عمرو صلاح الغندقلى - محسوب...

يتذكر محسوب عبدالصبور كلمات الشيخ الاكبر ( كل مكان لا يؤنث ، لا يعول عليه ) وهو متجه إلى العمل عبر شارع النهضة، الناس تنهض إلى العمل كل يوم عدا يوم الجمعة ، الناس تتدافع من أجل العيش ، من أجل لقمة العيش ، هل وجد الإنسان على هذه الأرض ليسعى على لقمة العيش فقط ؟
لا اعرف !
هكذا دار فى خلده ، يصل إلى شركة النصر للصابون فى السواح ، يعرج على المدير العام يطلب منه سلفة ، كالعادة يرفض المدير ، يذهب إلى مكتبه فى قسم الحسابات ، يجلس فى هدوء ، ياتى الفراش ، يوزع طلبات الموظفين ولا يقترب إلى محسوب الذى إعتاد الا يطلب منه شيئاً.
ينكب على العمل دون هوادة ، يأتى موعد الانصراف ، يسرع كى يلحق بعمله الآخر ، يعمل كاشير فى محل كشرى عرفة بشبرا ، يركب الأتوبيس ، يحصل على مقعد فارغ ، يجلس ، يتأمل فى لافتات المحلات ، ووجوه الناس ، يصل إلى محطة دوران شبرا ، يدلف إلى مطعم كشري عرفة ، يستلم الوردية ، تأتى سمية بائعة الخضار تحصل دفعة خضار اليوم ، ترتدى عباية سوداء ، تزيد من أنوثتها ، تضع كحل وروج احمر لون الكريز جعلها أشبه بشادية ، تبتسم ، تقول : يسعد مساك يا أستاذ محسوب
يرد : مساء الورد
تضحك ضحكة خفيفة ، تنظر إليه بإعجاب وهو غافل عنها ، لايلتفت لغير أخذ الحساب .
نادت عليه برقة ، التفت إليها وطالت النظرة بينهم ، حتى انتبه الى صوت
سيد ومعه زبون يريد الحساب
سيد للزبون : خليه علينا المرة دى يا بيه
الزبون مبتسم : شكراً
سيد : وعندك واحد سوبر للباشا
مازلت نظرة سمية عالقة ، لم تلتفت رغم الصياح ، وحدثت محسوب
: جرى ايه يا أستاذ محسوب ، هاتسبنى واقفة كدة كتير ؟
ينظر إليها معجبا بوجهها الضاحك ، وعينها الساحرة ، يشتهى تلك المرأة ، ولكن.
: حاضر ، ياست الكل ، حالا
تذهب سمية وتأخذ معها جزءا من قلبه ، هذه انثى كان يتمنى أن يرتبط بمثلها ولكن ، النصيب.
ينتهي من عمله ويتجه إلى صاحب المحل طالبا سلفة ، يعطيه نصف ما طلب ، يشكره ويذهب إلى البيت فى الزاوية الحمراء.
لماذا سميت بهذا الاسم ؟
يفكر ولا يعرف ويحدث نفسه أنه سيبحث فى الأمر.
عاد إلى حارة السيد انور، على الناصية ينادى المنادى على البطيخ
: حَمَار وحلاوة يابطيخ
يذهب ويشترى واحدة ، يطرق عليها كاعادته ، ويسمع نفس الصوت تقريبا فى كل مرة ، يحمل البطيخة ويعرج على مخبز حماد يشترى خبز ، يصعد الطابق الثالث ، يطرق الباب ، تفتح نورا .
يبتسم ، حبيبتي ، نور حياتى ، القمر الصغنن
هكذا كان يدلل اخر العنقود ، ذات السبع سنوات ، التى تشغل مكانة كبيرة فى قلبه ، تهون عليه مرارة الايام.
تضحك ، تصيح : بابا جه بابا جه
بابا جاب بطيخة
تخرج سوسن الام من المطبخ على صياح نورا ممسكة فى يديها كبشة.
: فى ايه يابت ؟
عاملة هيصة ليه ؟
عشان جاب بطيخة ، امال لو جاب كباب والا تورتة كنتى عملتى ايه.!
يتلقى هذا الاستقبال بالامبالاة ، قد اعتاد على ذلك منها .
يضع ما فى يده ونورا تحاول تمسك البطيخة وهو يحذرها أنها ثقيلة عليها وهو يبتسم ، ثم يضعها على المنضضة،
يتجه إلى غرفة نومه ، يبدل ملابسه ، يفكر فى سمية ، يجدها أشبه بطبق الحلوى ، يتحسر على ما مضى من عمره ، يأسف على نفسه ، يتسال ، لماذا لم اتزوج مثل سمية ؟ ، كان يراها مهلبية عليها قشطة وعسل ويسيل اللعاب لها، لماذا تم اعتقالى فى سجن سوسن.؟ اعوذ بالله ، راضعة نكد وخمسة طن عكننة ، لا تعرف معنى الدلع ، ولم تنال من الأنوثة سوا إسمها ، لايت كان لدى الاختيار ، لكن ، النصيب.
يدخل إلى الحمام ، يخرج ، يجد طبق عدس كبير وحوله جرجير ، وبصل ، يجلس ياكل ، يبتسم لنورا ، تبادله الابتسامة ، ينتهي من طعامه ، يخبرها بأنه يريد كوب شاى ، تشيح بيديها ، وتقول : أنا تعبانة ومش قادرة وعندى غسيل ونشر وكنس وووو
يشير إليها بيده كمن يريد أن يسكتها
: بس بس ، حقك عليا ، اقوم أنا أعمل.
يشرب الشاي فى البلكونه ، مصطحبا صورة سمية ، اه يا دنيا ، لكن معلش ، كل شيء نصيب ، ينتهى من كوب الشاي على صراخ سوسن : انت قاعد فى البلكونة ، هنشر فين أنا أن شاء الله ؟ قوم يارجل انزل على القهوة والا اعملك حاجة.
يبتسم فى سخرية ويحمل معه كوب الشاى ، ويضعه فى المطبخ بعد أن قام بغسله ، يتجه إلى غرفته ، يبدل ملابسه ، ينزل إلى القهوة، يجلس، يجد حسين صديقه ، يسلم عليه ، يطلب شاى .
حسين :فينك يامحسوب ، بقالك اسبوع مش باين
محسوب : ادينى بنت يا خويا
حسين ضاحكاً: بنت والا راجل ؟
هههههههههههه
يضحكوا سويا ، ثم يتبع حسين كلامه : لا بجد ، مش بتقعد معايا على القهوة زى زمان ليه ؟ ، منتا عارف انى لاجئ هنا كل يوم بعد مارجع من الشغل.
: مفيش يا حسين ، انت عارف انى بشتغل ٣ شغلانات ، والنهاردة إجازة الجزارة ، منتا عارف انى بشتغل بالليل كام ساعة عند الحج سيد الدباح ، اللي فى المطرية ، وادينى جيت .
تأمل حسين فى نبرة صوت محسوب ، ولمس مسحة حزن تحيطه ، فقال له : بقولك تيجى اخدك دور شطرنج زي بتوع زمان ، فاكر ؟
يومئ محسوب برأسه ، وهو غير مبالى : زي ما تحب ياحسين
ينادى حسين على النادل أن يحضر الشطرنج ، يلعب فى دوره وهو يحاول أن يخرج صديقه من الهم الذي يعتريه ، يحرك الحصان تجاه الملك ، ثم يضحك وهو يقول : كش ياحلو هههههه.
ينظر محسوب فى رقعة الشطرنج ، ثم يقول كمن يحدث نفسه
: منا كاشش من زمان
حسين : الله الله ، مالك يا عم مالك مغمقها ليه ؟
يرد محسوب كمن لا يجد مفر من الحكى بغية إزاحة ماهو متراكم على صدره.
: مفيش ، مش عارف يا اخى اعمل ايه ؟ زي الطور مربوط فى ساقيه ومفيش فايدة ، ولسه لما اطلع وتبدأ العركة.
حسين متسائلا: عركة ايه ؟
: الهانم بعد ما جوزت بنتى مرفت ، لازم فى كل موسم نروح نودى طلبات لمرفت شىء وشويات ، وانا قدمت على سلفة والدنيا لسه مش متظبطة ، غير الجمعية وقسط تجهيز مرفت ، وقسط حضانة نورا ، هه ، ربنا المعين.
كمن يحاول أن يخفف عنه قال حسين : ايه ياعم ، ما كل الناس على دا الحال ، كبر دماغك ، وكله هيعدى.
كمن لم يستمع شيئا ، وهو غارق فى صورة سمية ، ظل سارحا فى محيها ولا يبالى بكلام حسين الذى يعرفه.
هنا أدرك حسين أن الأمر غير ذلك ، حينها الح عليه أن يحكى فحكى عن سمية وما يعتريه من حالة لايعرف تسميتها غير أنه أصبح يفكر فيها كثيرا و يشتهي مقابلاتها وان يحاكيها ولكن.! لا يعرف ماذا يفعل ، هنا قام حسين بدوره وأدرك أنه ليس على وفاق مع زوجته وأنه يعانى جراء ذلك ، وان ما يعتريه من الم ، بسب إهمال زوجه له ، وقد وجد ما يفتقده فى سمية ، وكمن يريد أن يلطف الجو
حسين : قولى ، هى حلوة ؟
ابتسم محسوب ، وهو يصفها كأنها أمامه.
طبعاً يابنى ، كنافة بالقشطة ، مهلبية.
يضحك حسين : سمية المهلبية
ههههههههههه
يضحك محسوب ، محاولا الخروج من المه.
يكمل اللعب ، وينصحه حسين بالتريس وان ما به من أثر تدهور العلاقة مع زوجته ، وأن الإنسان فى هذا الوقت لا ينال ما يريد ، ثم أردف
: الا قولى يا محسوب ،لينا اكتر من ٢٠ سنة صحاب وانا بنسي أسألك ، هو ليه انت اسمك محسوب ؟
إبتسم محسوب وهو يدرك محاولات صديقه المتعددة كى يخرجه من تلك الحالة .
محسوب : ابدأ ياسيدى ، كان لى جد شغال عند باشا كبير من بتوع زمان ، وكان كل كلامه عن محسوبك كذا وساعدت الباشا من المحاسيب ، وهكذا ، فقال لابويا يوم مولدى يسمينى محسوب ، واهو من ساعتها وانا مش عارف انا محسوب على مين.؟
....


عمرو صلاح الغندقلي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...