ليلى تباني - التغريبة الهلالية حبحب رمّان ج(12)

ج(12)

كان صهيل الأدهم أوّل ما تلقَّى الشيخ "علي بن حنّاش" من عالم اليقَظة، فلم يمتنع أن يُوقظه وهو إلى تنبيهه أقرب منه إلى إيقاظه في غير ميعاده ، لاحقه بطقطقات حافريه غير متوان، لكأنّه يجبره على الإسراع في النهوض واستنفار الوضع .

وقع صوت الصهيل على مسمع الشيخ علي كالحلم ، فتقلّب بجسمه المكتنز على فراشه ، ثمّ هبّ قائما بعد ما استعاد وعيه و تركيزه ، هرول نحو الخارج يستطلع حقيقة الصهيل ، فلم يقف على ما ينتظر سوى ما بدا من الأشاء والمنازل يغشاها ظلام بدأ يتبدّد بعدما رمت الشمس بخيوطها الأولى . نادى صبيّه و أخبره بما سمع من صهيل ، وقال بلهجة اليقين :

ـــــ إسع في البحث عن الأدهم يا سعيد .

نظر إليه نظرة استغراب وقال :

ــــ وما الذي سيأتي به إلى ديارنا ؟ ! لقد غادر مع سيّده إلى بلاد بعيدة.

ــــ لقد سمعت صوت صهيل ، وخيّل إلي أنّه صهيله ، فأنا لا أتوه عن صهيل الأدهم .

جال سعيد حول أرجاء الدار والزريبة ، والغريب أنّه عثر على الأدهم خلف دار الشيخ علي ، اعترته دهشة كبيرة ، فتخطّف لجام الأدهم و ساقه معه إلى حيث ينتظره الشيخ علي . لم يعد ثمّة ما يدعو إلى الشكّ وقد سرى اليقين إلى نفسيهما فخالج قناعتهما وقطع الشكّ عن دابره بما يؤكّد أنّ أمرا جللا قد حدث مع شاهين ورفيقتيه . ساد صمت حكيم وراح الشيخ علي يمسح براحة يده على ظهر الأدهم ، كأنّه يحدّثه ، وكان الأدهم يستجيب فيرخي ظهره حتىّ تصيب جلده رعشات توحي باندماجه مع حُنوّه ، فيحمحم بما يشبه الأنين . صوّب عليّ نظرات حازمة نحو سعيد وقال مؤكّدا :

ــــ أرى حزنا على ملامح الأدهم . لا بدّ أن أمرا سيّئا أصاب شاهين والمرأتين ، فالجواد بلجامه ودون سرجه ، والمؤكّد أنّه عاد لينبئنا بخطر ما قد ألمّ بهم .

ــــ لا مجال للشكّ سيّدي ، و لا وقت يسمح بأن نهدره ، علينا أن نسارع في نجدتهم .

ـــ قَدِّمْ ما يلزم من العلف والماء للجواد ، و أعدّ لنا العدّة كي نتبع الأدهم إلى حيث سيوصنا .

انطلق الرجلان يمتطيان صهوة جواديهما ويتبعان أثر الأدهم ، لا يكادان يلحقانه حتّى يتجاوزهما بقوّة وسرعة وهو يعدو ضابحا يشقّ الأفق ويسابق الريح ، لكأنّه الصدع في مواطىء الصوّان والنزع الأخير في غير أوان ... وصلا مضارب القبيلة المقصودة ، فتوقّف الجواد ومعه الرّجلان . نزلا من على جواديهما وأخذا مهلة حذرة من الراحة ، مكث سعيد يحرس المكان والجياد ، و راح يشغلها بتقديم قليل من العلف . فيما تسلّل الشيخ علي خلف الأشجار الكثيفة يستطلع الأمر و يستنفر سيفه . أبصر من بعيد رجلان يخرجان من خيمة ، وقفا مدّة يسيرة من الزمن يتحدّثان ، اقترب أكثر بحذر شديد يتحسّس المكان ويسترق السمع . حتّى وصل إلى مسمعه كلامهما ، فعرف من خلاله أنّ شاهين والمرأتين محتجزون في تلك الخيمة . فكّر علي في حيلة نجاتهم ، ولم يجد غير المواجهة سبيلا لذلك . سار نحوهما بوجه مكشوف وهيأة وقورة ذات هيبة بعد ما أغمد سيفه ، وما كان من الرجّلين إلاّ أن اندهشا من ظهوره المفاجىء كجنيّ يظهر عند سماع اسمه ، قال بنبرة واثقة محاولا احتواء الموقف :

ــــ بأيّ حقّ تحتجزون شاهين والمرأتين ؟ لا أرى ذنبا اقترفوه ضدّكم .

أدرك الرجلان علوّ شأن المتحدّث وكان أحدهما زعيم تلك القبيلة استلاّ سيفيهما تحسّبا لردّة فعله ، لكنّ الشيخ علي لم يكن ليعبأ بهما وظلّ متماسكا ثابتا ، حتّى جاءه الردّ من زعيمهم :

ــــ هذا الرجل رفقة المرأتين ، دخل رقعة قبيلتنا دون استئذان ، ومن باب الحرص وجب اعتقاله حتّى نعرف مقصده ، فلربّما كان لصّا أو معتديا .

رمقه الشيخ علي بنظرات لا تخلو من عتاب وقال :

ــــ ألا تفرّقوا بين قطّاع الطرق والعابرين وطالبي العون ؟ حريّ بكم أن تتبيّنوا الأمر قبل أذيّة من وقع بين أيديكم سائلا العون والمدد ، وليس ذلك من شيم قبائل هوّارة وما جاورها .

طأطأ زعيمهم رأسه خجلا من كلام الشيخ علي ، ثمّ سأله عن اسمه ونسبه وعرف أنّه شيخ قبيلة بني حنّاش ، ازداد خجله من هيبة ومقام الشيخ وصار يستجدي العفو ، ثمّ أمر بإطلاق سراح شاهين والمرأتين ، و أقام مأدبة عشاء على شرفهم ، و شدّد على غلمانه بألاّ يقصّروا في تلبية كلّ طلباتهم ولا يبخلوا عليهم بالمدد .

غادر الجميع إلى حيث غاياتهم ، بعد أن قدّم شاهين آيات الشكر والامتنان للشيخ علي ، لكنّ الشيخ أصرّ أن ينسب الفضل للجواد " الأدهم " ، وأصر شاهين على أن ينسب الفضل لقمرة التي نبّهتهم لحيلة الأدهم أصيل الجياد .

كان خليفة يتابع باهتمام ولا يحرّك ساكنا ، إلى أن توقّفت عنق حمام عن الحكي ، تبسّمت وقالت :

ـــــ سيّدي خليفة . سيكون لكم نصيبا من حيرة شاهين وغنيمة زينب وجمال قمرة ... في الغد بحول الله وقدرته .

ردّ خليفة ملء شغفه وقال :

ــــ تكفيني غنيمتي منك جمالا و لا أطلب غير وصلك يا عنق حمام ، وإن كنت توّاق لاكتشاف المزيد عن الحكاية .

تثاءبت وقالت في استحياء :

ــــ الحديث حلا يا سادة ، لكن العنين طلبوا النعاس ، والرّاس طلب الوسادة .

.... يتبع




تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...