جعفر الديري - عبد القادر المرزوقي: لماذا تحرق الكتب؟

كتب – جعفر الديري:

أكد أستاذ الأدب والنقد الحديث المساعد د.عبدالقادر المرزوقي، أهمية الكتب كمحرِّك للحضارات الإنسانية، وكمـرجع ينقـل تفاصيل الحياة، وكميـزان ثـبات يضـبط ايقـاعها، مشيرا إلى ان معـظم الكتب التي تعرضت للحرق من قبل السـلطات، كانت تلك التي بنيت علـى العقـل أو الإبـداع أو كانت مختلـفة عـن المـألوف.

وعبر د.المرزوقي -خلال محاضرته "تدمير المعرفة في الحضارة العربية" ألقاها مؤخرا بأسرة الأدباء والكتاب- عن تفاؤله بعدم توقف عجلـة الفكـر التنـويري، وعدم جمود جهود التـأليف وإشـاعة المعـرفة والتجـديد المعرفي، رغم الخسارة الفكرية التراثية جرَّاء هذا الحرق.

مجتمع دون كتب

وقال المحاضر: دعونا نتصور أن نصحو ذات يـوم وقد خلـت المجتمعات من الكتب فمـاذا سـتكون ردة فعـل الانسـان؟ هل سيستقيم عطـاء الفرد؟ وهل سيتمكن مـن الارتقاء بفكـره؟ إن المنطـق السليم يرى أنّ خللا ما أصاب البشرية، فمنذ بـداية البشرية ومنذ أن اكتشف الإنسان مهـارة الكتابة والكتابة، والكتب تمثل المحرك للحضارات الإنسانية، إذ أنّها المـرجع الـذي ينقـل كل تفاصيل الحياة، فهـي ميـزان الثـبات أو كما نقـول باللهجة العـامية (القـبان) الـذي يضـبط ايقـاع الحـياة، فمـن هـنا نجـد أنّ الكـتاب واجه الكـثير مـن حـالات العـنف الـتي تمثلت في أساليب متعـددة كالمـاء والنـار والتـراب .

وأضاف: إن المجتمعات تنهض في جمـيع الحضارات بمـدى عمـق المخـزون الفكري والمعـرفي الـذي يمثـل الركـيزة الأسـاس في تبـديد شـبح الظـلام إلى نـور وآفـة الجهـل إلى علـم، ولـم يكـن السبيل إلى ذلك إلا بـوجود نخـبة من المفكـرين والأدبـاء والشـعراء الذين أخـذوا على عـاتقهـم الاشـتغال بصـنوف الفكـر والمعـرفة من أجـل خلـق حـراك ثقـافي يجـذّر الفهـم المعــرفي في مجتمعـاتهم. ولعـلّ التـاريخ البشـري يرصـد العـديد من الإنجــازات الفكـرية في مختلف الحضارات الكـونية الشـرقية منها والغـربية التـي أثـرت الفكـر الإنسـاني. وبالـرغم مـن تلك الإضـاءات الفكـرية فـي الحضـارة الانسـانية، فإن التـاريخ يسـرد لنـا الكثير من الجـوانب المظلمــة في تلك الإضــاءات والمتمثلة في حــرق المعــرفة. ويشـهد التـاريخ بـوقــائع موثـقة حـالات حـرق الكـثير من الكـتب.

لمـاذا تحـرق الكـتب

وحول دوافع حرق الكتب تساءل د.المرزوقي: لمـاذا تحـرق الكـتب؟ يقـول طـرفة بن العــبد "وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَـةً.. عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّـدِ". ويشخّص طـرفة بن العـبد صـورة ظلـم ذوي القـربى ليحيلهـا صورة ملموسة مرئية. وأسـتطيع أن أقـرر في هذا الصـدد أنّ الكــتاب أشـدّ قـربا من قـربى النسـب، إذ أنّـه أي الكـتاب يمثـل الـروح التي تتعـالق فيـه الأنفس والأفكـار لتشكّل العقـل الفـاعل في المجـتمع .مـن هـنا نجـد أنّ الكـتاب هو العـدو اللـدود للفكـر المنغلـق على ذاتـه نتيجـة تغـاير الـرؤى والتوجهـات الفكـرية.

وتابع القول: لـرصد دوافـع حـرق الكـتب أرى أنّهـا لا تخـرج عن كونهـا دوافـع دينيـة ودوافع سـياسـية لكـونهمـا محـوري الـبناء الثقـافي والفكـري للمجــتمع في جمـيع الحضـارات الانسـانية. وأضـيف اليهمـا دافعـا ثـالثا وهـو الـدافع الاجـتماعي فـي بعض الحـالات التي وثّقـها التـاريخ. ويمـوج التـاريخ بالكثيـر من الحجج الـتي بـنى عليها السـياسـيون مواقفـهم بشــأن إحــراق الكــتب، ولعـلّ الحجـة الأولـى التي يرتكـز عليها أولـئك السـياسيون هـي ما تتضمـنه تلك الكـتب من خطـر يهــدد النظـام السـياسي وثـوابت المجـتمع والـتي تعمـل على تمـزيق أسـس الوحـدة الوطـنية. لقــد كان الكـتاب عـبر العصـور هـو النـبع الـذي يروي ظمـأ النفس وينير الفكـر بتبـديده ظلمـات النفس، ولكـنه في الـوقت ذاتـه كـان العـدو الـذي لا يفتـأ في تفكيك النفـوس المريضـة ذات الفكـر المنغلـق علـى نفســه خيفـة مـن انتشار نـور المعـرفة. فممـا لا شـك فـيه أنّ كـل فكـر جـديد مغـاير لمـا جـبل علـيه الناس قـد يشـكل هـزّة عقلـية فـي فكـر الجمـاعات الـتي تـرى في كل فكـر جديد يسهم في عمليـة التنـوير خطـرا على رؤاهـم التي آمنـوا بها وإن كـانت تهـدف إلـى تصحـيح الفكـر أو أنها تضيف معـرفة تتسـاوق مـع تطـور البيئة المعـرفية في الحضـارة الانسـانية.

دوافـع سـياسية ودينية

وواصل المحاضر حديثه بالقول: تمثـل الـدوافـع السـياسية مرتكـزا تتـداخل فـيه السـياسة بالـدين، ونحـن إذ نقســم الــدوافع وراء حـرق المعـرفة إلى دوافـع سـياسية ودينية فهـي من باب التقسـيم المنهجي للـدراسـة، فمعـظم الكتب التي تـم حـرقها والتي اعـتبرت خطـرة علـى المجتمع هـي الكـتب التي بنيت علـى العقـل أو الابـداع أو المختلـفة عـن المـألوف ذات الصـبغة المتمـاهية مـع فكـر السـلطة القـائمة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...