أدب السيرة الذاتية الدكتور رسول محمد رسول ـ بداية من هو الدكتور رسول محمد رسول؟

أنا إنسان كبقية البشر، ولدت في مدية الكوفة التاريخية عام 1959، وعشت سنواتي الأولى في تلك المدينة التاريخية ليس بعيداً عن نهر الفرات، ولا عن بيت رابع الخلفاء المسلمين الإمام علي بن أبي طالب، وليس بعيداً أيضاً عن مسجد الكوفة الشهير، ولا عن منطقة كندة التي ولد فيها الشاعر العربي الكبير المتنبي. لكني لم استمر طويلاً هناك سوى سنوات قلائل حيث انتقلت أسرتي إلى بغداد التي دخلت فيها إلى عالم دراستي الابتدائية والمتوسطة والثانوية فالجامعية لأخرج منها في عام 1997 بشهادة الدكتوراه متخصصاً بالفلسفة الألمانية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

منذ اهتمامي الأول بالقراءة الذي كان والدي - رحمه الله - قد دفعني إليه، حرصت على التنوع في تحصيل المعارف، كنت أدرس في سياق تعلمي حكومي، لكني كنت أتحصَّل على دروس تأسيسية في المنطق والفقه مع والدي.
كانت تلك التجربة قد جعلتني أقرأ في أكثر من حقل معرفي، وكنت أجد متعة في ذلك؛ فالمثقف المتخصص لا بأس له من العمل بأكثر من حقل أو تخصص، وأنت تعرف أن المثقف الموسوعي كان له وجود حقيقي في حضارتنا وثقافتنا العربية والإسلامية؛ الفارابي مثلاً جمع بين الموسيقى والطب والفلسفة والأدب، وقس على ذلك.
لقد انعكس كل ذلك على شخصيتي الآن؛ إذ تراني أبحث وأكتب في حقول متعددة كالفلسفة، والفكر العربي، والفكر الغربي، والعلاقة بين الغرب والإسلام، والإسلام السياسي في مساراته التاريخية، والفكر النقدي، والعقل الإصلاحي، وأخيراً دخلت، ومنذ عام 2008، إلى عالم النقد الأدبي.
ـ باعتباركم من النقاد الكبار في العالم العربي، ما هو وضع النقد العربي اليوم؟
على نحو عام أستطيع القول إن النقد في العالم العربي بخير في ظل التنوع الهائل باستخدام أغلب المناهج القرائية، فلا يوجد منهج قرائي في الغرب أو الشرق إلا واستخدمه النقاد العرب في تحليل النص الإبداعي، خصوصاً في ظل نمو حركة الترجمة الواسعة التي تشهدها بعض دول العالم العربي مثل دول المغرب العربي والخليج المشرقي، فضلاً عن لبنان ومصر وسوريا والعراق، وكذلك في ظل توافر الجامعات العربية على تدريس أحدث المناهج القرائية والنقدية.
الملاحظ أن هناك اندفاعاً جميلاً لدى النقاد العرب بتفعيل النقد التطبيقي الحقيقي الذي يتعامل مع النص بنحو منهجي يلتزم بالأطر النظرية، والآفة التي تتحدّى هذا النمط من النقد هو النقد العابر والسريع وغير المنهجي الذي يشيع في الصحافة اليومية والأسبوعية العربية ويتصدّى للنصوص الإبداعية بتلخيص المضمون، وقد يكون هذا النمط رائجاً ومطلوباً لأنه نقد تلخيصي وبرقي وعاجل له سوقه في شارع القراءة اليومية. ولكن، وإلى جانب ذلك، هناك اشتغال نقدي حقيقي من الناحية التطبيقية على النصوص الإبداعية العربية وغير العربية وإن كان قليلاً ولو نظرنا إلى عدد الأطروحات أو الرسائل الجامعية التي تكتب في العراق ودول والمغرب العربي بل ودول الخليج العربي التي تعتمد المناهج القرائية الجديدة لكان لنا مؤشر رقمي - نوعي في هذا المجال.
ـ سيدي الكريم، يعتبر مشروعكم النقدي من بين المشاريع النقدية العربية التي تحظى بأهمية كبيرة؛ فما هي الخطوط العريضة لهذا المشروع، وما هي مراحل تبلوره المنهجي والموضوعاتي؟
فيما يتعلق بتجربتي النقدية أستطيع أن أقول لك إنني، ومنذ ثلاثين عاماً، أتصفح قارئاً النقد التطبيقي للنصوص الإبداعية، وعشت تجارب قرائية لكل المناهج التي تصدت لقراءة النصوص الإبداعية بالتزامن مع العيش المعرفي الذي تخصصت به في حقل الفلسفة وغيره من الحقول.
وجدت أن المنهج السيميائي أقرب إلى ذاتي وتطلعاتي وذائقتي المعرفية، وجدته قريباً من الحقل الفلسفي، خصوصاً وأن الاشتغال على العلامات كان فلاسفة كثر قد جربوه ابتداءً من الرواقيين وأفلاطون وأرسطو وأفلوطين وأوغسطين جون بوانسو أو جوف سانت توماس، وجون لوك، وصولاً إلى تشارلز بيرس الذي قعَّد السيمياء على أصول فلسفية حقيقية بعد أن قرأ كانط جيداً، وإذا كان هكذا هو حال بيرس فإن غريماس انطلق من أصول فلسفية عديدة منها الأصل الفينومينولوجي والمنطقي. ما أريد التأكيد عليه أن السيميائية خرجت من رحم الفلسفة الذي عشت في كنفه ثلاثة عقود خلت.
أن البحث السيميائي هو بحث فلسفي بامتياز، ولذلك لم يكن غريباً عني ولا أنا بالغريب عنه فانخرطت فيه بيسر لقراءة مجموعة من النصوص الإبداعية الروائية الإماراتية أولاً والخليجية ثانياً والعراقية والعربية ثالثاً حتى وجدت المنهج السيميائي مطواعاً لما لديَّ من خبرة في الاشتغال الفلسفي، وقدرة على تطويع المنهج أو الطريقة لصالح التحليل السيميائي للنصوص الإبداعية.
من بين المناهج السيميائية التي عملت عليها منهج مدرسة باريس السيميائية، خصوصا منهج غريماس، لكن ذلك لم يكن سوى بداية فلم أحبس تجربتي القرائية في مفاهيم غريماس لوحدها وإن كانت لامعة ورائقة، إنما انفتحت على مفاهيم سيميائية وقرائية أخرى في إطار مدرسة باريس وغيرها من المدارس، من دون أن أقع في أي تناقض. فلقد لجأت في كتابي (الجسد في الرواية الإماراتية/ 2010) إلى الاستعانة بالسيميائية الغريماسية ولكن من واقع العمل على زوايا الدلالة وتجلياتها العلاماتية في السرد الروائي، وتحديداً على الجسد كعلامة متخيلة، ولكن كان عليَّ أن أخوض غمار البحث التنظيري للجسد (MetaBody) بوصفه بناء رمزياً أو لنقل بوصفه كينونة رمزية وإيحائية وإشارية وعلاماتية وأيقونية تضاف إلى الأجسام من خلال تمثيل الإنسان لها. وفي تجربتي بالكتاب إياه رحتُ اشتغل على ظهوريات ليست فقط الجسد النسوي أو الأنثوي أو الذكوري، إنما على ظهوريات جسدية أخرى كجسد المنزل، وجسد المدينة، وجسد الصحراء، وجسد البحر، وجسد المقهى، والجسد الضال، والجسد الطيفي، والجسد المبتل، وغير ذلك من أشكال الجسد.
وفي تجربتي السيميائية التطبيقية الثانية التي تمثلت بكتابي (العلامة والتواصل/ 2011) والذي تناولت فيه أربعة عشر نصاً قصصياً إماراتياً قصيراً، اقتربت من غريماس أكثر فيما يتعلق بالأهواء عندما درست تجلياتها كعلامات متخيلة مثل سيميائيات الفرجة، والرعب، والنفور، والرغبة، والحلم، والتعرية، والغيرة، والمواجهة، والجسد الأنثوي المهان.
وفي كلا التجربتين الماضيتين قصرت اشتغالي السيميائي على النص السردي الإماراتي، لكني، وفي تجربتي الثالثة، أي في كتابي (الأنوثة الساردة/ 2012) الذي سيصدر بعد نحو شهرين في دبي، انفتحت على الرواية الخليجية من خلال قراءة نحو 13 نصاً روائياً خليجياً أنثوياً، وكثفت التحليل السيميائي عبر الاستعانة بسيمائيات الأهواء ومناهج التحليل النسوي التي تركز النظر في التمثيلات الأنثوية.
أما التجربة الرابعة فهي تجربة كتابي (اللمس والنظر/ 2013) الذي سيصدر في الشارقة، وهو الكتاب الذي انفتحت فيه على التجربة العربية والخليجية والعراقية والمصرية والجزائرية والمغربية.
ـ هل تتفقون على أن النقد العربي في العالم العربي، يعاني من أزمة منهج؟
لا توجد أزمة منهج في عالم النقد الأدبي العربي، فالعرب جربوا كل المناهج النقدية، وكلها يتم تدريسها بالجامعات الآن، ولو تضع كل المكتوب النقدي في بوتقة واحد ستتمكن من الاستنتاج أن النقاد العرب اشتغلوا على النصوص الإبداعية الشعرية والسردية والتشكيلية والجمالية بمناهج التحليل والتركيب التقليدية، ومناهج البنيوية والتفكيكية والسيميائية أو مناهج الحداثة وما بعد الحداثة بل وما بعد بعد الحداثة، فأين هي أزمة المنهج؟ قد تكون في الطريقة والتداول والتعامل، ولكن ذلك مجرَّد تنوع في التداول والاستعمال، وتنوع الاشتغال بالمنهج لا يمثل أزمة. كل المناهج كانت ولا تزال متاحة أمام الناقد العربي.
ولذلك أقول إن النقد العربي يعيش اليوم عصره الذهبي، ولكن، ومنذ اندلاق الربيع العربي، تكاد الأمور تتغير، فالعرب بصدد تغيير جذري في واقعهم السياسي الذي سرعان ما ينعكس على حراكهم الثقافي والإبداعي.
ـ اسمح لي أن انتقل بكم إلى المجال السياسي، بعد نجاح الثورات العربية في إسقاط الأنظمة الاستبدادية، فهل نحن قادرون على بناء دول ديمقراطية تعددية؟
منذ عام 2003 دخل العالم العربي من بوابة الديمقراطية التعددية صوب ذاته والعالم، وكان الربيع العربي قد بدأ مشواره الحقيقي في العراق عام 1991. لكن إسرائيل والسعودية أجهضا ربيع العراق الهادر ذاك عندما طلبا من واشنطن الإبقاء على نظام الدولة البعثية في العراق خشية أن تقطف طهران تفاحة بغداد الحرة من الدولة البعثية. الذات العربية هي ذات متعصبة، جهوية قذرة، طائفية فاسدة حد النخاع، إنه موروث نجس، سرطان هائج لا دواء له. وتلك هي الصعوبة لأن الذات هي المحرك نحو الأشياء، فكيف والحال يشي بمعطوبية هذه الذات؟
ومع ذلك، انهارت دول، وسقط حكامها ليس بفعل الشعوب إنما بفعل الدول الكبرى التي حركت جيوشها في العراق وليبيا والقاطرة تمضي.. صار الفرد العربي يشتري الحرية والتعددية والشرف والأمان بدمه، أتذكر أول بيت شعر للمتنبي أجبرني أبي على حفظه وفهمه رغم صغر سني هو:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يُراق على جوانبه الدم
فكم سالت دماء العراقيين، وكم سالت دماء الليبيين، وكم سالت دماء اليمنيين والبحرينيين؟ وكم دمرت مدن وقرى في اليمن وسوريا، وكم.. وكم..؟ ومع ذلك علينا أن نتفاءل بحذر؛ فنحن بصدد (سايكس بيكو) جديد، خارطة دولية جديدة أبطالها تاجر سلاح وفقيه. وعلى العرب أن تُراق دماؤهم كثيراً علَّهم يتحصَّلوا على شيء من الحرية والديمقراطية والتعددية!!
ـ لكن سيدي الكريم هل من الممكن قيام دولة ديمقراطية بدون ثقافة سياسية حداثية تؤمن بقيم الاختلاف والتعددية؟
صارت عملية تحصيل الديمقراطية مرهونة بتاجر السلاح وذاك الفقيه؛ ففي ظل صعود الإسلاميين إلى دفة السلطة في تجربة العراق حيث استلمها الإسلاميون الشيعة في عام 2003 بعد أن حرموا منها منذ عام 1921 عند تأسيس الدولة العراقية آنذاك، واستلمها الإسلاميون السنة "الإخوان المسلمون" بمصر في هذا العام بعد أن كانت حلماً منذ 1928، تواجه الحداثة السياسية أزمتها الحقيقية؛ "انظر إلى تونس والصراع بين رئيس ليبرالي ورموز إسلامية فاعلة في الدولة والمجتمع".
لعلها تجربة مغايرة تريدها الولايات المتحدة التي أوصلت هؤلاء الإسلاميون الشيعة في العراق والسنة في تونس ومصر إلى سدة السلطة التنفيذية أن تكون وتوجد على الأرض لاحتواء وإعادة بناء القوى الإسلامية في العالم العربي من جديد عبر المشاركة السياسية الفعلية لهم في الدولة والسلطة التنفيذية تمهيداً لإدخالهم، وعبر الزمن، في عالم الحداثة السياسية وهنا قد نحتاج إلى أكثر من ربع قرن قادم!
ـ في الأخير سيدي الكريم؛ هل دخلنا في طور حضاري جديد؟
نعم، دخلناه بكل ما لدينا من هزائم وجوع وآلام وعجز ودماء فائضة وتخلف، إنه طور الفوضى الخلاقة، بالتأكيد إنه طور حضاري جديد وقد بانت سماته بولادة أنماط توصيل مجتمعي شعبي جديدة، وبولادة كارزمات قيادية جديدة، وانكشاف أساليب تآمر جديدة على الشعوب العربية، وظهور أنماط انتهاك فاحشة، وتجدُّد أساليب قمع وذبح وجز أعناق جديدة، وانهيار قيادات معتقة وظهور أخرى غامضة التجارب، وظهور مواجهات ذاتية للذات العربية، وكل ذلك قمين بظهور خلخلات جديدة للسائد، العرب في بداية الأمر والقادم سيكشف عن كل صور الحراك الجديد، وكل ذلك سينعكس على مجرى الحراك الإبداعي والفكري والفلسفي في العالم العربي.

المؤلَّفات
أولاً: في الفلسفة
(1) الحضور والتمركز: قراءة في العقل الميتافيزيائي الحديث، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2000.
(2) لمعرفة النقدية: مدخل إلى نظرية المعرفة، دار الكندي، إربد ـ الأردن، 2001.
(3) محنة الهوية: مسارات البناء وتحولات الرؤية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2002.
ثانياً: الغرب والإسلام
(4) الغرب والإسلام: استدراج التعالي الغربي، دار أسامة للنشر، عمّان، 2000.
(5) الغرب والإسلام: قراءات في رؤى ما بعد الاستشراق، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2001.
ثالثاً: الفكر العربي المعاصر
(6) العقلنة.. السبيل المرجأ، مكتبة الديار، بغداد، 1992.
(7) نقد العقل التعارفي: جدل التواصل في عالم متغير، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2004.
(
نقد العقل التدميري، المركز الثقافي العربي السويسري، بغداد ـ زيورخ، 2009.
(9) نقد العقل الإصلاحي: قراءات في جدلية الفكر العراقي الحديث، النايا للدراسات والنشر، دمشق، 2008.
(10) صورة المثقَّف في المجتمع العربي، دائرة الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2011.
رابعاً: الإسلام السياسي
(11) الوهّابيون والعراق: عقيدة الشيوخ وسيوف المحاربين، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2005.
(12) فقهاء وأمَّة: جذور العمل الإسلامي في العراق الحديث، مؤسسة الانتشار، بيروت، 2008.
(13) الإسلام السياسي في العراق الملكي، النايا للدراسات والنشر، دمشق، 2008.
(14) الإسلام السياسي في العراق العثماني، النايا للدراسات والنشر، دمشق، 2008.
خامساً: النقد الأدبي
(15) صورة الآخر في الرواية الإماراتية، وزارة الثقافة والشباب والمجتمع المدني، أبوظبي، 2009.
(16) تمثيلات المرأة في الرواية الإماراتية، وزارة الثقافة والشباب والمجتمع المدني، أبوظبي، 2009.
(17) الجسد في الرواية الإماراتية، هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، أبوظبي، 2010.
(18) العلامة والتواصل: في سيميائيات السرد القصصي الإماراتي، دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة، 2011.
سادساً: الأعمال المخطوطة:
(19) الأنوثة الساردة: قراءات في الرواية الخليجية، دبي، 2012.
(20) اللمس والنظر: قراءات في الرواية العربية، الشارقة، 2013.
(22) بنات الزعفران، رواية، 2011، (مخطوط).
المقالات: 300 البحوث: 45

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...