بمقتل عمر بن الخطاب سقطت أكبر راية للزهد في تاريخ المسلمين. وبمقتل عثمان بن عفان كان عقد الدولة نفسه قد أوشك فعلياً أن ينفرط. وبمقتل علي بن أبي طالب أعلن التاريخ أن الزهد والتعفف أصبحا في حياة المسلمين تاريخ. وإنفرط رسمياً عقد الدولة وقامت بدلاً من دولة الراشدين دولة الأمويين. فصار للخليفة الواحد مئات الجواري والسراري وما ملكت الأيمان.وبأمر خليفة المسلمين “يزيد بن معاوية” إغتصبت نساء المسلمين جهاراً نهاراً، حتي إنه في عام واحد حبلت ١٠٠٠ فتاة بكر في مدينة الرسول بلا زواج، وعلي يد عبد الملك بن مروان” ظهر التخصص في “الإستعمال” الجنسي للنساء لأول مرة في تاريخ العرب. وفي ذلك قال الخليفة الورع: “من أراد أن يتخذ جارية للتلذذ فليتخذها بربرية، ومن أراد أن يتخذ جارية للولد فليتخذها فارسية، ومن أراد أن يتخذها للخدمة فليتخذها رومية. بيد أن مئات الجواري والسراري مضافاً إليهن أربعة زوجات وعدد لا محدود من ما ملكت الإيمان والعبيد لم تعد كافية لتطفئ نار شهوة الخلفاء ولهيبها، فاتجه بعضهم إلي الغلمان لممارسة اللواط وإرتكاب الفحشاء كما يصفها الفقهاء !فـخليفة المسلمين وأمير المؤمنين الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان لم يكن مبلغ فحشه وفجوره أن أمر جاريته أن ترتدي ثيابه وتصلي بالناس بدلاً منه وهي سكرانة، بعد أن سمع صوت الآذان أثناء ممارسته الجنس معها، بل بلغ به الأمر أن راود “أخاه” عن نفسه. ذلك لأنه كان إلي جانب الجواري يشتهي الغلمان! ولم يجد خجلاً في أن يعبر عن رغباته الشاذة في أشعاره فقال:
أدنيا مني خليلي عبد الإله من دون الإزار
فلقد أيـقنت أنـي غــيـر مـبعـوث لنار
واتركا من يطلب الجنة يسعى في خسار
لكن الدولة الأموية على فجور بعض خلفائها كانت لا تزال دولة إعرابية بدوية ساذجة، تنقل من البلاد المفتوحة عاداتها وتصبغها بطابعها البدوي. لذا، فقد كان المجون فيها شبه مستور.
وبانهيار الدولة الأموية بعد سلسلة من الإغتيالات السياسية وبداية الدولة العباسية، إنتقل الخلفاء من مرحلة مئات الجواري إلي مرحلة آلاف الجواري. وإنتقل اللواط من خانة الحوادث الفردية إلي خانة “الظاهرة” المميزة لخلفاء الدولة وإنتقلت الخلاعة والمجون من داخل القصور إلي خارجها حتى صارت بغداد في ذلك عَلَم بين جميع المدن وعبر الشاعر العربي عن حال بغداد فقال:
الزم الثغر والتواضع فيه ** ليس بغداد بمنزل للعُبَّاد
وأصبحت قصور الخلفاء مثل - المهدي والرشيد والأمين والواثق والمتوكل - أصبحت ساحات للشرب وملاهي للرقص ومقاصف للهو، وإذا كان الخليفة الأموي الوليد بن يزيد قد نظم شعراً في شرب الخمر، ظهر فيه بعض من الشعور بالذنب حين قال:
إسقني اسقني يا يزيد بالقرقارة ** قد طربنا وحَـنَّت الزمارة
اسـقـنـي اســقـني فـإن ذنـوبـي ** قد أطاحت فما لها كفارة
إن الخلفاء العباسيين قد أسقطوا – بتبجحهم - ما تبقي من حياء، وبفجورهم ما تبقي من خجل، حتي صارت كل الموبقات تمارس في الجهر و العلن، وعبر أبو نواس عن تلك الحال حين قال:
فإن قالوا حرامٌ قل حرامْ ** لكن اللذائذ في الحرامِ
في بيت أخر قال:
ألا فأسقني خمراً وقل لي هي الخمرُ ** ولا تسـقـني ســراً إن أمـكـن الـجـهـرُ
وإذا كان “هارون الرشيد” قد عرفه التاريخ بما كان يملكه من آلاف الجواري والسراري فإن إبنه “الأمين” لما آلت إليه الخلافة بالوراثة، قد أبي هو الأخر إلا أن يذكره التاريخ من باب أخر أشد تفرداً وتميزاً من باب أبيه، ففور أن وضع خاتم الخلافة في يديه، إبتاع “الخصيان” وجعلهم لخلوته في ليله ونهاره، ورفض الجواري والسراري. وعبثاً حاولت أمه أن تثنيه عن عادته هذه، فقد أتت له بفتيات يتمثلن بالغلمان، وسمتهم “الغلاميات”، فما إستطاعت أن تصرفه عن شذوذه
وكان لـ خليفة المسلمين وأمير المؤمنين “الأمين” غلام هو الأقرب له، طار له عقله وتعلق به فؤاده، وكان هذا الغلام يدعي كوثر وبلغ في عشقه لغلامه أن نظم فيه شعراً يصف به حبه له فقال:
كـوثـر ديني ودنـيـاي وسقـمي وطبـيبـي ** أعجز الناس الذي يلحي محباً في حبيبِ
ولما خرج “المأمون” علي “الأمين” وقامت بينهما الحرب تنازعاً علي الملك، خرج كوثر من قصر الأمين ليري كيف يدور القتال، فأصابته علي الفور جمرة أدمت وجهه. ولما شاهده الخليفة علي هذه الحال ترك أمر القتال، وتوجه إليه كي يمسح الدماء عن وجه عشيقه. ونظم فيه الشعر باكياً فقال:
ضربوا قرة عيني ومن أجلي ضربوه ** أخـذ الله لـقـلبـي مـن أنـاس حـرقـوه
وهكذا إنتقلت الخلافة من الأمين إلي المأمون في مشهد من فرط عبثيته يدعو إلي الضحك عوضاً عن البكاء!
ثم بعد المأمون إنتقلت الراية إلي الواثق. الذي كان لا يناطحه في هذا الدرب مناطح ولا ملك أو أمير. فالخليفة المعتزلي الذي كان لا يتردد لحظة في ضرب عنق كل من لا يقول بخلق القرآن، وكان الفقهاء يرتجفون في حضرته خشية أن يسألهم في مسألة خلق القرآن فيجيبوه بغير ما يحب، كان علي الجانب الأخر فارس ميدان الشذوذ الأول فقد كان له غلام وعشيق إسمه “مهج” كان الوزراء وكبار رجال الدولة يتوسطون بـ “مهج” لدي الخليفة لقضاء شؤون الرعية وكان مهج إذا رضي عن الخليفة ومتعه في فراشه، رضي الخليفة عن الرعية وإذا تمنع مهج وتدلل غضب الخليفة علي الرعية! وكعادة كل العشاق كان خليفة المسلمين ينظم الشعر في عشيقه، فذات صباح توجه “مهج” إلي مجلس الخليفة حاملا معه باقة ورد، ليهديها لعشيقه، وفي حضرته الوزراء وكبار رجال الدولة فإذا بالخليفة يقوم منتفضاً من مجلسه ولا يبالي بمن حوله ويقول:
حـياك بالنرجس والورد ** معـتـدل الـقـامـة والـقـد
ألهبت عيناه نار الهوي ** وزاد في اللوعة والوجد
وذات ليلة أغضب الخليفة عشيقة، فتمنع عنه الغلام وفي صباح اليوم التالي تعطلت كل مصالح الدولة، فعلم الوزراء أن “مهج” هو السبب، فحاولوا أن يسترضوه حثي يكلم الخليفة فيروق مزاجه. فما كان من الغلام إلا أن تمنع ورفض أن يكلم الخليفة! ولما علم الخليفة بهذا الأمر قال:
يا ذا الذي بعذابي ظل مفتخرا ** ما انت إلا ملـيك جـار إن قـدرا
لولا الـهوي لـتجارينا علي قـدر ** وإن أفق منه يوماً فـسوف تري
وهكذا؛ فقد كان لغلام شاذ أن يتحكم في شؤون إمبراطورية كاملة، وخليفة يمارس اللواط أن يقوم علي تطبيق شرع الله.
ثم بعد ثلاثة عشر قرن تأتي عصابة الإخوان وتسعي لإجترار التاريخ وإستعادة نظام الخلافة لدولة العراق والشام "داعش" في نغمة لا يختلف شذوذها عن روح العصر عن شذوذ الوليد أو الأمين والواثق!
أدنيا مني خليلي عبد الإله من دون الإزار
فلقد أيـقنت أنـي غــيـر مـبعـوث لنار
واتركا من يطلب الجنة يسعى في خسار
لكن الدولة الأموية على فجور بعض خلفائها كانت لا تزال دولة إعرابية بدوية ساذجة، تنقل من البلاد المفتوحة عاداتها وتصبغها بطابعها البدوي. لذا، فقد كان المجون فيها شبه مستور.
وبانهيار الدولة الأموية بعد سلسلة من الإغتيالات السياسية وبداية الدولة العباسية، إنتقل الخلفاء من مرحلة مئات الجواري إلي مرحلة آلاف الجواري. وإنتقل اللواط من خانة الحوادث الفردية إلي خانة “الظاهرة” المميزة لخلفاء الدولة وإنتقلت الخلاعة والمجون من داخل القصور إلي خارجها حتى صارت بغداد في ذلك عَلَم بين جميع المدن وعبر الشاعر العربي عن حال بغداد فقال:
الزم الثغر والتواضع فيه ** ليس بغداد بمنزل للعُبَّاد
وأصبحت قصور الخلفاء مثل - المهدي والرشيد والأمين والواثق والمتوكل - أصبحت ساحات للشرب وملاهي للرقص ومقاصف للهو، وإذا كان الخليفة الأموي الوليد بن يزيد قد نظم شعراً في شرب الخمر، ظهر فيه بعض من الشعور بالذنب حين قال:
إسقني اسقني يا يزيد بالقرقارة ** قد طربنا وحَـنَّت الزمارة
اسـقـنـي اســقـني فـإن ذنـوبـي ** قد أطاحت فما لها كفارة
إن الخلفاء العباسيين قد أسقطوا – بتبجحهم - ما تبقي من حياء، وبفجورهم ما تبقي من خجل، حتي صارت كل الموبقات تمارس في الجهر و العلن، وعبر أبو نواس عن تلك الحال حين قال:
فإن قالوا حرامٌ قل حرامْ ** لكن اللذائذ في الحرامِ
في بيت أخر قال:
ألا فأسقني خمراً وقل لي هي الخمرُ ** ولا تسـقـني ســراً إن أمـكـن الـجـهـرُ
وإذا كان “هارون الرشيد” قد عرفه التاريخ بما كان يملكه من آلاف الجواري والسراري فإن إبنه “الأمين” لما آلت إليه الخلافة بالوراثة، قد أبي هو الأخر إلا أن يذكره التاريخ من باب أخر أشد تفرداً وتميزاً من باب أبيه، ففور أن وضع خاتم الخلافة في يديه، إبتاع “الخصيان” وجعلهم لخلوته في ليله ونهاره، ورفض الجواري والسراري. وعبثاً حاولت أمه أن تثنيه عن عادته هذه، فقد أتت له بفتيات يتمثلن بالغلمان، وسمتهم “الغلاميات”، فما إستطاعت أن تصرفه عن شذوذه
وكان لـ خليفة المسلمين وأمير المؤمنين “الأمين” غلام هو الأقرب له، طار له عقله وتعلق به فؤاده، وكان هذا الغلام يدعي كوثر وبلغ في عشقه لغلامه أن نظم فيه شعراً يصف به حبه له فقال:
كـوثـر ديني ودنـيـاي وسقـمي وطبـيبـي ** أعجز الناس الذي يلحي محباً في حبيبِ
ولما خرج “المأمون” علي “الأمين” وقامت بينهما الحرب تنازعاً علي الملك، خرج كوثر من قصر الأمين ليري كيف يدور القتال، فأصابته علي الفور جمرة أدمت وجهه. ولما شاهده الخليفة علي هذه الحال ترك أمر القتال، وتوجه إليه كي يمسح الدماء عن وجه عشيقه. ونظم فيه الشعر باكياً فقال:
ضربوا قرة عيني ومن أجلي ضربوه ** أخـذ الله لـقـلبـي مـن أنـاس حـرقـوه
وهكذا إنتقلت الخلافة من الأمين إلي المأمون في مشهد من فرط عبثيته يدعو إلي الضحك عوضاً عن البكاء!
ثم بعد المأمون إنتقلت الراية إلي الواثق. الذي كان لا يناطحه في هذا الدرب مناطح ولا ملك أو أمير. فالخليفة المعتزلي الذي كان لا يتردد لحظة في ضرب عنق كل من لا يقول بخلق القرآن، وكان الفقهاء يرتجفون في حضرته خشية أن يسألهم في مسألة خلق القرآن فيجيبوه بغير ما يحب، كان علي الجانب الأخر فارس ميدان الشذوذ الأول فقد كان له غلام وعشيق إسمه “مهج” كان الوزراء وكبار رجال الدولة يتوسطون بـ “مهج” لدي الخليفة لقضاء شؤون الرعية وكان مهج إذا رضي عن الخليفة ومتعه في فراشه، رضي الخليفة عن الرعية وإذا تمنع مهج وتدلل غضب الخليفة علي الرعية! وكعادة كل العشاق كان خليفة المسلمين ينظم الشعر في عشيقه، فذات صباح توجه “مهج” إلي مجلس الخليفة حاملا معه باقة ورد، ليهديها لعشيقه، وفي حضرته الوزراء وكبار رجال الدولة فإذا بالخليفة يقوم منتفضاً من مجلسه ولا يبالي بمن حوله ويقول:
حـياك بالنرجس والورد ** معـتـدل الـقـامـة والـقـد
ألهبت عيناه نار الهوي ** وزاد في اللوعة والوجد
وذات ليلة أغضب الخليفة عشيقة، فتمنع عنه الغلام وفي صباح اليوم التالي تعطلت كل مصالح الدولة، فعلم الوزراء أن “مهج” هو السبب، فحاولوا أن يسترضوه حثي يكلم الخليفة فيروق مزاجه. فما كان من الغلام إلا أن تمنع ورفض أن يكلم الخليفة! ولما علم الخليفة بهذا الأمر قال:
يا ذا الذي بعذابي ظل مفتخرا ** ما انت إلا ملـيك جـار إن قـدرا
لولا الـهوي لـتجارينا علي قـدر ** وإن أفق منه يوماً فـسوف تري
وهكذا؛ فقد كان لغلام شاذ أن يتحكم في شؤون إمبراطورية كاملة، وخليفة يمارس اللواط أن يقوم علي تطبيق شرع الله.
ثم بعد ثلاثة عشر قرن تأتي عصابة الإخوان وتسعي لإجترار التاريخ وإستعادة نظام الخلافة لدولة العراق والشام "داعش" في نغمة لا يختلف شذوذها عن روح العصر عن شذوذ الوليد أو الأمين والواثق!