أشرف عتريس - المقهى... مرة أخرى

في حارات ودروب بلادنا العربية، تحديداً في مصر وسوريا والعراق وبالطبع باقي البلاد يوجد المقهى، كجزء أساسي ومكون حقيقي للشارع والحارة والمحافظة والمدينة..

لم أفهم يوماً أن المقهى مجلس العاطلين وملهى للتسلية وقتل الفراغ ولا أعرف سبب هذا التوصيف القاسي الذي ينظر إليه من زاوية ضيقة الأفق بعين التشدد بغية وهم الانضباط..

شاهدت بنفسي وأشهد أنه كان ولم يزل مكان حميم للجلسات البريئة الواضحة، وملتقى للغرباء وراحة للمتعبين وبديل للضيافة إذا تعذر المضيف في لقاء الأصدقاء في بيته لعدة أسباب أهمها (حرمة البيت) تجنباً لخدش حياء سكانه.

أشهد أن المقهى تعقد فيه صفقات للعمل والمصلحة وادارة البزنس في مختلف الأحوال وهذا الجو الأليف قد يساعد على نجاح المهمة بالتمام.

أشهد أن المقهى يتحول إلى ندوة، جلسة، طرح الأفكار خارج الغرف المغلقة.

في تجربتي الشخصية تعرفت على شعراء في مقاهي شارع السعدون ببغداد وأيضاً في أحياء (العلاوي، الكاظمية، كرادة مريم)، ومعهم حضرت المربد الشعرى أيام ما كانت بغداد دولة وفخر للعرب – الله يرحم تلك الأيام –.

بالطبع يتكرر المشهد في سوريا (حلب ودمشق) وهي عواصم كبيرة ومدن تاريخية، نفس المعنى لا يبعد كثيراً في مصر، نفس المشهد حرفياً في بلاد أخرى..

الفكرة أن المقاهي الشعبية تاريخ شعوبنا وعليها تعرف كنه الحياة والبشر وعادات الشعوب وثقافتها،

على المقاهي تأصيل لعلم الاجتماع الميداني ويجد الباحث غايته، على المقاهي تسمع حكايات من الناس إلى الناس، تكتسب لغة ولهجة ولكنة خارج إطار الجريدة الرسمية والخطاب الحكومي في أي بلد.

يحضر أدونيس الى القاهرة ويسأل عن مقهى (ريش)، يحل نزار قباني ضيفاً على معرض الكتاب ويصطحبه بعض الشعراء إلى مقهى (الفيشاوي) في حي الحسين بالقاهرة.

نجيب محفوظ العالمي يجلس في مقهاه الذي تعوده مع الحرافيش من الكتاب والصحافيين في قلب القاهرة.

الطيب صالح، عبد الرحمن منيف، عبد الحميد البكاش، حيدر حيدر، محمد شكري، إبراهيم نصرالله، محمود درويش، مريد البرغوثي، أمير تاج السر، ممدوح عدوان،

محمد أركون، عابد الجابري، إدوارد سعيد وغيرهم، جميعهم يحبون الجلوس على المقاهي في عواصم الدول العربية في زياراتهم المختلفة ومنهم من يكتب مقالاً، جزء من دراسة نقدية، بعض مشاهد من رواياتهم، ويقال أن على إدريسي قيطوني كتب قصيدة (الشرارة) في مصر وعندما عاد إلى المغرب تم اعتقاله..

كلها أحداث وتفاصيل عن المقاهي ودورها في المجتمعات العربية ولفاء الأدباء والمفكرين والفنانين التشكيليين وصناع السينما والملحنين ولقاء الصحافيين الشهير بعدد من جمهور المقاهي وروادها أكثر من مرة بغرض التحقيق والربورتاج وتوثيق اللحظة الإبداعية لصاحبيها.

دمتم بخير رواد المحميات الشعبية في قلب كل شارع عربي ينعم بالضجيج والحياة التي نحبها، رغم المعترك وشظف العيش أحياناً.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...