رباح سليمان - الرصيف 17.. أقصوصة

اسمي الرصيف 17 .. ولا أعرف سبباً لهذا، لكنّ موظف البلدية عندما انتهى العمل بي وضع هذه التسمية وذهب ..

لكنني رصيف محظوظ بتلك السيدة الأربعينية التي ما زالت تحتفظ بمشمشها وتقطن الدور الثاني .. هي من القليلات اللواتي ما زلن يرتدين الفساتين وعندما تمرّ فوقي، أشعر أن سمواتٍ تسعاً بغيوم ملونة قد عبرتْ ..

في المساء تجلس في شرفتها ترتشف قهوتها .. أقول لنفسي : لو كنت فنجانها، لمنحتها القهوة مقابل رضابها رشفةً برشفة ..

مرةً تقصدتُ أن تتعثر برفق .. أمسكتُ حذاءها الصغير وأعدته لقدمها .. وهل للرصيف أن يحلم بأكثر من حذاء ؟ ..

أما ذلك الأحمق الذي يسكن الدور الخامس وصوت ارتشافه الشاي يوقظ المدينة وكرشه المدور كمؤخرة فيل، فجعلته يسقط على وجهه عساه يشرب الشاي بصمت ..

في الخريف تغطيني أوراق الأشجار .. أنينها عندما تتكسر يبكيني .. من قال إن الأرصفة لا تبكي ؟ ..

أفرح لهمسات عاشقيْن مسرعيْن .. هو يمسك أصابعها بحجّة عبور الشارع، وهي تتمنّع مجبرةً إياه على احتضانها .. من قال إن الأرصفة بلا قلب ؟ ..

تمرّ سنوات العمر ويتغيّر العابرون، وتتجدّد الأرصفة، ويأتي موظف البلدية ليعيدَ للرصيف الجديد ذات الإسم .. الرصيف 17 .. من قال إن الأرصفة لا تموت ؟ ..


رباح سليمان .. سورية



* النص الحائز على المركز الأول
في مسابقة الأقصوصة
الهراديبية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...