جان ميشيل مولبوا - الأزرق وسواه "مختارات"... النقل عن الفرنسية مع التقديم: إبراهيم محمود


Jean-Michel Maulpoix
تقديم
أتحدث عن الجامع بين الحسنيين في اللغة: الشعر والنثر، عن الرافع لمفهوم " البرزخ " الذي يقال، كما يقال فيه الكثير، جهة الفصل بين عالمين، واقعتين، حيث لا يعود الشعر يتعالى على النثر، بعلامته الفارقة جهة المميَّز فيه فنياً وأدائياً، ولا النثر يسعى جاهداً إلى تأكيد " كينونته " داخل اللغة، على أنه بدوره لا يحتاج مرافعة لإثبات جدارته في التعبير عن أي شيء، وأنه ليس " ابن سبعة " إذا كان الشعر " ابن تسعة "، إنما هما توأما اللغة، ويسهل مزجهما معاً، كونها من الرحم عينه " اللغة " ومهارة الكاتب هي التي تنوّه إلى ذلك.
أتحدث عن الموائم بين الحسنيين، الكاتب والباحث والناقد والشاعر الفرنسي : جان ميشيل مولبوا " 1952 " حيث نشرت له مقالاً مترجماً " الغنائية النقدية "، وهأنذا أحاول تقديمه في مختارات مما كتب، وللقارىء أن يتحرك حدود الوصل والفصل بين الشعري والنثري، مركّزاً على مدى اعتناقه الذوقي للأزرق، وهو ما عرِف به كثيراً في استخداماته، وتنوع حقوله في مأثرته الكتابية، كتابه: تاريخ الأزرق UNE HISTOIRE DE BLEU، كما لو أن رهانه يقول: إذا أردت معرفة روعة القول أو المسطور، فإليك بزئبق المعنى وتحركه: الأزرق، وكما قال فيه أحدهم:
( الشيء الوحيد الذي جذبني على الفور إلى شعر جان ميشيل مولبوا هو أنه شاعر أزرق. كشخص عاش دائمًا بالقرب من البحر، لا يمكنني أن أكون غير مبالٍ به. صبغ هذا اللون العديد من أعماله، حتى لو، هنا وهناك، كما هو الحال في لوحة لميرو، ستجد بعض اللمسات من اللون الأحمر والأسود. إنه لون السماء، لون البحر، لون "الروح بعد أن تتعرى الجسد". إنه "رنين خاص للهواء"، "كومة من الوضوح، صبغة تتولد من الفراغ المضاف إلى الفراغ، متغيرة وشفافة في رأس الإنسان كما في السماء"..)
وما حاولته في ها التقديم هو نقل مختارات من نصوصه بادئاً بـ" لون القصيدة " حيث الدلالة جلية، ثم إيراد نصوص ، أغلبيتها ترتد إلى اللون" الأزرق في الواجهة "، وربما أمكنني القول أن قارىء هذه النصوص، لن يشعر أنه مقيم بين الأرض والسماء، وإنما حيث تلتقي الأرض والسماء فيه، بالطريقة هذه يشعر أنه مسكون بالحسنتين هنا، ويمكنه الرؤية أبعد وأبعد مما كان يراه،أو ما كان يعيشه في داخله. ليولي اهتماماً أكبر بالأزرق، ليستشعر سخونة النار في بارده، ومن خلال جملة صور مرفقة بالنصوص، تصطحب معها أزرقها المتعدد المراتب:

لون القصيدة (جان ميشيل مولبوا)


لون القصيدة
لون القصيدة يعتمد على كمية الضوء
الذي يتردد في حبره.
يتغير حسب الوقت والعمر واللغة.
عديم اللون في البداية، عندما لا يزال مجرد طموح غامض.
من بياض صفحة فارغة، يتجه نحو الرمادي وهي تحلم بحبرها القادم.
الفجر غير حاسم على الورق. مثل هذا الضباب أو الدخان يتصاعد.
ومع ذلك، تتم إزالته في أغلب الأحيان نحو الأزرق،
تتزايد سماؤه ومياهه، لتكشف على الصفحة فكرة غامضة عن الأزرق.
أسود، إذا لم يخرجه شيء من نفسه، أسير أنه يبقى من العلامات.
الأحمر، عندما يتسارع، يحمى، يدور وينبض.
يتلألأ الذهب هنا وهناك في باليه الأوراق الميتة.
أخضر في أيار أمام الشجرة، أبيض في كانون الأول تحت الثلج،
ولكن ذات لون غير واضح عندما يميل إليها وجه محبوب.
(جان ميشيل مولبوا)
رسم توضيحي: شارلإدواردبيروجيني
*-LA COULEUR DU POÈME (Jean-Michel Maulpoix)


***

اللون الأزرق لا يصدر أي ضجيج *

هوذا لون خجول، بلا فكر أو نذير أو مشروع، لا يهاجم العين فجأة كالأصفر أو الأحمر، بل يجذبها إلى نفسه، يروضها رويداً رويداً، يتركها تأتي دون أن تضغط عليه، حتى أنه يغرق فيها ويغرق دون أن يدرك أي شيء.
اللون الأزرق لونٌ يساعد على الاختفاء.
لون يموت فيه، لون يخلص، لون الروح ذاته بعد أن تجردت من الجسد، بعد أن فاضت كل الدماء والأحشاء، وأفرغت الجيوب بكل أنواعها، وحركت أثاث المنزل. أفكاره مرة واحدة وإلى الأبد.
إلى أجل غير مسمى، يهرب الأزرق.
إنه ليس لونًا، في الحقيقة. بالأحرى نغمة، مناخ، صدى خاص للهواء. كومة من الوضوح، لون ينشأ من الفراغ المضاف إلى الفراغ، المتغير والشفاف في رأس الإنسان كما في السماء.
الهواء الذي نتنفسه، ومظهر الفراغ الذي تتحرك عليه شخصياتنا، والفضاء الذي نعبره ليس سوى هذا اللون الأزرق الأرضي، غير المرئي لأنه قريب ومتحد معنا، ويغطي إيماءاتنا وأصواتنا. حاضر حتى في غرفة النوم، كل المصاريع مغلقة وجميع المصابيح مطفأة، ثوب حياتنا غير المحسوس.
ج. م. مولبوا: تاريخ الأزرق
*-Le bleu ne fait pas de bruit
***

تاريخ الأزرق...
إلى أجل غير مسمى، يهرب الأزرق.


إنه ليس لونًا، في الحقيقة. بالأحرى نغمة، مناخ، صدى خاص للهواء. كومة من الوضوح، لون ينشأ من الفراغ المضاف إلى الفراغ، المتغير والشفاف في رأس الإنسان كما في السماء.
الهواء الذي نتنفسه، ومظهر الفراغ الذي تتحرك عليه شخصياتنا، والفضاء الذي نعبره ليس سوى هذا الأزرق الأرضي، غير المرئي لأنه قريب ومتحد معنا، ويغطي إيماءاتنا وأصواتنا. حاضر حتى في غرفة النوم، كل المصاريع مغلقة وجميع المصابيح مطفأة، ثوب حياتنا غير المحسوس.
***
تاريخ الأزرق...
وعندما خلعت ثوبها صمت الرجل*.



هوذا ينظر إلى جسد الوهمالأزرق إلى الأبد من الوهم والرغبة. يستمع إلى شكواه متضخمة: الكثير من الجمال مقابل لا شيء. السماء والبحر، اليوم، من الجسد نفسه. ربما يكون الأفق هو الخط الفاصل بين الروح. إن الإنسان يزن بثمنه الكارثة التي تبقيه مشدوداً إلى أحلامه، بعض الرغوة عند الفم، في الفضاء بين الأزرق والأزرق السماوي.
ومع ذلك فهي لا تخلع ملابسها أبدًا. إنها توافق فقط على فك شعرها، ذو اللون الأرجواني، كما يقال، مثل خصلات الشعر التي تظل أصابع الرجل متشابكة فيها. إنه جسد امرأة يدور حول فكرة الموت، إلا إذا كان جلد ملاك، صوت، يد، قطرتان من الدم سقطتا سابقًا من معصم طفل، بقعة حبر زرقاء تتفتح على الورق، السماء المفقودة قليلاً، الحلم القديم لروح ضائعة في لحم البحر الأزرق النائم.
*-Quandelledéfaitsa robe, l'homme se tait.


***

تاريخ الأزرق...



لا تخف من إنفاق المال.
عندما تمزق منه فقط الخرق، عليك أن تكتب كما لو كان عليك تصفية البحر، كل ما تبقى لك هو الكلمات: انطلق إلى هجمة هذا اللون الأزرق.
يجب عليك الركض مرة أخرى في ركاب البحر.
والأمر متروك لك لتغيير لونه، مثل إعادة تلوين السماء من وقت لآخر، وإلباس أشباحها ملابس جديدة. لكي تديم نفسها، تحتاج غير المرئي إلى أرقام. اللانهاية متعطشة للأشكال.
الأزرق لا يتشكل إلا على حوافه حيث يلتقي البحر المفتوح والشاطئ، حيث تغرق النظرة الجميلة والدقيقة والزرقاء لقصيدتك: البحر هو المحبرة العظيمة غير القابلة للتدمير.

JEAN-MICHEL MAULPOIX
***


النساء ذوات العيون السوداء لديهننظرة زرقاء.
الأزرق لون النظرة، وداخل الروح والفكر، والانتظار، والحلم والنوم.
نحب مزج كل الألوان في لون واحد. مع الريح، البحر، الثلج، اللون الوردي الناعم جدًا للبشرة، أحمر الشفاه من الضحك، دوائر الأرق البيضاء حول خضرة العيون، والذهبي الباهت للأوراق المتقشرة، نصنع اللون الأزرق.
نحلم بأرض زرقاء، أرض مستديرة ملونة، جديدة كاليوم الأول، منحنية كجسد المرأة.
لقد اعتدنا على عدم الرؤية بوضوح في اللانهائي، والانتظار طويلاً على حافة اللامرئي. نحن نحول تنافرات حياتنا إلى موسيقى. هذا اللون الأزرق الذي يكسو قلوبنا يحررنا من حالة العرج. في ساعات الحزن ننشره كالبلسم على محدوديتنا. ولهذا نحب صوت التشيلو وأمسيات الصيف: ما يهزنا وينومنا. عندما يأتي اليوم، فإن وهم الحب سيغلق أعيننا.
*-Les femmes aux yeux noirs ont le regard bleu

***

تاريخ الأزرق...



لكن الليل كان قد كشف بالفعل عن مخمله. كانت أسراب من النحل عائدة من البحر، وقد التصق القليل من اللون الأزرق بأرجلها.

(...)
هذا الرجل يحمل طفلاً، ليس على طريقة المرأة التي استدارت بطنها وتشعر بحياة دافئة ورقيقة تتحرك داخلها بحركات مميزة بالفعل وتعرف أنه قريبًا سيكون عليها أن تراقب أنفاسها. ويصرخ. يحمل هذا الرجل ثقل ذكرى الطفل الذي كان، والذي، على الرغم من عمله على مدى سنوات عديدة، لم يتمكن من ولادته. إنه يحمل في جسده المسن هذا النوع من المشاريع أو البداية التي بقي عليها والتي لا يعرف شيئًا ليفعلها الآن. هذا الطفل لا يستمع إليه، ولا يطيعه، ولا يريد أن يفهم أي شيء عن قوانين هنا أدناه، ويدعي دائمًا زرقة السماء السليمة، ويبقى هذا الطفل في الصلاة، راكعًا خلف عينيه. الطفل: هذا القلب ينتظر حقه، وهذا الوعد ينتظر الوفاء. أليس هذا الطفل الذي يوبخه أو يشتكي منه هو الذي يقال عنه أنه ولد ذات مرة على القش ليضع حداً لبؤس العالم، ولكن لا شيء على وجه الأرض يسمح لنا أن نصدقه؟ أنه ولد من أي وقت مضى؟

(...)

تاريخ الأزرق
نحو الأفق سيسير طويلاً، تحت محراب السماء المحصنة، لكهنوت البحر العظيم وقداسه من الطحالب الداكنة.
في البازيليكا المرجانية، تحني اللانهاية ركبتيها أحيانًا.
هوذا الموطن غير المؤكد للآلهة، كوخهم، مقصورة الرياح الخاصة بهم، ولعبتهم الحديدية حيث يعلقون الغسيل لأردائهم البيضاء.
يستمع البحر بأذنه إلى نوم السماء المضطرب، ويهز قليلاً ذكرى الصلوات القديمة التي ضاعت كلماتها منذ زمن طويل، بعيدًا في مكان ما بعيدًا عن الشاطئ، في أعماق أدمغة الملائكة.
لا تزال هناك قطعة من التوت بالقرب من بوابة المقبرة.

***
تاريخ الأزرق...



الحب، كما تقول، هو الكلمات. أنت تصنع الجمل: سوف تموت وأنت تصنع الجمل.
أنت تتكلم وكأنك تتنفس. أنت تصنع الكلمات بالهواء نفسه ذاك الذي تتنفسه. ولكنك ترغب في معرفة السبب. ما المسارات التي تتبعها لغة الفكر إلى الصوت؟ هل الأسماء العزيزة مجرد مادة كيميائية في الرأس؟ عبارة الكهرباء؟ ومن يمزج إذن هذه الصبغات التي تجعلك أزرق من بين كل الألوان؟ هل لديك شواطئ ومدن ضخمة وجبال خلف عينيك؟ مجموعة من الوجوه الحبيبة؟ هل الكلمات جلد أفكارك أم لحمها؟ ومن أين يتدفق هذا الدم؟ ما الناس مجتمعون فيك؟ لأي خطب وأي أعمال؟ وفق أي قوانين؟ هل هذاتاريخك: هذه الحشود الصاخبة تحت جبهتك؟ عدد سكان الطرق الخاصة بك؟ مجموع كل الجمل التي قلتها منذ ولادتك؟ الكلمات سمعت، والقواعد المستفادة؟ أي نوع من الكلام أو القصيدة أنت؟ هناك أصوات كثيرة بداخلك تتجادل. من سيكتب الكتاب؟
لتغنيها ستحتاج إلى رئتي الطيور. قطع ريشة للطيران، وليس لخدش الورق. ومع ذلك، لا يمكنك إلا أن تواجه الأمر وتسأل نفسك... ما تبحث عنه، تحمله، لكنك لن تتمكن أبدًا من الوصول إليه. تبقى في داخلك مناطق من الغياب والرمادي. أقسام كاملة من الدموع. حياتك ليس لها مركز آخر غير أسئلتها. تحسب الصباحات والأمسيات، وتتفرق بالكلمات. صوتك هو أيضا على مدار الساعة.

ماذا تفعل الكلمات عندما تنام؟ هل تتجولأخيرًاطليقة في رأسك، دون الاهتمام بالجمل الصحيحة أو الأفكار الواضحة، وسرعان ما تترك طرقها المستعارة للسباحة بما يرضي قلوبها؟ هل تروي لبعضهابعضاً قصصًا غير لائقة؟ هل هيسعيدة بالالتقاء مرة أخرى، وتحية بعضهم بعضاً، وتقبيل بعضهابعضاً، واحتضان بعضها بعضاً في بعض الخلوة الهادئة أثناء نومك؟ هل تسخر منك أم تشفق عليك؟ هل تشفق على رغباتك أم تنجح في إشباعها بهدوء بكل النوايا الطيبة التي تستطيع تحقيقها؟ هل هي في حالة حرب؟ هل تحشد الجيوش؟ هل تقتل بعضهابعضاً حتى يوقظك كابوسها؟ هل تكرر الجملة نفسها إلى ما لا نهاية، تلك الجملة التي كنت تبحث عنها دائمًا إنما لم تتمكن من كتابتها؟ هل تضبط ساعاتها على وقت اختفائك؟ ما المحادثة هي نومك؟ مع الملائكة، أو الراحلين، أو أولئك الذين سوف ينامون من بعدك، أولئك الذين يبدو أنك أتيت إلى العالم من أجلهم ولكنك لم تقابلهم أبدًا؟ هل تتحدث في المستقبل أم الحاضر أم النقص؟ هل لديك طفل؟ هل تلد نفسك أم تخرج على أطراف أصابعك؟ هل تحتضن ألمك؟ هل تعرف فرحتك؟

***
مثل الورقة، السماء تمطر*

تتحول إلى الأزرق. لقد ضاعت معالمها، وتضاءلت إلى عدم وجود. لا يمكنها إلا أن تغوص في نفسها إلى أجل غير مسمى، غير قادرة على معرفة نفسها أو الإعجاب بنفسها. بعد أن أنهكها جهلها، تحولت السماء إلى الأزرق من التعب. لونها هو طريقته الخاصة في اليأس، نقي تمامًا فوق الفساتين الخفيفة والضحك. ولا يتتبع ما يمر عبره. ولا يمكن رؤية أي ندبات بالعين المجردة، باستثناء شرائط الدخان التي تتناثر تدريجياً من المصانع والطائرات. ينسى. ومع ذلك فإن هذا الأزرق هو الذاكرة. وهذا هو السبب الوحيد لوجودها. إنه لا يعرف بالضبط ما يتذكره، أو حتى إذا كان له شكل واسم. لكنه يراقب هذه الذاكرة. وبعناد هادئ، يحدق في الفراغ البعيد. لم ينته من اليوم الأول.
*Comme un linge, le cieltrempe.

***

سيأتي اليوم..*



"لم يعودوا هناك لحمايتي من الموت، ولحمل عبء الوقت على أكتافهم.

لم يعودوا هناك لحمايتي من نفسي.
أولاً وقبل كل شيء، الأمر يتعلق فقط بقبول هذا: ألا تحبك أبدًا مرة أخرى من قبل شخص ما كما كنت من قبل أمك. هذا النوع من الحب الذي كان الأول والأكثر ضرورة، لم يعد موجودًا؛ لم يعد بإمكاننا انتظاره؛ لا يمكنه العودة أبدًا.

...
سأترك ورائي أكاليل من الخشخاش ذات بتلات هشة توضع على رؤوس الأطفال، وأقحوانات وزهور الذرة في قلب الصيف، وعشبًا مقصوصًا، والعديد من الفراشات والأوراق الصغيرة المطوية في أربع، ودلاء في علب مليئة بالتوت الأسود عندما يأتي الخريف بالفعل، من صناديق التفاح، من الفطر، من الضحك، من الهم والبدايات، من الضباب والروائح القوية للأوراق الميتة التي تصنع سجادة تجر عليها الأقدام

سأبحث عن قلبي في قلب الليل: ألا يجب أن نمر بهذا حتى يحظى النهار بفرصة أن يشرق من ظله؟
سأعبر العديد من أنهار الحبر حسب الضرورة. وسأذهب بعيدًا في الثلج، مع حقيبتي الجلدية، وريشتي الذهبية، ودفاتري المدرسية القديمة.
...
عندما تتجمد الساعات، عندما يتوقف قلب الزمن عن النبض، لن نعود نريد أن نحسب حياتنا بالسنوات أو الأيام، بل في القصائد، في فصول النثر، في الخرافات، في الاعترافات، في الذكريات، ونخرج بطريقة كبيرة، جديدة على الورق، مجموعة من الضحك والإيماءات الرقيقة والقبلات...
...
لقد أُعطي لنا الحضور، وهو فرح يمكن أن يكون كافيًا: أن نكون هناك، بمفردنا أو مع الآخرين، في هذا العالم، مرة واحدة فقط، ونُبقيه حيًا بأنفاسنا! لكنك لا تزال بحاجة إلى كل كلمات اللغة للتعبير عن محتواها. ليتحول إلى صوت، إلى أغنية ربما، نفس حياتنا. قل، قل ذلك مرة أخرى، بمزيد من القوة والدقة.
*-LE JOUR VENU

***

يقف أحدنا بجانب البحر أحياناً *



يبقى هناك لفترة طويلة، محدقًا في اللون الأزرق، دونما حراك متيبسًا كما في الكنيسة، لا يعرف شيئًا عما يثقل كاهله ويعوقه، ضعيفًا جدًا، مذهولًا من البحر المفتوح. ربما يتذكر ما لم يحدث قط. يسبح خلال حياته الخاصة. إنه يشعر بملامحها. يستكشف مسافاته. يترك البحر ينفتح في داخله، فينمو إلى حد رغبته، ويقرع مثل عصا إنسان أعمى، ويقوده دون عجلة إلى حيث السماء وحدها لها الكلمة الأخيرة، حيث لا يستطيع أحد أن يقول أي شيء بعد الآن، حيث لا خصلة. من العشب، لا تنمو أي فكرة، حيث يصدر الرأس صوتًا أجوف بعد أن بصق روحه.
L'und'entre nous parfois se tientdeboutprès de la mer
**
تاريخ الأزرق
(...)
في القلب أزرق، في الروح أزرق،
الأزرق الشديد لزهرة الذرة والذي أصبح نادرًا جدًا،
الأزرق الرمادي لسمائنا الشمالية.
اللون الذي يأتي في اختلافات لا نهاية لها.
حافي القدمين يمضيفي ركاب الأزرق.
نحو الأفق سيسير طويلاً، تحت محراب السماء المحصنة، لكهنوت البحر العظيم وقداسه من الطحالب الداكنة.
في البازيليكا المرجانية، تحني اللانهاية ركبتيها أحيانًا.
هوذا الموطن غير المؤكد للآلهة، كوخهم، مقصورة الرياح الخاصة بهم، ولعبتهم الحديدية حيث يعلقون الغسيل لأردائهم البيضاء.
يستمع البحر بأذنه إلى نوم السماء المضطرب، ويهز قليلاً ذكرى الصلوات القديمة التي ضاعت كلماتها منذ زمن طويل، بعيدًا في مكان ما بعيدًا عن الشاطئ، في أعماق أدمغة الملائكة.

***

تاريخ الأزرق...



حلمت كثيرًا بالعثور على شجرة كانت لي، متجذّرة في قطعة من العشب. حلمت بالظل الهادئ لأوراق الشجر التي تتحرك ببطء: البقاء هناك، والجلوس لفترة من الوقت، وظهرك يضغط على الجذع. شجرة لعدم وجود منزل خاص بها. شجرة واحدة تقف وحدها أمامها، متكئة على اللحاء، في مواجهة الأفق الواسع المفتوح، والطريق، والمسار، والزمن. تلتحم الفقرات بالظلام الصلب لهذا الجذع حيث تنمو الحياة بعناد. في الأعلى، النور، المضطرب والرنان: سماءها الخضراء الحية.

جذوري الوحيدة هي الورق: الكتب، والصفحات المتراكمة، والرسائل التي لا أستطيع التخلص منها، والطوابع المقطوعة المجمعة في الصناديق. من شجرتي، لا يوجد سوى أوراق الشجر، أوراق لأغاني ينطقها الآخرون: تهبط، ثم تطير بعيدًا، لها ريش مبهج وتبني أعشاشًا عالية جدًا.


**
التنزه*



التنزُّه ليس ببلاغة مثل الرحلة. يكفيها الهمس، ولهذا تحب التنزه على طول الجداول كثيرًا. منتبهة، تستمع ولا تتكلم إلا بصعوبة. مشيتها خفيفة، وتنفسها منتظم، ولا شيء يزعج أنفاسها. إذا كان قلبها ينبض بشكل أسرع في بعض الأحيان، فهذا ليس لأنها متسرعة، ولكن لأنها واقفة بلا حراك. في مكان قريب، قفز العالم: تحليق طائر يرتجف في أوراق الشجر، شعاع ضوء الشمس أو هبوب رياح، ضربة حب، رصاصة الرحمة...المشي يحب المفاجآت، قطع الورق المجعدة هذه التي عليها مغامرات غريبة مكتوبة.
كما يحب التنزه الصمت والقصص. عندما نضع أقدامنا على الأرض، نجعلها تحلم. ولكن بما أن العالم ليس حديقة كبيرة حقًا، فهناك مساحات طويلة من المساحة البيضاء بين اللقاءات. هناك الكثير من الانتظار في وقت قصير أكثر من الاكتشافات، وربما حان الوقت لتتسع عيناك.
التنزه كلمة بسيطة حيث تكون الرغبة واضحة. هواؤها مفعم بالحيوية. ولهذا فإن الفجر هو أفضل وقت للخطوات والكلمات. لا يتعلق الأمر أبدًا بالتنزه أو الكتابة دون معرفة إلى أين أنت ذاهب. عندما تكون هناك، تمشي أثناء نومك وحساسًا، تتجه راحتا يديك نحو الطريق الذي تخترعه. لم يتبق سوى القليل ليقال وسط الكثير من الظل.
*-La promenade
ملاحظة من المترجم: العنوان من وضعي.

***

راقصة الحبل، صورة للشاعر الحائر...*



يتقدم في اللغة بيده، فيحرك القلم ويصر على الورقة، فهذه هي الكتابة.
ماذا يوجد في اليد التي ترسم خطوطًا، إن لم يكن، خطوطًا: الحياة، القلب، الحظ، كما يقولون... ماذا يفعل الشاعر الذي يكتب، إن لم يضع على البياض بصمة هذه الخطوط، إلى حد التوقيع على نص هويته؟ إنه مصير (خط الحياة)، وكلمة مقدرة (خط القلب من الصوت "الممتد نحو الآخر").
"لا أفرق بين القصيدة والمصافحة" حيث كتب بول سيلان. ما معنى قراءة قصيدة، إن لم يكن رؤية خطوط الحياة والقلب وذكاء المصير المقدر لنا. لحظة تقاسم المصير، هكذا هي القراءة، فالشاعر يتكلم «بزاوية ميل وجوده». ميل الخاص نحو الآخر: هو ما يواجهه كل إنسان في داخله، وهو ما يقوم الشاعر بوظيفة التحرك خارجه. لا هو ولا قصيدته موجهان إلى أحد بعينه، بل إلى "لا يد أحد"، أي أحد. مثل زجاجة ألقيت في البحر، القصيدة موجهة لمن يجدها. لذا فإن هذا الشاعر الذي هو الشاعر (يجد الكلمات والحيل والأشكال) لديه محاور مجهول، هذا الشاعر المتجول الذي هو قارئه عندما يكتشف هذا الأخير ويرحب به ويتعرف عليه ويمتلك بدوره هذه الكلمة الإلهية التي تتمثل خصوصيتها على وجه التحديد في انتظار أن تكون وجدت من أجل الوجود.
*-LE DANSEUR DE CORDE, PORTRAIT DU POETE EN FUNAMBULE
***


غريزة السماء....*



"الحب يعانق الجسد نفسه، هذه الهشاشة التي تشددها القصيدة بالكلمات. حيث نريد أن نذهب للشرب ومحاولة رسم القليل من الشفافية، أليس من البئر الذي لا نهاية له الذي نعيش حوله، أي نوع من الحياة هو؟ من أي شيء آخر له اسم، بالأحرى، ذلك الاسم الذي لا يمكن فكه، والذي منه تأتي كل الأسماء، بئر الرغبة، بئر المحدودية ولغزها اللامتناهي.
*-L'INSTINCT DE CIEL
***

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...