وقف أمام المبنى الشاهق للمحكمة يبصر الناس التي لا تعير هيئته البسيطة وجلبابه الذي كثرت فيه الرتوق حتى كادت تخفي قماشه أي نوع من الإهتمام، لقد كان يبصرهم دون نظر يسكن عينيه الكسيرة التي تتمنى الدمع ولا تجده فباتت كما حجرين صغيرين يسكنان وجهه الذي يحمل أخاديد رسمتها عليه قسوة أحكام الزمن.
لعله كان يتمنى أن يسأله أي شخص عن حاله حتى يحرر صرخة يكتمها صدره فتطبق على نبض قلبه المقطوع نياطه من القهر الذي لاقاه بعد أن فقد الأمل في أن ينصفه هذا المبنى الحجري القاسي، أليست من رحمة الأقدار به أن تصدمه سيارة مسرعة من سيارات المدينة فتكفيه خزي الرجوع إلى قريته خالي الوفاض لا يحمل إلا الخيبة لأهله الذين ينتظرونه الآن بفارغ الصبر وقد علقوا آمالهم عليه لترجع لهم أيام الحرية التي تداعب رائحتها أنفاسهم ، أو تكفيه هجوم الذكريات عليه حاملة السياط لجلد ذاته المحطمة بلا رحمة.
وكأنه يرى أمام ناظريه فرحتهم السابقة التي لامست عنان السماء عندما قاموا على عمدتهم الأسبق الذي تعامل مع أقواتهم بإزدراء وهانوا في عينه وعيون أولاده حتى أصبحوا أقل من مجرد ملكيتهم الخاصة التي يفعلون بها ما يريدون دون حسيب يخشون حسابه، أحسوا لأول مرة رائحة أنفاس الحرية التي كانوا يسمعون عنها وكأنها حكايات من كتب الأساطير، ومن بين الفرحة ظهر ذلك الشاب من نفس عائلة العمدة ذا القوة الفتية ونظرات الرفق والدماثة التي إفتقدوها حتى إلتفتوا حوله رافعين جسده فوق أعناقهم هاتفين به في أنحاء القرية.
وعدهم بزرع الأرض وفيض النيل، وعدهم برجوع مكانتهم بين القرى المحيطة بعد أن أفقدهم الفقر والحاجة إياها منذ زمن، طلب منهم الصبر وكان طلبا ليس بالجديد عليهم، فالصبر رفيق سلسالهم منذ فجر التاريخ ويسكن أوردتهم،إستجابوا له وصبروا على سوء الحال والفقر الذي زادت قبضته عصرا لرقابهم وكتما لأنفاسهم يوما بعد يوم، وعندما خرجت منهم صرخة ألم تبدل وجهه وفقد ملامح الرفق، بل أصبح صورة أبشع من سابقه .
حتى جاء اليوم الذي أتاهم يزف بشري الإنفراج على يد جيرانهم الذين يسكنون الجبل، هم الذين كان آباؤهم لا يملكون من الدنيا سوي حصى الجبل وما يجود أسلاف القرية عليهم به من خير الأرض وفيض النيل،
جرت الأموال بيد الأبناء الذين قدموا ووضعوا يدهم في يد عمدة القرية ليشتروا أقواتهم وأراضيهم تلك التي دفع الأسلاف دمائهم للحفاظ عليها، لم يكونوا سوي موظفين في شركة الأغراب الطامعين في أرضهم منذ الأزل، هم الذين كانوا عبيدا عند أجداده حتى رحلوا إلى بقاع الدنيا وإنتشروا فيها إنتشار السرطان في الجسد، و جمعوا منها بكل الطرق الوضعية المال وإشتروا به نفوذهم من رعاة الفساد، ولم ينسوا حلمهم بتلك القرية التي يعلمون إستحالة دخولهم إليها مادام سكانها أحياء على وجه الأرض.
ملكية سكان الجبل كانت هي ملكية الأغراب وتحقيق حلمهم بأن يكون أبناء القرية عبيدا لهم كما إستعبدهم أسلافهم من قبل، العقود أبرمت، وأفاقوا ذات صباح على خبر وفاة العمدة، وكأن وفاته ظلت مؤجلة حتى يتم إبرام تلك العقود اللعينة، حضروا جنازته ودفن نعشه في تراب القرية، ورجعوا عائدين إلى بيوتهم ليجدوا أنفسهم ممنوعين من دخولها، ليجدوا أنفسهم مطالبين بأن يكونوا عبيدا للملاك الجدد بعدما كانوا أسيادهم إن كانوا يريدون البقاء في ذكرى أملاكهم.
كم أعطى فيضا من الأمنيات لأهله بأن القضاء سينصفهم، كانت أمنيات حتى لا يستسلموا ويسلموا بقايا آدميتهم وينتظروا الخلاص في شهيق يدخل الصدر ولا يخرج زفيره، واليوم تحطم ما بقى من الأمنيات لما رفع القضاء جلسته بعد أن أغلق القضية لوفاة المتهم، رفعها مبقيا الوضع على ماهو عليه.
آفاق من شروده عندما شعر بإصطدامه بأحد المارة بشكل مفاجئ، نظرا في عيون بعضهما البعض لبرهة قبل أن يذوب المار بسرعة في زحام المدينة تاركا إياه كتمثال يشخص معنى الذهول قبل أن يستفيق ويدرك ما واجهه الآن، إنه هو العمدة المدفون، لقد دفنوا نعشا فارغا لتخرج شهادة وفاة تسقط بها القضايا التي سوف ترد لهم حقوقهم، لقد كانت لعبة شيطانية تؤمن خروجه بما كنز من بيعهم للأغراب، وتؤمن عقود الإستعباد الملعونة، وترفع الجلسة عن ضياع حقوقهم.
إلتفت إلى التمثال الحجري على واجهة مبنى المحكمة لإمرأة شامخة تعصب عينيها عنه وترفع سيفها عليه، واليد الأخرى التي تحمل الميزان تخفيها سقالات البناء المملوكة لشركة الأغراب حيث أنها منذ فترة طويلة تحت الصيانة.
لعله كان يتمنى أن يسأله أي شخص عن حاله حتى يحرر صرخة يكتمها صدره فتطبق على نبض قلبه المقطوع نياطه من القهر الذي لاقاه بعد أن فقد الأمل في أن ينصفه هذا المبنى الحجري القاسي، أليست من رحمة الأقدار به أن تصدمه سيارة مسرعة من سيارات المدينة فتكفيه خزي الرجوع إلى قريته خالي الوفاض لا يحمل إلا الخيبة لأهله الذين ينتظرونه الآن بفارغ الصبر وقد علقوا آمالهم عليه لترجع لهم أيام الحرية التي تداعب رائحتها أنفاسهم ، أو تكفيه هجوم الذكريات عليه حاملة السياط لجلد ذاته المحطمة بلا رحمة.
وكأنه يرى أمام ناظريه فرحتهم السابقة التي لامست عنان السماء عندما قاموا على عمدتهم الأسبق الذي تعامل مع أقواتهم بإزدراء وهانوا في عينه وعيون أولاده حتى أصبحوا أقل من مجرد ملكيتهم الخاصة التي يفعلون بها ما يريدون دون حسيب يخشون حسابه، أحسوا لأول مرة رائحة أنفاس الحرية التي كانوا يسمعون عنها وكأنها حكايات من كتب الأساطير، ومن بين الفرحة ظهر ذلك الشاب من نفس عائلة العمدة ذا القوة الفتية ونظرات الرفق والدماثة التي إفتقدوها حتى إلتفتوا حوله رافعين جسده فوق أعناقهم هاتفين به في أنحاء القرية.
وعدهم بزرع الأرض وفيض النيل، وعدهم برجوع مكانتهم بين القرى المحيطة بعد أن أفقدهم الفقر والحاجة إياها منذ زمن، طلب منهم الصبر وكان طلبا ليس بالجديد عليهم، فالصبر رفيق سلسالهم منذ فجر التاريخ ويسكن أوردتهم،إستجابوا له وصبروا على سوء الحال والفقر الذي زادت قبضته عصرا لرقابهم وكتما لأنفاسهم يوما بعد يوم، وعندما خرجت منهم صرخة ألم تبدل وجهه وفقد ملامح الرفق، بل أصبح صورة أبشع من سابقه .
حتى جاء اليوم الذي أتاهم يزف بشري الإنفراج على يد جيرانهم الذين يسكنون الجبل، هم الذين كان آباؤهم لا يملكون من الدنيا سوي حصى الجبل وما يجود أسلاف القرية عليهم به من خير الأرض وفيض النيل،
جرت الأموال بيد الأبناء الذين قدموا ووضعوا يدهم في يد عمدة القرية ليشتروا أقواتهم وأراضيهم تلك التي دفع الأسلاف دمائهم للحفاظ عليها، لم يكونوا سوي موظفين في شركة الأغراب الطامعين في أرضهم منذ الأزل، هم الذين كانوا عبيدا عند أجداده حتى رحلوا إلى بقاع الدنيا وإنتشروا فيها إنتشار السرطان في الجسد، و جمعوا منها بكل الطرق الوضعية المال وإشتروا به نفوذهم من رعاة الفساد، ولم ينسوا حلمهم بتلك القرية التي يعلمون إستحالة دخولهم إليها مادام سكانها أحياء على وجه الأرض.
ملكية سكان الجبل كانت هي ملكية الأغراب وتحقيق حلمهم بأن يكون أبناء القرية عبيدا لهم كما إستعبدهم أسلافهم من قبل، العقود أبرمت، وأفاقوا ذات صباح على خبر وفاة العمدة، وكأن وفاته ظلت مؤجلة حتى يتم إبرام تلك العقود اللعينة، حضروا جنازته ودفن نعشه في تراب القرية، ورجعوا عائدين إلى بيوتهم ليجدوا أنفسهم ممنوعين من دخولها، ليجدوا أنفسهم مطالبين بأن يكونوا عبيدا للملاك الجدد بعدما كانوا أسيادهم إن كانوا يريدون البقاء في ذكرى أملاكهم.
كم أعطى فيضا من الأمنيات لأهله بأن القضاء سينصفهم، كانت أمنيات حتى لا يستسلموا ويسلموا بقايا آدميتهم وينتظروا الخلاص في شهيق يدخل الصدر ولا يخرج زفيره، واليوم تحطم ما بقى من الأمنيات لما رفع القضاء جلسته بعد أن أغلق القضية لوفاة المتهم، رفعها مبقيا الوضع على ماهو عليه.
آفاق من شروده عندما شعر بإصطدامه بأحد المارة بشكل مفاجئ، نظرا في عيون بعضهما البعض لبرهة قبل أن يذوب المار بسرعة في زحام المدينة تاركا إياه كتمثال يشخص معنى الذهول قبل أن يستفيق ويدرك ما واجهه الآن، إنه هو العمدة المدفون، لقد دفنوا نعشا فارغا لتخرج شهادة وفاة تسقط بها القضايا التي سوف ترد لهم حقوقهم، لقد كانت لعبة شيطانية تؤمن خروجه بما كنز من بيعهم للأغراب، وتؤمن عقود الإستعباد الملعونة، وترفع الجلسة عن ضياع حقوقهم.
إلتفت إلى التمثال الحجري على واجهة مبنى المحكمة لإمرأة شامخة تعصب عينيها عنه وترفع سيفها عليه، واليد الأخرى التي تحمل الميزان تخفيها سقالات البناء المملوكة لشركة الأغراب حيث أنها منذ فترة طويلة تحت الصيانة.