جان الموهوب عمروش - على التِّلال الزرقاء غفا اليأس... ترجمة سلمى عمار قويدر

قِف أمامِي يا بُنيَّ
حتَّى أحفظَ قامَتَكَ في الذَّاكِرَة.
أَوَدُّ الذّهاب لمُلاقاةِ عائلتي:
جمعٌ من الأيادي الحانيةِ
حيثُ سيَّجَنَا النِّسيانُ.
أريدُ المُضِيَّ..
لأجد عائلتي البَشريّة الحقيقية.
تحت الفروع البارزة
لشجرة الزيتون المُسمَرَّةِ
في المنحدرات العارية
لتلك التِّلال الزرقاء
غفا اليأس.
والسَّمَاءُ الصَّارِمَةُ
فوق هذي الجموع الضائعة أبداً
حيث الموت غيرُ المُدْرَكِ البديعِ
تَدْفَقُ نداوتهَا الزرقاء.
لقدِ انسلّتِ الحياةُ الهَشَّةُ
من أزهارِ شجر الخوخِ البنفسجية
وفي قعر الأخوارِ الزرقاء
غنّى ماء الرَّحمة.
أودُّ الذّهاب لألقَى الملائكة، إخواني
حيثُ البلد الأخرسِ الَّذي يَسجنُه قلبي
أرواحٌ..
يا أرواحَ الموتى
تحت الصّخر المخطّط
إنّ الزيتون يَنوحُ فوق رفاتك المنسيّة
لكنّ الزيتَ المُضيءَ لا يمكنه أبداً
أن يمنح الحياة لأعضائك الجافة.
هل تَنسَكِبينَ في السّماء
عندَ السّاعةِ التي يحلّق فيها «البُرْني»*
حولَ المَهاوِي الزرقاءِ؟
يا مسافري القلق الأبدي
هل أنتم من يعبرُ حشود النجوم
التي لا تُحصى في السّماء السّوداءِ
حيثُ سَيُومِئُ لي نجمي ذات يوم؟
أين مكانُه
مكانُ طفلكم المَحتُومِ
طفلكم المسجونِ
في عظامه الآيلة إلى الصخر الأجدبِ؟
أين مكاني
مكانُ ابنكم المُكَبَّلِ؟
أريدُ أن أرتاحَ في كنفِ عائلتي الآدمية
تلكَ التي سُلِّمت إلى كراهيةٍ مُعتمة
آمِلاً أن يحرّرها إلهٌ
على جبلِ زيتونٍ
شبيهٍ بآخرَ ذي جذوع ملتوية في وطني.
أتخلى اليومَ عن هذا المكان
حيث ظننتُ أن قدميَّ ستقفان أبداً.
هذي القبور المُهداةُ لشمسٍ شرِهة
هذي النسوة ذوات الوجوهِ المُخَدَّدةِ،
بأيديهنّ الممدودة...
لا نحوَ هذه السّماء الصافية
بَلِ نحوَ الأيادي المغلقة
لأبناءٍ راحلين عنهنَّ
نحو بلاد الذهب والعمل اليسير.
إِنِّي أُبحِرُ اليومَ نحوَ تَلٍّ آخرَ
حيثُ بلدٍ لم يُرَ بعدُ بنظراتٍ بشريّةٍ
تحت شجرةٍ ذات أذرعٍ طويلة...
كنظرةِ أمٍّ.
وداعاً يا موطن مولدي


_______________________
* البُرني: اسم عامي لنوعٍ من الطيور الجارحة الصغيرة التي تعيش في شمال أفريقيا


وُلد الشاعر والروائي جان الموهوب عمروش (1906ـــــ 1962) في منطقة تُدعى الصّومَام، وبالضبط في قرية إِغِيلْ عْلِي، في ولاية بجاية شرق الجزائر. ينحدر الشاعر من عائلة جزائرية أمازيغيّة نزحت نحو تونس. والدته هي الشاعرة فاطمة آيت منصور عمروش التي غادرت قريتها تِيزِي هْبِيلْ وهي شابة، هرباً من سوء المعاملة كونها ابنة مجهولة الأب. التحقت فاطمة بمدرسة فرنسية للدراسة، ومن ثم اشتغلت في «مستشفى آيت مْنْغلَّاتْ» كممرضة، وقد اعتنقت الديانة المسيحية خلال تلك الفترة. تزوجت بعد ذلك من أنطوان بلقاسم وهو جزائري أيضاً، وأنجبت منه تسعة أبناء منهم الموهوب. تقول المراجع بأنها فجعت في سبعة منهم توفوا تباعاً، ما جعلها ذات شجن عظيم ميّز قصائدها وأغانيها الموسومة بالأسى والحسرة. أورثت مارغريت فاطمة آيت منصور لابنها جان الموهوب وشقيقته ماري لويز الطاوس عمروش شغف الشعر والكتابة والغناء والاعتزاز بالثقافة الأمازيغية.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...