جوهر فتّاحي - من فلسفة محمّد شحرور..

محمّد شحرور، سواء اتّفقت معه أو اختلفت، سواء كنت مسلما أو ملحدا، ومهما كانت طائفتك أو ملّتك، ستتفاجأ بطروحاته وترى أنّ في ما يقوله وجاهة.

من أهم ما شذ به محمد شحرور وانفرد، تفسيره لبداية سورة العلق. فهي حسب تفسيره لا علاقة لها بما ذهب إليه المفسرون جميعهم.

البداية بفعل اقرأ. اِقرأ عند شحرور بمعنى اِفهم. وقد فرّق بين تلا وقرأ. فتلا يعني ردّد دون فهم. أمّا قرأ فيستوجب الفهم. فيقال مثلا قرأ فلان الموقف جيّدا، أي فهمه واستوعبه. فلا قراءة دون فهم.

إسم، من الوسم. والوسم بمعنى السمة والخاصيّة التي تفرّق بين شيء وشيء في عالم الموجودات.

"اِقرأ بإسم ربّك" تصبح حينئذ "افهم! وذلك بملاحظة ما وسم به ربّك الأشياء وما جعل فيها من خصائص تفرق بعضها عن بعض".

العلق لا علاقة له بالصلصال. بل العلق بمعنى العلاقات. فعمليّة خلق أي شيء، وليس الإنسان فقط، تستوجب علاقات معقدة فيها ما هو بيولوجي، وكيميائي، وفيزيائي، وهندسي، ورياضي، وكل ما تحتويه العلوم من مشارب.

علّم بالقلم. علّم لا تعني درّس. علّم بمعنى وضع علامة. أي فرّق بين الأشياء بمعالم تفردها عن الأشياء الأخرى. والقلم ليس تلك الأداة التي نكتب بها. بل القلم من التقليم. فنقول قلّم فلان أظافره أي استبعد جزءا وأبقى على جزء. ويستوجب التقليم الفهم والاِدراك واستعمال المنطق، كما يستوجب معرفة أوجه التشابه والتماثل، والتمايز والاختلاف، وترتيب الأشياء في أنساق وأقسام. وعاد شحرور إلى ذات التفسير في آية "والقلم وما يسطرون" وفسرّها كالتالي: "عليك بالتقليم في ما يروونه من أساطير"، أي حذف الخطإ والاحتفاظ بالصواب وذلك باستبعاد كل ما لا يمكن أن يحدث أو لا يمكن أن يكون من عند الله.

وبهذا التفسير تصبح آيات بداية سورة العلق دعوة صريحة للعلم والمعرفة لمميّزات الأشياء، بل نظريّة تتناسق مع طرائق الذكاء الاصطناعي في تمييز الأشياء وتبويبها، وليست اِخبارا عن قصّة خلق الإنسان.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...