أحمد كفافى - تذكرة عودة إلى مطروح... ربما طغى حضور منتجعات البحر الأحمر والساحل الشمالى على ساحة المصايف ولكن تبقى مطروح جوهرة المتوسط المصرى

كانت أخر زيارة قمت بها لمطروح منذ ثلاثين عاما..عندئد كانت مدينة صغيرة لا يوجد بها غير فندق أو اثنين شهيرين فى منطقة العوام بشرق المدينة أشهرهما فندق ( البوسيت) الذى لم نكن نغادره طوال أيام إقامتنا لأنه بكل بساطة لم يكن هناك شىء نفعله خارج المنتجع غير رحلة نصف يومية إلى منطقة الأبيض وعجيبة حيث يوجد بهما معالم مطروح الشهيرة كحمام كيلو باترا وشط الغرام وبانوراما عجيبة الخلاب حيث البحر اللازوردى المفتوح فى كل هذه المناطق والهواء الطلق على مدى النهار سواء أكان الجو معتدلا أم حارا.


لكننى عدت إليها فى الأسبوع الماضى بعد غياب أكثر من ثلاثين عاما لأفاجأ بأن المدينة تغيرت تماما..أصبحت تعج بالفنادق من كل نوع والأسواق من كل شكل وشواطىء مفتوحة وخلجان مغلقة وعلاوة على كل هذا زحام لا مثيل له من المصطافين بطول الكورنيش وخاصة فى منطقة العوام التى يتواجد بها فندق (البوسيت) و(النجرسكو) المعروفين..ولكنهما ضاعا ولم يعد من السهل العثور عليها وسط تعدد الفنادق والمقاهى والمولات الفخمة..الناس يتكدسون فى شوارع العوام وعلى كورنيشها حتى أنك لا تجد موضعا لقدمك ولا تتمكن السيارات من شق طريقها خارج المنطقة إلا بصعوبة شديدة..طبعا يحدث ذلك فى المساء بعد رجوع الزوار من الشواطىء حيث ينزلون للبحث عن نزهة ليلية..الأسعار هناك مرتفعة للغاية سواء فى الفنادق أو المحلات أو المقاهى والملاهى..طبعا هذه هى المنطقة ( الشيك).



يقسم شارع الإسكندرية كورنيش مطروح الذى يمتد بطول سبعة كيلومترات إلى شطرين وهو منطقة وسط البلد التى لا تقل تكدسا عن منطقة العوام...الشارع طويل تقطعه طرقات جانبية ويوجد به فروع لأشهر المطاعم القاهرية.. الناس يجلسون على الأرصفة طمعا فى الراحة عقب اللف والدوران حول المحال..سيارات الأجرة مكلفة..الميكروباص هو أرخص وسيلة للتنقل بين العوام ومنطقة الفيروز على الطرف الآخر من الكورنيش وهى منطقة شعبية نسبيا فنادقها أزهد سعرا وتكثر بها الشقق المفروشة التى تعرض للإيجار أثناء فصل الصيف وينتهى الكورنيش عندها بسلسلة من الأبراج بنيت على نصف الدائرة التى تشكل خليج الفيروز والذى يكتمل نصف دائرته بجزيرة صخرية ممتدة و ينتهى بجسر روميل حيث تقع أمامه سلسلة جديدة من الأبراج...



سألت بعض المقيمين فقالوا أن أغلبها يملكه المصطافون الذين يأتون إلى مطروح كل عام..السباحة فى خليج الفيروز وغيره من الخلجان آمنة..ربما يعكر صفو السباحة فى بعض الأحيان شدة التيارات وحركة لنشات النزهة التى تخترق الخلجان.. لجذب المصطافين تمنح أغلب الفنادق الإقامة مع وجبتين لتحاكى مصايف شرم الشيخ والغردقة وتنافس إقامات الإسكندرية التى لا تمنحك غير الإفطار.



لكن ما سبب هذا الإقبال الشديد على مطروح؟ سألت أحد سائقى التكاسى فقال إنها فى الماضى كانت منتجع الأثرياء والباحثين عن الهدوء والسكينة، وكان أغلب هؤلاء من أهل القاهرة والإسكندرية..أما اليوم فتجتذب المدينة جميع سكان محافظات مصر خاصة بعد أن أصبحت الفنادق تتعاقد مع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية لتوفير المصايف لموظفيها...ونبهنى السائق بألا أنخدع بهذا الزحام فهو ينفض بمجرد انتهاء فصل الصيف حيث تشكل سياحة المصايف أكبر دخل للمدينة..فنحن محافظة غير منتجة..ندرة المياه من أهم مشاكلنا...أغلب المنتجات كالخضروات والفاكهة والدقيق وغيرها تأتينا من خارج مطروح ولذلك فالأسعار مرتفعة هنا بالمقارنة بباقى المدن..الشتاء ممل وبردوه قارس فى أقصى الغرب من المتوسط.
بطول الكورنيش يزداد الزحام فى بعض المناطق ويخف فى مناطق أخرى ولكن المدينة فى حاجة ماسة للتطوير خاصة فى إعادة بناء الكورنيش ورصف الطرقات والنهوض بالبنية التحتية...السباحة فى خليج الفيروز ممتعة.. قبيل الغروب بساعة أو أثنتين هو أفضل وقت لاستخدام الشاطىء..يوجد بجوار الخليج (شاطىء الهنا) المفتوح أو (شاطىء مبارك) الذى تبدل اسمه بــ( الهنا) عقب ثورة يناير..هناك أيضا شواطىء مفتوحة أخرى على يمين ويسار خليج الفيروز ولكن يجب معرفة حالة البحر قبل المغامرة إليه.
لكن سياحة الشواطىء لا تغنيك عن الرحلة إلى غرب المدينة حيث المعالم الأثرية لمطروح: عجيبة، كورنيش الأبيض، كيلوباترا، شاطىء الغرام.. من غير تلك الرحلة لا تعود من مطروح وفى نفسك الرغبة فى العودة إليها مرة أخرى..رأيت تلك المعالم من ثلاثة عقود ولكنى عدت إليها و فى خاطرى حلم كيلوباترا.
حسب المصادر التاريخية، كانت مطروح فى العصر الفرعوني تسمى "هيبتا" أو"أرض الزيتون"و "امونيا" نسبة إلى "امون" وفى عصر البطالمة أطلق عليها اسم "باراتينيمون" وتعني المرسى وسميت أيضا "سانت ريا".. قام الأسكندر الأكبر بتقديم ولاءه إلى إلآله آمون لكسب رضاء المصريين على حكمه. أمر بإنشاء مدينة خلال حكمه سميت (بار-آتون) ثم أطلق عليها (آمونيا) نسبة إلى إلآله آمون ثم سميت بعد ذلك بمرسى مطروح. شهدت منطقة مرسى مطروح فصلا من قصة غرام الملكة كليوباترا ومارك أنطونيو وشيدت فيها قصراً بجوار حمامها الشهير "حمام كليوباترا"..
وفي العصر الإسلامي سميت بإقليم "بركة"، وبعدها سميت بمطروح نسبة إلى أحد المجاهدين المسلمين، الذي يدعى أبو يحيى رافع بن مطروح التميمي. "رافع ابن مطروح التميمي" كان شيخ طرابلس و حاكمها و سيدا من ساداتها تولى حكم طرابلس بعد إحتلال الصقليين لها سنة 540 هجرية و بقي حاكما للمدينة لمدة 12 سنة عانى فيها من حكم الصقليين، وهو من عائلة "مطروح" الطرابلسية الليبية العريقة و التي كان لها مكانة مرموقة في المدينة
توقف ومن معه عند بئر بنواحي مطروح الحاليه للراحه والتزود بالماء وهو فى طريقه للحج وأعجب جدا بالمكان وأمر بحفر بئر في هذه المنطقة والذي أطلق عليه فيما بعد "بئر ابن مطروح" واستمر الأسم وأطلق على التجمع السكنى الذي تواجد بعد ذلك ثم على المدينة .. عائلته تسمى "بنى مطروح" من تميم ويقال أنه استقر بالإسكندرية.
وقعت بها أهم المعارك التى حددت نتيجة الحرب العالمية الثانية وهى معركة (العلمين) المعروفة للجميع حيث تقع فى الطريق لمرسى مطروح يقع بها المتحف الحربى ومقابر ضحايا المعركة من الألمان والإنجليز والطليان. وتحتفل المحافظة كل عام بعيدها القومى فى مثل هذه الأيام وبالتحديد فى 24 أغسطس حيث انتصرت قبائل مطروح على الإنجليز فى موقعة (وادى ماجد) عام 1915 أى إبان الحرب العالمية الأولى.
الأهم تابعت حلم ( كيلوباترا) وسعدت كل السعادة للتغيير الذى طرق على المواقع الأثرية، إذ تم إمدادها بالأسوار والبوابات وأصبح لها رسوم دخول بعشرين جنيها للموقع الواحد للمصريين..يتصدر موقع حمام كيلوباترا منحوتة لرأس الملكة عند المدخل وممشى تفاجأ على أول جانبه الأيمن بثلاث إهرامات..أما الوصول لموقع صخرة الحمام ففى أخر الممشى حيث تصل إلى جسر زجاجى يقودك إلى الحمام..يستحم فيه الزائرون بملابسهم..ضحكت وتخيلت ماذا كانت لتقول كيلوباترا لو عادت إلى الحياة ورأت هذا المشهد..ردت صديقة قائلة بإنها ستكون سعيدة لأن الناس ما زالوا يتذكرونها...رغم ضخامة حجم الصخرة يصعد إليها الشباب..وعلى فكرة: البحر فى الموقع من أخطر ما يكون فلا يجازف أحد بالسباحة...
بدأت الرحلة من مطروح إلى تلك المواقع على طريق الأُبيض الذى تمتد على جانبيه مزارع أشجار الزيتون..أخبرنى سائق التاكسى أنه للأسف هناك من أصحاب المزارع من يقتلعون الأشجار لبيع الأراضى مقابل ملايين..تتعدد منافذ بيع زيت الزيتون والزيوت الأخرى ومن أشهرها منفذ (فرجينيا) الضخم حيث يمكنك مشاهدة التوابل أثناء عمليات العصر..تابعنا السيرفذهلت من عدد المنتجعات الفخمة المصطفة على يمين الطريق..بعضها يطل على البحر المفتوح والأخرى على خلجان ولا مجال لذكر الأسماء هنا لكثرة الأماكن. https://www.propertyfinder.eg/.../%D8%A3%D9%81%D8%B6%D9.../
بدأنا بزيارة بانوراما عجيبة حيث المياه درجات بين الأخضر والأزرق السماوى والغامق و اللون الأبيض..تلاها كورنيش الأبيض على البحرالمفتوح والذى تغطيه الرمال الناعمة بكثافة من شدة هبوب الرياح صيفا وشتاءا..دخول الشواطىء برسوم ولكن من المحال أن تسبح فى البحر الغريق...على إمتداد الكورنيش تجد موقع (عقر الخادم) أو الصخرة المجوفة.. لا يعرفه إلا سكان مطروح..يقال إنه أطلق عليه هذا الاسم نسبة إلى أسطورة فحواها أن خادمة لدى أحد الأمراء انتحرت من فوق تلك الصخرة المجوفة..طبعا لا مجال للتأكد من صحة تلك القصة..وصلنا لــ (شط الغرام) الذى خُلد بحضور ليلى مراد وصدقى لكن كانت الساعة قد جاوزت الخامسة فأغلقت أبوابه.
الحديث عن مرسى مطروح لا ينتهى لكن ما يثنى الكثيرين عن زيارتها هو بُعد المسافة ومنافسة الساحل الشمالى..لكن هناك قطار النوم الذى يعمل بين القاهرة ومطروح طوال فصل الصيف ولا أعلم إذا كان الخط يعمل بدون عربات النوم فى الشتاء أم لا. لمسافر السيارات يمكنك أن ترتاح يوما فى الإسكندرية قبل أن تواصل السير 300كم إلى مطروح..مطروح تفتح آفاقا للرحلات الشتوية،فيمكنك أن تتخذها محطة قبل السفر إلى واحة سيوة على بعد 300كم غرب المدينة أو إلى السلوم التى تبعد عنها بحوالى 200كم..أماكن جميلة وتمنحك متعة ما بعدها متعة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...