إلى حضرة فخر بلغاء المصريين الأستاذ الجليل مصطفى صادق الرافعي، رفعه الله إلى أعلى مقام
أبدأ كلمتي هذه بتأدية عبارات الشكر الصادق للهدية التي أطرفتني بها وأنت نابغة بلغاء مصر على ما أعتقده في صميم القلب.
وأحسن دليل لذلك أني اقتنيت جميع مؤلفاتك وزينت بها خزانتي فأرجع إلى مطالعتها الفينة بعد الفينة كلما أردت أن أنزه نفسي وأطربها وأربحها من متاعب الحياة. إذن حل عندي (وحي القلم) محلاً رفيعاً لما حوى من مختلف الموضوعات التي جاءت بأفصح عبارة وأبلغها، بل تتحدى كل كاتب أن يأتي بضرعها؛ ولا سيما لأن أغلبها لم تمر على خاطر من سبقنا في الكلام؛ ولهذا اعتبرت دائماً الأستاذ الرافعي جاحظ العصر، أو أبن مقفعه، أو بديع زمانه. وقد نصحت لكثيرين من أبناء العراق أن يطالعوا ما كتبه أو يكتبه إذا أرادوا الجري فالسبق في ميدان الفصاحة والبلاغة ورفيع الإنشاء، فأخذوا بكلامي
بقي الآن أن أسألك عن أشياء لم أستطع أن أهتدي إليها، فالرجاء منك أن تعينني على تفهمها:
1 - جاء في الجزء الأول في ص6 ذكر (الكهربائية) والذي اعلمه أن الكهرباء قصور لا ممدود. وقد صرح بذلك صاحب تاج العروس؛ وجاء بالقصر أيضاً في جميع أسفار الأقدمين من العصر العباسي، فأن صحت هذه الرواية أفننسب إليها بالهمز أم بحذف الألف فيقال كهربي وكهربية كما يقال مصطفىّ ومصطفية على ما صرح به سيبويه، وإلا فأي فصيح قال كهربائي؟
2 - في ص8 ورد ذكر (المصنع) والعرب لم تنطق به. على أن القياس لا يمنعه، وقد ورد في الصحف والكتب العصرية ولا يزال يرد بهذه الصورة، ولكن ألا يتخذ الكاتب البليغ الكلمة التي جرت على أسلات السلف وهي (الطِراز) فقد قال في القاموس: (الطراز. . . الموضع الذي تنسج فيه الثياب الجديدة)؟
3 - وفي ص10 ذكر (الديناميت) فلو قيل البارود الناسف أو أن نكتفي بقولنا (الناسف) أو (النسَّاف) كما يقول العراقيون، عامتهم وخاصتهم، أما يكون أحسن؟
4 - وفي ص34 جاء ذكر (ملك الزمن الربيعي)، وأنا لم أجد إلى الآن فصيحاً نسب إلى الربيع بإثبات يائه بل قال (الرَّبّعي) فهل عثرت على مثل كلامك في (كتاب بليغ صحيح قديم)؟
5 - وفي تلك الصفحة قيل (يضحك ويستحي) وقد تكررت استحى يستحي وزان افتعل يفتعل مراراً كثيرة وقد أنكرها بعض الفصحاء وقالوا في مكانها استحيا يستحي
6 - وفي تلك الصفحة (تراها - أي الطاقات - عطرة بيضاء) وأنا لم أجد إلى الآن في شعر أو نثر من وصف جمعاً مؤنثاً سالماً لعاقل أو لغير عاقل بوصف مفرد مؤنث وهي من باب أفعل فعلاء الدال على لون أو عيب أو حلية. فهل مرت تحت عينيك هذه الصيغة في كلام قديم بليغ من أهل الجاهلية أو صدر الإسلام؟
7 - وفي ص35 ورد: (تعطي لكل شيء تماماً) وهو تعبير جائز؛ لكن ألا يكون أبلغ لو قيل: تعطي كل شيء؟
8 - وضبطت (البلُّور) في ص44 وزان تنُّور، كما في القاموس؛ ولكن اللغويين البصراء الحُذَّاق الأئمة أنكروها وفضلوا عليها البِلّوْر وزان سِنَّوْر، كما في اللسان ولم يعرفوا سواها. فما الجواب؟
9 - في ص45 (تحتاجه الحياة) وهذا من باب الحذف والوصل، وهو كثير في كلامهم؛ لكن أليس الأبلغ أن يقال (تحتاج إليه الحياة)؟
10 - كنت أظن أن (البركان) الوارد في ص101 وسواها لفظة لا نعرفها العرب الأقدمون، بل كانوا يعرفون (الأطمة)، أفليس الأحسن لنا أن نقر ألفاظ السلف على ألفاظ الخلف التي لم يعرفها الأوائل وفيها خلف ظاهر؟
11 - ضبطت في تلك الصفحة (وغلظته) بضم الميم وأنا لم أجدها في معجم.
12 - وكثيراً ما جاءت (النواميس) ومفردها (الناموس) في وحي القلم ففي ص102 (إن النواميس الطبيعية) وفي ص9 من الجزء الثاني: (في تحقيق ناموس)؛ وقد تكررت الكلمة مفردة ومجموعة. وكنت أتوهم أن العرب لم تعرف هذه الكلمة بمعنى (السنة) وإنما جاءت بمعان أخر مذكورة في دواوين اللغويين. أما الناموس بهذا المعنى (أي بمعنى السنة) فقد أدخلها (النصارى) المعربون منذ صدر الإسلام لوجودها في التوراة والإنجيل بهذا المعنى. وكذلك تراها مبثوثة في كتب المنطق والفلسفة والطبيعة والطب واللاهوت وما وراء الطبية؛ لكن فصحاء المسلمين لم يحقوها ولم يقروها في أسفارهم ولا في معاجمهم، فهل وجدتها بهذا المعنى في الدواوين القديمة في غير ما أشرت إليه من التصانيف؟
. . . هذه بعض أسئلة - وليس فيها شيء من النقد، معاذ الله - وقد خطرت ببالي وأنا أتلذذ بتصفح هذا السفر الفذ، وأتوقع الجواب عنها. فعسى ألا أحرم أنوارك المبددة للظلمات، وأختم كلمتي هذه بالشكر ثانية لأياديك البيض كما بدأتها به.
الأب أنستاس ماري الكرملي
* (لما أصدر المرحوم الرافعي كتابه (وحي القلم) في يناير سنة 1937 أهدى نسخة منه إلى صديقه العلامة الأب أنستاس ماري الكرملي عضو المجمع اللغوي؛ فبعث إليه بالرسالة التالية وفيها مسائل لغوية يطلب حلها)
أبدأ كلمتي هذه بتأدية عبارات الشكر الصادق للهدية التي أطرفتني بها وأنت نابغة بلغاء مصر على ما أعتقده في صميم القلب.
وأحسن دليل لذلك أني اقتنيت جميع مؤلفاتك وزينت بها خزانتي فأرجع إلى مطالعتها الفينة بعد الفينة كلما أردت أن أنزه نفسي وأطربها وأربحها من متاعب الحياة. إذن حل عندي (وحي القلم) محلاً رفيعاً لما حوى من مختلف الموضوعات التي جاءت بأفصح عبارة وأبلغها، بل تتحدى كل كاتب أن يأتي بضرعها؛ ولا سيما لأن أغلبها لم تمر على خاطر من سبقنا في الكلام؛ ولهذا اعتبرت دائماً الأستاذ الرافعي جاحظ العصر، أو أبن مقفعه، أو بديع زمانه. وقد نصحت لكثيرين من أبناء العراق أن يطالعوا ما كتبه أو يكتبه إذا أرادوا الجري فالسبق في ميدان الفصاحة والبلاغة ورفيع الإنشاء، فأخذوا بكلامي
بقي الآن أن أسألك عن أشياء لم أستطع أن أهتدي إليها، فالرجاء منك أن تعينني على تفهمها:
1 - جاء في الجزء الأول في ص6 ذكر (الكهربائية) والذي اعلمه أن الكهرباء قصور لا ممدود. وقد صرح بذلك صاحب تاج العروس؛ وجاء بالقصر أيضاً في جميع أسفار الأقدمين من العصر العباسي، فأن صحت هذه الرواية أفننسب إليها بالهمز أم بحذف الألف فيقال كهربي وكهربية كما يقال مصطفىّ ومصطفية على ما صرح به سيبويه، وإلا فأي فصيح قال كهربائي؟
2 - في ص8 ورد ذكر (المصنع) والعرب لم تنطق به. على أن القياس لا يمنعه، وقد ورد في الصحف والكتب العصرية ولا يزال يرد بهذه الصورة، ولكن ألا يتخذ الكاتب البليغ الكلمة التي جرت على أسلات السلف وهي (الطِراز) فقد قال في القاموس: (الطراز. . . الموضع الذي تنسج فيه الثياب الجديدة)؟
3 - وفي ص10 ذكر (الديناميت) فلو قيل البارود الناسف أو أن نكتفي بقولنا (الناسف) أو (النسَّاف) كما يقول العراقيون، عامتهم وخاصتهم، أما يكون أحسن؟
4 - وفي ص34 جاء ذكر (ملك الزمن الربيعي)، وأنا لم أجد إلى الآن فصيحاً نسب إلى الربيع بإثبات يائه بل قال (الرَّبّعي) فهل عثرت على مثل كلامك في (كتاب بليغ صحيح قديم)؟
5 - وفي تلك الصفحة قيل (يضحك ويستحي) وقد تكررت استحى يستحي وزان افتعل يفتعل مراراً كثيرة وقد أنكرها بعض الفصحاء وقالوا في مكانها استحيا يستحي
6 - وفي تلك الصفحة (تراها - أي الطاقات - عطرة بيضاء) وأنا لم أجد إلى الآن في شعر أو نثر من وصف جمعاً مؤنثاً سالماً لعاقل أو لغير عاقل بوصف مفرد مؤنث وهي من باب أفعل فعلاء الدال على لون أو عيب أو حلية. فهل مرت تحت عينيك هذه الصيغة في كلام قديم بليغ من أهل الجاهلية أو صدر الإسلام؟
7 - وفي ص35 ورد: (تعطي لكل شيء تماماً) وهو تعبير جائز؛ لكن ألا يكون أبلغ لو قيل: تعطي كل شيء؟
8 - وضبطت (البلُّور) في ص44 وزان تنُّور، كما في القاموس؛ ولكن اللغويين البصراء الحُذَّاق الأئمة أنكروها وفضلوا عليها البِلّوْر وزان سِنَّوْر، كما في اللسان ولم يعرفوا سواها. فما الجواب؟
9 - في ص45 (تحتاجه الحياة) وهذا من باب الحذف والوصل، وهو كثير في كلامهم؛ لكن أليس الأبلغ أن يقال (تحتاج إليه الحياة)؟
10 - كنت أظن أن (البركان) الوارد في ص101 وسواها لفظة لا نعرفها العرب الأقدمون، بل كانوا يعرفون (الأطمة)، أفليس الأحسن لنا أن نقر ألفاظ السلف على ألفاظ الخلف التي لم يعرفها الأوائل وفيها خلف ظاهر؟
11 - ضبطت في تلك الصفحة (وغلظته) بضم الميم وأنا لم أجدها في معجم.
12 - وكثيراً ما جاءت (النواميس) ومفردها (الناموس) في وحي القلم ففي ص102 (إن النواميس الطبيعية) وفي ص9 من الجزء الثاني: (في تحقيق ناموس)؛ وقد تكررت الكلمة مفردة ومجموعة. وكنت أتوهم أن العرب لم تعرف هذه الكلمة بمعنى (السنة) وإنما جاءت بمعان أخر مذكورة في دواوين اللغويين. أما الناموس بهذا المعنى (أي بمعنى السنة) فقد أدخلها (النصارى) المعربون منذ صدر الإسلام لوجودها في التوراة والإنجيل بهذا المعنى. وكذلك تراها مبثوثة في كتب المنطق والفلسفة والطبيعة والطب واللاهوت وما وراء الطبية؛ لكن فصحاء المسلمين لم يحقوها ولم يقروها في أسفارهم ولا في معاجمهم، فهل وجدتها بهذا المعنى في الدواوين القديمة في غير ما أشرت إليه من التصانيف؟
. . . هذه بعض أسئلة - وليس فيها شيء من النقد، معاذ الله - وقد خطرت ببالي وأنا أتلذذ بتصفح هذا السفر الفذ، وأتوقع الجواب عنها. فعسى ألا أحرم أنوارك المبددة للظلمات، وأختم كلمتي هذه بالشكر ثانية لأياديك البيض كما بدأتها به.
الأب أنستاس ماري الكرملي
* (لما أصدر المرحوم الرافعي كتابه (وحي القلم) في يناير سنة 1937 أهدى نسخة منه إلى صديقه العلامة الأب أنستاس ماري الكرملي عضو المجمع اللغوي؛ فبعث إليه بالرسالة التالية وفيها مسائل لغوية يطلب حلها)