(6)
في الجنوب/بعد لِقاءات 24 تشرين الثاني 2024
رسالة إلى سيد قلبي المقاوم الشريف
أقف وسط الضوء أختصر مسافات المدى ما بين طريقين من الفراغ واللاشيء،أفكر في العدم كأنما قلبي صخرة مرمية على ضفة منسية.
العالم تمر من أمامي وأنا أمر من خلف الوقت وكأنني أحاول أن أخالط نفسي في اللازمن.
أفكر فيك وفي الهاربين مني إليك وفي الانطوائيين الذين يجالسون وحدتهم، لأنهم يذكروني بأصابعك التي تقاتل الأبواب،الأجراس،المراكب،الجسور،الرصاص،الأعداء والثقوب الشفافة في الماء.
أنت بداية الكلام ونهايته،وجهك فجر يغفو تحت جلدي،فمك نبع دافئ موصول بأعصابي،الجبال أدنى من قدميك والبدر أصغر من كفيك،أنت بداية الحياة والختام.
فأنت أعلى وأعمق من الأشياء التي نفهمها ولا نفهمها وكأنك معجزة،معجزة لا يمكن تصورها أو وصفها أو تفسيرها،فالرحمة في يديك وحدها صلاة.
أمِن المعقول أن أكبر منك ثلاثمائة عام من الأمان؟
بتصوري أن الله خلق رجال العالم دفعة واحده وخلقك أنت وحدك لوحدك، وزن رجولتك أكثر ثقلاً من وزن الكون.
ولو أني أعرف كيف أقنع الوهم أن يتخلى عن أقنعته لكنت عريته أولاً من خوفه وعاشراً من غموضه.
لكن مُخيلتي من شجرٍ وطين،من لحمِ وأعصاب،من ضبابٍ ودخان،من أقحوانٍ وتراب ومن عزلة وحب.
والإنسان السوي بطبيعته يميل نحو التدقيق،البحث،السؤال،التحليل،الإستنتاج،أي بفطرته مسيَّر على المعاناة والوجع.
أتعلم؟ أحياناً ذكاء القلب يعادل ذكاء الفكر،العاطفيون لا يسرفون بالكلام بل يسرفون في الصمت.
فالصمت هو الدليل الأوضح على قوة وصدق المشاعر.
لأن المرء كلما ضاقت به الكلمات شرِب صوته،قلما من يفعلون عكس ذلك.
والماء ليس دائما جواباً للغرق بل أحيانا يكون جواباً للنجاة،كما الحب ذو وجهين متناقضين،وجه للحياة وآخر للموت.
إن كل شيء بالوجود بالأساس يحمل نقيضه وعكسه،حتى الإنسان يكون مزدوجاً مع ذاته عن حاله،أي أقصد تحديداً نفسه المادية،لأن من المحال يقيناً أن يكون هناك من يعيش إزدواجية في مشاعره.
أحبك وأنا حزينة وسعيدة،أحبك وأنا أضحك وأبكي،أحبك وأنا قلقة،متوترة،خائفة،مهتزة،متفلسفة،جاهلة،مطمئنة متمكنة،مستقرة ومتيقنة،أحبك بحساسيتي المفرطة ورهافة روحي المسيَّرة على هواك.
هل فهمتني يا رجلي الحنون والحكيم؟هل رسالتي واضحة يا بيتي الصغير ومُدلَّل ضميري؟
لا شك بأنك الان متعب والريح تأخذ منك يدٌ وقدمٌ ولا طاقة لك بشيء سوى الحب،لا شك بذلك على الإطلاق.
لذا لنأتي إلى الأهم،هل تذكر ذلك النهر المندفع من السماء نحو المدن المدمرة في الضواحي؟كان أرجوانياً رمادياً مليء بالسحاب الزجاجي،أتذكره؟
هذا النهر الذي كان ولايزال يرافقنا في كل الطرقات المعتمة والمنشقة لأبراجٍ تعلو قمراً مرة وتنزل شمس أخرى.
وهل تذكر الجدران التي كنا ولازلنا نعلق عليها أعيننا،أصابعنا،أصواتنا،أنفاسنا،شعري الكستنائي ولحيتك الفضية الفحمية،هل تذكرها؟
أصبحت كهوفاً مليئة بالكريستال واللوحات الفيكتورية.
وهل تذكر الصور التي أريتني اياها،كنت أقلبها بابتساماتي وأنت تُقلِّب وجهي شوقاً بعينيك المريضة،هل تذكرها؟
أصبحت بخوراً،،خبزاً،قصائداً وموسيقى.
أنت وحدك تعادل عصراً أندلسي، وملامحك المخملية تزِن آلافا الموشحات التي علقت في مهب الغيم.
أكتب وأكتب،عصبٌ يشد عصباً،يساعدني الأدب على ابتكار كل شيء من لاشيء ولكنه يتعبني عندما يشوش لي كل المشاهد التي رسمتها بحجرةٍ وسنبلة.
أتشعر؟أنحت لك بعظامي،هي فُتات لحمي ودمي ليست كلمات.
آهٍ يا سيد الرجولة،كم تصبح اللغة جميلة بين يدي وأنا أكتب لك!ما أسلسها!ما أصعبها!ما أنبلها!ما أصدقها!وما أمرَّها!
لا شيء يفصل بيننا،لا شيء على الإطلاق،أنت أبديتي،لا حواجز أمامنا سوى الموت.
في الجنوب/بعد لِقاءات 24 تشرين الثاني 2024
رسالة إلى سيد قلبي المقاوم الشريف
أقف وسط الضوء أختصر مسافات المدى ما بين طريقين من الفراغ واللاشيء،أفكر في العدم كأنما قلبي صخرة مرمية على ضفة منسية.
العالم تمر من أمامي وأنا أمر من خلف الوقت وكأنني أحاول أن أخالط نفسي في اللازمن.
أفكر فيك وفي الهاربين مني إليك وفي الانطوائيين الذين يجالسون وحدتهم، لأنهم يذكروني بأصابعك التي تقاتل الأبواب،الأجراس،المراكب،الجسور،الرصاص،الأعداء والثقوب الشفافة في الماء.
أنت بداية الكلام ونهايته،وجهك فجر يغفو تحت جلدي،فمك نبع دافئ موصول بأعصابي،الجبال أدنى من قدميك والبدر أصغر من كفيك،أنت بداية الحياة والختام.
فأنت أعلى وأعمق من الأشياء التي نفهمها ولا نفهمها وكأنك معجزة،معجزة لا يمكن تصورها أو وصفها أو تفسيرها،فالرحمة في يديك وحدها صلاة.
أمِن المعقول أن أكبر منك ثلاثمائة عام من الأمان؟
بتصوري أن الله خلق رجال العالم دفعة واحده وخلقك أنت وحدك لوحدك، وزن رجولتك أكثر ثقلاً من وزن الكون.
ولو أني أعرف كيف أقنع الوهم أن يتخلى عن أقنعته لكنت عريته أولاً من خوفه وعاشراً من غموضه.
لكن مُخيلتي من شجرٍ وطين،من لحمِ وأعصاب،من ضبابٍ ودخان،من أقحوانٍ وتراب ومن عزلة وحب.
والإنسان السوي بطبيعته يميل نحو التدقيق،البحث،السؤال،التحليل،الإستنتاج،أي بفطرته مسيَّر على المعاناة والوجع.
أتعلم؟ أحياناً ذكاء القلب يعادل ذكاء الفكر،العاطفيون لا يسرفون بالكلام بل يسرفون في الصمت.
فالصمت هو الدليل الأوضح على قوة وصدق المشاعر.
لأن المرء كلما ضاقت به الكلمات شرِب صوته،قلما من يفعلون عكس ذلك.
والماء ليس دائما جواباً للغرق بل أحيانا يكون جواباً للنجاة،كما الحب ذو وجهين متناقضين،وجه للحياة وآخر للموت.
إن كل شيء بالوجود بالأساس يحمل نقيضه وعكسه،حتى الإنسان يكون مزدوجاً مع ذاته عن حاله،أي أقصد تحديداً نفسه المادية،لأن من المحال يقيناً أن يكون هناك من يعيش إزدواجية في مشاعره.
أحبك وأنا حزينة وسعيدة،أحبك وأنا أضحك وأبكي،أحبك وأنا قلقة،متوترة،خائفة،مهتزة،متفلسفة،جاهلة،مطمئنة متمكنة،مستقرة ومتيقنة،أحبك بحساسيتي المفرطة ورهافة روحي المسيَّرة على هواك.
هل فهمتني يا رجلي الحنون والحكيم؟هل رسالتي واضحة يا بيتي الصغير ومُدلَّل ضميري؟
لا شك بأنك الان متعب والريح تأخذ منك يدٌ وقدمٌ ولا طاقة لك بشيء سوى الحب،لا شك بذلك على الإطلاق.
لذا لنأتي إلى الأهم،هل تذكر ذلك النهر المندفع من السماء نحو المدن المدمرة في الضواحي؟كان أرجوانياً رمادياً مليء بالسحاب الزجاجي،أتذكره؟
هذا النهر الذي كان ولايزال يرافقنا في كل الطرقات المعتمة والمنشقة لأبراجٍ تعلو قمراً مرة وتنزل شمس أخرى.
وهل تذكر الجدران التي كنا ولازلنا نعلق عليها أعيننا،أصابعنا،أصواتنا،أنفاسنا،شعري الكستنائي ولحيتك الفضية الفحمية،هل تذكرها؟
أصبحت كهوفاً مليئة بالكريستال واللوحات الفيكتورية.
وهل تذكر الصور التي أريتني اياها،كنت أقلبها بابتساماتي وأنت تُقلِّب وجهي شوقاً بعينيك المريضة،هل تذكرها؟
أصبحت بخوراً،،خبزاً،قصائداً وموسيقى.
أنت وحدك تعادل عصراً أندلسي، وملامحك المخملية تزِن آلافا الموشحات التي علقت في مهب الغيم.
أكتب وأكتب،عصبٌ يشد عصباً،يساعدني الأدب على ابتكار كل شيء من لاشيء ولكنه يتعبني عندما يشوش لي كل المشاهد التي رسمتها بحجرةٍ وسنبلة.
أتشعر؟أنحت لك بعظامي،هي فُتات لحمي ودمي ليست كلمات.
آهٍ يا سيد الرجولة،كم تصبح اللغة جميلة بين يدي وأنا أكتب لك!ما أسلسها!ما أصعبها!ما أنبلها!ما أصدقها!وما أمرَّها!
لا شيء يفصل بيننا،لا شيء على الإطلاق،أنت أبديتي،لا حواجز أمامنا سوى الموت.