29 - 06 - 1942
صديقي (الحكيم)
لو لم يكن النسيان عرَضاً ملازماً لك يا صاحب (أهل الكهف) لذكرت أن أسمي (الزيات) لا زكي مبارك؛ وأنك لسانٌ لحرية الفكر، لا عينٌ في رقابة النشر؛ وأنك رسول الله إلى الأدباء، لا سفيرُ الشيطان بين الأصدقاء. ولو أنك ذكرتَ واحدة من أولئك لما كان منك ذلك الكتاب، ولا كان مني هذا الجواب
تستطيع أن تقول إنك حين كتبت ذكرتني وأردتني، لأن الناشر شريك الكاتب؛ وتستطيع كذلك أن تقول إنك تقدس حرية الفكر لو كان ما نُشر عنك في الرسالة قد انتفع به الفكر؛ ولكنك لا تستطيع أن تنكر أنك كفرت بنفسك وكذبت برسالتك؛ لأن الرسول الصادق لا ينذر بالكدر وهو يبشر بالصفو، ولا يبادر إلى القطيعة وهو يدعو إلى الصلة، ولا ينفض يده من الدعوة لأنه سمع بعض الإنكار ولقي بعض العَنت!
لم يكفر برسالتك إلى الأدباء غير (العقاد)، ولا شك في إخلاصك للأدب غير (المبارك)، فما بالك يا توفيق تئن قبل التعذيب، وتًلقى بيديك ورجليك إلى الصليب، وتفضح بهذا الجزع نبوة الأديب، وتقطع آياتك وبركاتك عن المؤمنين والكافرين على السواء؟!
تقول (إنني حِدت قليلاً عن رسالتي في (الرسالة)؛ (وقليلاً) هنا معناها زكي مبارك. وزكي مبارك يا توفيق لون من ألوان الأدب المعاصر لابد منه ولا حيلة فيه. هو الملاكم الأدبي في ثقافتنا الحديثة. والرياضة كما تعلم ضرورة من ضرورات الحياة لسلامة الجسم والعقل. أما عنفه وشِماسه فهما الصبغ المميز للونه. فلو شئت أن تجرد هذا الملاكم المبارك من عنف الهجوم وخشونة المِراس لما بقي منه غير توفيق الحكيم وأسلوب الحكيم و (حمار الحكيم)
على أنه هو نفسه أول الشاهدين على أن صفارتي قد بُحَّت من طول ما أهابت به وهو في قفازه السنتريسي يهدر في المجال بين الحبال مغضياً بعض الإغضاء عن قواعد الملاكمة وزكي مبارك بعد ذلك سليم الصدر، صريح القلب، رياضي الروح، لا يتحرج أن يطلب إلى (صديقه) في مقال هذا العدد أن ينصره ظالماً أو مظلوماً في حدود تفسيره الخاص!
ثم تقول: (إن الأدباء في مصر - مع الأسف - لا يحسبون حساباً لغير الكاتب الذي يبرز مخالبه، ويكشر عن أنيابه، ويتهيأ دائماً للوثوب)؛ فهل مصداق ذلك يا توفيق أنك أدرتَ ظهرك لخصمك وحملت عليّ؟ ولكنني يا صديقي أهشَ لإقبالك عليَّ ولو بالهجوم. إن كَشْرتك في نظري بسمة؛ وإن زأرتك في سمعي نغمة؛ وإن عقدتك معي أيسر حلاًّ من الأنشوطة!
أما قطعك الأسباب بينك وبين الرسالة والأدباء، فأمره يهون ما دمت تخرج كتبك إلى قرائك الأوفياء
وإذا جاز لي أن أوجهك مرة أخرى فإني أنصح لك يا توفيق أن تؤمن برسالتك كما آمن ذوو الفضل من الكتَاب، وأن تصبر على أذاها كما صبر أولو العزم من الرسل.
والسلام عليك من صديقك المخلص.
أحمد حسن الزيات
صديقي (الحكيم)
لو لم يكن النسيان عرَضاً ملازماً لك يا صاحب (أهل الكهف) لذكرت أن أسمي (الزيات) لا زكي مبارك؛ وأنك لسانٌ لحرية الفكر، لا عينٌ في رقابة النشر؛ وأنك رسول الله إلى الأدباء، لا سفيرُ الشيطان بين الأصدقاء. ولو أنك ذكرتَ واحدة من أولئك لما كان منك ذلك الكتاب، ولا كان مني هذا الجواب
تستطيع أن تقول إنك حين كتبت ذكرتني وأردتني، لأن الناشر شريك الكاتب؛ وتستطيع كذلك أن تقول إنك تقدس حرية الفكر لو كان ما نُشر عنك في الرسالة قد انتفع به الفكر؛ ولكنك لا تستطيع أن تنكر أنك كفرت بنفسك وكذبت برسالتك؛ لأن الرسول الصادق لا ينذر بالكدر وهو يبشر بالصفو، ولا يبادر إلى القطيعة وهو يدعو إلى الصلة، ولا ينفض يده من الدعوة لأنه سمع بعض الإنكار ولقي بعض العَنت!
لم يكفر برسالتك إلى الأدباء غير (العقاد)، ولا شك في إخلاصك للأدب غير (المبارك)، فما بالك يا توفيق تئن قبل التعذيب، وتًلقى بيديك ورجليك إلى الصليب، وتفضح بهذا الجزع نبوة الأديب، وتقطع آياتك وبركاتك عن المؤمنين والكافرين على السواء؟!
تقول (إنني حِدت قليلاً عن رسالتي في (الرسالة)؛ (وقليلاً) هنا معناها زكي مبارك. وزكي مبارك يا توفيق لون من ألوان الأدب المعاصر لابد منه ولا حيلة فيه. هو الملاكم الأدبي في ثقافتنا الحديثة. والرياضة كما تعلم ضرورة من ضرورات الحياة لسلامة الجسم والعقل. أما عنفه وشِماسه فهما الصبغ المميز للونه. فلو شئت أن تجرد هذا الملاكم المبارك من عنف الهجوم وخشونة المِراس لما بقي منه غير توفيق الحكيم وأسلوب الحكيم و (حمار الحكيم)
على أنه هو نفسه أول الشاهدين على أن صفارتي قد بُحَّت من طول ما أهابت به وهو في قفازه السنتريسي يهدر في المجال بين الحبال مغضياً بعض الإغضاء عن قواعد الملاكمة وزكي مبارك بعد ذلك سليم الصدر، صريح القلب، رياضي الروح، لا يتحرج أن يطلب إلى (صديقه) في مقال هذا العدد أن ينصره ظالماً أو مظلوماً في حدود تفسيره الخاص!
ثم تقول: (إن الأدباء في مصر - مع الأسف - لا يحسبون حساباً لغير الكاتب الذي يبرز مخالبه، ويكشر عن أنيابه، ويتهيأ دائماً للوثوب)؛ فهل مصداق ذلك يا توفيق أنك أدرتَ ظهرك لخصمك وحملت عليّ؟ ولكنني يا صديقي أهشَ لإقبالك عليَّ ولو بالهجوم. إن كَشْرتك في نظري بسمة؛ وإن زأرتك في سمعي نغمة؛ وإن عقدتك معي أيسر حلاًّ من الأنشوطة!
أما قطعك الأسباب بينك وبين الرسالة والأدباء، فأمره يهون ما دمت تخرج كتبك إلى قرائك الأوفياء
وإذا جاز لي أن أوجهك مرة أخرى فإني أنصح لك يا توفيق أن تؤمن برسالتك كما آمن ذوو الفضل من الكتَاب، وأن تصبر على أذاها كما صبر أولو العزم من الرسل.
والسلام عليك من صديقك المخلص.
أحمد حسن الزيات