حوار مع البروفيسور محمد عبد الرحمن يونس الأستاذ في جامعة ( جين جي الوطنية) بتايوان، و جامعة ( ابن رشد) في هولندا .. أجرته إلهام بدر الدين محفوظ

أجرت الحوار الفنانة التشكيلية إلهام بدر الدين محفوظ، الأستاذة في جامعة ديترويت مرسي، ، أمريكا


* هل لك أن تعطينا لمحة عن سيرتك الذاتية والجامعات التي درست بها ؟

** نشأت في أسرة تحب العلم والمعرفة، فجدي لوالدي وجدي لوالدتي قارئان متميزان ، وبخاصة في العلوم الإسلاميّة والدينية، أما والدي فهو أكثر منهما معرفة وإطلاعاً وقدرة على القراءة، إذ لم يكتف بهذه العلوم ، بل وسّع دائرة معارفه، فقرأ الشعر والأدب والتراث والتاريخ، والحكايات والسير العربية، وهو الذي شجّعني على القراءة ، وغرس في نفسي هذا الميل الكبير نحو القراءة من خلال تأكيده على دور القراءة الفعّال في حياة الإنسان الإنسانية والفكريّة ، وكان يردد علي مقولات كثيرة لفقهاء إسلاميين معروفين تؤكد أن العلم أهم من المال، وأنه يجب أن تكون اهتماماتك المعرفية هي الأولى في حياتك من بين الاهتمامات الأخرى، وأن المال في نهاية المطاف لا قيمة له أمام العلم ، فالمال يذهب والعلم يبقى، وإن أصابتك المصائب وذهب مالك فلا تأس عليه لأن ربك الكريم سيعوضك دائما عن كل خسارة تخسرها، فاتكل عليه في كل خسائرك ، واسأله أن يعوضك، وهذا ما كان يحصل لي فعلا ، فعند خسائري كان يعوضني الله سبحانه عن هذه الخسائر، فعلى سبيل المثال لقد خسرت سيارتين، الأولى استولت عليها غصبا وزورا إحدى جهات دوائر الشرطات العربية ( رجال البوليس)، ولكن الله عوضني بعد سنوات قليلة بأفضل منها، والثانية تحطمت بفعل حادث ، بينما كان يقودها صديق عزيز جدا من أصدقائي، عزيز على قلبي وروحي، لكن الله سبحانه وتعالى عوضني بأفضل منها، وأحدث وأكثر تقنية، وكان والدي يحضني دائما على الابتعاد عن كثرة مخالطة مجالس السوء لأنها تسهم في إضاعة الوقت، والعمر والجهد، والعقل أيضا ، أما المرحومة والدتي فقد علمتني على أن أحب الشعر، وبخاصة منه الشعر الصوفي ، لأنها كانت تحفظ كثيرا منه، وعلى حب السرد العربي القديم من خلال حكاياتها التي كانت تعتمد على سند تاريخي وأسطوري وخرافي ، وفي ما بعد أحببت السرد الحديث، وقرأت كثيرا من الروايات العربية والقصص المعاصرة، ثم أصبحت أكتب القصة والرواية.

حصلت على الثانوية العامة فرع علوم ورياضيات ، ثم على معهد إعداد المدرسين، ثمّ على الثانوية العامة / الفرع الأدبي، من وزارة التربية السورية ، ثم غادرت سوريا ، وسافرت إلى الجزائر، وهناك في جامعة الجزائر تخرجت في قسم اللغة العربية( اختصاص الأدب والنقد ) . ثمّ سافرت إلى المغرب، وفي جامعة محمد الخامس بالرباط تخرّجت في قسم اللغة العربية ، وحصلت على دبلوم الدراسات العليا- اختصاص الأدب الحديث، ثمّ انتقلت إلى ، إلى بيروت لأعمل مدير تحرير مجلة النافذة الأدبية، التي كان يرأس تحريرها القاص والروائي العراقي عبد الباقي شنان، وكان سكرتير تحريرها المرحوم الدكتور أسد محمد، وفي الوقت نفسه قمت بتحضير شهادة الماجستير ، وكان موضوع رسالتي : (( الأسطورة في الخطاب الشعري العربي المعاصر - دراسة نقدية تحليلية )) ، في الجامعة اللبنانية - الفرع الأول - بيروت . و قد بلغ عدد صفحات الرسالة ( 433) صفحة من القطع الكبير . ثمّ حصلت في الجامعة نفسها على شهادة دكتوراه الدولة في النقد الأدبي، وكان موضوع أطروحتي : (( المدينة والسلطة في ألف ليلة وليلة )) ـ وعدد صفحاتها ( 520) صفحة . وبقيت في إعداد هذه الأطروحة ست سنوات كاملة، ودرست من خلال هذه الأطروحة بنية حكايات ألف ليلة وليلة : سياسياً واجتماعياً وثقافياً . وكذلك الملامح الاجتماعية والسياسية لرجال السلطة ونسائها في هذه الحكايات. كما ركّزت على بنية الفضاء المكاني ،وأوصافه وملامحه ، وعلاقات قاطنيه ودوره في نمو الحكاية، وامتدادها .وعملت أيضاً مندوبا لموسوعة كشف السرقات الأدبية في الرياض ، وكتبت لهذه الموسوعة عدة أبحاث. وأعمل الآن أستاذا جامعيا ، ومحكما في عدة مجلات جامعية أكاديمية تهتم بالبحث العلمي .

س: بعد أن أنهيت دراساتك الجامعية ، ما هي الجامعات التي عملت بها .

في بدايات عملي الجامعي عملت محاضرا في كلية مركز اللغات بجامعة صنعاء باليمن، ثمّ ذهبت إلى الصين ، وفي بكين العاصمة، ألقيت محاضرات عديدة لطلاب شعبة الماجستير ،في الأدب العباسي والقصة القصيرة والشعر الحديث والمقالة والمسرح العربي الحديث والمعاصر، وذلك في جامعة الدراسات الأجنبية في بكين . هذه الجامعة التي تضمّ كلية كبيرة لعلوم اللغة العربية وآدابها، ويتخرج الطلبة فيها حاملين لشهادات الليسانس والماجستير والدكتوراه في اختصاصات الأدب العربي، وبعد عودتي من الصين عملت في جامعة أهل البيت العالمية وهي جامعة لها فروع عديدة في كثير من دول العالم ، وتعتمد نظام التعليم الإلكتروني، وكان راتبي فيها هزيلا جدا لا يعادل ربع الجهد الذي أبذله في إعداد المحاضرات التي كانت تأخذ مني وقتا طويلا، فاستقلت من الجامعة، وذهبت وعملت في جامعة الباحة بالمملكة العربية السعودية، وعانيت معاناة شديدة من ظلم نظام الجامعة، فقد كانت إدارتها إدارة مستبدة طاغية، لا علاقة لها بعلوم الإدارة ولا بأخلاق العلم والمعرفة، وقد كانت هذه الإدارة ظالمة للمتعاقدين معها وللأساتذة السعوديين أيضا، وعملت في هذه الجامعة في ثلاث كليات وهي كلية المعلمين وكلية التربية وكلية الآداب والعلوم الإنسانية ، وكان عمداء هذه الكليات مستبدين جهلة ، سارقين لأبحاث غيرهم، وكانوا يطلبون من الأساتذة العاملين معهم كتابة الأبحاث الأكاديمية لهم، حتى يترقوا بها ، ومن كان يرفض كان يهدد بإلغاء عقد عمله، وفي نهاية العام يجد أن عقد عمله قد ألغي بحجج ملفقة ظالمة منها : أنه طلب رشوة من الطلاب، وأخرى يتغيب عن محاضراته، وثالثة لا يعرف أن يحترم إدارة كليته ولا رئيس القسم الذي يعمل معه، وقد لفقت هذه الجامعة مثل هذه التهم لكثير من الأساتذة وألغت عقود عملهم، ومن هؤلاء الأساتذة : الدكتور منير الترك من سوريا والدكتور أسامة قدوره من سوريا أيضا، وعدة أساتذة من السودان ومن مصر والأردن، ومنهم الأستاذ الدكتور محمد فكري الجزار، والذي هو الآن عميدا لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة المنوفية بمصر. وكانت هذه الجامعة تأكل حقوق الأساتذة المالية إذ تطلب منهم أن يقوموا بأعمال لها وتعدهم بأنها ستعطيهم تعويضات مالية عن أعمالهم الإضافية، وعند ينجزون هذه الأعمال كانت تكذب إدارة الجامعة عليهم ولا تصرف لهم أي تعويضات مالية.

عانيت وعانى غيري كثيرا من ظلم هؤلاء العمداء، ومن ظلم نوّاب رؤساء الجامعة، وكنا نشكو هذه الإدارة الظالمة للمسؤولين السعوديين لكن لم أجد أي أحد ينصفني ويرفع الظلم عنا، وقد شكوت المسؤولين في إدارة الجامعة إلى السيد وزير التعليم العالي السعودي وإلى السيد رئيس منظمة حقوق الإنسان بالرياض وإلى سمو أمير الباحة مشاري بن عبد العزيز، وكان هؤلاء الثلاثة وعدوني أن يرفعوا الظلم عني ، لكن لم يستجب أحد منهم لصوت الحق والعدل ، عند ذلك قدمت استقالتي ، وفي تلك السنة قدم ثلاثون أستاذا جامعيا استقالتهم من هذه الجامعة احتجاجا على الظلم الذي لحق بهم، وهؤلاء الأساتذة من مصر والسودان وسوريا والأردن، غير أنه من باب الحق أقول إن الذي كان يخفف عني حالة الظلم الشديدة التي كنت أعاني منها ، كوني كنت أعمل مع رئيسين من رؤساء الأقسام وهما الأستاذان: الدكتور عبد الهادي أحمد الغامدي، والدكتور سعيد علي الجعيدي، وكانا مثالين للأخلاق الكريمة الفاضلة والتهذيب العالي، وقد عملا جاهدين على أن يرفعا الظلم عني وعن غيري من الأساتذة إلا أن إدارة الجامعة أسمعتهما كلاما قاسيا، وطلبت منهما إلا يتدخلا في عملها، وقد طلبا مني ألا أستقيل وأنتظر حتى يتغير رئيس الجامعة ونائبه وعميد الكلية الذي كان يرفع التقارير الظالمة إلى إدارة الجامعة ضد كل من يخالف سياسته الهوجاء البعيدة عن أخلاق العلم والمعرفة، لكني لم أسمع كلامهما واستقلت، وفي ما بعد لم يستطع هذان الأستاذان الكريمان الفاضلان ، عبد الهادي الغامدي وسعيد الجعيدي من تحمل الظلم الذي وقع عليهما أيضا فرفضا العمل كرئيسين للقسم، واستقالا هما أيضا من عملهما.

وحاول المدير الإداري ونائب رئيس النادي الأدبي بالباحة القاص الأستاذ جمعان الكرت والدكتور عبد الله بن عبد العزيز الباقي الزهراني، وهما رجلان كريمان من أعيان الباحة وشخصياتها المعروفة أن يرفعا الظلم عني، وذهبا معي مع الدكتور عبد الله بن عبد العزيز، وقابلنا مدير جامعة الباحة ، وطلبا منه أن يرفع الظلم عني, ووعدهما أنه سينصفني في أول العام الدراسي الجديد، لكن في ما بعد كذب وأخلف بوعده كعادة المسؤولين في جامعة الباحة، ولأني لم أستطع أن أقابله بمفردي دون وساطة، فقد اضطررت أن أطلب منهما مرافقتي، فقد كان لديه حاجب ومدير مكتب مستبد يمنع الأساتذة غير السعوديين من الوصول إليه إلا بعد وساطات ومعارف كثيرة، وفي ما بعد أبدى هذا الرجلان الكريمان أسفهما الشديد لعدم قدرتهما على مساعدتي، وقالا لي : لا خير في رجل كاذب يخلف وعدا يقطعه ، ورئيس جامعة الباحة هو ذلك الرجل.

بعد ذلك عدت إلى سوريا، وكنت مهموما وحزينا جدا، وشعورا مريرا بالظلم يلاحقني، وأصبحت كل يوم أدعو الله سبحانه وتعالى أن ينتقم ممن ظلمني في جامعة الباحة وهم أربعة أشخاص من أشد الرجال لؤما ، بشهادة معظم أساتذة جامعة الباحة ـ سعوديين أو متعاقدين مع الجامعة، من الأساتذة العرب ـ وهؤلاء الرجال هم: عميدا كلية التربية والآداب، ونائب رئيس الجامعة للبحث العلمي وسيدهم رئيس الجامعة، وبعد سنة دب الصراع بين هؤلاء الأربعة فلفقوا تهمة اختلاس لنائب رئيس الجامعة للبحث العلمي تؤكد أنه اختلس من ميزانية الجامعة ثلاث مائة ألف ريال سعودي، فأعفي من منصبه، أما عميد كلية الآداب فقد غضبوا عليه وأقالوه من منصب العمادة، أما عميد كلية التربية فقد كافأه رئيس الجامعة على ظلمة وجوره وعينه نائبا له ، وهما حتى الآن على كرسي المنصب ولا يزالان يمارسان الدور نفسه من استبداد وظلم على عباد الله. وفي سوريا خفت أن أبقى باطلا عن العمل، وهبط علي الهم إلا أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ سرعان ما أنجدني برحمة منه، إذ ألهم رجالا كراما حتى يمدوا لي يد المساعدة، وذات مساء اتصل بي صديقي الأستاذ الدكتور صلاح صالح قائلا: ماذا ستعمل بعد عودتك من السعودية؟ قلت له : لا شيء فأنا غير موظف في جامعات سوريا ، وكان الدكتور صلاح مثلي غير موظف أيضا.

قال : ما رأيك أن نعمل في فرع الجامعة الإسلامية الخاصة بحلب ( معهد السيدة رقية) ، وهي فرع من الفروع الجامعية التابعة لمعهد الشام العالي بدمشق؟

وقلت : شكرا لك أنا حقا بحاجة للعمل. ثم أعطى الدكتور صلاح رقم هاتفي إلى الأستاذ محمد جظة، في هذه الجامعة، وبعد ذلك اتصل بي الأستاذ محمد جظة،

وقال بأدب الرجل الكريم المهذب: يسعدني أن تعمل معنا في الجامعة وأهلا وسهلا بك؟ وحدد لي موعدا للالتحاق بالجامعة ، وذهبت مع الدكتور صلاح صالح إلى حلب ، وعملنا معا في فرع الجامعة، وفي فرع هذه الجامعة عملت سنة وكانت من أجمل سنوات عمري الوظيفي في مجال التعليم العالي، فقد عاملني الأستاذان المسؤولان عن الجامعة: محمد جظة والسيد محيي الدين معاملة كريمة جدا، إذ خففا عني الظلم الذي لحقني بالسعودية، وأعطياني مرتبا جيدا، وعرضا علي أن يعطياني ساعات إضافية كثيرة مأجورة إلا أني اعتذرت ، فلا طاقة لي على إعطاء الساعات الزائدة ، وأوضحت لهما إن لي قدرة فقط على إعطاء( 14) ساعة في الأسبوع، وكان طلاب الجامعة وطالباتها مجتهدين، وكثير منهم في غاية التهذيب والأدب، و نشأت بيننا صداقات طيبة، ولا تزال قائمة حتى الآن. ولا زلت أذكر أنه كان يعمل معنا في فرع هذه الجامعة أساتذة كرام وهم: الدكتور محمود حسن الجاسم الذي هو الآن في جامعة قطر، والدكتور عبود العسكري الذي لا أعرف مكانا له، والدكتور حسن عثمان، وهو أستاذ في جامعة حلب الحكومية، والمحاضر علي سليمان الذي كان يعمل في قسم الدراسات الإسلامية، وكان له فضل كبير على ابني وابنتي، إذ علمهما تلاوة كثير من الآيات القرآنية الكريمة بطريقة صحيحة.

وفي الوقت نفسه كنت أعطي محاضرات في جامعة ابن رشد في هولندا، من خلال نظام التعليم الإلكتروني، وكنت رئيسا لقسم اللغة العربية في هذه الجامعة.

وبعد أن هاجمت الجماعات الإسلامية المسلحة مدينة حلب وحاصرت جامعتي التي تبعد عن حلب ( 25) كم، اضطررت أن أستقيل من الجامعة، و أن أذهب إلى تايوان ، ( الصين الوطنية)، وهناك عملت أستاذا في جامعة ( جين جي الوطنية بتايبي) ، وفي الوقت نفسه عميدا لكلية الآداب والعلوم الإنسانية لجامعة ابن رشد في هولندا، ولا زلت أعمل حتى الآن .

لقد نشرت كثيرا من الدراسات والبحوث في الصحف والمجلات، ولك عدة كتب مطبوعة ؟ . ما هي هذه الكتب ؟

: لقد نشرت في المجلات والصحف العربيّة (215) مائتين وخمسة عشر بحثاً ودراسة نقديّة وأكاديميّة ومقالاً قصيراً، تناولت فيها موضوعات عديدة في الشعر والقصة والرواية والمسرح وألف ليلة وليلة ، ونشرت هذه البحوث والدراسات في ( 110) مجلة وصحيفة ودورية عربية تصدر في الوطن العربي وأوروبا وأمريكا واستراليا والصين وتايوان واليابان وكندا ، بالإضافة إلى عدة أبحاث منشورة على شبكات الانترنت .

أمّا كتبي المنشورة فهي :

1ـ آخر تحليقة لنورس مهاجر،( قصص قصيرن) دار سعاد الصباح ، الكويت ، 1991م.

2 ـ ملكية والنورس ووهران،( قصص قصيرة)، دار المنارة، سورية، 1993م

3ـ رقص سماح على أنغام زرياب ( قصص قصيرة) ، دار النافذة، أثينا ، 1994م.

4ـ اللوتس،( قصص قصيرة) ، دار الكنوز الأدبيّة، بيروت 1995م.

5_ تأثير ألف ليلة وليلة في المسرح العربيّ الحديث والمعاصر ( بالاشتراك) مع الدكتور منذر رديف العاني ،وعبد الكريم شعبان ، دار الكنوز الأدبية، بيروت 1955م.

6ـ ولاّدة بنت المستكفي في فاس ( رواية) ، دار الكنوز الأدبيّة ، بيروت 1995م.

7 ـ الجنس والسلطة في ألف ليلة وليلة ، مؤسسة الانتشار الأدبي، لندن 1998م.

8 ـ رحلة بكين، ملامح من الصين المعاصرة، دار السويدي للنشر والتوزيع/ أبو ظبي، و: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، عام 2004م.

9 ـ الاستبداد السلطوي والفساد الجنسي في ألف ليلة وليلة، الدار العربية للعلوم، ناشرون، بيروت/ و مكتبة مدبولي ، القاهرة ، عام 2007م.

10 ـ المدينة في ألف ليلة وليلة، ملامحها الثقافية والاجتماعية والسياسية، الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، طبعة 2008م.

11 ـ نساء السلطة في ألف ليلة وليلة، الفكر والسلوك، دار مجلة مقاربات، فاس، المغرب، طبعة 2010م.

12 ـ مقاربات في مفهوم الأسطورة شعرا وفكرا، نادي الباحة الأدبي، السعودية، و: مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، طبعة عام 2011م.

13 ـ الأسطورة ،مصادرها وبعض المظاهر السلبية في توظيفها، دار الألمعية للنشر والتوزيع ، قسنطينة، الجزائر ، طبعة عام 2014م.

14 ـ من اللاذقية إلى بكين، الصين المعاصرة في ظل سياسة والإصلاح والانفتاح، دار الألمعية للنشر والتوزيع ، قسنطينة، الجزائر ، طبعة عام 2014م.

15 ـ ذكريات ومواجع على ضفاف عدن، دار مجلة مقاربات، فاس، المغرب، الطبعة الأولى 2016م.

بالإضافة إلى سبعة مخطوطات في الأدب والنقد والقصة والرواية لم تنشر بعد.

وقد حصلت على عشر جوائز أدبية في القصة والرواية والنقد الأدبي والدراسات النقدية.

س: أثرت ألف ليلة وليلة كثيرا في آداب الأمم والشعوب، هل يمكن أن تذكر بعض مظاهر هذا التأثير.

: إذا كان هذا السؤال على قدر كبير من الأهمية، فإنّ الإجابة عنه تطول كثيراً ،ويمكن أن تشكّل محاور رئيسة عديدة لرسالة ماجستير أو دكتوراه ، لأنّ لألف ليلة وليلة تأثيراً كبيراً في آداب الأمم والشعوب وفنونها العديدة ، فقد أثّرت في آداب هذه الأمم وما تزال تؤثر حتّى الآن ، ويمكن القول بشيء من الاختصار : إنّ كتاب ألف ليلة وليلة ترجم إلى معظم لغات العالم الرئيسة ، وتأثّر به كبار رجال الفكر والأدب في العالم، واستلهموا منه أجمل ما كتبوه من نصوص إبداعية ، فقد أكّد فولتير أهمية كتاب ألف ليلة وليلة قائلاً : (( لم أصبح قاصاً إلا بعد أن قرأت ألف ليلة وليلة أربع عشر مرة )). أمّا الناقد الفرنسي ستندال فقد أعجب به إعجاباً شديداً وتمنى أن يصاب بفقدان الذاكرة حتى يعيد قراءة حكايات ألف ليلة وليلة ، ويستمتع بها ، كما استمتع بها في أول قراءة لها . أمّا أناتول فرانس فقد أكّد أنّه تتلمذ على حكايات ألف ليلة وليلة قبل أن يكون أديباً .

وتقول الناقدة الألمانية أردموتة هللر عن ألف ليلة وليلة : (( أسهمت حكايات ألف ليلة وليلة في خلق الصور الرومانسية الخيالية عن الشرق ، إذ حملته معها ونقلته إلى الغرب . وتسنّى للغرب من خلال حكايات شهرزاد اكتشاف الشرق . ولا يوجد مؤلف شرقي ( بفتح اللام ) أثّر تأثيراً قويا في الأدب الأوروبي مثل تلك الحكايات الرائعة والجذابة . وبين ليلة وضحاها أصبح هذا الكتاب جزءاً لا يتجزأ من الأدب العالمي تماماً مثل إلياذة هوميروس ، وآينيز، وفرجيل ،وديكاميرونة ، وبوكاتشيو ، والملحمة الألمانية القديمة المسماة ( nibelungenlied) .)) . أمّا الباحث والناقد الإنكليزي كولريدج ، فيقول عن ألف ليلة وليلة : (( إنّ قصص شهرزاد شبيهة بالأحلام ، إذ أنها لا تبعدنا عن الواقع ولكنها تعطينا صورة مغايرة له ، تلك الصورة التي لا يدركها العقل )).أما الباحث والناقد جون جو لميير فيقول : (( إنّ شخصية شهرزاد أثّرت تأثيراً حاسماً في تاريخ المرأة الأوروبية، وجعلت القرن الثامن عشر أعظم القرون في حياتها، وكان لجمالها وثقتها بنفسها ، وتصديها وحدها لشهريار الذي عجز كلّ الرجال عن أن يوقفوه، واستخدامها لسلاح الأنوثة والمعرفة معاً، كان لهذا كله أثر كبير في تكوين شخصية المرأة الأوروبية )) .

لقد أثرت ألف ليلة وليلة في جميع الأجناس الأدبية الأجنبية ، وفي الفنون أيضاً ، وقد كان تأثيرها واضحاً في الكتابات القصصية التي ظهرت في فرنسا وانجلترا وإيطاليا خلال القرن الثامن عشر ، والتي ظهرت في أمريكا خلال القرن التاسع عشر ، ومن النصوص الأجنبية التي تأثرت بهذه الحكايات : ( فاثيك ، لبكفورد 1786م) ، و( لالا روخ ، لتوم مور 1817م)، وقصائد بيرون المطولة ، ومنها : ( رحلة الفارس هارولد ) ، و مجموعة قصائده الموسومة بـ ( حكايات تركية ) . ونشر توماس هوب في عام 1819م رواية بعنوان : ( أنا ستازيس : مذكرات يوناني ) ، وفيها استقى عوالم ألف ليلة وليلة السحريّة والغرائبيّة . وكتب جيمس جوستنين موريي ( 1780 ـ 1849م) رواية بعنوان : ( مغامرات حاجي بابا ) ، ذكر في مقدمة طويلة لها علاقة روايته بحكايات ألف ليلة وليلة ، ثمّ عاد ونسج من عوالم ألف ليلة وليلة عدة روايات أخرى ، وهي على التوالي : ( الرهين زهراب ، 1832م) ، (عائشة ، 1834)، ( ميرزا ، 1841م)،( مسلمة: قصة فارسية، 1847م).

وكتب كنج ليك عملا بعنوان: ( إيثون: إي من الشرق، 1844) ، وهو عبارة عن رحلة عبر تركيا وسورية وفلسطين ومصر، استدعى من خلال عمله الإلياذة لهوميروس، وكذلك حكايات ألف ليلة وليلة ، وفي عمله هذا عبّر عن كراهيته الشديدة للمسلمين والعرب، ووصف الرجل منهم بأنّه جثّة هامدة جافة، وأنّ عقله محنّط كالمومياء.

وتأثّر الأديب والفيلسوف مونتسكيو في كتابه : (الخطابات الفارسية ، 1721م)، بحكايات ألف ليلة وليلة حين تصويره للولائم ، ولعادات الشرق، ولحريمه وعلاقاتهنّ. أمّا فولتير فقد كان من أكثر الأدباء الذين تأثروا بهذه الحكايات، ويظهر هذا التأثير واضحاً في رواياته: ( صادق ، 1747م) ، ( سمير أميس، 1748م)،( أميرة بابل،1768م)، وقصة: ( العالم كيفما يسير،1747م).

وقد حاول أنطوني هاملتون ( 1646 ـ 1720م) في روايتيه : ( حكاية الحمل) ، و:( قصة زهرة الشوك) ، أن يقلّد شخوص ألف ليلة وليلة في مغامراتهم، وعلاقاتهم بالجان . أمّا اللورد وليم بيكفورد، فقد أبدى إعجاباً شديداً بهذه الحكايات ، وكتب قصّة بعنوان: ( الخليفة الواثق بالله، 1782م)، مستوحياً أحداثها وعلاقات قصورها من أحداث حكايات ألف ليلة وليلة وفضاءاتها المكانية . أمّا الفرنسي تيوفيل جوتييه فقد كان عاشقاً لمدينة القاهرة التي تعدّ من أهم مدن ألف ليلة وليلة، وقد وصف شوارعها وأسواقها المزدحمة، وحوانيتها التجاريّة العامرة بجميع أنواع البضائع، ومن خلال عشقه لهذه المدينة الجميلة التي قرأ عنها كثيراً، وسمع أخبارها العجيبة من أصدقائه الرحالة، ثمّ زارها في ما بعد، وقد كتب عنها في رواياته المليئة بموتيفات ألف ليلة وليلة وصورها ، وهذه الروايات : ( وجبة في صحراء مصر، 1831م)، (ليلة من ليالي كليوباترة،1838م)، (قدم المومياء 1840م)، ( رواية المومياء ،1858م). أمّا قصة روبنسون كروسو ، ورحلات كاليفرز الإنكليزية فهما مأخوذتان، في بنية أحداثها وخيالاتها من بنية حكايات السندباد البحري ورحلاته السبع صوب جزر العالم البعيدة ومرافئه.

وقد أخبرني صديقي المستشرق الصيني الأستاذ الدكتور شريف شي سي تونغ أنّ بعضاً من حكايات ألف ليلة وليلة يدرس في المدارس الابتدائية والثانوية الصينية، بالإضافة إلى الجامعات، وبخاصة كليات الآداب والتاريخ والعلوم الإنسانية في الصين، وقد قمت وبنفسي، بتدريس حكايات السندباد البحري وأسفاره لطلابي في شعبة الماجستير بجامعة الدراسات الأجنبية في بكين، وقد أبدى هؤلاء الطلاب إعجاباً شديداً بهذه الحكايات.والآن أقوم مع بعض زملائي في جامعة ( جين جي الوطنية) بتايوان بتدريس بعض حكايات ألف ليلة وليلة لطلاب الجامعة، غير أن زملائي التايوانيين يدرسون هذه الحكايات ليس من نصها العربي الأصلي، بل من خلال الترجمات إلى اللغة الصينية .

ولم يقتصر تأثير ألف ليلة وليلة على القصة والرواية فحسب، بل تعداه إلى أنواع الفنون كافة، ففي المسرح نجد أن المسرحيتين الأوروبيتين: ( علاء الدين ) , و : ( حلاق اشبيلية) تتناصان بشكل واضح وكبير مع حكايتين من حكايات ألف ليلة وليلة ، وهما : ( مزين بغداد) ، و ( علاء الدين والمصباح السحري) .أمّا المسرحي الأسباني لوبي دي فيجا (lepe de vega)، فقد كان أهمّ المسرحيين الأسبان الذين تأثّروا بحكايات ألف ليلة وليلة ، وبخاصّة حكاية ( تودد الجارية مع الخليفة هارون الرشيد) ، وقد سميت إحدى مسرحياته المتأثرة بشكل مباشر بهذه الحكاية بـ : ( الجارية تيودور ) .

لقد كانت حكايات ألف ليلة وليلة بالنسبة لفناني العالم مكمناً للسحر والتخيّل الخصب ، وكانت شهرزاد بالنسبة لهم مثالاً للمرأة المتمردة على علاقات مقاصير الحريم ونظمها وقوانينها وضوابطها، ومثالاً للمرأة الشهوانية والمثيرة التي تفضح وتعري بنات جنسها، وتصف أدقّ خصوصيات المرأة في علاقاتها مع عالم الرجال، وفي الوقت نفسه مثالا للجمال الشرقي الأخّاذ ، والمعرفة والحكمة ، والذكاء الذي استطاع أن يردع شهريار عن استمراره في قتل بنات مدينته في كل ليلة. هذا الجمال الذي بدا لهم أقرب إلى الأسطورة، فاستوحوا من شخصيتها أجمل اللوحات الفنيّة، وكانت رحلات السندباد البحري، بعوالمها الغرائبية و السحريّة الموشومة بالعفاريت والجنّ والسحرة، معيناً لا ينضب، وقادرا على أن يشكّل مزيداً من اللوحات الفنيّة . وقد كان لترجمة ( أنطوان جالان ) لكتاب ألف ليلة وليلة إلى اللغة الفرنسية أثر كبير على أدباء الغرب، لأنّ هذه الترجمة تعدّ من أوائل الترجمات ، وأكثرها قرباً إلى نفوس الفرنسيين، وأكثرها جاذبية سحريّة لهؤلاء الفرنسيين. ومن أجواء ألف ليلة وليلة استوحى الرسامون: رينوار وماتيس وإنجر، أجمل لوحاتهم ، فرسموا الجواري وحظايا السلاطين، وجميلات القصور، أمّا الفنان ( ديلاكروا) ،فقد فتحت حكايات ألف ليلة وليلة آفاق مخيلته الرحبة ، فسافر إلى المغرب والجزائر، وأقام فيهما، وبدأ يرسم النساء العربيات الغارقات في نعيم القصور وعزّها، ورسم من وحي ألف ليلة وليلة لوحته المشهورة ( نساء الجزائر)، أمّا الفنان (فان دونجن) ، فقد استوحى لوحته المعروفة ( راقصة شرقية) من حكايات ألف ليلة وليلة. وشكّل الفنان ( أنج تيسييه) من شخصية شهرزاد لوحات فنية زيتية مشعّة بالجمال والأنوثة.

لقد نال كتاب ألف ليلة وليلة اهتماماً من مفكري الأدب العالمي وأعلامه، لم ينله أي كتاب آخر ، هذا إذا استثنينا القرآن الكريم، فظهرت فيه دراسات كثيرة تناولت حكاياته ، بالتحليل والدراسة والمقارنة, والمؤثرات الداخلة فيها، ويصعب على أيّ دارس أدبي ، مهما كان واسع الإطلاع والمعرفة، أن يحيط بجميع دارسي هذه الحكايات، إلاّ أنه يمكن القول: إنّ من أهم الكتاب الأجانب الذين درسوا حكاياته، وحللوها: د. ب. ماكدونالد ( 1863 ـ 1943م) ،ج. أويسترب ( 1867 ـ 1938م)، إينو ليتمان( 1875 ـ 1938م) ، يوسف فون هامر، وليم لين، دي غويه ، نولدكه، تسيبولد، كريمسكي، هرمان زوتنبرغ، شوفان، رينيه باسيه، فون شليكل، أوغست ميلر، إميل كالتييه، فون لولمرنيك، هـ . ريتر، وليم بوبر، سلفستر دي ساسي، هوروفتز،

كالتييه، باتريك رسل، سيتزن، رودري باريت، وليم جونز، كوسكان وبرزيلسكي، كرونباوم، هـ . كريكوار، ر. كوسنس.

ولم تتوقف الدراسات الأجنبية في حكايات ألف ليلة وليلة عند هؤلاء الأسماء، بل ظهرت دراسات جديدة معاصرة استكملت الدراسات السابقة، وأتت بنتائج جديدة ومهمّة، ولعلّ أهمّ الدارسين المعاصرين لهذا العمل الأدبي الخالد: هنري فارمر، أندريه ميكيل، تزيفيتان تودوروف، فردريش فون ديرلاين، هو جوفون هوفمنستال، ميشيل جاك، إدجار ويبر، دايفيد بينولت، جيروم كلينتون، ، برتف بوراتاف، خورخي لويس بورخيس،أندرياس حاموري، جيرهار فيشر،إليوت كولا، سيلفيا بافلن وآخرون ، ومن لصينيين المعاصرين الذين ألتقيت بهم في بكين ، والذين كتبوا عن ألف ليلة وليلة ، الأساتذة الدكاترة : شريف تشي بو هاو ، و صاعد تشونغ جيكون، و لي تشين تشونغ.

ولا نغالي إذا قلنا إنّ ألف ليلة وليلة شكّلت لدى الغربيين حافزا مثيراً وقويا دفعهم إلى التطلع إلى الشرق، ومدنه وفضاءاته المكانيّة التي أسهمت في بناء هذه الحكايات. ولقد كان لهذا الكتاب في ما بعد دور كبير في دفع حركة الاستشراق وانتشارها بقوة، لأنّ الأوروبيين أحبّوا هذا العمل، وافتتنوا به، واعتبروه المسرود الثاني بعد كتاب الله سبحانه وتعالى، القرآن الكريم، فما كان من أدبائهم ومستشرقيهم إلاّ وأن تاقوا لزيارة بلدان الشرق وعوالمها السحريّة، فرحلوا إلى هذا الشرق باحثين، وراغبين في معرفة سرّ غوامضه، ثمّ في ما بعد دوّنوا مشاهداتهم وانطباعاتهم عن هذا الشرق في كتب عديدة.

لقد دخلت حكايات ألف ليلة وليلة في نسيج التركيب المعرفيّ للثقافة الأجنبية، على اتساعها الزماني والمكاني، وأثّرت فيها تأثيراً شديداً، ولا تزال تؤثّر حتى الآن، ويصعب على أيّ باحث، مهما كان واسع الإطلاع والمعرفة، أن يكشف عن جميع جوانب هذا التأثير، في جميع الأجناس الأدبيّة، سواء أكانت أوروبية أم أمريكية، أم آسيوية، أم غير ذلك.

س: كيف تنظر إلى آفاق تعليم اللغة العربية في الصين في ظلّ سياستها الجديدة؟ .


لقد كانت الصين في عهد ماو تسي تونغ ، تولي أهمية كبيرة لتعلّم اللغة العربية وتدريسها في الجامعات الصينيّة، لأنّ الحكومة الصينيّة كانت طموحة في إقامة علاقات وطيدة ـ تجارياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً ـ مع دول الوطن العربي أكبر من طموحها في أن تقيم مثل هذه العلاقات مع أمريكا وأوروبا، لأنّ السياسيين الصينيين في عهد ماو تسي تونغ، كانوا ميّالين إلى العرب أكثر من ميلهم إلى أمريكا وأوروبا، وكان الطالب الصيني الذي يتخرّج في الجامعة متقناً اللغة العربية يجد عملاً وبسهولة بعد تخرّجه، ويتدرّج في عمله حتى يستلم مناصب مهمّة في الدولة. أمّا اليوم فقد تراجع تعليم اللغة العربيّة في الجامعات الصينية بشكل واضح، وصار الطلاب الصينيون ميالين إلى تعلّم اللغات الأجنبيّة الأخرى كالإنكليزية والفرنسية والألمانية والإيطاليّة والأسبانية واليا بانية والكورية والروسيّة وغيرها، لأنّ الحكومة الصينية الحاليّة لم تعد تولي أهمية لطلاب الأقسام العربية. ويجد خريجو هذه الأقسام صعوبة بالغة في الحصول على وظيفة، سواء أكانت في شركات القطاع العام أم الخاص، وقد وعى الطلاب الصينيون دارسو اللغة العربيّة ذلك، فأخذوا يتعلّمون في جامعتين في الوقت نفسه، في جامعة يدرسون اللغة العربيّة ، وفي جامعة أخرى يدرسون السياسة والتجارة والاقتصاد أو اللغة الإنكليزية، وغير ذلك.

إنّ الحكومة الصينية المعاصرة ، في هذه الأيام، تعمل على توطيد علاقاتها مع أمريكا والغرب الأوروبي والعالم الصناعي، أكثر من ميلها إلى مثل هذا التوطيد مع دول الوطن العربي، لأنّها ترى أنّ مصالحها الكبرى تتجسّد بانفتاحها نحو أمريكا وأوروبا، ومن هنا فقد بدأت الجامعات الصينيّة التي تدرّس اللغة العربية في تقليص عدد الطلاب الذين تقبلهم، حتى أنّنا نجد أنّ بعض هذه الجامعات تخلو من صف من الصفوف، فعلى سبيل المثال نجد أنّ جامعة بكين في العام 2001م، تخلو تماماً من طلاب الصف الثالث/ السنة الثالثة، ونجد أن جامعة اللغات والثقافة ببكين تخلو تماماً من طلاب السنة الأولى في العام نفسه، وفي جامعة أخرى لا نجد أيّ طالب من طلاب السنة الأولى أو الرابعة، وهكذا. وإذا ما بقيت الحكومة الصينيّة مستمرة في اندفاعها السريع صوب إقامة المزيد من علاقات الانفتاح نحو أمريكا والغرب الأوروبي وإسرائيل، فإنّ مستقبل اللغة العربية في الجامعات الصينية ـ بلا شكّ ـ سيتراجع تدريجياً .

س أنت معروف بترحالك وسفرك من بلد إلى بلد. لماذا هذا السفر دائما؟

: نعم أنا أسافر دائما، وسبب أسفاري بالدرجة الأولى للعمل في الجامعة، والسبب الثاني أني أجد غربة كبيرة داخل المدن العربية، وداخل الجامعات العربية ، فالجامعات العربية قلاع من قلاع الظلام ، ورؤساء جامعاتها وعمداء كلياتها ليسوا إلا رجال شرطة متخلفين وقساة، لا يعملون على تطوير جامعاتهم ودفع مسيرة التنوير المعرفي فيها إلى الأمام، بل يكرسون وبطريقة مقصودة سياسة الظلم والتخلف ، ولذا فإن العمل في هذه الجامعات قاس، ومعقد، و لا فرح فيه، والحياة في العالم العربي صعبة وكئيبة وحزينة، إنها كابوس حقيقي، ومن خلال هذا الكابوس يصعب على الفرد أن يفكر جيدا ويقرأ جيدا، ويكتب بحرية ، إن بنية الحياة العربية المعاصرة هي بنية معقدة جدا، ودوائر ومؤسسات العالم العربي الحكومية من أسوأ الدوائر والمؤسسات في العالم كله، فعندما أنجز معاملة في دوائر العالم العربي أبقى أياما طويلة حتى أنجزها إذ تستهلك هذه المعاملة أو تلك وقتي وجهدي، وترهقني وتشل قدرتي على التفكير، فأجد نفسي عاجزا عن فعل أي شيء، فأتراجع عن محاولة إنجازها. في العالم العربي وجامعاته لا أستطيع الحصول على حقوقي كمواطن وكأستاذ جامعي، ولا أجد أحدا يمد لي يد العون والمساعدة حتى أحصل على هذه الحقوق، أما في تايوان، فعلى سبيل المثال ، لا أجد أي صعوبة في إنجاز أي معاملة رسمية في دوائر الدولة ، وأنجز كل معاملاتي وبسرعة ، ومن دون إهانة من أي موظف من موظفي الدولة، ومن دون أن أدفع رشوة لأي موظف ، وإن وجدت ظلما من مسؤول أستطيع الشكوى بسهولة، وأذكر لك الحالة التالية: لقد عمل رئيس قسم اللغة العربية في جامعة جين جي الوطنية بتايوان جاهدا على ظلمي ، وعلى حرماني من كثير من حقوقي، لكني كنت في كل مرة أتقدم بشكوى ضده إلى رئيس الجامعة، وفي كل مرة كان رئيس الجامعة رجلا كريما إذا سرعان ما كان يدرس الشكاوى التي أقدمها له، ويعطي تعليماته إلى رئيس القسم حتى يتراجع عن قرار ظلمه، ولماذا عمل هذا الرئيس على حرماني من حقوقي؟

لا تستغربين إن قلت لك: لقد عمل ذلك لأنه مسلم متزمت، ويكره السوريين كراهية شديدة، لقد كان في البداية بوذيا ثم قالوا له إن مصالحه تتحقق إن أصبح مسيحيا فتحول إلى المسيحية، وأخيرا أغرته بعض الجماعات الدينية في إحدى الدول الخليجية بالمال ، وأكدت له أن مصلحته تكون في تحوله إلى الإسلام ، وعندها سرعان ما ترك المسيحية وتحول إلى الإسلام، وامتلأ عنصرية وكرها لكل ما هو إنساني وأخلاقي، ولو كان رئيس القسم بوذيا أو كونفوشيوسيا لما تعمد على إيذائي، أما رئيس الجامعة فقد كان بوذيا غير متزمت وغير متعصب، ويفهم القوانين فهما رائعا فقام بإنصافي ، في كل مرة، من ظلم رئيس قسمي المسلم، أما في العالم العربي هذه الغابة المظلمة والقلعة الكبيرة من قلاع الظلام والظلمة ، والفوضى والرشاوى لا أستطيع إنجاز أي شيء ، أنا عاجز ومشلول فيه عن الفعل والحركة وعن العمل والقراءة والتفكير، وعندما يظلمني أي مسؤول في العالم العربي لا أجد رجلا كريما يساعدني لأن أدفع هذا الظلم، لأن المسؤولين في العالم العربي يتساندون مع بعضهم كترسانة مسلحة لتكريس سياسة الظلم وحرمان الناس من نيل حقوقهم، ولذا أجد نفسي مدفوعا للسفر والترحال دائما، وأعطيك مثالا : حاولت سابقا أن أعمل في جامعات بلدي سوريا، وأن أعيش في بلدي ولا أسافر أبدا، لكن وزيرة التعليم العالي السابقة ، صالحة سنقر، حاربتني حربا شعواء في محاولاتي، وحرمتني من العمل في الجامعات السورية، وقطعت رزقي، ولم أستطع الوصول إلى أي رجل كريم في سوريا حتى ينصفني منها، عندها قررت الرحيل يائسا، وبعدها لم أتقدم بأي طلب إلى أي وزير تعليم عال في سوريا لكي أعمل في جامعات وزارته، لكن الله، سبحانه وتعالى، هو الكريم الوحيد الذي أنصفني وأرسلني إلى الجامعات الأجنبية، وكنت كلما تركت العمل في جامعة ما، سرعان ما أدعوه متوسلا حتى يساعدني لأن أجد جامعة جديدة، وكان يساعدني في كل مرة.

وأخيرا أشكرك يا أستاذة إلهام على أسئلتك هذه متمنيا لك دوام العطاء الفني والإبداعي في لوحاتك التشكيلية وفي عملك .

إلهام محفوظ: شكرا لك على هذا البوح الحزين، وأتمنى لك الخير والتوفيق في مسيرتك العلمية والعملية .



* عن مركز النور

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى