«الفنان الذي يملك استخدام الفن له يدٌ ترتجف» (دانتي)
المسألة مسألة فكر، ربما.. المسألة لها هيئة مكر وتدفق يحاولان التفكير بالوعي أو دونه. وربما أيضا، كل مجالٍ معرفي يحتاج إلى تعريف موضوعه، لا مشروعيته الفكرية. هنا، مرة أخرى الفن والفلسفة، موضوع يتكرر لأنه مشروع إلى حد ما. الواحد يتجسس على الآخر. حرب بسوس جمالية في غرابتها تتكلف بالفن أو تحاول ذلك. حرب طيبة يكون الفن فيها بطلا، ثم الفن يفكر أحسن أو أكثر. مجرد فكرة تخفي سؤالها الشرعي: هل يتعين أن نحترس من الفلسفة التي تنطلق من الفلسفة لا من الفن.
الفن يفكر. الفلسفة تفكر. لأن ما يقوله الفنان، أو ما سوف يقوله، يتعذر على الذهن الدنوَ منه ليستحضره في الصياغة، أي اللغة. اللغة مشكل في هذه العلاقة المتوترة بين مجاليْ الفن والفلسفة. إنهما يضعان الكائن في وجود وكأنه في حالة « تعزيزٍ ترادديٍّ «، حيث التعزيز لا يرتاح إلا في أجواء نظرية فنية.. إننا فعلا نحاول.
الفن في حاجة إلى نظرية فنية تسقي شرايينه: الفيلسوف يتكلف ربما في هذه الحالة محاولا.
[الفنان يتفنَّن. الفيلسوف يتفلسف. المتأمل يتأمل. والأمر يتعقد لأننا في اللغة].
حين نتحدث عن الفن والفلسفة، ضمنيا نستدعي الجماليات (= علم الجمال، الإسطتيقا، فلسفة الفن) حتى اللقب في اعوجاج وتمتمة، ولم لا، الموضوع في حاجة إلى المغامرة في الكتابة والتفكير قليلا أو كثيرا. ماذا لو كان الأمر يتعلق بالمفردات، بالقاموس الذي نستعمله حين نفكر الفن لا فيه. أرأيتم القلق اللغوي يدوم دائما. طيب.. الجماليات تجد نفسها في مفترق حقول وطرق كل الفنون، مما يستدرجها أن تتكلم كل اللغات (مصطلحات مختلفة متعددة وتقنية من حقول أخرى). وتتكلم بشكل من الأشكال لغة الفلسفة (ومِنْ ثم استعمالها لمفاهيم وكلمات تتولد من استبصار للغةِ الفِكِّيرة). عموما، الجماليات لا تخضع لأنها تستوعب كل شيء لتجد نفسها في الأرض الحرام: أرض لا أحد. وربما في الما- بين. والفن يشتغل ليخلق ويبلور مغارة مليئة بسوء التفاهم. وهنا خطورة الفن الحقة، ثم ماذا لو كانت الجماليات حقل خراب معرفي يوَلِّد ويبتكر لغة ثالثة في الكتابة والتأمل الفلسفي؟ مجرد سؤال. الكتابة تتقدم، والذاكرة المرجعية تعج بأسماء وألقاب تحملت عناء الفلسفة والفن، ثقافة في حاجة إلى طراوة ويقظة حواسيتيْن بامتياز. طاقة يأس إيجابية. طاقة فكرية يرتكبها أولا الفن، لأنه هو البطل، ثم الفلسفة تفكك ما يحدث في العمل الفني أو خارجه، عبر اللغة طبعا والمفاهيم. أجل لغة فلسفة الفن تتخبط لتقبض على بكارة الفن الزاغبة. منذ أفلاطون وبومگارتن Baumgarten وجاك رانسيير وشيلينغ واللائحة عريضة وطويلة. وهنا لا بد من التذكير أنَّ الجماليات، شئنا أمْ لا، قضية ألمانية (حتى لا نقول جرمانية). الفن لم ينتظر الفلسفة لينتج نظريته الخاصة.
ممارسة الفن
الفن كممارسة (براكسيس) يقترن منذ القديم بمبادئه الداخلية، لأنه يحتوي خطابه الخاص، وكأنه خطاب أعناب موضوعية. صنف حالة ذهنية. وبالصدفة، نستحضر قليلا من الفيلسوف ج. رانسيير، الذي يقول إن الجماليات ليست منهاجا منظما (مجالا بتعبير آخر) حيث موضوعه «كان» الممارسات الفنية والأحكام الذوقية. بالأحرى، هي تدبير شامل لتمثُّل الفن. إنها تفترض الفكر، إذن. الفن منافحة كبيرة يدهش ويخلخل سقف الفلسفة، ثم الجماليات، هنا أو هناك، تحاول ولوج ثقب معرفي ما (والنقد في كل هذا يمكث في مضاربات فكرية تتأمل). وبالصدفة أيضا، ها هو فيلسوف آخر، جان- كلي مارتن Jean-clet Martin يستنبط أن الجماليات تعني أننا لا نعرف شيئا عن هذا الموضوع النكرة المرشوش بسديمِ تنويعاتٍ حسيةٍ. ويضيف مشيرا إلى شيء مهم: يتعين علينا، في أحسن الأحوال أن نُعَرِّف ماهية شكله ومعناه، بطريقة مقتضبة. الكل أن نرسم تعرجاته: هذا الموضوع النكرة. موضوع الجماليات. بلوغ الهدف يصير مستقبلا ربما لشيء فضفاض وغامض. حان الوقت كي نعيد النظر في مخنا الجمالي لنقرأ أحسن العمل الفني بفلسفة تتقدم دون إقفال باب الإرث الفكري الواسع والمهم، بشكل من الأشكال. وهناك، أيضا، من يدعو إلى جماليات إيكولوجية: حقل آخر من أجل كتابة أخرى وتأمل في لغة أخرى. اللغة تعود كما لو لازمة جذمورية. إذا كان الفن يصون، على حد تعبير ج. دولوز، الفلسفة تنحت مسارها وهي تدور دورة أو دورتين حول الفن، ثم الجماليات ترتب أدواتها الفكرية في هذا وذاك: كأنها تبحث عن مسقط رأسها. والأمر صحي جدا. أليست المنظومة الجمالية هي ذلك النسيج الحساس، وشبكة أواصر جديدة بين «الفن والحياة». وهذا ما يُشَكِّل المحيط الملائم للابتكارات الفنية والطفرات الإدراكية في مجال ما يجيء فنيا، أو لا يجيء لأنه هنا.
هنا، نكتب ونتأمل في خليط احتمالات. في بركان الجماليات نمارس نزهة فكرية ولم لا، وهنا أيضا ننادي على ألقاب فكرت في الفن وفي الفلسفة. نوجد في برزخ غير محدد. لا بأس من أن نعرج على مظاهر، دائما جديدة، تُوَسِّعُ دائرة ذاكراتنا شيئا ما. منذ بداية القرن العشرين، فلاسفة (فالتر بنيامين، ج. دولوز، ميرلو-بونتي وآرثور دانتو) بدرجات مختلفة، شيدوا تفاعلا ديناميكيا بين الفلسفة والفن عبْرَ الجماليات. كما فعل ذلك، قبلهم، هيغل وغوته في القرن التاسع عشر. المسألة لها تاريخ طيب لأنه يفكر. ثم قليل من بنيامين الذي كتب نصا قصيرا ومهما (سنة 1920) موسوما بـ»النظرية النقدية» La théorie critique حيث تطرق بإيجاز إلى الأدوار الخاصة والمتعلقة بالفلسفة والفن. الأولى تتكبد البحث عن الفكرة المثالية، لأن الفن في رأيه، يمنحنا (أو يزوِّدنا) مفاهيم تشبه عن كثب تلك التي تنتجها الفلسفة. دائما حسب بنيامين، العديد من الأعمال الفنية تسائل هذه الفكرة المثالية التي توجد في المتن الفلسفي. قراءة الفكر الألماني رحمة لا بد كي نفهم مسعاه الفلسفي. الأشياء الفنية والممارسات الفنية تغيرت كثيرا. مجرد بداهةٍ. ويستمر في تحليله وتفلسفه ليقول لنا بأن إقحام وسائل فنية جديدة (يسميها بالتناسل الفني) أدت بالفن إلى تضييع هالته أو إشراقيته ثم استبدالها بفن الكتلة أو الحشد. جد مهم، هذا التحول نحو شيء آخر. الهالة الفنية تنطبق على الفن التقليدي السابق. العمل الفني كان يتوفر على إشراق/هالة كالبورتريه الكلاسيكي، ثم فن الكتلة ينبلج من ضلوع التحول والتقنية المقبلة. تقنية تجيء فكريا وسياسيا وفنيا ودينيا ربما: كثافة الإنتاج في المصنع، على سبيل المثال. جماليات جديدة تخرج من خرم إبرة الحقبة. والتفكير الفلسفي يتغير وينتج لغة أخرى ومفاهيم أخرى. والنقد الفني، أيضا، يتعين عليه وتعين عليه إعادة تفكير أدواته. إننا في إسكيف جمالي مغاير. فن الكتلة يتوجب تأويلات تنحو نحو كتابة لا تركد في بهو الراحة السياحية الفكرية والفنية. الفوتوغرافيا/التصوير الفوتوغرافي والسينما، أحدثا ويحدثان ثقبا للتفكير والتفكيك (أن نفهم ما يحدث وما يجيء). مع بنيامين تاريخ الفلسفة عبر الجماليات يسكن تحت سقفِ تناسلٍ فنيٍّ جديد. ثم مع ج. دولوز نكتشف مسارا مختلفا في تدفق دنيوي فلسفي مختلف.
جيل دولوز
نهاية الفن!
وحتى نرى بشكل أوضح، جماليات دولوز تتجلى أساسا في تأويله للعمل الفني الضخم لفرانسسيس بيكون F.Bacon حيث منطق الإحساس يتبرك بالشخصيات التي اشتغل عليها الفنان. عمله الفني الذي شكل انعطافا في التشخيص والاستعارة الفنية، الكل ملفوف في أحمر اللون في لوحات ف.بيكون. بين التكتل المادي للعمل الفني وقوة التوتر تكون جماليات دولوز. جماليات تمت كتابتها في أرض كحيز فلسفي من أجل إمكانية الشفاء. جماليات كتبت نفسها في تعب الحقبة وأكالها الحداثي.
(الجماليات في حاجة إلى عين فأر أو تكور قنفذ. الجماليات في حاجة إلى أكثر من فيلسوف وفنان. الجماليات في حاجة إلى حكومة رمزية وكتاب حيوانات تتفلسف وتتفنن)
هكذا نتدحرج في حقل الجماليات، ثم نتذكر الجملة الشهيرة: إنها نهاية الفن.. جملة لا تستوقفنا كثيرا رغم أهميتها، جملة تستوجب تحليلا لا يعلن نهاية التحليل. جملة نأخذها كنهاية محكيِّ في تاريخ الفن والجماليات. في هذه الحالة، إنها نهاية تحتم التمييز بين ما هو فن وما هو لا- فن. فن ما انتهى ليفتح المساحة لما يأتي. مقبل من محكي فلسفي بتربص بالتحولات المنجمية التي تجد مكانها في سوق الفن. نعم، للفن سوق، خصوصا المعاصر منه. المتحف صارت له راية بورجوازية. السوبرماركت أخذ مكان صالات العرض. نعم، إنها بداية فن ما على حساب فن غاب. والمفارقة أن الفن الذي غاب يجب استيعابه وتفكيكه. حقبة تغيرات أسلوبية. التأويل العميق ضروري في هذه الحالة. رسم وردة على قطعة كرتون، لحم بشري مصبوغ، شاشات، إخراج عابر للواقعيِّ (ولسنا نقول الواقع. شيئان مختلفان) وأشياء أخرى تجعل الذي يتلقى العمل في حيرة غريبة. إنها بداية جمالية في مخاض. هنا الأمر يتعلق بالفهم الفلسفي للممارسات الفنية المعاصرة. كيف يقرأ أفلاطون الفنان سيزان أو الواسطي، مثلا؟ طحين أسئلة. الفنان يبقى البطل السرمدي. الفنان الكبير يُتعب الفلسفة من أجل جماليات تَتَفكَّهُ من أرض لم يكتشفها كريستوف كولومبس (جماليات الجغرافيا). هذه الأرض يسكنها قلق يُشَاطِئُ كتابة قادمة. وسوق الفن ضريحٌ مأهول لتجربة فنية معاصرة مختلفة. ماذا لو كان الفن المعاصر برمته فيلما أو شريطا وثائقيا، أو محترفا فيه قماش وخشبُ فُرَشٍ وبلاسيتك وورق هندي وحبر؟ الشريط في حاجة إلى محكي جمالي لا بد أن محتدما في مساره المقذوف فلسفيا. مراجعة كتاب دانتو: (ما) بعد نهاية الفن حيث «الحيوانات كمؤرخة للفن». كيف إذن نقرأ عملا فنيا بعين بقرة أو فأر؟ ديداكتيكية جمالية في آخر المطاف. بهذا الشكل، حسب دانتو، نعيش أمام مستقبل دون أن نتوفر على مَحْكِيٍّ للحاضر. حاضر الفن من طبيعة الحال. وهنا ينبلج شيء ذا أهمية قصوى. ما انتهى ليس هو الفن؛ بل نسيج ما قيل فيه ويقال. نسيج افتقد أنابيب جديدة. في الحاجة دائما إلى مغامرة تتحمل شجاعة الفكر والتأمل. حقائق ليست بحقيقة واحدة (لا مفرد لا مثنى، بل جمع ثاقب النظر) تقول إن الفنان أمام واجهة العالم يكون بمثابة عازل كهربائي أو أدوات توصيلية في الآن نفسه للسَّيَّال الفني. «غمزةٌ» إلى نوفاليس وأصحابه. ربما، الجماليات تدعو إلى معشر الصحابة دون آلهة.
دوخة فكرية تنتاب الذهن حين نحاول متابعة النصوص حول الجماليات. هناك فينومينولوجيون. هناك كانطيون. هناك أفلاطونيون. هناك متصوفة. هناك جرمانيون.. فعلا دُوار ارتفاعات في شبكة لا متناهية. يتعين على الجماليات أن تكون أطول من «ألف ليلة وليلة» كي نراها أحسن، أترون أن اللغة مشكل: احتفالٌ بنرجسية اللسان. مهنةُ جهلٍ هي الجماليات. جهلٌ عارفٌ يقاوم فكريا مع شعبٍ يحاول المنافحة وأشياء أخرى.
حرب بسوس
(النزهة الجمالية نصف حيوان. سيمون هنتاي يفتح ويربط. سيزان يفكك الصمت في خطوطه. الفنان العربي يبحث عن قماش مفقود) مفترق طرق في اتجاهات مختلفة جدا. هذا ما يحدث. الآرابُ (الأعضاء الكاملة) لجماليات/الفن/الفكر/الفلسفة هي الأعضاء التناسلية للطبيعة الجمالية (الطبيعة بمفهومها الكانطي: مجموع المواضيع في وَلتجربةٍ ممكنة). طبيعةُ تجربةٍ يخوضها الفن القديم منه والمعاصر، لكن كيف لنا أن نستوعب كل هذا وذاك؟ الجواب ربما يكمن في أليغوريا الرمز الفني. قول مأثور لمؤرخ الفن الألماني رودولف فيتكوفير R.Wittkower: يتعين علينا أن نَشْحَذَ حُكَمَنا النقديَّ، لأنَّ مكيدة التآلف (القرابة) تُسْفر- أوْ أسفرتْ – عن تصورات غريبة ومغلوطة. فعلا، لا بد من مُدْيَةٍ كما لو سلاح جمالي. كان دانتو على حق حين أثار انتباهنا إلى أننا شُهودٌ على تحولات ثلاثية- التحول الأول تتعلق بالإبداع الفني، الثاني بمؤسسات الفن والثالث بجمهور الفن. مما يتيح للحظة الراهنة أن تكون محفِّزةً أكثر لأنها غير محددة/ واضحة. دانتو يفتح لنا قلبا جماليا أمام فُتات ما يحدث. الجماليات، إلى أين؟ إلى جحيم الحقبة والتوتر الذي يحوم حول مخنا أو فكرنا، الفن يغازلها لأنه مليك ضيعة حقائق. أكثر من حقيقة:
النظام الجمالي حرر الأعمال الفنية من قواعد التمثُّل.
الإبداع المعاصر يسعى إلى التلازم مع المادة الفنية التي منها يتلقى انعطافاته الرمزية.
وسواس كانط يكمن في أن الجماليات لم تسطع الامتثال إلى قواعدها.
الفن إجراءُ حقيقةٍ وليس في حاجة إلى الفلسفة ليفكر. إنه يفكر وهو يفكر في ذاته.
ثم وبقليل من الجرأة، ونحن نتذكر نوفاليس، نكتشف أن قيلولة الجماليات الروحية عالمُ زينةٍ زَهْرِيَّةٍ. في الهند، ما زال الرجال ينامون، وحلمهم المقدس حديقة يحيط بها تدفقات عسل وحليب.. هكذا ربما نتخيل الجماليات عبر استعارات غريبة. لأن الجماليات غرابة فكرية. وهنا بالذات، نسقط في المغامرة الرائعة ونحن نكتب في الجماليات وعنها، ثم الفيلسوف دائما حاضر. يتكلم في تمتمة فلسفية، ويا ليته كان أعمى ليرى أحسن. ذاكرةُ أعمى أو مذكراته على منوال ج. دريدا. أعمى وعيناه مفتوحتان ليل نهار. مفتوحتان على الما-بين في حرب بسوس رمزية. الما- بين، برزخٌ/شُدْفةً في ملكية تتيح فرصة الانفتاح والتشعب من أجل الفن، طبعا.
أحيانا، الجماليات في هالتها المفقودة (لأنها مستعادة، دوما ودائما) تأخذ هيئة وشاية/إشاعة لأنها تكتب وجها فكريا صعب المراس. الفن الحقيقي صعبٌ ومراسه مشاكس. ثم بين معقوفتين تقف المقاربات في الجهير الصامت. والعمل الفني يدوم في متواليات مميزة. ولحسن الحظ، هناك كتابات (حول الجماليات) مسكونة، من جانب إلى آخر، بالحضور المرِح/المبتهج للفن حيث تمرين الفلسفة العقلاني يجدد حضور الفيلسوف ويقتاده: الجوهر، الأصليُّ، الطبيعة أو المستحيل، ودائما ما لا نبرح التفكير فيه. إنها التجربة الجمالية وحدود الفلسفة. الكاتب الباحث يحاول تشييد وعيٍ متوقِّدٍ ليقيم تحت سقف واحد مع فكر إيجابي. محموما يكون بالتجربة الجمالية الضاربة في عمق الأثر الفلسفي. بهذا الشكل، الجماليات هنا أو هناك، وليست في كل مكان.
حياة التجربة الفنية تبحث، قُدُماً، في خطوط الطول والعرض عن مخرج ربما يكون موضوعيا: الجماليات غنائية موضوعية. تستقبل في طياتها دبادِبَ ما يحدث فكريا في العالم. في الأرض نعني.
ربما حان الوقت كي نلوي عنق الفصاحة لنكتب جماليات بفصاحة أخرى، ثم إن الجماليات حياةُ لغزٍ كما لوْ في حرب بسوسٍ.
المسألة مسألة فكر، ربما.. المسألة لها هيئة مكر وتدفق يحاولان التفكير بالوعي أو دونه. وربما أيضا، كل مجالٍ معرفي يحتاج إلى تعريف موضوعه، لا مشروعيته الفكرية. هنا، مرة أخرى الفن والفلسفة، موضوع يتكرر لأنه مشروع إلى حد ما. الواحد يتجسس على الآخر. حرب بسوس جمالية في غرابتها تتكلف بالفن أو تحاول ذلك. حرب طيبة يكون الفن فيها بطلا، ثم الفن يفكر أحسن أو أكثر. مجرد فكرة تخفي سؤالها الشرعي: هل يتعين أن نحترس من الفلسفة التي تنطلق من الفلسفة لا من الفن.
الفن يفكر. الفلسفة تفكر. لأن ما يقوله الفنان، أو ما سوف يقوله، يتعذر على الذهن الدنوَ منه ليستحضره في الصياغة، أي اللغة. اللغة مشكل في هذه العلاقة المتوترة بين مجاليْ الفن والفلسفة. إنهما يضعان الكائن في وجود وكأنه في حالة « تعزيزٍ ترادديٍّ «، حيث التعزيز لا يرتاح إلا في أجواء نظرية فنية.. إننا فعلا نحاول.
الفن في حاجة إلى نظرية فنية تسقي شرايينه: الفيلسوف يتكلف ربما في هذه الحالة محاولا.
[الفنان يتفنَّن. الفيلسوف يتفلسف. المتأمل يتأمل. والأمر يتعقد لأننا في اللغة].
حين نتحدث عن الفن والفلسفة، ضمنيا نستدعي الجماليات (= علم الجمال، الإسطتيقا، فلسفة الفن) حتى اللقب في اعوجاج وتمتمة، ولم لا، الموضوع في حاجة إلى المغامرة في الكتابة والتفكير قليلا أو كثيرا. ماذا لو كان الأمر يتعلق بالمفردات، بالقاموس الذي نستعمله حين نفكر الفن لا فيه. أرأيتم القلق اللغوي يدوم دائما. طيب.. الجماليات تجد نفسها في مفترق حقول وطرق كل الفنون، مما يستدرجها أن تتكلم كل اللغات (مصطلحات مختلفة متعددة وتقنية من حقول أخرى). وتتكلم بشكل من الأشكال لغة الفلسفة (ومِنْ ثم استعمالها لمفاهيم وكلمات تتولد من استبصار للغةِ الفِكِّيرة). عموما، الجماليات لا تخضع لأنها تستوعب كل شيء لتجد نفسها في الأرض الحرام: أرض لا أحد. وربما في الما- بين. والفن يشتغل ليخلق ويبلور مغارة مليئة بسوء التفاهم. وهنا خطورة الفن الحقة، ثم ماذا لو كانت الجماليات حقل خراب معرفي يوَلِّد ويبتكر لغة ثالثة في الكتابة والتأمل الفلسفي؟ مجرد سؤال. الكتابة تتقدم، والذاكرة المرجعية تعج بأسماء وألقاب تحملت عناء الفلسفة والفن، ثقافة في حاجة إلى طراوة ويقظة حواسيتيْن بامتياز. طاقة يأس إيجابية. طاقة فكرية يرتكبها أولا الفن، لأنه هو البطل، ثم الفلسفة تفكك ما يحدث في العمل الفني أو خارجه، عبر اللغة طبعا والمفاهيم. أجل لغة فلسفة الفن تتخبط لتقبض على بكارة الفن الزاغبة. منذ أفلاطون وبومگارتن Baumgarten وجاك رانسيير وشيلينغ واللائحة عريضة وطويلة. وهنا لا بد من التذكير أنَّ الجماليات، شئنا أمْ لا، قضية ألمانية (حتى لا نقول جرمانية). الفن لم ينتظر الفلسفة لينتج نظريته الخاصة.
ممارسة الفن
الفن كممارسة (براكسيس) يقترن منذ القديم بمبادئه الداخلية، لأنه يحتوي خطابه الخاص، وكأنه خطاب أعناب موضوعية. صنف حالة ذهنية. وبالصدفة، نستحضر قليلا من الفيلسوف ج. رانسيير، الذي يقول إن الجماليات ليست منهاجا منظما (مجالا بتعبير آخر) حيث موضوعه «كان» الممارسات الفنية والأحكام الذوقية. بالأحرى، هي تدبير شامل لتمثُّل الفن. إنها تفترض الفكر، إذن. الفن منافحة كبيرة يدهش ويخلخل سقف الفلسفة، ثم الجماليات، هنا أو هناك، تحاول ولوج ثقب معرفي ما (والنقد في كل هذا يمكث في مضاربات فكرية تتأمل). وبالصدفة أيضا، ها هو فيلسوف آخر، جان- كلي مارتن Jean-clet Martin يستنبط أن الجماليات تعني أننا لا نعرف شيئا عن هذا الموضوع النكرة المرشوش بسديمِ تنويعاتٍ حسيةٍ. ويضيف مشيرا إلى شيء مهم: يتعين علينا، في أحسن الأحوال أن نُعَرِّف ماهية شكله ومعناه، بطريقة مقتضبة. الكل أن نرسم تعرجاته: هذا الموضوع النكرة. موضوع الجماليات. بلوغ الهدف يصير مستقبلا ربما لشيء فضفاض وغامض. حان الوقت كي نعيد النظر في مخنا الجمالي لنقرأ أحسن العمل الفني بفلسفة تتقدم دون إقفال باب الإرث الفكري الواسع والمهم، بشكل من الأشكال. وهناك، أيضا، من يدعو إلى جماليات إيكولوجية: حقل آخر من أجل كتابة أخرى وتأمل في لغة أخرى. اللغة تعود كما لو لازمة جذمورية. إذا كان الفن يصون، على حد تعبير ج. دولوز، الفلسفة تنحت مسارها وهي تدور دورة أو دورتين حول الفن، ثم الجماليات ترتب أدواتها الفكرية في هذا وذاك: كأنها تبحث عن مسقط رأسها. والأمر صحي جدا. أليست المنظومة الجمالية هي ذلك النسيج الحساس، وشبكة أواصر جديدة بين «الفن والحياة». وهذا ما يُشَكِّل المحيط الملائم للابتكارات الفنية والطفرات الإدراكية في مجال ما يجيء فنيا، أو لا يجيء لأنه هنا.
هنا، نكتب ونتأمل في خليط احتمالات. في بركان الجماليات نمارس نزهة فكرية ولم لا، وهنا أيضا ننادي على ألقاب فكرت في الفن وفي الفلسفة. نوجد في برزخ غير محدد. لا بأس من أن نعرج على مظاهر، دائما جديدة، تُوَسِّعُ دائرة ذاكراتنا شيئا ما. منذ بداية القرن العشرين، فلاسفة (فالتر بنيامين، ج. دولوز، ميرلو-بونتي وآرثور دانتو) بدرجات مختلفة، شيدوا تفاعلا ديناميكيا بين الفلسفة والفن عبْرَ الجماليات. كما فعل ذلك، قبلهم، هيغل وغوته في القرن التاسع عشر. المسألة لها تاريخ طيب لأنه يفكر. ثم قليل من بنيامين الذي كتب نصا قصيرا ومهما (سنة 1920) موسوما بـ»النظرية النقدية» La théorie critique حيث تطرق بإيجاز إلى الأدوار الخاصة والمتعلقة بالفلسفة والفن. الأولى تتكبد البحث عن الفكرة المثالية، لأن الفن في رأيه، يمنحنا (أو يزوِّدنا) مفاهيم تشبه عن كثب تلك التي تنتجها الفلسفة. دائما حسب بنيامين، العديد من الأعمال الفنية تسائل هذه الفكرة المثالية التي توجد في المتن الفلسفي. قراءة الفكر الألماني رحمة لا بد كي نفهم مسعاه الفلسفي. الأشياء الفنية والممارسات الفنية تغيرت كثيرا. مجرد بداهةٍ. ويستمر في تحليله وتفلسفه ليقول لنا بأن إقحام وسائل فنية جديدة (يسميها بالتناسل الفني) أدت بالفن إلى تضييع هالته أو إشراقيته ثم استبدالها بفن الكتلة أو الحشد. جد مهم، هذا التحول نحو شيء آخر. الهالة الفنية تنطبق على الفن التقليدي السابق. العمل الفني كان يتوفر على إشراق/هالة كالبورتريه الكلاسيكي، ثم فن الكتلة ينبلج من ضلوع التحول والتقنية المقبلة. تقنية تجيء فكريا وسياسيا وفنيا ودينيا ربما: كثافة الإنتاج في المصنع، على سبيل المثال. جماليات جديدة تخرج من خرم إبرة الحقبة. والتفكير الفلسفي يتغير وينتج لغة أخرى ومفاهيم أخرى. والنقد الفني، أيضا، يتعين عليه وتعين عليه إعادة تفكير أدواته. إننا في إسكيف جمالي مغاير. فن الكتلة يتوجب تأويلات تنحو نحو كتابة لا تركد في بهو الراحة السياحية الفكرية والفنية. الفوتوغرافيا/التصوير الفوتوغرافي والسينما، أحدثا ويحدثان ثقبا للتفكير والتفكيك (أن نفهم ما يحدث وما يجيء). مع بنيامين تاريخ الفلسفة عبر الجماليات يسكن تحت سقفِ تناسلٍ فنيٍّ جديد. ثم مع ج. دولوز نكتشف مسارا مختلفا في تدفق دنيوي فلسفي مختلف.
جيل دولوز
نهاية الفن!
وحتى نرى بشكل أوضح، جماليات دولوز تتجلى أساسا في تأويله للعمل الفني الضخم لفرانسسيس بيكون F.Bacon حيث منطق الإحساس يتبرك بالشخصيات التي اشتغل عليها الفنان. عمله الفني الذي شكل انعطافا في التشخيص والاستعارة الفنية، الكل ملفوف في أحمر اللون في لوحات ف.بيكون. بين التكتل المادي للعمل الفني وقوة التوتر تكون جماليات دولوز. جماليات تمت كتابتها في أرض كحيز فلسفي من أجل إمكانية الشفاء. جماليات كتبت نفسها في تعب الحقبة وأكالها الحداثي.
(الجماليات في حاجة إلى عين فأر أو تكور قنفذ. الجماليات في حاجة إلى أكثر من فيلسوف وفنان. الجماليات في حاجة إلى حكومة رمزية وكتاب حيوانات تتفلسف وتتفنن)
هكذا نتدحرج في حقل الجماليات، ثم نتذكر الجملة الشهيرة: إنها نهاية الفن.. جملة لا تستوقفنا كثيرا رغم أهميتها، جملة تستوجب تحليلا لا يعلن نهاية التحليل. جملة نأخذها كنهاية محكيِّ في تاريخ الفن والجماليات. في هذه الحالة، إنها نهاية تحتم التمييز بين ما هو فن وما هو لا- فن. فن ما انتهى ليفتح المساحة لما يأتي. مقبل من محكي فلسفي بتربص بالتحولات المنجمية التي تجد مكانها في سوق الفن. نعم، للفن سوق، خصوصا المعاصر منه. المتحف صارت له راية بورجوازية. السوبرماركت أخذ مكان صالات العرض. نعم، إنها بداية فن ما على حساب فن غاب. والمفارقة أن الفن الذي غاب يجب استيعابه وتفكيكه. حقبة تغيرات أسلوبية. التأويل العميق ضروري في هذه الحالة. رسم وردة على قطعة كرتون، لحم بشري مصبوغ، شاشات، إخراج عابر للواقعيِّ (ولسنا نقول الواقع. شيئان مختلفان) وأشياء أخرى تجعل الذي يتلقى العمل في حيرة غريبة. إنها بداية جمالية في مخاض. هنا الأمر يتعلق بالفهم الفلسفي للممارسات الفنية المعاصرة. كيف يقرأ أفلاطون الفنان سيزان أو الواسطي، مثلا؟ طحين أسئلة. الفنان يبقى البطل السرمدي. الفنان الكبير يُتعب الفلسفة من أجل جماليات تَتَفكَّهُ من أرض لم يكتشفها كريستوف كولومبس (جماليات الجغرافيا). هذه الأرض يسكنها قلق يُشَاطِئُ كتابة قادمة. وسوق الفن ضريحٌ مأهول لتجربة فنية معاصرة مختلفة. ماذا لو كان الفن المعاصر برمته فيلما أو شريطا وثائقيا، أو محترفا فيه قماش وخشبُ فُرَشٍ وبلاسيتك وورق هندي وحبر؟ الشريط في حاجة إلى محكي جمالي لا بد أن محتدما في مساره المقذوف فلسفيا. مراجعة كتاب دانتو: (ما) بعد نهاية الفن حيث «الحيوانات كمؤرخة للفن». كيف إذن نقرأ عملا فنيا بعين بقرة أو فأر؟ ديداكتيكية جمالية في آخر المطاف. بهذا الشكل، حسب دانتو، نعيش أمام مستقبل دون أن نتوفر على مَحْكِيٍّ للحاضر. حاضر الفن من طبيعة الحال. وهنا ينبلج شيء ذا أهمية قصوى. ما انتهى ليس هو الفن؛ بل نسيج ما قيل فيه ويقال. نسيج افتقد أنابيب جديدة. في الحاجة دائما إلى مغامرة تتحمل شجاعة الفكر والتأمل. حقائق ليست بحقيقة واحدة (لا مفرد لا مثنى، بل جمع ثاقب النظر) تقول إن الفنان أمام واجهة العالم يكون بمثابة عازل كهربائي أو أدوات توصيلية في الآن نفسه للسَّيَّال الفني. «غمزةٌ» إلى نوفاليس وأصحابه. ربما، الجماليات تدعو إلى معشر الصحابة دون آلهة.
دوخة فكرية تنتاب الذهن حين نحاول متابعة النصوص حول الجماليات. هناك فينومينولوجيون. هناك كانطيون. هناك أفلاطونيون. هناك متصوفة. هناك جرمانيون.. فعلا دُوار ارتفاعات في شبكة لا متناهية. يتعين على الجماليات أن تكون أطول من «ألف ليلة وليلة» كي نراها أحسن، أترون أن اللغة مشكل: احتفالٌ بنرجسية اللسان. مهنةُ جهلٍ هي الجماليات. جهلٌ عارفٌ يقاوم فكريا مع شعبٍ يحاول المنافحة وأشياء أخرى.
حرب بسوس
(النزهة الجمالية نصف حيوان. سيمون هنتاي يفتح ويربط. سيزان يفكك الصمت في خطوطه. الفنان العربي يبحث عن قماش مفقود) مفترق طرق في اتجاهات مختلفة جدا. هذا ما يحدث. الآرابُ (الأعضاء الكاملة) لجماليات/الفن/الفكر/الفلسفة هي الأعضاء التناسلية للطبيعة الجمالية (الطبيعة بمفهومها الكانطي: مجموع المواضيع في وَلتجربةٍ ممكنة). طبيعةُ تجربةٍ يخوضها الفن القديم منه والمعاصر، لكن كيف لنا أن نستوعب كل هذا وذاك؟ الجواب ربما يكمن في أليغوريا الرمز الفني. قول مأثور لمؤرخ الفن الألماني رودولف فيتكوفير R.Wittkower: يتعين علينا أن نَشْحَذَ حُكَمَنا النقديَّ، لأنَّ مكيدة التآلف (القرابة) تُسْفر- أوْ أسفرتْ – عن تصورات غريبة ومغلوطة. فعلا، لا بد من مُدْيَةٍ كما لو سلاح جمالي. كان دانتو على حق حين أثار انتباهنا إلى أننا شُهودٌ على تحولات ثلاثية- التحول الأول تتعلق بالإبداع الفني، الثاني بمؤسسات الفن والثالث بجمهور الفن. مما يتيح للحظة الراهنة أن تكون محفِّزةً أكثر لأنها غير محددة/ واضحة. دانتو يفتح لنا قلبا جماليا أمام فُتات ما يحدث. الجماليات، إلى أين؟ إلى جحيم الحقبة والتوتر الذي يحوم حول مخنا أو فكرنا، الفن يغازلها لأنه مليك ضيعة حقائق. أكثر من حقيقة:
النظام الجمالي حرر الأعمال الفنية من قواعد التمثُّل.
الإبداع المعاصر يسعى إلى التلازم مع المادة الفنية التي منها يتلقى انعطافاته الرمزية.
وسواس كانط يكمن في أن الجماليات لم تسطع الامتثال إلى قواعدها.
الفن إجراءُ حقيقةٍ وليس في حاجة إلى الفلسفة ليفكر. إنه يفكر وهو يفكر في ذاته.
ثم وبقليل من الجرأة، ونحن نتذكر نوفاليس، نكتشف أن قيلولة الجماليات الروحية عالمُ زينةٍ زَهْرِيَّةٍ. في الهند، ما زال الرجال ينامون، وحلمهم المقدس حديقة يحيط بها تدفقات عسل وحليب.. هكذا ربما نتخيل الجماليات عبر استعارات غريبة. لأن الجماليات غرابة فكرية. وهنا بالذات، نسقط في المغامرة الرائعة ونحن نكتب في الجماليات وعنها، ثم الفيلسوف دائما حاضر. يتكلم في تمتمة فلسفية، ويا ليته كان أعمى ليرى أحسن. ذاكرةُ أعمى أو مذكراته على منوال ج. دريدا. أعمى وعيناه مفتوحتان ليل نهار. مفتوحتان على الما-بين في حرب بسوس رمزية. الما- بين، برزخٌ/شُدْفةً في ملكية تتيح فرصة الانفتاح والتشعب من أجل الفن، طبعا.
أحيانا، الجماليات في هالتها المفقودة (لأنها مستعادة، دوما ودائما) تأخذ هيئة وشاية/إشاعة لأنها تكتب وجها فكريا صعب المراس. الفن الحقيقي صعبٌ ومراسه مشاكس. ثم بين معقوفتين تقف المقاربات في الجهير الصامت. والعمل الفني يدوم في متواليات مميزة. ولحسن الحظ، هناك كتابات (حول الجماليات) مسكونة، من جانب إلى آخر، بالحضور المرِح/المبتهج للفن حيث تمرين الفلسفة العقلاني يجدد حضور الفيلسوف ويقتاده: الجوهر، الأصليُّ، الطبيعة أو المستحيل، ودائما ما لا نبرح التفكير فيه. إنها التجربة الجمالية وحدود الفلسفة. الكاتب الباحث يحاول تشييد وعيٍ متوقِّدٍ ليقيم تحت سقف واحد مع فكر إيجابي. محموما يكون بالتجربة الجمالية الضاربة في عمق الأثر الفلسفي. بهذا الشكل، الجماليات هنا أو هناك، وليست في كل مكان.
حياة التجربة الفنية تبحث، قُدُماً، في خطوط الطول والعرض عن مخرج ربما يكون موضوعيا: الجماليات غنائية موضوعية. تستقبل في طياتها دبادِبَ ما يحدث فكريا في العالم. في الأرض نعني.
ربما حان الوقت كي نلوي عنق الفصاحة لنكتب جماليات بفصاحة أخرى، ثم إن الجماليات حياةُ لغزٍ كما لوْ في حرب بسوسٍ.