محمد زادة - جديد الشعر أنت

تعلّمت ُ من طفولتي كل ما أراه الآن
أن أجمل امرأة في العالم
هي أتعس امرأة في العالم
وأن التي تراها قوية
هي هشّة لكنها متماسكة
تؤجل الرحيل لأسباب ما
كالأطفال مثلاً
أو ربما يخرج من دخان العربات
ذلك المارد
ويحقق لها رغبتها في إختصار الطريق
المارد الذي ما حقق لها شيئاً
سوى أنه وضع مسدسه في رأسها
ذات حلم قديم
تقول بأنه لم يضغط على الزناد
ولكن
ما تفسير بقع الدم هذه
بين باب بيتها وباب مدرسة الأطفال

منذ أعوام لم اشرب كأساً
ها هي سيرتك
تعيدني بإصرار إلى فم الزجاجة
فوهة البركان
لحظات ويغيب العالم في الرماد البركاني
حتى أنت ستغيبين
والأحزان والخوف والضغط النفسي المتعب
كلُّ شيءٍ سيغيب
لكنه لا يشبه مغيب الشمس
كيف أصف لكِ تلك اللحظة الجميلة
وأنت تفرغ رأسك من كلِّ مافيه
من العالم كلّه
بشاعاتِهِ ونسائِه الجميلات
قد يكنّ سبباً للبقاء
و لتمرين القلب على الثبات
كيف يكون الواحد ثابتاً في هذه المعضلة
الواحد الذي وصل ناقصاً من الملذات
والفرح
الواحد الذي أرتعش كثيراً
ولم تكن سوى رعشات الخوف
فوصل ناقصاً مثل أشياء لا نفع لها
كان عليه أن يكملها
لكن الطريق أنهكته
وثقل المشاريع المؤجلة
أن تقنع امرأة
بأن جمالها ناقص يحتاج لدمعة
وأن البكاء لن ينقص من هشاشتها القوية
أن تجد حلّاً للأيام التي تُخطئ فيها
أن تغلق هاتفك لأيام كما لو أنك ميّت
وأن تزور مقبرة العائلة خلف مبنى البلدية
وفي طريقك تسأل عن شهادة الميلاد
لتطرد الشكوك من نفسك
بأنك لست من مواليد برج الحمل

تعلّمتُ من طفولتي كل ما أراه الآن
أن أقرب الأشياء هي دائماً أبعدها
مثل النجوم في الطفولة
مثل مقبرة القرية
مثلكِ أنتِ
أنتِ الواقفة وقفة النبي شعيب
وتعلّمتُ أن أبعد الأشياء هي أقربها
مثل هذه البلاد التي كانت بعيدة في موباتو
وفي حلب وفي دمشق
بعيدة لدرجة أنها لم تخطر على البال
ومثل حادث اصطدام خفّاشين ببعضهما البعض
في حلكة الظلام
مثل مراكز اللجوء حين وصلناها
فاقدين القدرة على الكلام
فحاولنا بالإشارة رسم الطريق من الجحيم إلى الجحيم

تعلّمت من طفولتي
من امرأة بيضاء عاشت وحيدة
لم تلعب في طفولتها
ولا ذكريات لها في أزقة بريمجة
سوى أنها كانت مدللة
وفي الثامنة صلّت لأول مرة لوحدها
أرادت أن تقلّد أمها
فرأت نفسها جميلة في المرأة
تعلّمتُ منها أن لا أصدّق كل شيء
وأن أصدق كل شيء
وأن الاشجار تظل واقفة
إلى أن يأتي جرز ويقتلعها
ويأتي جرز آخر يقتلع الجذور
وتعلمت منها أن حياتنا ليست لنا
نحن نستعيرها من أناس لا نعرفهم
فأنا منذ طفولتي أعيش حياة جندي عالق في مكان ما ومقطوع من الذخيرة
جندي يريد العودة ريثما تنتهي الحرب
حياتنا ليست لنا
طالما ستنتهي مع استهداف مكان ما
كنت سائحاً فيه
أو طالما ستسافر إلى جزيرة
لم تزرها من قبل
وستموت مع مجموعة من السوّاح بحادثة طعن
حياتنا ليست لنا
لذلك نتحسّر على حياة الآخرين
الذين يكتبون مذكراتهم على الشواطئ
ولديهم الوقت لرقصة تانغا
تعلّمت من امرأة بيضاء
أن أعرف كل النساء بنظرة
العربية أعرفها من مشيتها
الأرمنية من أناقتها
الشركسية من ألوانها
الآشورية من عينيها
والكردية من دمعها
وأنتِ أعرفك ِ
من وجعي .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...