من يريق دماء الإبداع؟
من سرقة الشعر والرواية إلى السطو على النقد.. السرقات الأدبية.. مسلسل لا ينتهي
قوانين الملكية الفكرية هل تحمي المبدعين؟
تقرير_ سمية عبدالمنعم
شعور قميء جدا، ذلك الذي ينتابني إذا ما طالعت خبرا أو تحقيقا صحفيا أو حتى منشورا يُكشف فيه عن سطو أحد لصوص الفكر على رواية أو قصيدة أو مقال لأحدهم، فما بين سؤال يلح على عقلي وآخر يسكنني؛ أجدني حائرة: ترى كيف يجد ذلك "اللص" الجرأة الكافية لسرقة نص كامل ليخط ببساطة متناهية اسمه عليه، ثم كيف يجد من الشجاعة والوقاحة في آن ما يواجه به العالم إذا ما تم كشف أمره الذي حتما هو مكشوف، فإن كانت السرقات الأدبية تكشف في عالم ما قبل التكنولوجيا وجوجل والإنترنت، فكيف الحال الآن ونحن بضغطة زر صغيرة يمكننا أن نحصل على التشابه بين ما يقع تحت أيدينا من نصوص، وبتواريخ نشرها أيضا؟ ترى أي جنيٍّ ذلك الذي يتملك لص الفكر حتى يمنحه كل ذلك الاطمئنان والأريحية والقدرة على المواجهة في عصر السوشيال ميديا والفيس بوك؟
أذكر أنني منذ عام كامل انتابتني رغبة مفاجئة في متابعة ما أنشر هنا في صفحة "أوراق ثقافية"، من تقارير وتحقيقات، على جوجل، لأصدم بسرقة كل تقاريري نصا دون تغيير حرف واحد من قبل أحد الصحفيين "الهواة" ونشره على موقع "خليجي" مذيلا باسمه في جرأة لا متناهية، حتى أن أحد التقارير تحدثت فيه عن إصداراتي من مجموعات قصصية ودواوين، وذكرياتي معها ومع أحد النقاد المشهورين وذكرت عناوين كتبي، والغريب أن اللص قام بنقل ما كتبته حرفيا "نسخ ولصق" دون حتى "غربلة" لما يمكن أن يكشف أمره، وهو ما يؤكد أن هذا النوع من السرقة يعتمد في معظمه على عدم قدرة القاريء على قراءة النص لنهايته، او أن لدى السارق ثقة عمياء في حاله، فما الذي يجعله يختار ما يسرقه ويترك غيره؟ إنه عمى وشهوة السرقة المحمومة.
غير أن عالم التكنولوجيا نفسه يعد سلاحا ماضيا بيد السارق، فقد أباح وأتاح المنتج الأدبي والفكري سهلا ميسرا بين يدي أي سارق، دون جهد يذكر منه.
وربما حِرت وحار غيري من النقاد والمهتمين بالشأن الثقافي حول وضع مفهوم واضح للسرقة الأدبية، أهي تعني سرقة نص كامل، أم جزء منه أم السطو على الفكرة وسوقها في إطار مغاير، أم ماذا؟
وربما أدرج البعض في مفهوم السرقة كلا من التضمين والاقتباس والمحاكاة والتحوير وعكس النظير والى غير ذلك.
غير أن ابن طباطبا في كتابه (عيار الشعر) عبّر عن السرقات بـ(المعاني المشتركة) لذا أباح للشاعر المحدث أن يستلهم أشعار المتقدّمين.
وإذا ما تبنينا مقولة الجاحظ "الأفكار مطروحة على قارعة الطريق"، حينها سنُخرج السطو على الفكرة من حيز السرقة، فتوارد الخواطر وارد ويحدث دوما، غير أن هناك أفكارا مركبة لا تقبل الورود على أكثر من عقل..
وهناك أسماء أخرى أطلقت على السرقة، منها: الانتحال، النقل، المسخ، الإغارة، الاحتذاء، الاجتلاب..
وقد قالها يوما الأخطل الذي اتُهم بالسرقة في عصره، حتى واتته الجرأة للاعتراف: (نحن معاشر الشعراء أسرق من الصاغة)، ليفتح أمام عيني ملفا حافلا من سرقات الأقدمين والمحدثين للشعر والنثر على حد سواء، فقد تخضبت أيديهم جميعا بدماء ما يسرقون، بدءا من شعراء الجاهلية والعصر الأموي والعباسي، فقد قيل إن زهير بن أبي سلمى- من أصحاب المعلّقات- كان يأخذ شعر قُراد بن حنشِ من شعراء غطفان وكان جيد الشعر، وهذا طرفة بن العبد وأوس بن حَجَر والمسيّب وزيد الخيل وابن أبي سلمى قد أخذوا من شعر امرئ القيس، بل هناك من شعراء الجاهلية كان شأنهم السطو وانتحال اشعار غيرهم لأنفسهم، والأمر ذاته يستوي في الشعراء الأمويين والعباسيين، حتى قيل إن الفرزدق كان إذا ما استحسن قول الشاعر صرخ به: (أنا أحق بهذا البيت منك...).
وفي عصرنا الحالي صرنا نسمع أصوات الصارخين من الأدباء والمفكرين الذين تم السطو على إبداعاتهم في وضح النهار، دون رقيب، ليدفعنا الأمر للتساؤل: ألا يستطيع قانون الملكية الفكرية حماية منتجنا الفكري من السرقة بتشريع حاسم وحازم؟
وقد أرقتني بشدة واقعة حدثت مؤخرا وأثارت ضجة عارمة على مواقع التواصل الاجتماعى، قامت بها "ناقدة" وشاعرة، وهي سورية الجنسية، حيث "حسب ما ورد عنها" سطت على مقالات نقدية لنقاد بارزين منهم الدكتور جابر عصفور، تتناول تلك المقالات نصوصا شهيرة لأدباء معاصرين، ونسبتها لنفسها، بل الغريب أنها أحالت المقال وأسقطته على نصوص أخرى ونسبته ببساطة لنفسها، والأمر مثير لعدة قضايا ليست فقط ضرورة حماية المنتج الفكري، وإنما لتلك الهوة والفجوة التي نكتشف وقوع النقد بها وعزفه بعيدا بعيدا عن القاريء والمبدع على حد سواء، للدرجة التي معها يمكن استخدام مقال نقدي كامل كتب في أحد النصوص وإسقاطه على نص آخر! ألتلك الدرجة نحن منفصلون عن أصول النقد الحق، ومغيبون؟
ومن أسفٍ أن ذلك ما يفعله بعض نقاد "الندوات" ممن لا يكلفون أنفسهم عناء قراءة النص، فقط هم يحفظون "أكلشيهات" محددة وعبارات وجملا بعينها يستخدمونها على أي نص مهما كان دون الخوض في تفاصيل النص وحيثيات النقد.
وعودة إلى تلك الواقعة التي نحن بصددها، فها هي الشاعرة والمترجمة السورية فاطما خضر، التي اكتشفت ما فعلته الناقدة رولا حسن، وقولها إنها "سرقت" مقالات نقدية كاملة، بل وأصدرت كتابا كاملا أسقطت خلاله تلك المقالات على نصوص أخرى لشاعرات سوريات وغيرهن.
وقد أعلنت فاطمة عن تلك الواقعة عبر منشور بصفحتها بالفيس بوك، وخلال تصريح منها للوفد، حيث قالت:
إن بداية اكتشافها الأمر كانت عندما أعدت رولا حسن كتاب "الموجة الجديدة في الشعر السوري"، الصادر عن دار كنعان، وكانت تنشر الدراسة عن شاعرة ما بصفحة الأيقونات السّورية ( The Syrian Icons )، وذات مرة نشرت دراسة عن آفين حمو مع قصيدتين لآفين، يومها تحدثت مع رولا على الماسنجر مؤكدة لها إن قصيدة آفين مسروقة بشكل شبه حرفي عن قصيدة أُنسي الحاج/أغار.... يومها تحدثت رولا مع آفين، وكتبت آفين على صفحتها تعديلا بنهاية القصيدة إنها كتبت تلك القصيدة متأثرة بالشاعر الكبير أنسي الحاج.
وعندما صدر الكتاب وأهدتني إياه رولا، فوجئت بوجود اسم آفين كثيرا بالكتاب، وتساءلت كيف وأن رولا ناقدة ولم تقم بحذف اسم آفين مباشرةً، فليس من المنطقي أن شاعرة تسرق قصيدة كاملة ويتم تكريمها بأنها إحدى الشاعرات اللائي يشكلن موجة شعرية جديدة.
وتتابع فاطما: ولأن حبل السرقة قصير، فقد بدأت رحلة بحث كانت سهلة بطريقة صادمة، باعتبار المسروق من قبل رولا أغلبه موجود على جوجل، باستثناء قلّة واردة بكتب نقد ورقية، وهنا اكتشفت الكارثة أن فعلًا أغلب ما ورد (إذا ما كان كله، ولسه ما اكتشفت باقي المصادر!) بكتاب (الموجة الجديدة في الشعر السوري/نص طازج وحساسية مختلفة) مُجمّع من عدّة مصادر، ومُجمّع من حلقات بحث لطلاب ماجستير في جامعات في الجزائر، ومقالات منشورة في مواقع ومجلات إلكترونية، وكُتب نقد صادرة في مصر والعراق، بطريقة نسخ لصق.
وأضافت فاطمة خضر، موضحة بالوثائق والصور مواضع السرقة بالكتاب، فيما يلي:
سأكتفي بنشر وثائق بتتعلق بالجزء الأول من مقدمة الكتاب ككل، ثم الدراسة المنشورة والمقرونة باسمي:
1- فيما يتعلّق بالجزء الأول من مقدمة كتاب رولا، فهي مسروقة حرفيًّا من مقدمة كتاب الكاتب والمفكّر جابر عصفور (وزير الثقافة المصرية الأسبق) عنوان الكتاب (في محبة الشعر) متوافر الكتاب pdf على غوغل.. (وأدرجت صور مقدمة رولا المسروقة والموثّقة بالكتاب الذي أصدر 2024 ... وما جاء في كتاب محبة الشعر لجابر عصفور الصادر عام 2009 عن الدار المصرية اللبنانية).
2- أمّا فيما يتعلق بالدراسة التي تدّعي رولا أنّها أعدتها عن قصائدي، فببالغ الأسى، أنعى إليكم أنّها قامت بسرقتها حرفيًّا من مقال منشور في مجلة نزوى، وللأسف الشديد إن المقال المنشور في نزوى عن شعر كلّ من أمجد ناصر ونوري الجراح.
وقارىء الشعر يعرف تمامًا من (أمجد ونوري).... فكيف استطاعت رولا أن تنسب دراسة عن عظيمين بقصيدة النثر، لقصائد شاعرة مازالت تخطو أولى خطواتها بطريق الشعر وهي أنا؟
واختتمت فاطما خضر، حديثها ومنشورها قائلة: والفكرة حتمًا ليست محاربة ناجح، الفكرة أن تلك سرقة وليست أي سرقة (حدا جوعان بده رغيف خبز ياكل مثلًا)، وإنما سرقة فكرية علنية... تسبّبت لي بإهانة وتنمر، وستسبب سخرية من جيل كامل من الشاعرات، لأن أي أحد يمكن أن يسخر من وهمهن بأن الدراسة الواردة بالكتاب عن قصائدهن.
والأمر ذاته أثاره الكاتب التونسي كمال الرياحي، قائلا عبر منشور بصفحته الشخصية بالفيس بوك:
عندما هاتفني صديق كاتب من مونتريال منذ يومين ليخبرني مشكورا بالسطو لم أهتم، قلت له اني غارق في مراجعة مخطوط لا أريد أن أفسد تركيزي بأخبار هؤلاء اللصوص وإن حبري صار مراقا وكل يوم يسطو عليه شخص، لكني بعد أن راجعت المقال المزعوم والمنتحل من مقالي وقرأت خبرا عن انتحالها كتابا برمته وجب أن نشهر بهذه الكارثة الباقية والتي تتمدد.
مقالي منشور بالجزيرة نت ومنشور في كتابي "فن الرواية" منذ 2018 في طبعة جزائرية وطبعة تونسية والطبعة الثالثة قريبا.
ويؤكد كمال قائلا: لذلك أطلب من موقع قناص هذا حذف مقالها المنتحل فورا ووجب مقاضاتها والتشهير بها فأكيد كل ما نشر تحت اسمها مسروق.
ويختتم الكاتب كامل رياحي بقوله، ما يصيبنا بالقهر انها سرقت مقالا عن صديق فجعنا جميعا بموته المفاجىء ومازلنا موجوعين بفراقه، وشاركت المقال المسروق في ملف حول الفقيد.
ليست تلك الواقعة هي الأولى ولن تكون الأخيرة في عالم سرقة الفكر والإبداع، فإلى أي مدى يتمكن قانون الملكية الفكرية من معاقبة هؤلاء العقاب الرادع؟
في الواقع، هناك قانون يحكم عملية الغش الأدبى، وهو القانون 82 لسنة 2002 المعدل، لكنه يشترط تسجيل وإيداع العمل الإبداعى، ليتم مقاضاة المتجنى أو ناسخ العمل كما يطلق عليه قانونًا، والعقوبات حسب كل حالة، وأولها التجريم الأدبى، كما ينشر حكم السرقة والغش فى الصحف أنه سارق، هذا الجزاء الأدبى، ويختلف الجزاء المالى حسب القضية.
غير أن الأمر يقع تحت طائلة البين بين، فسرقة الأفكار لا تعد سرقة في حكم القانون.
تعريف التعدي على حق المؤلف في مصر:
• فهم قوانين حقوق الملكية: في مصر، تخضع حماية حقوق الملكية للقانون رقم 82 لسنة 2002. ويحمي هذا القانون حقوق المؤلفين على أعمالهم الأدبية والفنية والعلمية، بما في ذلك الكتب والمقالات والصور الفوتوغرافية والموسيقى والأفلام، منذ اللحظة الأولى.
• تحديد الانتهاك: تتضمن عملية تحديد الانتهاك ما إذا كان العمل محميًا من عدمه، وتقييم ما إذا كان المتعدي المزعوم قد استخدم العمل خارج نطاق الاستخدامات أو الاستثناءات المسموح بها، ومقارنة العمل الأصلي مع العمل المخالف المزعوم لإثبات التشابه الجوهري.
ما تعتبره المحاكم المصرية انتهاكًا لحقوق الملكية:
• الاستخدام غير المصرح به: استغلال المصنف دون الحصول على إذن من صاحب حقوق الملكية، وخاصة للأغراض التجارية.
• التشابه الجوهري: إذا كان العمل المخالف مشابهاً إلى حد كبير للعمل المحمي بحقوق الملكية في تعبيره، وليس فقط في الفكرة.
• العرض والتوزيع العام: عرض أو توزيع أو بيع العمل المحمي بحقوق الملكية علنًا دون إذن.
Kamel Riahi
من سرقة الشعر والرواية إلى السطو على النقد.. السرقات الأدبية.. مسلسل لا ينتهي
قوانين الملكية الفكرية هل تحمي المبدعين؟
تقرير_ سمية عبدالمنعم
شعور قميء جدا، ذلك الذي ينتابني إذا ما طالعت خبرا أو تحقيقا صحفيا أو حتى منشورا يُكشف فيه عن سطو أحد لصوص الفكر على رواية أو قصيدة أو مقال لأحدهم، فما بين سؤال يلح على عقلي وآخر يسكنني؛ أجدني حائرة: ترى كيف يجد ذلك "اللص" الجرأة الكافية لسرقة نص كامل ليخط ببساطة متناهية اسمه عليه، ثم كيف يجد من الشجاعة والوقاحة في آن ما يواجه به العالم إذا ما تم كشف أمره الذي حتما هو مكشوف، فإن كانت السرقات الأدبية تكشف في عالم ما قبل التكنولوجيا وجوجل والإنترنت، فكيف الحال الآن ونحن بضغطة زر صغيرة يمكننا أن نحصل على التشابه بين ما يقع تحت أيدينا من نصوص، وبتواريخ نشرها أيضا؟ ترى أي جنيٍّ ذلك الذي يتملك لص الفكر حتى يمنحه كل ذلك الاطمئنان والأريحية والقدرة على المواجهة في عصر السوشيال ميديا والفيس بوك؟
أذكر أنني منذ عام كامل انتابتني رغبة مفاجئة في متابعة ما أنشر هنا في صفحة "أوراق ثقافية"، من تقارير وتحقيقات، على جوجل، لأصدم بسرقة كل تقاريري نصا دون تغيير حرف واحد من قبل أحد الصحفيين "الهواة" ونشره على موقع "خليجي" مذيلا باسمه في جرأة لا متناهية، حتى أن أحد التقارير تحدثت فيه عن إصداراتي من مجموعات قصصية ودواوين، وذكرياتي معها ومع أحد النقاد المشهورين وذكرت عناوين كتبي، والغريب أن اللص قام بنقل ما كتبته حرفيا "نسخ ولصق" دون حتى "غربلة" لما يمكن أن يكشف أمره، وهو ما يؤكد أن هذا النوع من السرقة يعتمد في معظمه على عدم قدرة القاريء على قراءة النص لنهايته، او أن لدى السارق ثقة عمياء في حاله، فما الذي يجعله يختار ما يسرقه ويترك غيره؟ إنه عمى وشهوة السرقة المحمومة.
غير أن عالم التكنولوجيا نفسه يعد سلاحا ماضيا بيد السارق، فقد أباح وأتاح المنتج الأدبي والفكري سهلا ميسرا بين يدي أي سارق، دون جهد يذكر منه.
وربما حِرت وحار غيري من النقاد والمهتمين بالشأن الثقافي حول وضع مفهوم واضح للسرقة الأدبية، أهي تعني سرقة نص كامل، أم جزء منه أم السطو على الفكرة وسوقها في إطار مغاير، أم ماذا؟
وربما أدرج البعض في مفهوم السرقة كلا من التضمين والاقتباس والمحاكاة والتحوير وعكس النظير والى غير ذلك.
غير أن ابن طباطبا في كتابه (عيار الشعر) عبّر عن السرقات بـ(المعاني المشتركة) لذا أباح للشاعر المحدث أن يستلهم أشعار المتقدّمين.
وإذا ما تبنينا مقولة الجاحظ "الأفكار مطروحة على قارعة الطريق"، حينها سنُخرج السطو على الفكرة من حيز السرقة، فتوارد الخواطر وارد ويحدث دوما، غير أن هناك أفكارا مركبة لا تقبل الورود على أكثر من عقل..
وهناك أسماء أخرى أطلقت على السرقة، منها: الانتحال، النقل، المسخ، الإغارة، الاحتذاء، الاجتلاب..
وقد قالها يوما الأخطل الذي اتُهم بالسرقة في عصره، حتى واتته الجرأة للاعتراف: (نحن معاشر الشعراء أسرق من الصاغة)، ليفتح أمام عيني ملفا حافلا من سرقات الأقدمين والمحدثين للشعر والنثر على حد سواء، فقد تخضبت أيديهم جميعا بدماء ما يسرقون، بدءا من شعراء الجاهلية والعصر الأموي والعباسي، فقد قيل إن زهير بن أبي سلمى- من أصحاب المعلّقات- كان يأخذ شعر قُراد بن حنشِ من شعراء غطفان وكان جيد الشعر، وهذا طرفة بن العبد وأوس بن حَجَر والمسيّب وزيد الخيل وابن أبي سلمى قد أخذوا من شعر امرئ القيس، بل هناك من شعراء الجاهلية كان شأنهم السطو وانتحال اشعار غيرهم لأنفسهم، والأمر ذاته يستوي في الشعراء الأمويين والعباسيين، حتى قيل إن الفرزدق كان إذا ما استحسن قول الشاعر صرخ به: (أنا أحق بهذا البيت منك...).
وفي عصرنا الحالي صرنا نسمع أصوات الصارخين من الأدباء والمفكرين الذين تم السطو على إبداعاتهم في وضح النهار، دون رقيب، ليدفعنا الأمر للتساؤل: ألا يستطيع قانون الملكية الفكرية حماية منتجنا الفكري من السرقة بتشريع حاسم وحازم؟
وقد أرقتني بشدة واقعة حدثت مؤخرا وأثارت ضجة عارمة على مواقع التواصل الاجتماعى، قامت بها "ناقدة" وشاعرة، وهي سورية الجنسية، حيث "حسب ما ورد عنها" سطت على مقالات نقدية لنقاد بارزين منهم الدكتور جابر عصفور، تتناول تلك المقالات نصوصا شهيرة لأدباء معاصرين، ونسبتها لنفسها، بل الغريب أنها أحالت المقال وأسقطته على نصوص أخرى ونسبته ببساطة لنفسها، والأمر مثير لعدة قضايا ليست فقط ضرورة حماية المنتج الفكري، وإنما لتلك الهوة والفجوة التي نكتشف وقوع النقد بها وعزفه بعيدا بعيدا عن القاريء والمبدع على حد سواء، للدرجة التي معها يمكن استخدام مقال نقدي كامل كتب في أحد النصوص وإسقاطه على نص آخر! ألتلك الدرجة نحن منفصلون عن أصول النقد الحق، ومغيبون؟
ومن أسفٍ أن ذلك ما يفعله بعض نقاد "الندوات" ممن لا يكلفون أنفسهم عناء قراءة النص، فقط هم يحفظون "أكلشيهات" محددة وعبارات وجملا بعينها يستخدمونها على أي نص مهما كان دون الخوض في تفاصيل النص وحيثيات النقد.
وعودة إلى تلك الواقعة التي نحن بصددها، فها هي الشاعرة والمترجمة السورية فاطما خضر، التي اكتشفت ما فعلته الناقدة رولا حسن، وقولها إنها "سرقت" مقالات نقدية كاملة، بل وأصدرت كتابا كاملا أسقطت خلاله تلك المقالات على نصوص أخرى لشاعرات سوريات وغيرهن.
وقد أعلنت فاطمة عن تلك الواقعة عبر منشور بصفحتها بالفيس بوك، وخلال تصريح منها للوفد، حيث قالت:
إن بداية اكتشافها الأمر كانت عندما أعدت رولا حسن كتاب "الموجة الجديدة في الشعر السوري"، الصادر عن دار كنعان، وكانت تنشر الدراسة عن شاعرة ما بصفحة الأيقونات السّورية ( The Syrian Icons )، وذات مرة نشرت دراسة عن آفين حمو مع قصيدتين لآفين، يومها تحدثت مع رولا على الماسنجر مؤكدة لها إن قصيدة آفين مسروقة بشكل شبه حرفي عن قصيدة أُنسي الحاج/أغار.... يومها تحدثت رولا مع آفين، وكتبت آفين على صفحتها تعديلا بنهاية القصيدة إنها كتبت تلك القصيدة متأثرة بالشاعر الكبير أنسي الحاج.
وعندما صدر الكتاب وأهدتني إياه رولا، فوجئت بوجود اسم آفين كثيرا بالكتاب، وتساءلت كيف وأن رولا ناقدة ولم تقم بحذف اسم آفين مباشرةً، فليس من المنطقي أن شاعرة تسرق قصيدة كاملة ويتم تكريمها بأنها إحدى الشاعرات اللائي يشكلن موجة شعرية جديدة.
وتتابع فاطما: ولأن حبل السرقة قصير، فقد بدأت رحلة بحث كانت سهلة بطريقة صادمة، باعتبار المسروق من قبل رولا أغلبه موجود على جوجل، باستثناء قلّة واردة بكتب نقد ورقية، وهنا اكتشفت الكارثة أن فعلًا أغلب ما ورد (إذا ما كان كله، ولسه ما اكتشفت باقي المصادر!) بكتاب (الموجة الجديدة في الشعر السوري/نص طازج وحساسية مختلفة) مُجمّع من عدّة مصادر، ومُجمّع من حلقات بحث لطلاب ماجستير في جامعات في الجزائر، ومقالات منشورة في مواقع ومجلات إلكترونية، وكُتب نقد صادرة في مصر والعراق، بطريقة نسخ لصق.
وأضافت فاطمة خضر، موضحة بالوثائق والصور مواضع السرقة بالكتاب، فيما يلي:
سأكتفي بنشر وثائق بتتعلق بالجزء الأول من مقدمة الكتاب ككل، ثم الدراسة المنشورة والمقرونة باسمي:
1- فيما يتعلّق بالجزء الأول من مقدمة كتاب رولا، فهي مسروقة حرفيًّا من مقدمة كتاب الكاتب والمفكّر جابر عصفور (وزير الثقافة المصرية الأسبق) عنوان الكتاب (في محبة الشعر) متوافر الكتاب pdf على غوغل.. (وأدرجت صور مقدمة رولا المسروقة والموثّقة بالكتاب الذي أصدر 2024 ... وما جاء في كتاب محبة الشعر لجابر عصفور الصادر عام 2009 عن الدار المصرية اللبنانية).
2- أمّا فيما يتعلق بالدراسة التي تدّعي رولا أنّها أعدتها عن قصائدي، فببالغ الأسى، أنعى إليكم أنّها قامت بسرقتها حرفيًّا من مقال منشور في مجلة نزوى، وللأسف الشديد إن المقال المنشور في نزوى عن شعر كلّ من أمجد ناصر ونوري الجراح.
وقارىء الشعر يعرف تمامًا من (أمجد ونوري).... فكيف استطاعت رولا أن تنسب دراسة عن عظيمين بقصيدة النثر، لقصائد شاعرة مازالت تخطو أولى خطواتها بطريق الشعر وهي أنا؟
واختتمت فاطما خضر، حديثها ومنشورها قائلة: والفكرة حتمًا ليست محاربة ناجح، الفكرة أن تلك سرقة وليست أي سرقة (حدا جوعان بده رغيف خبز ياكل مثلًا)، وإنما سرقة فكرية علنية... تسبّبت لي بإهانة وتنمر، وستسبب سخرية من جيل كامل من الشاعرات، لأن أي أحد يمكن أن يسخر من وهمهن بأن الدراسة الواردة بالكتاب عن قصائدهن.
والأمر ذاته أثاره الكاتب التونسي كمال الرياحي، قائلا عبر منشور بصفحته الشخصية بالفيس بوك:
عندما هاتفني صديق كاتب من مونتريال منذ يومين ليخبرني مشكورا بالسطو لم أهتم، قلت له اني غارق في مراجعة مخطوط لا أريد أن أفسد تركيزي بأخبار هؤلاء اللصوص وإن حبري صار مراقا وكل يوم يسطو عليه شخص، لكني بعد أن راجعت المقال المزعوم والمنتحل من مقالي وقرأت خبرا عن انتحالها كتابا برمته وجب أن نشهر بهذه الكارثة الباقية والتي تتمدد.
مقالي منشور بالجزيرة نت ومنشور في كتابي "فن الرواية" منذ 2018 في طبعة جزائرية وطبعة تونسية والطبعة الثالثة قريبا.
ويؤكد كمال قائلا: لذلك أطلب من موقع قناص هذا حذف مقالها المنتحل فورا ووجب مقاضاتها والتشهير بها فأكيد كل ما نشر تحت اسمها مسروق.
ويختتم الكاتب كامل رياحي بقوله، ما يصيبنا بالقهر انها سرقت مقالا عن صديق فجعنا جميعا بموته المفاجىء ومازلنا موجوعين بفراقه، وشاركت المقال المسروق في ملف حول الفقيد.
ليست تلك الواقعة هي الأولى ولن تكون الأخيرة في عالم سرقة الفكر والإبداع، فإلى أي مدى يتمكن قانون الملكية الفكرية من معاقبة هؤلاء العقاب الرادع؟
في الواقع، هناك قانون يحكم عملية الغش الأدبى، وهو القانون 82 لسنة 2002 المعدل، لكنه يشترط تسجيل وإيداع العمل الإبداعى، ليتم مقاضاة المتجنى أو ناسخ العمل كما يطلق عليه قانونًا، والعقوبات حسب كل حالة، وأولها التجريم الأدبى، كما ينشر حكم السرقة والغش فى الصحف أنه سارق، هذا الجزاء الأدبى، ويختلف الجزاء المالى حسب القضية.
غير أن الأمر يقع تحت طائلة البين بين، فسرقة الأفكار لا تعد سرقة في حكم القانون.
تعريف التعدي على حق المؤلف في مصر:
• فهم قوانين حقوق الملكية: في مصر، تخضع حماية حقوق الملكية للقانون رقم 82 لسنة 2002. ويحمي هذا القانون حقوق المؤلفين على أعمالهم الأدبية والفنية والعلمية، بما في ذلك الكتب والمقالات والصور الفوتوغرافية والموسيقى والأفلام، منذ اللحظة الأولى.
• تحديد الانتهاك: تتضمن عملية تحديد الانتهاك ما إذا كان العمل محميًا من عدمه، وتقييم ما إذا كان المتعدي المزعوم قد استخدم العمل خارج نطاق الاستخدامات أو الاستثناءات المسموح بها، ومقارنة العمل الأصلي مع العمل المخالف المزعوم لإثبات التشابه الجوهري.
ما تعتبره المحاكم المصرية انتهاكًا لحقوق الملكية:
• الاستخدام غير المصرح به: استغلال المصنف دون الحصول على إذن من صاحب حقوق الملكية، وخاصة للأغراض التجارية.
• التشابه الجوهري: إذا كان العمل المخالف مشابهاً إلى حد كبير للعمل المحمي بحقوق الملكية في تعبيره، وليس فقط في الفكرة.
• العرض والتوزيع العام: عرض أو توزيع أو بيع العمل المحمي بحقوق الملكية علنًا دون إذن.
Kamel Riahi