تكتفي بسرد مجموعة من الكرامات المنسوبة إليه. فغلبت بذلك جانب الأسطورة على جانب الواقع، فلا يبقى إلا استخلاص ما يمكن استخلاصه مما يلقي بعض الأضواء على سيرة الشيخ أبي العباس، مع العلم أنها –سواء صحت نسبتها إليه أو لا- تعبر عن هموم البيئة التي عاش فيها وتطلعاتها وآمالها.
لقد بقي بخلوته أربعين سنة (من سنة أربعين إلى ثمانين وخمسمائة)، وهي السنة التي تولى فيها يعقوب المنصور الحكم، ونعرف ميل هذا الأخير إلى مجالسة الصلحاء واستدعائه لهم بخلاف جده عبد المومن.
ومع تسليمنا بوجود بعض الزهاد في جبل جليز، فإننا لا نعرف نوعية الحياة التي كانوا يحيونها على ظهره، ولم تصلنا أسماء الشيوخ والعلماء الذين أخذ عنهم أبو العباس بالجبل، ذلك لأن حضوره إلى مراكش كان بقصد طلب العلم كما أسلفنا، ونفهم من بعض الكرامات أنه كان ينزل وحده إليها لأداء صلاة الجمعة[8].
وإلى هذه الفترة من حياته تنسب الكرامة التي ذكرها الزموري، نقلا عن صاحب «أنس العارفين»، وكان يزور فيها الشيخ أبا يعقوب بن أمغار بتيط. يتحدثان في فنون العلم، وتقول الرواية أن الخادمة التي أحضرت لهما الطعام تعجبت من حسن الشاب وجماله (أبي العباس) وأساءت الظن بالشيخ، فجعلا يأكلان وهي جالسة، فلما استوفيا من الأكل سأل الشاب الشيخ في الدعاء فدعا له وودعه، فجعل الشاب يمشي على ماء البحر والخادمة تنظر إليه…، فالتفت إليها الشيخ قائلا: (لا تسيئي الظن بأولياء الله تعالى يا خبيثة النفس…، واعلمي أن ذلك الشاب هو الولي المتبرك به شرقا وغربا، برا وبحرا، أبو العباس السبتي أتى اليوم لزيارتنا…، على عادته)[9].
يمكننا هذا الخبر من اعتبار الشيخ أبي يعقوب بن أمغار من شيوخ السبتي، إذ كان يجالسه ويتحدث معه في فنون العلم، ويطلب دعاءه متحملا في سبيل ذلك قطع خلوته بجليز.
وظروف دخول أبي العباس لمراكش، وقطع خلوته الطويلة يكتنفها الغموض، فإذا كنا متأكدين من تمام ذلك على عهد المنصور، فإن الاختلاف واقع في التاريخ والسبب:
– فعند البعض أن وصول أخبار كرامات أبي العباس بعد حلوله بجبل جليز جعل المنصور وأعيان المدينة يطلعون إليه للتبرك، ودعاه الخليفة إلى الإقامة بالمدينة، وحبس عليه مدرسة للعلم والتدريس ودارا للسكنى[10]، ولعل ذلك قد تم في بداية حكم المنصور، فيكون السبتي قد قضى –كما في المصادر- أربعين سنة في الخلوة (من أربعين إلى ثمانين وخمسمائة).
-إلا أن الشائع والمعروف أن المنصور كان يعاني من عذاب نفسي بعد قتله لأخيه وعمه سليمان، فاقترح عليه مريد (أو مريدة) أن يتصل بأبي مدين، فأرسل في طلبه من بجاية، إلا أن الشيخ عاجلته منيته عند حلوله بتلمسان، فأوصى رسل الخليفة بإخباره أن دواءه عند أبي العباس السبتي، وعند ذلك استدعى المنصور الشيخ إلى قصره[11].
وهذا الرأي الأخير لا يتفق وتواريخ الأحداث:
أ-فالثابت أن أبا مدين توفي سنة أربع وتسعين وخمسمائة.
ب- تاريخ مقتل عمر وسليمان هو سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، وبالفعل شعر المنصور إثره بعذاب نفسي عبر عنه صاحب المعجب بقوله: (وأظهر بعد ذلك زهدا وتقشفا وخشونة ملبس ومأكل)[12]، فلا يعقل أن ينتظر المنصور كل هذه السنوات بحثا عن وسيلة لمعالجة ما يعانيه. ثم إن تاريخ أربع وتسعين وخمسمائة غير مقبول، إذ أنه سيجعل من مدة خلوة أبي العباس أربعا وخمسين سنة بدل أربعين سنة المتفق عليها في كل المصادر، ولن يبقى إلا سبع سنوات لسنة واحدة وستمائة تاريخ وفاته، في حين أن الروايات والمصادر تتحدث عن بناته اللائي تزوجن وهو بقيد الحياة. وبالطبع فإنه لم يتزوج وينجب إلا بعد انتهاء الخلوة واتصاله بالمنصور.
وبهذا فتاريخ ثمانين وخمسمائة أكثر ملاءمة للأحداث وتوافقا مع الوقائع، وقد يكون ما روي على لسان أبي مدين مجرد وضع أراد به أصحابه الرفع من شأن أبي العباس عندما يجعله أبو مدين (قطب المغرب، وشيخ مشايخ الإسلام، وسيد الطائفة في زمانه) –كما تقول الرواية- في مستواه ويقوم مقامه.
وأبو مدين كما بينا هو الذي انتهت إليه مدارس الغزالي والجيلاني وأبي يعزى؛ أي أقطاب الشرق والغرب، وهذه المرحلة من أخصب مراحل حياة أبي العباس، ففيها تم نشر مذهبه على نطاق واسع، إذ كان يطوف بنفسه في الأسواق ويحث الناس على الصدقة وعلى المتاجرة مع الله، (درهم يساوي عشرة)، كما كان يقول.
ويبدو من خلال الكرامات المنسوبة له أنه كان كثير الحركة والعمل يساعد المحتاج، ويطعم الجائع، وينصر المظلوم، ويستسقي به الناس أثناء القحط والجفاف، وكان ذلك حلما من الشيخ إذ أن الروايات تجعل أهل مراكش (الأولياء الفقهاء على السواء) يسيئون إليه، ويعتبرونه ملامتيا، أو كافرا أو ساحرا، وقليلون هم الذين أحسنوا الظن به[13].
وفي هذه الفترة كذلك…، فقد أعطاه المنصور دارا بأحواز جامع الكتبيين (فندق مقبل بحي اكدير)، فتزوج وأنجب عدة أولاد ذكورا وإناثا[14] ورد ذكرهم في عدد من كراماته[15].
وكان السبتي يدرس اللغة والحساب بالمدرسة التي حبسها عليه المنصور بحي أكادير، إلا أننا لا نعرف شيئا عن الكتب المدروسة وطريقة التدريس. ولا أسماء تلامذته، كل ما وصلنا هو اجتماعهم في الليل وارتفاع أصواتهم بالمذاكرة، الشيء الذي جر عليهم أحيانا غضب حراس الليل[16]. وتوزيع أجرته على المحتاجين من الطلبة، وتحضير الطعام لهم[17].


الهوامـش
[1] التشوف، ص ص: 195-205.
[2] إظهار الكمال، ص: 157.
[3] المصدر السابق، ص: 160.
[4] السعادة الأبدية، 1 /116.
[5] وردت في أخبار أبي العباس لابن الزيات وتعطير الأنفاس…
[6] تعطير الأنفاس، ص ص: 12-30-31.
[7] المصدر السابق، ص: 32.
[8] نفسه، ص ص: 23-24.
[9] بهجة الناظرين للزموري، ص: 119. مخطوطة خاصة، وتعطير الأنفاس، ص ص: 7-8.
[10] نفس المصدرين السابقين بنفس الصفحات.
[11] إظهار الكمال، ص ص: 155-156. رواها عن روض الرياحين في حكايات الصالحين.
[12] المعجب، ص: 278.
[13] إظهار الكمال، ص: 18.
[14] تعطير الأنفاس، ص ص: 26-36.
[15] تعطير الأنفاس، 35-36-45-46-73. والإعلام، 4/ 330. ذكرت له الأخبار حفيدا هو أبو زكرياء، كان حاضرا يوم احتضار الشيخ: أخبار أبي العباس، ص: 8.
[16] أخبار أبي العباس، ص: 3. وتعطير الأنفاس، ص: 26.
[17] بحوث في التصوف المغربي، حسن جلاب، ص ص: 36-41.
من أشهر تلامذته
– أبو يعقوب يوسف بن الحسن الأنصاري المعروف بابن الحكيم (ت606هـ)، قيل إنه كان كثير التأسف والتلهف على شيخه حتى مات بحبه[1].
– أبو بكر بن مساعد بن محمد اللمطي، لازم أبا العباس مدة طويلة، وقد لقيه ابن الزيات وأخذ عنه كثيرا من أخبار السبتي وكراماته[2].
صفاتـه
حدثنا الزموري بتفصيل عن صفاته الخلقية (بفتح الخاء) في خبر اتصاله بأبي يعقوب بن أمغار: “… جميل الصورة، بديع الجمال، أبيض اللون…)[3].
وتطنب المصادر في الحديث عن صفاته الخلقية (بضم الخاء) أهمها:
بسطة اللسان والقدرة على المجادلة والكلام، لا يناظره أحد إلا غلبه. وكان سريع الجواب، كان القرآن ومواقع الحجج على طرف لسانه…
يأتيه من يأتيه للإنكار عليه، فما ينصرف إلا وقد سلم له وانقاد لقوله. وهي صفة يحتاج إليها صاحب مذهب كأبي العباس.
مذهبه
يرتفع سند أبي العباس في الطريقة إلى الأقطاب الثلاثة: الغزالي، وأبي يعزى، والجيلاني، وذلك حسب الأسانيد التالية:
عن أبي عبد الله الفخار شيخه بسبتة، عن القاضي عياض، عن أبي بكر بن العربي.
عن أبي عبد الله الفخار، عن القاضي عياض، عن أبي بكر بن العربي، عن أبي يعزى[4].
السند الثالث: عن أبي عبد الله الفخار، عن القاضي عياض، عن أبي علي الصدفي، عن عبد القادر الجيلاني[5].
ومع أخذه عن هؤلاء الشيوخ يبقى مذهبه القائم على الصدقة متميزا: فأبو يعزى وأن اشتهر بتوزيع تسعة أعشار من زرعه والاكتفاء بالعشر[6]. فإن الأمر لم يصبح عنده مذهبا ينظر له، وينذر حياته لتطبيقه.
وترجع الروايات جذور هذا المذهب إلى طفولة أبي العباس عندما سأل شيخه الفخار عن معنى قوله تعالى: ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان﴾، واكتملت معالمه أثناء خلوته الطويلة في جبل جليز حيث كان كثير التدبر في القرآن الكريم والعبادات، وهكذا فإنه يرد أصول الشرع إلى الصدقة:
– فالتكبير للصلاة معناه التخلي عن كل شيء، وعدم الضن على الله بشيء، والركوع معناه المشاطرة.
– والمعنى الحقيقي للصوم الشعور بالجوع للتصدق والعطاء.
– والزكاة فرضت كل سنة لتعويد الناس على البذل والعطاء في كافة أيام السنة.
– والحج معناه التجرد من كل شيء، والبذل لله وإظهار العبودية.
– وسر الجهاد بذل النفس في مرضاة الله، وترك التعلق بأسباب الدنيا[7].
ولاحظ أن كثيرا من الآيات والأحاديث[8] تحض على الصدقة وتدعو إليها، ومن أكثرها ورودا على لسانه وقلبه – كما قال- والتي يفسر بها مذهبه، هي قوله تعالى: ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان﴾:
– فالعدل عنده المشاطرة، وقد علم الرسول المسلمين مفهومها عندما آخى بين المهاجرين والأنصار، وشاطر الأنصار المهاجرين. فعقد السبتي مع الله ألا يأتيه شيء إلا شاطره إخوانه المؤمنين من الفقراء، فسار على ذلك عشرين سنة، يتصدق بنصف ما يملك (من سنة أربعين إلى ستين وخمسمائة).
– بعد ذلك عاد للتدبر في الآية. فوجد أن العدل هو الشطر، وأن الإحسان ما زاد عليه، إذن فالإحسان هو المشاطرة والإيثار، أي إعطاء النصف، مع إيثار المحتاج ومساعدته من النصف الثاني.
فعقد مع الله عقدا آخر يمسك بمقتضاه الثلث، ويتصدق بالثلثين، فعمل بذلك مدة عشرين سنة أخرى، (من ستين إلى ثمانين وخمسمائة).
وقد أدرك أبو العباس مكانة بسبب ذلك، وإليها أشار أبو بكر بن العربي عندما قال في الفتوحات المكية: “دخلت مراكش، فوجدت أبا العباس السبتي يولي ويعزل، ويخفض ويرفع، ويعطي ويمنع، فتمنيت هذا المقام”[9].
ولم يقف أبو العباس عند هذا القدر، فأراد تجاوز مقام الإحسان بشكر النعمة، فقسم ما يأتيه إلى سبعة أقسام: قسم هو حق النفس، وقسم حق الزوجة والأولاد ومن تجب نفقته، (كان عددهم 32 شخصا)، ويصرف الباقي لمستحقيه فأقام على ذلك أربع عشرة سنة، فصار بمقتضاه مجاب الدعاء[10].
وبلغت درجة الاستجابة حدا جعل القدماء يقولون لا يمكن لأي مخلوق أن يساوي عبادة الحسن البصري، وزهد داوود الطائي، ومعارف أبي مدين، وهمة أبي العباس السبتي، أي أنه كانت له همة عالية تنفعل لها الأشياء على مقتضى مراده بقدرة الله تعالى[11]، كما أخبر بذلك عن نفسه في مثل قوله: “احكم بالخاطر، وكل ما أردته كان”[12]، وفي حديث مروي عن أبي الحسن علي بن زكرياء أنه قال: “سمعت أبا العباس يقول: أنا هو القطب”[13].
وقد سمع ابن رشد بمذهب أبي العباس فأرسل أبا القاسم عبد الرحمان بن إبراهيم الخزرجي من قرطبة ليأتيه بخبره، ولما أعلمه بما رآه وسمعه أثناء مقامه مع السبتي، قال ابن رشد: “هذا رجل مذهبه أن الوجود ينفعل بالجود”[14]، أي أن الصدقة تعاقد بين الخالق والمخلوق نتائجه مضمونة[15].


الهـوامـش
[1] التشوف، ص: 417. السعادة الأبدية، 1/ 118-119.
[2] الإعلام، 1/ 406.
[3] بهجة الناظرين للزموري، 119.
[4] تعطير الأنفاس، ص: 13. إظهار الكمال، ص ص: 157-173.
[5] تعطير الأنفاس، ص: 13. إظهار الكمال، ص ص: 157-173.
[6] إظهار الكمال، ص ص: 172-173.
[7] أخبار أبي العباس، ص: 2. تعطير الأنفاس، 12-13-18.
[8] منها: ﴿فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى﴾.
[9] الفتوحات المكية، 3/ 386.
[10] أخبار أبي العباس، 2-7-17. إظهار الكمال، ص: 125.
[11] تعطير الأنفاس، ص: 23.
[12] إظهار الكمال، ص: 166.
[13] تعطير الأنفاس، ص: 22.
[14] أخبار أبي العباس، ص: 2. تعطير الأنفاس، ص: 18.
[15] بحوث في التصوف المغربي، حسن جلاب، ص ص: 42 -45.


الهواري الحسين

منقول بتصرف عن رابطة علماء المغرب و مواقع أخرى







تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...