أدب المناجم محمد العرجوني - عن أدب المناجم...

الحديث عن أدب المناجم، هدفه أساسا الحفاظ على ذاكرة تكونت عبر زمان محدد، أي زمان استغلال المستعمر أولا ما يزخر به باطن الأرض. مستعمر تشبع بالثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، ما دفعه إلى البحث عن حاجياته المنجمية و استعمار البلدان، قبل أن تستغله الدولة المغربية، بعد استقلالها. علما أن هذا الاهتمام بالمعادن الذي ظهر مع الثورة الصناعية في أروبا، أثر على نمط الحياة بالمناطق التي اكتشفت بها هذه المعادن كالفحم الحجري بجرادة، والمنغنيز ببوعرفة والنحاس بجبل لكلخ والحديد بالناظور والرصاص ببوكر الخ... نجد هذه الذاكرة محفوظة مثلا بشعر الزجل أو الفصيح وبالروايات والقصص، والفنون التشكيلية والمسرح الخ... والهدف من تخصيص لقاءات للمهتمين به هو حث كل من له علاقة بالعمل المنجمي ان يهتم به ويعطيه العناية المستحقة بالتشجيع على الإبداع الأدبي والفني، وبطبيعة الحال حث المسؤولين سواء منتخبين أو موظفي الدولة على ادماج هذا الأدب في المشاريع التنموية، والتفكير في الحفاظ عليه كتراث مادي ولا مادي، عبر تشجيع النشر وخلق المتاحف التي ترجع بالنفع على المناطق المنجمية التي أصبحت تعاني بعد إغلاق مواردها الأساسية.



هذا هو الهدف من مشاركتي في يوم خصص لهذا الأدب بمدينة بوعرفة التي تأسست على إثر اكتشاف المنغنيز بجبالها. فبعد زيارة المعالم المادية للمنجم حيث وقفنا على تاريخ تأسيسها رفقة بعض أبنائها وهم يروون ما عايشوه أو ما سمعوه، اجتمعنا أيضا مع بعض قدماء عمالها، خلال جلسة نشطها الصديق محمد جبوري، حيث استمعنا لشهاداتهم. ومن بينهم شهادة مؤثرة لسيدة مسنة، لأن المنجم عرف تشغيل العنصر النسوي أيضا فيما يسمى ب "الترياش" أي triage، وهي عملية فرز المعدن عن الأحجار وربما فرز المعدن حسب المعيار. جلسة استمعنا خلالها لبعض مما جادت به قريحتا الزجالين الرائعين زنطار وادريس، كما قدم الصديق السهلي عويشي، عرضا حول تجربتنا نحن أبناء جرادة في التعامل مع هذه الذاكرة. وفي الختام قدمت لنا جمعية رواد الخشبة للمسرح ببوعرفة، مسرحية، شخصها الثنائي حسن قوطيط والحفاظ، هدفها التاريخ للمكان ورد الاعتبار له بنفي الاستلاب الذي تعرض له حيث طمس اسمه الحقيقي : العين البيضاء، ولم يعد الناس يتحدثون إلا عن "المينة" أي المنجم. لهذا جاء هذا العنوان للمسرحية ردا للاعتبار للمكان الذي عرف بمائه، أصل الحياة. ثم بمنجمه مع مظاهر الحياة الناتجة عن نوع من التكامل /التصادم الثقافي الغربي والمحلي وبطبيعة الحال مع كل المشاكل الاجتماعية الناتجة عن استغلال بشع للثروات والإنسان من قبل الرأسمالية.
الهدف إذن، كما قلت لبعض مرافقينا الذين تزخر ذاكرتهم بالروايات الشفاهية المتسمة بالواقعية وبالخيال الذي يكاد يدخل في عالم الأساطير كما لاحظناه في الحكاية حول سبب وجود ضريح "سيدي سعيد"، هو المرور إلى تدوين ذلك كتابة حتى لا تتلاشى مع الزمان. بل والتعبير عنها بكل أشكال الإبداع.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...