عيسى مشعوف الألمعي - فوبيا المتاهات.. قصة قصيرة

حمل حقيبته المهترئة من قريته التي تحيط بها الجبال كحدوة الحصان، مسافراً إلى مدينة مضاءة ليلاً ونهاراً ، يبحث عن وظيفة ، وهو الذي يرتعب من ظِله ، ولديه الخوف من كل شيء. ولم يبرح القرية منذ ولادته .

أقلته سيارة إلى المطار المزدحم، دسَّ ملفه الأخضر العلاقي بين ملابسه البالية ، جابه المفتشين في المطار يتصبب عرقاً ، كاد أن يتبع الحقيبة في جهاز كشف المواد، لأول مرة يدخل مطاراً مكتظاً بالمسافرين، أرشدوه إلى وجهته، أخذ يتلفت في كل شيء. مندهشاً مرتاباً ، يحمل في محفظته بعض المال وتذكرة سفر، ذهب إلى البوابة يريد الصعود فوراً، تم إيقافه ، وأن عليه الانتظار حتى يحين موعد صعوده للطائرة جفَّ ريقه خوفاً، تذكر أقرانه في القرية يخيفونه بالشرطة والأمن والجريمة والعقاب والسجن ، في صالة الانتظار خضع لمراقبة موظفي المطار المرتابين في وضعه أحس بهم ‘ اعترته الرهبة.
هرب لمشاهدة الآخرين يتناولون العصير والشاي، سأل أحدهم :
كيف له أن يحصل على مشروب ؟ دلّه على البوفيهات المنتشرة في المكان، ذهب بتردد ، ساوم في سعر المرتفع لكوب الشاي فغر فاهُ مستغرباً.
جلس يحتسي الشاي بلا سكر يتجرعه ولا يكاد يسيغه ، لم يتجرأ في طلب الحصول على قوالب السكر .

بدأ الصمت يعتري الجميع كلٌ في عالمه الافتراضي على جهازه النقال والمحمول ، وهو يفتش بنظره في الأرجاء منبهراً بكل شيء، أخذ يفتش في حقيبته نثر ملابسه يتفحصها قرأ محتويات ملفه مراراً ، نادىَ الموظف على صعود الطائرة ، بقي في مكانه ، بينما خرج المسافرون متوجهون إلى البوابة ثم إلى الطائرة .

مضت دقائق الوقت المحدد سريعاً وهو قابع في مكانه، النداء الأخير لصعود الطائرة ، لا يزال يستعرض ألوان ملابسه ويتهجّى الحروف في أوراق ملفه ، شهادة الصف السادس وحسن سيرة وسلوك وشفاعة شيخ القبيلة .
أقلعت الطائرة ، مضى عليه ساعات شابثاً بكرسيه في توهان مُرِيع .
حتى أقبل عليه أحد الموظفين يسأله عن وضعه المريب، دُهِشَ الموظف عندما قرأ رقم الرحلة في قصاصة ( البوردنق ) .
أخبره بكل أسف ؛ بأن الرحلة قد فاتته ، وجِلَ وأرتبك وارتعد وانثالت عليه الاحتمالات كنسور جائعة.. ثم ولاّ مُدبراً ولم يعقـّب عائداً إلى القرية .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...