تسنيم طه - رحلة في مجاهل الأدب الافريقي...

يعود تاريخ الأدب الأفريقي لما قبل ميلاد المسيح، مع الكتابات المصرية القديمة منذ أكثر من أربعة ألف سنة قبل الميلاد. الحماسيات والمحميات والحكايات الشعبية تشهد على أهمية التراث الشفهي، الذي انتشر في كافة القارة الافريقية.
وقد كانت النصوص في عهد الفراعنة توثق عبر الكتابات المسمارية على الجداريات والألواح أو على وورق البردي باللغة الهيروغليفية المصرية واللغة القبطية القديمة. وأشهر الأعمال في تلك الفترة كتاب "الموتى" وكتاب "بقرة السماء". وفي فترة الـبطالمة، عندما كانت مصر مستعمرة اغريقية، أصبحت مكتبة الإسكندرية، أشهر مكتبة في فترة التاريخ القديم.
ومن الحضارات القديمة في شمال افريقيا بجانب الحضارة الفرعونية، كانت توجد حضارة قرطاج. لكن هذه الحضارة تم تدميرها إبان الحرب البونيقية بين روما وقرطاج. وبعد سيادة روما على منطقة شمال افريقيا، تم تدمير مكتبة قرطاج، ما أدى لاختفاء كثير من الأدب المكتوب باللغة الفينيقية والإغريقية القديمة. وكانت هذه الفترة فترة ازدهار الأدب المكتوب باللغة اللاتينية.
ومن أشهر الكتاب الذين كتبوا باللاتينية الفيلسوف اللاهوتي "أوغسطينوس" مؤلف كتاب "الاعترافات"، الذي كان كاتبًا بربريًا ولاتينيًا، بل وأيضًا كاتبًا بونيقيًا قرطاجي.
وفي فترة العصور الوسطى، قامت المكتبات الإسلامية بجمع الكثير من النصوص الاغريقية واللاتينية، وترجمتها إلى العربية، ما ساهم في حفظ كثير من الأعمال من الضياع.
وفي شمال افريقيا هناك نصوص أدبية مكتوبة بلغات السكان الأصليين من البربر. وتشمل لغات البربر عائلات لغات الأمازيغ والشلحة والقبائلي والثمازيغت (الأمازيغية الريفية) والشاوية والطوارق ولغات أخرى قديمة متجذرة في شمال غرب إفريقيا، خاصة في المغرب والجزائر ومالي والنيجر. وبالنسبة لغة الطوارق، المنتشرة أكثر في منطقة الصحراء الغربية، والتي تعتبر من أهم الكتابات في أفريقيا، كانت تكتب بأبجدية الـ "تِيفيناغ" منذ القرن الثالث قبل ميلاد المسيح، ثم منذ فترة منذ القرون الوسطى أصبحت تستخدم الأبجدية العربية والحروف اللاتينية في كتابتها. وهذه اللغة هي الآن لغة رسمية في مالي والنيجر.
ومع وصول الغزو الإسلامي لمصر والمغرب منذ عام 600 ميلادية، تم تأسيس مراكز لتعلم اللغة العربية في القاهرة والإسكندرية في مصر، بالإضافة لمركز "تمبكتو" في مالي، حيث توجد جامعة "سانكوري"، القديمة. هذه الجامعة كانت تفوق جميع مراكز العالم الإسلامي في ذلك الوقت، حيث كان لمسجدها أن يستوعب أكثر من 25 ألف طالب.
ومع انتشار اللغة العربية في إفريقيا ازدهرت الكتابات بها، واليوم تقدر الأعمال المكتوبة باللغة العربية، المختبئة في مكتبات افريقيا بأكثر من 300 ألف، بجانب بعض النصوص المكتوبة باللغة الـفولانية ولغات السونغاي.
ومن أشهر كُتاب شمال افريقيا، الذين كتبوا باللغة العربية في القرون الوسطى، نذكر الرحالة "ابن بطوطة"، والمؤرخ "ابن خلدون".
ومنذ بداية القرن العشرين، بدأت نهضة الأدب المكتوب بلغات البربر في شمال إفريقيا. وفي مارس عام 1980، في فترة الربيع الأمازيغي" Tafsut Imazigher"، وبعد ظاهرت مجموعة من البربر المنحدرين من منطقة القبائل، في الجزائر العاصمة، لاعتماد لغة الأمازيغية كلغة رسمية في الجزائر، الأمر الذي ستحقق في عام 2002، وستتلوه كتابات بهذه اللغة.
أما في منطقة غرب إفريقيا جنوب الصحراء، الغنية بتراثها الأدبي، يوجد أرث من التراث الشفهي يتم تناقله باللغات المحلية بواسطة "الغريو-Griots". وهؤلاء الأشخاص المخولين بنقل هذا التراث يخضعون لتدريب متخصص ويتحدثون اللغات الكنغو-إفريقية، وغالبًا ما تكون القصة مصحوبة بموسيقى وطقوس. وقد يكون هذا الأدب في صورة نثر أو في صورة شعر. وقد يتم توجيه الشعر للملوك أو الحكام الآخرين. والنثر غالبًا ما يكون ميثولوجيًا أو تاريخيًا في محتواه. بينما يأخذ الشعر منه طابع سرد الملحميات والأشعار الحماسية والطقسية والألغاز والأمثال، بالإضافة لوجود تراث من أغنيات الحب والتفاني وحب العمل .
ومن أشهر الأعمال الشعرية في غرب افريقيا، ملحمة "سوندياتا"، المرتبطة بقصة امبراطور مالي "سوندياتا كايتا"، الذي عاش في الفترة ما بين (1190-1255).
وبجانب الملحميات المنتمية لشعوب الماندينغي، المتمركزين في غرب إفريقيا، هناك أنواع أخرى من الشعر الحماسي. فنجد مثلا عند شعب "الفانغ-Fang" في افريقيا الوسطى، ملحمية "مفيت- Mvett" ، التي تحكي عن قصة الصراع بين شعب "إنغونغ-Engong"، وهم شعب غزوا عالم الخلود "عالم مفيت"، وشعب "أوكو-oku" وهم الجنس البشري، الفانيين الأموات، الذين يحاولون انتزاع سر الخلود من رجال الإنغونغ.
هذه الثقافة الشفهية، تجد لها امتدادًا في الأدب المكتوب بلغات الاستعمار الأوروبي. وقد صرح الشاعر الفرانكفوني "ليوبولد سيدار سنغور"، أشهر مؤسسي حركة "الزنوجة – Négritude"، بأنه قد استلهم معظم قصائده من الشعر الشفهي في بلاده السنغال.
ونجد تنوع الوسائل لكاتبة هذه اللغات المحلية الشفهية. ففي القرن العشرين، اخترع الكاتب الغيني "سولومانا كانتي"، أبجدية "نْكو-N’ko"، لكتابة أصوات لغات شعب "الماندينغي، الذين يمثلون حوالي 11 مليون نسمة. وكلمة" نْكو"، تعني أنا أقول بلغة الماندينغ. كما توجد أبجديات أخرى لكتابة لغات إفريقيا المحلية، مثل نظام أبجدية "بامومBamum-"، والتي تعرف أحيانًا باسم مخترعها الملك "نْجويا"، هي نظام كتابة تم تطويره بين شعوب باموم في غرب الكاميرون بوسط إفريقيا.
ومن أشهر اللغات المهمة في غرب افريقيا نذكر لغة الولوف، وهي اللغة السائدة في السنغال، حيث يتحدث بها أكثر من 80 بالمائة من السكان، كما يتحدث بها في دول أخرى مجاورة مثل موريتانيا وغامبيا. وهناك انتاج أدبي شفهي غزير بهذه اللغة، مع بعض النصوص التي تمت كتابتها بواسطة المتعلمين المسلمين، الذي كتبوا أشعارًا أغلبها ذات طابع ديني.
ومن أشهر الأعمال الشعرية نذكر العمل الضخم الذي كتبه" شيخ موسى كا"، عن حياة "أحمادو بمبا"، مؤسس الطريقة "المريدية" وأحد أهم الشخصيات في الاسلام الصوفي في غرب افريقيا، إضافة لقصائد أخرى كتبها عن جماعته الدينية. كما توجد أشعار أخرى كُتبت بواسطة متعلمين من رواد الزاوية "التجانية"، عن المرابط الشيخ "الحاج مالك سي"، أحد أهم نماذج هذه الطريقة الصوفية في غرب افريقيا.
أما بالنسبة للشعر الحديث، المكتوب بالحروف العربية، فلم يتطور كثيرا. وهناك نصوص شحيحة للشاعر والمدرس في إحدى المدارس القرآنية الكبيرة بضواحي العاصمة السنغالية "داكار" "مرتضى جوب". أما انتشار لغة الولوف، يعود لفضل استخدام الحروف اللاتينية في كتابتها، ما ساهم في وصوله لمكتبات ومنافذ بيع عالمية.
وهناك أكثر من ثلاثين نوعًا من الشعر بلغة الولوف، منها كُتب وتغنى بها فنانون مشهورون أمثال "يوسو ندور"، ومنها ما ارتبط بطقوس محلية، نذكر منها طقس "التجابون-Taajaboon"، الذي يُنشد فيه الشعر في رأس السنة الهجرية في وسط كرنفال، ترتدي فيه الفتيات ملابس الأولاد، ويرتدي فيه الصبية ملابس البنات، وطقس "نجام-Njam"، حيث ينشد الشعر ليرافق العملية المؤلمة لوشم شفاه النساء.
وفي عالم الرواية، نشر الكاتب السينغالي "أبوبكر بوريس ديوب"، روايته "دومي غولو" بلغة الولوف عام 2002. وقبلها بسبع سنوات، كان الكاتب "شيخ حميدو كان" قد نشر روايته الثانية "حراس المعبد"، باللغة الفرنسية، قبل أن تترجم على لغة الولوف. وتصبح م أهم الروايات المكتوبة بهذه اللغة.
وبالإضافة للغة الولوف، توجد لغات أخرى مهمة في غرب أفريقيا مثل الهوسا والفولانية والسوننكية كأهمية السواحلي والهوسا والأمهرية في شرق أفريقيا.
ففي إثيوبيا، حيث تسود اللغة الأمهرية، يوجد إرث أدبي قديم، استخدم في كتابته نظام اللغة "الجعزية" القديمة، منذ فترة ما قبل مملكة أكسوم. وهذا الأدب يسيطر عليه منذ القدم الطابع التعليمي الديني وخاصة الأخلاقي في محتواه. وأكثر الفترات التي تطور فيها الأدب القديم المكتوب باللغة الأمهرية هي فترة سلالة "زاغو"، في القرن الثامن.
وتضم مكتبة "يوهانس الأول" في أقليم "غوندار" أعمالًا مهمة مكتوبة بهذه اللغة. أما في فترة العصر الحديث في القرن العشرين، فقد تطور الأدب المكتوب الأمهرية لثلاث فترات رئيسية يمكن تقسيمها كالتالي: فترة الاحتلال الإيطالي (1935-1941)، وفترة ما قبل الاستقلال (1941-1974)، وفترة ما بعد الثورة (1974-وحتى اليوم.
وبالنسبة للغة السواحلية، أكثر اللغات انتشارًا في شرق إفريقيا، فقد أصبحت لغة رسمية في تنزانيا منذ عام 1966، وهكذا لم يصبح بعدها تأثير من الأدب الانجليز على البلاد.
أما الشعر بالسواحلية، لم يكن يجابه خطر اللغة الإنجليزية، حيث أن تقليده قديم يمتد لمئات السنين. وفضلا على ذلك، ساهم النفوذ المتزايد اللهجة الكيسواحلية –Kiswahili"، في أضعاف مئات من اللغات المحلية. وقد لعبت لغات "البانتو – Bantu"، لغة موطنها الأصلي تنزانيا، دورًا مهما لعدة قرون، كلغة محركة لجزء كبير من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ذات الثقافة السواحلية.
ويعود تاريخ كتابة أول مخطوط مكتوب بهذه اللهجة للقرن السادس عشر. أما في العصر الحديث، فأول عمل سردي نُشر باللغة السواحلية كان في عام 1934 للكاتب الكيني "جيمس جوما مبوتيلا "، بعنوان "Uhuru Wa Watumwa" أي "تحرير العبيد"، الذي تمت ترجمته إلى الإنجليزية تحت عنوان "Freeing of the Slaves"، ولاقى ترحيبًا كبيرًا في بريطانيا واعتبر كعمل رائد. لكن السكان الأصليون لم يهتموا به، بل اعتبروه مبالغ في مدحه للسلطة الاستعمارية.
وفي عام 1945، كتب الروائي التنزاني " أنيسيتي كيتيريز"، مترجم الكتاب المقدس، روايته الشهيرة "السيد ميومبكيري وزوجته بوجونكا وابنهما نتولانالوو وابنتهما يوليهوالي" بلغته الأم الكيريوي (احدى لغات البانتو في تنزانيا). هذه الرواية الضخمة تضم أكثر من ألف صفحة، تحكي قصة ثلاثة أجيال، وتعتبر من أهم الأعمال الأدبية المكتوبة بلغات افريقية محلية.
أما في جنوب إفريقيا، فيوجد إرث أدبي مكتوب باللغة الأفركانية، بالرغم أنه لفترة طويلة كان الكتاب الأفريكانيين السود، يخضعون لنظام الفصل العنصري "أبارتايد". ومن أشهر الكتاب الذين كتبوا بلغة الأفريكان، نذكر المحامي والشاعر " فرانسيس وليام رايتز" الذي حكم دولة "البرتقال الحرة/أورانج فري ستيت"، وهي دولة داخل دولة جنوب افريقيا، أسهها المستوطنين الهولنديين.
وستحدث تحولات كثيرة عبر السنوات في تطور الأدب الأفريقي، خاصة عندما يتم نقل الموروث الأدبي الإفريقي بلغات الاستعمار في القرن العشرين. فمع مشروع "التدافع على أفريقيا" من جهة القوى الاستعمارية الأوروبية لمناطق افريقيا، في الفترة الامبريالية الجديدة ما بين ثمانينات القرن التاسع عشر والحرب العالمية الأولى، وتوجب استخدام اللغات الغربية مثل الألمانية والإنجليزية الإسبانية والبرتغالية والفرنسية، على الأقل في العلاقات التجارية والإدارية، ولدت حقبة جديدة من الأفريقي المكتوب بلغت الاستعمار.
ويمكن تقسيم هذا الأدب لفترة ما قبل الاستعمار وفترة ما بعد الاستقلال؛ لأن العديد من الأعمال الأدبية استلهمت مواضيعها من أحداث تلك الحقبة، ناتجة في المقام الأول أعمالًا نقدية للاستعمار، ثم اعمالًا تفضح أنظمة افريقية متسلطة.
وسنجد تمركز هذه اللغات الأوربية حسب تمركز سلطاتها في مناطق افريقيا المختلفة.
فالإمبراطورية الألمانية (1884-1922)، كان لها الحضور الكبير في منطقة الجنوب الغربي للقارة (ناميبيا الحالية)، وأيضًا في منطقة شرق افريقيا خاصة في رواندا وبورندي وتنزانيا القارية، وإقليم السواحلي (كينيا الحالية) وفي افريقيا الغربية (توغو والكاميرون). واللغة الألمانية تستخدم حاليًا في ناميبيا وتجد لها حضورا بفضل معهد "غوته". أما الإمبراطورية الهولندي فقد تركزت في جنوب افريقيا، وأيضًا في ناميبيا وبتسوانا وزمبابوي.
أما الإمبراطورية العثمانية 1299-1922) فقد خُصت بالأرجح في شمال شرق افريقيا، في مصر والسودان واريتريا وليبيا وتونس والجزائر، حيث سادت اللغة التركية. بينما كانت السلطة العمانية (سلطنة عمان) متمركزة في الشاطئ الشرق لأفريقيا وساهمت في انتشار اللغة العربية والإسلام.
كل هذه اللغات غير الأفريقية أقامت لفترة طويلة في افريقيا بعد الاستقلال، في إطارات مختلفة ومتنوعة أهمها التبادل التجاري، ليكون من نتائجها ميلاد أدب أفريقي مكتوب بلغات غير محلية.
ومن أكثر اللغات الأوروبية التي كتب بها الأدب الافريقي هي اللغة الإنجليزية.
فبجانب الروايات الكولونيالية، في فترة الاستعمار، نجد أعمالًا سردية عن العبودية.
وقد مثل الكاتب " أولوداه اكيوانو"، الشهير بلقب " غوستلفوس فاسا"، أحد الأشكال الكتابية لإلغاء الرق، بكتابه الشهير" الرواية المثيرة للاهتمام عن حياة أولوداه إكيوانو" عام 1789، وكتابه الثاني الأقل شهرة " سيرة نيكولاس سيِّد".
وفي عام 1911 نشر الكاتب الغاني "جوزيف إبراهيم كاسيلي هايفورد" ما يعتبر أول رواية افريقية بالإنجليزية بعنوان " إثيوبيا غير مقيدة: دراسات في التحرر العرقي".
أما في عام 1963، فقد نشر الكاتب الكيني " نغوغي وا ثيونغو"، كتابه "الناسك الأسود"، كأول دراما لشرق افريقيا وقصة تحذير ضد العنصرية القبلية بين القبائل الافريقية.
ومن أشهر الروايات الإفريقية المكتوبة باللغة الإنجليزية رواية "أشياء تتداعى" للكاتب النيجيري "غينوا أتشيبي"، التي تعتبر من أهم الروايات في إفريقيا تدرس في غالبية بقاع افريقيا الناطقة بالإنجليزية. كما نجد روايات أخرى مثل رواية "نوتردام النيل" للكاتبة الرواندية " سكولاستيك موكاسونجا "، التي توثق لتاريخ العنف والإبادة الجماعية التي سادت رواندا عام 1994، ورواية " نصف شمس صفراء"، للكاتبة النيجيرية "شيماماندا أديشي"، التي تناولت الحرب الأهلية في نيجيريا بين عامي (1967-1970).
أما الأدب المكتوب باللغة الإسبانية في أفريقيا فيتمركز في غينيا الاستوائية وفي الغابون. هذه الأخيرة، ورغم أنها دولة فرانكفونية ومستعمرة فرنسية قديمة، تم اعلان اللغة الاسبانية كلغة رسمية منذ عام 2006 في مدينة كوكوبيتش اللغة الاسبانية كلغة رسمية للبلاد منذ عام 2006، في مدينة " كوكوبيتش".
وبالنسبة للأدب الإفريقي المكتوب بالبرتغالية، المتمركز في أنغولا وموزنبيق، مستعمرتين برتغاليتين، ظهر لأولى مرة في صورة مكتوبة في القرن التاسع عشر، وعكس تنوع الثقافة في انغولا. وأول رئيس لأنغولا، "أوغستينيو نيتو " كان شاعرًا مشهورًا، نشر مجموعته الشعرية "الأمل المقدس- Sagrada esperança" في عام 1974. ومعظم اشعار "نيتو" عبارة ثورات أدبية للحرية في مواجهة النظام الاستعماري، والوعي بالصلة مع الأرض التي تجمع جميع الأنغوليين، في تشكيلة روحانية.
وفي أحد اشعاره يصف "نيتو" معنى السلطة التي ولدت في داخله بقوله:" لم يعد لدي أملٌ، أنا مَنْ يشع الأمل من خلاله ". ومن أشهر أعماله ثلاثية: "الأمل المقدس" و"التخلي المستحيل" و"الفجر".
وهناك أيضًا الشاعر والناشط السياسي "أنطونيو جاسينتو"، الذي كتب قصائد بالبرتغالية، أشهرها "التحدي العظيم" و"قصيدة الاغتراب" و"أغنية داخلية ليلة رائعة" وذات مرة"، وراقصة سوداء".
ومن أشهر مقولاته من قصيدة "مونانجامبا": في هذه المزرعة الشاسعة، ليس المطر بل عرق جبيني هو الذي يسقي المحاصيل.
ومن الكتاب الأنغوليين الشهرين "فيرياتو دا كروز"، وأوسكار ريباس"، و"ماريو أنطونيو"، و"أرليندو باربيتوس" و"هنريك أبرانشيز"، و" جوزيه لواندينو فييرا ".
وفي عام 2006، فاز الكاتب الأنغولي بجائزة "كاموئيس-Camoes" لكنه رفض تسلمها لأسباب شخصية.
أما في غرب افريقيا، حيث ساد الاستعمار الفرنسي لفترة طويلة، نجد زخمًا من الأدب الفرانكفوني، يمكن تقسيمه لأربعة أجيال.
الجيل الأول، جيل الرواد الذين ساهموا في انشاء حركات أدبية مثل حركة "الزنوجة"، وأشهرهم الشعراء "إيمي سيزير" و"ليون داماس" و"ليوبلود سيدار سنغور".
والجيل الثاني، جيل كتابة فترة الاستقلال الافريقي، وأشهرهم "كامارا لايْ"، و" مونغو بيتي، و"شيخ حميدو كان".
ثم الجيل الثالث الذي تلا فترة الاستقلال، للفترة ما بين عامي (1967-1980) وأشهرهم "أمادو كروما" و"يمبو أودلاغييم"، و"سامبين عثمان".
وأخيرًا الجيل الرابع، جيل ما بعد الثمانينات، والذي لمعت فيه عدة أسماء نسائية مثل "كين بوغول"، و"كاليكت بيالا"، و"فيرونيك تاجو"، وأميناتا ساو فال" و"مراياما با".
وهناك الكثير من الروايات الفرانكفونية حصلت على جوائز فرنسية. ففي عام 1921 حصل الكاتب "روني ماران " على جائزة "غونكور" عن روايته "باتوالا". وبالرغم من أنه ليس افريقيا، حيث أنه ولد في "فور دو فرانس" عاصمة المارتينيك، أحد أقاليم ما وراء البحار الفرنسية في الكاريبي وعاش حياته في فرنسا، إلا أنه كتب روايته عن الحياة اليومية في إفريقيا الوسطى، وذلك بفضل عمله كموظف إداري في مستعمرة "أوبانغي شاري" الفرنسية"، في افريقيا المدارية.
وقد قدم في هذه الرواية لائحة اتهام قاسية ضد انتهاكات الاستعمار، ورسم من خلالها لوحة عن الرذائل الافريقية.
وبعد الحرب العالمية الثانية، لمعت حركة "الزنوجة"، التي أسسها كتاب سود فرانكوفونيين أمثال الكاتب الهاييتي "ايمي سيزير" والشاعر السنغالي "ليوبلود سيدار سينغور"، كما ذكرنا سابقًا.
وقد ذكر "ليبولد سيدار سنغور" "وايمي سيزير" صراحة المصدر الملهم لإنشاء هذه الحركة، التي وجدت بداياتها لدى عالم الأعراق الألماني " ليو فروبينيوس" الذي أصدر في عام 1903 عملا بعنوان " تاريخ الحضارة الافريقية"، واصفًا فيه بأن إفريقيا قارة ذات حضارة عالية، خلافًا للأيدولوجية الكولونيالية التي تظن أنها تنقل الخضارة الى العالم البدائي.
ويعتبر "سينغور" أن الزنوجة هي مجموعة من القيم تشمل القيم الاقتصادية والسياسية والفكرية والأخلاقية والفنية والاجتماعية لشعوب افريقيا وللأقليات السوداء في أمريكا وآسيا وأقيانوسيا.
وتم تقديم حركة "الزنوجة" في مجلة "حضور إفريقي" التي تأسست عام 1947، لكنها تعرضت لنقد عنيف عدة مرات، خاصة من قبل الناطقين بالإنجليزية.
وبالرغم من ذلك، ظل تأثيرها قويًا، خاصة في الأوساط الفرانكفونية، على الأقل حتى فترة الثمانينات، وسيتواصل في المستقبل بفضل أيدولوجيتها بمعادات الاستعمار، وسيؤثر في الكثير من المنتمين لمفهوم القومية السوداء"، لتتنشر بالتالي لما وراء الفضاء الفرانكفوني.
أما في فترة الخمسينات والستينات، فقد حدثت قفزة في الرواية الافريقية المكتوبة باللغة الفرنسي بمساعدة دور النشر الفرنسية. وقد مثلت هذه الفترة، فترة الاستقلال وفترة التجديد في شكل الكتابة. مثلت رواية "شموس الاستقلال " للكاتب الإيفواري أمادو كروما"، نقدًا للأنظمة الأفريقية، وأظهرت عملًا رائدًا للكتابة الأقل أكاديمية في هيكلها.
وفي فترة السبعينات، ظهرت أسماء نسائية في عالم الأدب الافريقية، أهمها السنغالية "مارياما با"، بعد نشرها لروايتها "رسالة طويلة جدًا، في عام 1973.
وفي حقبة الثمانينات، ظهر الأدب البوليسي، وهو نوع مهجور، لن تظهر ديناميكيته، إلا في بدايات القرن الواحد والعشرين، في غرب افريقيا بفضل روايات الكاتب المالي " موسى كوناتي". أ
ما في فترة التسعينات، فستتنوع مواضيع الادب الافريقي المكتوب بالفرنسية، من ناحية الثيمات وأيضا فيما يتعلق بجماليات الكتابة. لكن سيتم الابتعاد قليلًا عن موضوع الهوية، مع بعض المطالبات بأن يكون الأدب أصيلًا يركز على المميزات الجوهرية.
هذه المطالبات نادى بها كتاب أفارقة أو من أصول افريقية، وُلدوا أو هاجروا إلى أوروبا، واكشفوا تقاطع الثقافات ضرورة الاندماج معها، ما دفعهم للدعوة بأن لا تكون الهوية مائة بالمئة افريقيا، وفي نفس الوقت، لا تتحول فتصبح غريبة بالكلية.
ومن أشهر الروايات الإفريقية المكتوبة بالفرنسية نذكر "زجاج مكسور" للكاتب الكونغولي "آلان موبانكو"، الحاصل على جائزة "رينودو" الأدبية الفرنسية، ورواية "الطفل الأسود" للكاتب الغيني "كامارا لايْ"، الذي نشر في عام 1953، اصبح من كلاسيكيات الأدب الأفريقي، تدور قصته حول موضوع الانتقادات، خاصة من جهة "مونغو-بيتي- Mongo Beti"، وبالتحديد لأنه لا يفضح كفاية العمل الاستعماري.
وبالنسبة لفترة ما بعد الاستقلال، نشر الكاتب المالي "يامبو أولاغيم" في عام 1968 كتاب "واجب العنف"، الذي حصل على جائزة " رينودو" الفرنسية، التي تعطى لأول مرة لكاتب افريقي. كما يعتبر كتاب السيرة الذاتية "أمكوليل- الطفل الفولاني"، للكاتب المالي "أمادو همباتي با" من الكتب المهمة، وكذلك رواية "الله ليس اجباريًا" للكاتب الإيفواري "أمادو كروما"، ورواية "رسالة طويلة جدًا"، للكاتبة السنغالية "مارياما با"، ورواية "خالا"، للكاتب السنغالي "عثمان سيمبين".
وبعد هذه الرحلة الاستكشافية المميزة المرسومة بجميع ألوان الطيف، نجد أن إفريقيا قد أثبتت مقولة عالم الأعراق الألماني " ليو فروبينيوس" بأنها قارة ذات حضارة عالية"، وبأن الأدب الإفريقي استطاع أن يعبر البحار والقارات، ليحكي عن حضارة إفريقيا وهموم شعبها وتنوع ثقافاتها ولغاتها، ويُتوَج بجوائز عالمية.
ففي عام 1979 حصل الكاتب الـزمبابوي "دامبوزو ماريشيرا " على جائزة الغارديان Gardian Fiction Prize" عن روايته "بيت الجوع"، ليكون أول إفريقي يحصل هذه الجائزة.
وبعد بسبع سنوات، حصل الكاتب النيجيري "وولي سوينكا" على جائزة نوبل للآداب، ليكون أول إفريقي بعد الاستقلال يحصل على هذه الجائزة.
ومن بعده تُوِج كتاب أفارقة بجائزة نوبل للآداب، وهم الكاتب المصري "نجيب محفوظ" (1988)، الكاتبة الجنوب-إفريقية " نادين غورديمر" (1991)، والكاتب الجنوب-إفريقي (حاصل على الجنسية الاسترالية) "جون ماكسويل كوتزي" (2003)، الذي تشارك النضال مع الكاتبة السابقة ضد نظام الفصل العنصري الذي حكمت من خلاله الأقلية البيضاء في جنوب إفريقيا. وآخر الفائزين بجائزة نوبل المنحدرين من إفريقيا، الكتاب التنزاني (حاصل على الجنسية البريطانية) "عبد الرزاق قرنه" (2021).

.........


.
تسنيم طه قاصة وروائية ومترجمة سودانية تقيم بباريس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...