مرآة الغريب سقاكِ الرائح الغادي


في كُلِّ ليلةٍ وأنا على السريرِ -أثناء اليَقظةِ الكاملةِ التي تسبق النوم- أتلو هذا الوِرد:

[مَنِ المُتَغرِّب عَن الآخَر: أأنتَ أم الحَياة؟
وإن رأيتَ نفسَكَ في المِرآةِ، فمَاذا تَرى؟ أتَرى غَريبًا في الحَياةِ، أم حياةَ غريب؟
ها أنتَ تَركضُ لاهثًا إلى المِرآةِ كُلَّ سَاعةٍ؛ لتَرى ما الجديد الذي حَلَّ في جَسدك؟ فتبتسم بسخريةٍ: "لا شَيء"، ثم تَنظر إلى الأخبارِ في مَرايا الصحفِ فتجد الجديدَ، وتَسمَع صَوتَ مِرآتِك تَضحكُ من بَعيد، فتفهَم أنَّ المَسافَةَ بين مِرآتِك والصَحيفةِ تَاريخٌ يُمَيّز الجَديدَ من اللاجَديد...!
لكنّكَ حينَ كَسرتَ مِرآتَك قَهرًا، صَار جسدُكَ يَشيخ فَجأةً...؛ بدأتَ تَتعكّز بنتوءاتِ الجُدرانِ وأرففِ الكتب...؛ هل حَلّ الجديدُ بجسدك حين ألغيتَ المَسافةَ بكسرِ مِرآةِ نفسٍك؟ هل الغربة كائنٌ مسجون في مرآتِك، أم هي المعنى الذي جعلَكَ تَشعر بالشيخوخةِ حين فقدتَ وجهَ نفسِك الذي سكنَ مرآتك؟...!]

ثم بعد أن أدخلَ في أول دركات مرحلةِ النومِ الكاذبِ، يبدأ لساني يَهذي بعباراتٍ لا أدري ماهي، وقد وضعتُ مُسجّلًا بجانبي لأسمعَ ما أقول، فإذا بي أقول بلسانٍ عربي غير مبين:

[صدى كأنَّه الصَدى القديم يَجرُّ نشيجًا لا يَعرفه...؛
غربةٌ تُولَد مِن غُربةٍ، في غربةٍ إلى غربةٍ، تُناجِي غربةً، وتُنصِتُ لغربةٍ، وتَنسَجِن في بيتِ الغربةِ، لخدمةِ الغربة، وامتهان الغربة، ومنادمةِ الغربةِ السعيدةِ بشَقاءِ الغَريبِ عن وطنٍ ابتلعته مِرآةٌ عتيقةٌ، رحلت مع الريح،
وليس متأكدًا من صوابِ الريح]


تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...