حسام المقدم - نشرة أخبار شبه عادية..

طابَ صباحُكم..
الأخبار تأتِيكُم على رأسِ السّاعةِ من التّليفزيون العَربيّ، ونبدأ بالعُنوان الأبرَز لهذا اليوم:
أنباء عن مُفاجأةٍ من العِيار الثّقيل، في القضيّةِ الأكثرِ جَدَلًا طوال الأسابيعِ الماضية، والمعروفةِ إعلاميًّا بقَضيّةِ "الجاحِظ".
إليكم التّفاصيل:
وصلتْ أنباء تُفيد بحُدوث مفاجأة غير مُتوقَّعة، في قضيّة "الجاحظ" التي شغلَت الرأي العام العربيّ في الآونةِ الأخيرة.
كان التقرير التّفصيلي الصّادر منذ أيام عن المحكمة العربيّة العليا، قد أفاضَ في ذِكر مُلابَسات وحوداث القضية من بدايتها، عبر اللقاءات التي تَمَّت في عدد من المقاهي العربيّة الشّهيرة بأنها مقصد أهل الأدب والفن. وبالاعتماد على التَّحريات الجادّة لجهاز المباحِث العربيّة المُشترَكة "م. ع. م."؛ تمَّ رصد ثلاثة لقاءات، أَوَّلها في مقهى "الشّابَندَر" في شارع المُتنبّي ببغداد، والثاني في "الرّوضة" الموجود بشارع العابد بِقَلب دمشق، والأخير كان في مقهى "رِيش"، الكائن بشارع طلعت حرب في وسط القاهرة.
أشارَ التقرير إلى حِرص مُؤسس التّنظيم، المدعو "أبو عثمان الجاحِظ"، على الوصول قبل الموعد بنصف ساعة على الأقل، وأنّه يجلس على مقعد يُقابل الشارع، بهيئة تُوحي دائما بالاستغراب وعدم الثّقة، في حين يصل الرجل الآخر في الموعد المُتّفق عليه وهو العاشرة صباحا. يُدعَى "رجاء عِليش"، وهو عاطل استقال من وظيفته المستورة وتفرَّغَ للجلوس على المقاهي وكتابة القصص والروايات. ووِفقًا لشُهود العيان فإنّه في كل لقاء يُسلِّم على الجاحظ بحرارة، ويأخذه بالأحضان. وعند سؤال صاحب المقهى أكَّدَ تشابه الرَّجلين في قُبح الملامح.. الجاحظ قصير القامة داكن البَشرة، وعيناه المُكوَّرتان تمنحانه بسهولة لَقَب "الحَدَقِي" أو "الجاحظ" كما هو معروف. أما عِليش فقُبح وجهه مشهور، ويكفي أنه يصف نفسه بالغُوريللا. من جانب آخر قال عامل المقهى إنّ الجاحظ يطلب مشروب الحِلبة، في حين يُواظب صاحبه على زجاجة البيرة.
طوال اللقاءات، التي كان بعضها يطول لساعات، أمكنَ رصد كلمات وتعبيرات على لسان "عِليش"، مثل: "القُبح هو الفكرة المسيطرة تماما على حياتي ومشاعري"، و"أنا دائما الأفظع.. الأقبَح". أفادَ التقرير أنّ الجاحظ انفجر ضاحكا حين سمع صاحبه يتكلّم بهذه المرارة المُؤسِفة، وأنّه راح يحكى مَوقفه الأشهر مع المرأة التي أرادت أن تنقُشَ وجه الشيطان على خاتم، ولمّا عجزَ الصّائغ عن تصوُّرِ ذلك؛ ذهبتْ وأحضرتْ الجاحظ، ثم أشارت إلى وجهه قائلة: مثل هذا! ثلاثة من الجالسين في المقهى أشاروا إلى أنّ الرَّجلين تدفَّقا في ضحك عالٍ لفتَ نظر الجميع، وأنّ هناك مَنْ ضحكوا على صوت الضحك، أو على المنظر غير المألوف لرجُلين بهذه الهيئة العجيبة، يُشبهان مُمثِّلي المسرح الخارجين في استراحة، بعد بروفة مُرهِقة لمسرحية تاريخية.
من جِهةٍ أخرى أضافَ التقرير أن الجاحظ كان على درجة عالية من الحِرص والحذَر، من خلال كلماته القليلة التي لا تحتمل أكثر من معنى، وهذا طبيعي من رجل أريب لا تفوته فائتة في فنون الأدب والسياسة.. بخِلاف عِليش، الذي يُخرِج الكلمات ببواعث خَفيّة سوداء، مثل قوله: "تلك الأصابع الشِّرّيرة التي تُحرّك خُيوط حياتي". وتبعًا للتَّحرّيات والمراقبَة المستمرة؛ تَبيَّنَ أنّ معنى "الأصابع الشريرة"، يُشير إلى موقف عدائي من بعض الجِهات الأمنيّة السِّياديّة.
وأوضحَ مصدر مسئول، (كشفَ عن اسمه في البداية ثم تَراجعَ عن ذلك)، أنّ اعتقال الرَّجلين جرى في الثانية عشرة وعشر دقائق ظُهرا. وصلت قوات الأمن إلى المقهى بأربع عربات كبيرة مملوءة بالجنود، نزل ضابط برتبة عميد، ومن خلفه ضبّاط وجنود. انتهى الأمر بِجَرِّ الرَّجلين، بعد إجراء التفتيش الدقيق وهما في وضع الانبطاح الكامل. ولابد هنا من الإشارة إلى موقف صغير يفيد بأنّهما أظهَرا مقاومة، وكادا أن يهربا لولا شجاعة أحد الجنود في المُلاحَقة والاستماتة على رقبة الجاحظ. وقد أوصى قائد المجموعة بمنح ذلك الجندي وسام الشجاعة في عيد الأمن القادم. وفي سياق آخر قال رجل يمتلك سوبر ماركت في مكان الواقِعة؛ إنّ صاحب المقهى خرج ضاربا كفّا بكف بعد اعتقال الرّجلين، شاكِيًا خراب البيوت، لأنّ الزبائن كلهم جَروا فجأة، حين رأوا قُدوم الموكب المرعب، دون أن يدفعوا أثمان ما شربوا.
في التحقيق تمَّ استجواب الرّجلين وسؤالهما عن كلّ شيء. كان الإنكار وادِّعاء الجهل بالتُّهَم المنسوبة هو الغالب، ولمّا قام رجال الأمن بالضغط عليهما، وإفهامهما أنّ الموضوع كبير ووصل إلى أعلى المستويات في عِدة دُول؛ أظهرَ "الجاحظ" مرونة، وقال إنه سيعترف بالحقيقة، مُبديًا التعاون الكامل. وقد سُجّلت أقواله بالدقيقة والساعة، وجرى توقيعه على التحقيقات في تمام السابعة وخمسة عشر دقيقة مساء.
أفادَ أحد المسجونين (لم يرغب في ذِكر اسمه) من رِفاق "الجاحظ" في الزنزانة أنّ الرجل حكى أمامهم اعترافه بزعامة وتأسيس تنظيم "جَرْدَل"، الذي خرَّبَ البلاد في الشهور الأخيرة، بأعمال أقلّ ما يُقال عنها إنها جبانة. منها، على سبيل المثال لا الحصر، استهداف موكب وزير شئون المطابخ الرئاسيّة في جُمهورية "جُزُر القاف"، والهجوم الجبان على منزل مُحافظ مدينة الملاهي الجديدة بأطراف الصحراء الأفريقية، فضلا عن تفجير مبني الهيئة العامّة لشئون البَدانة والتّخسيس في دولة شقيقة. وهذا دليل على الانتشار والتّوسُّع الجغرافي الذي حقَّقه التنظيم في الفترة الأخيرة، بتعاونه مع قوى أجنبية وعُملاء وسماسِرة سلاح.
وفي مُداخَلَةٍ له، عبْرَ الأقمار الاصطناعيّة، قال أحد الخُبراء في تاريخ التّنظيمات؛ إن تنظيم "جَرْدَل" لا ينتمي إلى أي كيان تنظيمي سابق، وثبتَ أنه كيان قائم بذاته أسّسه "الجاحظ" ونائبه "رجاء عليش"، بدوافع مبعثها الحقد ومحاولة نشر الفوضى، وتصدير أفكار تَتستَّر في مُجملها خلف مفاهيم العدالة الاجتماعية وتأجيج الصّراع بين الطبقات وعدم الرِّضا بما هو كائن. والواقع أن اسم "جَرْدَل" مأخوذ من فكرة طرحها منذ سنوات كاتب ساخر كبير، وتتعلّق بالتفكير في تطبيق العُمْلَة العَربيّة المُوحَّدة، حيث قدَّم اقتراحا باسم العُمْلة المنشودة، بأن نأخذ الحروف الأولى من عُملات: الجُنية والرِّيال والدِّينار والليرة، فيكون الاسم هو "جَرْدَل". وفي الحقيقة لاقَت الفكرة استحسانا وحماسا عند الشّعوب بشكل لافِت، وقامت مظاهرات محدودة في بعض العواصم العربية تُطالب بتنفيذ الفكرة، إلا أن الحكومات لم تتحمَّس لذلك. ومن سوء الحظ أن بعض العقول المُخرّبة سرقت الفكرة، وقاموا بنسخ الاسم على رأس تنظيمهم كما رأينا. وبالفعل حدث في وقت لاحق، وبعد أن سيطر التنظيم على بعض المناطق وتَوسَّعَ في عملياته، أن أصدرَ عُملته النّقديّة، وكانت من فِئات: عشرة وعشرون ومائة وخمسمائة جَردل. وبعد عام واحد وصلَ الاحتياطي النقدي نتيجة اتفاقيّات تجاريّة مشبوهة مع كيانات أجنبيّة إلى سبعمائة مليون جَردل، وبلغَت قيمة المُعدّات اللوجِستيّة والأسلحة الواردة إلى التنظيم ما يُعادل مائتي مليون جَردل.
كان الناطق باسم التنظيم قد صرَّحَ منذ أسابيع، في تغريدة له على تويتر، بأنّ نائب رئيس التنظيم "رجاء عِليش" التقَى المبعوثَ الأُمَميّ الجديد، من أجل تحريك المفاوضات الساعية إلى دمج "جَردل" في الحياة السياسية. ومن جِهَته أعرَبَ "عِليش" أنّ التنظيم على استعداد للانخراط في العملية السياسية، لكنّ التوقيت غير مناسب لذلك في الوقت الراهن.
وفي تعقيب على ذلك قال مسئول كبير في الخارجية، إن ذلك كله كان بهدف المناورة وكسب الوقت، بينما كانوا يُخطّطون لعمليتهم الكبرى، التي لم يُعلَن عنها دوليًّا بسبب حساسيتها، مُتمثّلة في اختطاف الرجل الأبرَز في قضايا الأمن الإقليمي، وصاحب الفضل الكبير في إبرام عدّة اتفاقيات مع جهات غربيّة نافِذة. وقد تمّ تحرير الخبير الأمني في عملية ناجحة، نفَّذتها باقتدار قُوّات السّحاب الأحمر، دون خسائر تُذكَر. وعقب وصوله إلى المطار قال بنبرات مُؤثرة: "كانت أياما صعبة، لا أستطيع أن أصف لكم ما رأيته، هذا تنظيم همجي، الواحد منهم طوله أربعة أمتار، يأكل ديكا رُوميًّا في الصباح، وخروفا مشويًّا على الغداء. هذا الرَّجاء عِليش كان بالتَّناوب مع رئيس التنظيم، يحرصان على إلقاء خُطب شَعبيّة وأحاديث مُحرّضة، تدعو الناس في مختلف البلاد إلى الخروج في تظاهرات ضد كل شيء وأي شيء، كما أنهما ظلَّا يُكرّران القول باستحالة تحرير الأرض المُحتَلَّة، أو العودة إلى حدود ما قَبلَ وما قبلَ.. عبرَ طُرقِنا السّياسيّة الشَّريفة، مثل المُفاوضات أو سياسة الخُطوة خُطوة. إنهم مُتخلِّفون، لا أريد أن أتذكرهم. حقّا كانت أياما صعبة". ونحن نذكُر تصريحات الرّجل بعد نجاته؛ لقطع الطريق على أي لسان كاذب يدَّعي، كما حدث على بعض مواقع السُّوشيال ميديا، أنّ الرّجل لم يُختطَف في الأساس، وأنه كان في مُقيمًا في منزله، طِبقا لتسريبات مزعومة من بعض الخَدَم، وهي أخبار عاريّة تماما عن الصّحة، وقد سمعناه وهو يحكي بنفسه عن تجربته الأليمة عند هؤلاء المجرمين.
على صَعيدٍ آخَر نفَى المُتحدث باسم المحكمة العليا أن تكون القضيّة مُسيَّسَة، ورفضَ الإشاعات القائلة بحدوث تدخُّلات من كيانات دخلية أو خارجية من شأنها أن تُعيق حِياديّة ونزاهة التحقيق، مُضيفًا أنّ المحكمة اطمأنتْ إلى ثُبوت تورُّط التنظيم المذكور في أعمال إرهاب وشَغب لها تأثير كبير على توجيه الرأي العام، بقصد تحويله من حالة السلام الاجتماعي والسياسي الشامل، إلى حالة التّعصُّب والغضب، وإذكاء النار التي تأكل الأخضر واليابس وما تحت الثلج.
وقد أثنَى الناطق باسم جهاز "م. ع. م." على الروح البطولية التي قدّمها رَجُليْن من خِيرة رجال الجهاز، جرى زرعهما داخل ذلك التنظيم بهدف الحصول على معلومات استخباراتية. ورغم أن العملية كادت أن تُكلَّل بالنجاح بعد سَيل من المعلومات المهمّة التي أرسلها البطلان؛ إلا أنه في اللحظات الأخيرة جرى اعتقالهما، وتحت الضغط الرهيب اعترفا أنهما مدسوسان على التنظيم، وأُرغِما على كتابة اعتراف يفيد ارتكابهما جريمة الخداع والتّجسُّس، وجريمة أخرى هي اختلاس أوراق خاصة كان رئيس التنظيم يُدوّن فيها خواطره. وللأسف تمَّ إعدامهما بطريقة وضيعة، حيث ماتا بالتَّسَمُّم، بعد أن أُجبِرا على أَكْلِ عَجينة الورق المسروق.
من جِهَتها نَشرتْ أكاديمية المزاج العام، عبر صفحتها على فيس بوك، أنّ قُرب انتهاء القضية، ومحاكمة هؤلاء الناس، يُمثّل راحة كبرى للجماهير المُتشوّقة إلى العالم الجميل، الخالي من المؤثرات السّلبية على الصحة النفسية للمواطنين، المُدركين لمعنى التَّسامي والتَّرفُّع عن كل ما يُلحق الضرر بالمزاج العالي لعُموم الناس.
وفي مفاجأة من العيار الثّقيل تُهدّد بِنَسف القضيّة؛ أعلنَ رئيس حركة "في المِشمش"، والمعروفة اختصارا باسم "فَا"، في بيانٍ مُفصَّلٍ مسئوليتهم عن عملية تهريب الجاحظ وباقي أعضاء التنظيم المُتحَفَّظ عليهم، وذلك أثناء نقلهم من السّجن العُمومي إلى سجن البئر الأسود، الكائن بِوَادي الضّفادع. وكشفَ البيان أنّ القُوة الأمنيّة التي رافَقت المنقولين بلغت مائة جُندي، وسبعة ضُبّاط مخفورين بالعربات المُصفّحة والأسلحة المتنوعة، وأنّ رجال "فَا" نصبوا كَمينًا على الطريق الصحراوي، تمثَّلَ في إنشاء سَبيل تعلوه مَظلَّة كبرى، تَسَع تحتها عشرات من الذين يريدون الماء والتوقُّف لالتقاط النَّفَس. ولمّا حاذَى الموكب الأمني ذلك المكان؛ نزل الضّبّاط والجنود، وشربوا من الماء المخلوط بمادّة مُخدّرة سريعة المفعول. بعد ذلك جرت الأمور بسهولة ليس من الدّاعي ذِكرها. أضافَ أن الجاحظ ومَن معه في أمانٍ تام، لحين إتمام نقلهم إلى الأماكن التي يرغبون في الذهاب إليها.
في سِياقٍ مُتّصل قال رئيس قُوّات السّحاب الأحمر؛ ردًّا على هذه الأنباء الصّادمة، إنّه يجري التحضير لعملية كبرى لاستعادة الهاربين، وأوضح أنّه في غُضون أسبوعين على الأكثر ستكون الأمور تحت السيطرة الكاملة.
ما زلنا مع الأخبار من التّليفزيون العربيّ،
نَلقاكُم بعد الفاصل..

****
حسام المقدم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...