يوم الجمعة الاول من اغسطس كان يوم بداية موسم زراعة محصول الذرة، أصوات الصبية كانت تتصاعد من علي البعد وهم يشاركون ذويهم حراثة الأرض وتجهيزها، نورا كانت جالسة في ظلال شجرة النيم في الركن الشرقي من فناء البيت الواسع المفروش بالرمل الاحمر، غرد طائر ابو البشير فوق شجرة الحناء فرفعت نورا رأسها قليلا فإصطدمت عيناها بحزمة ضوء خلفها الطائر الذي طار فجأة باتجاه حقول الذرة .
اضاءت حزمة الضوء ذاكرتها فرأت تفاصيل الحلم الذي ظلت تراه كل ليلة اثناء نومها وتنساه صباحا رغم انها كانت تجهد ذاكرتها طوال اليوم لأنها عرفت ان مصيرها كان متوقفا علي ذلك الحلم، وبسبب اجهاد محاولة التذكر غرقت في دوامة قلق نهاري حتي انها توقفت عن الذهاب للحقول للمساعدة في الاعداد لموسم الدميرة، وأهملت حتي ثروتها القليلة من الدواجن والحيوانات المنزلية التي تعتمد عليها من أجل تأمين حياتها تاركة لأمها عبْ ادارة اقتصاد منزلي منهار .
فتحت باب المنزل حينما سمعت صوتا ينادي عليها، وجدت سليمان حاج علي الاعرج منتصبا مثل الجدار وفوق رأسه حزمة من جريد النخيل ألقاها فوقها دون تردد ولاذ بالفرار، كانت تعلم أنه يحاول التودد إليها عبر كل الوسائل بعد أن فشلت مساعيه للزواج من بتول الجميلة .
اضاءت حزمة الضوء التي خلفها طائر أبو البشير عتمة ذاكرتها، فرأت تفاصيل الحلم الذي أجهدت ذاكرتها بحثا عنه، رأت خطيبها الجندي الذي لبثت خمس اعوام في انتظاره رغم البرقية التي وصلت الي القرية منذ سنوات تعلن موته في الحرب الاهلية جنوب الوطن رأته قادما يتهادي ببزته العسكرية الكاملة مخترقا طريقا ضوئيا تطل من علي جانبيه وردات نبات صباح الخير، رأته يتقدم في محيط ضوئي متلاطم الامواج ومن خلفه إمتد غروب دون نهاية .
كانت الصور المخزونة في ذاكرتها واضحة جدا حتى انها رأت تفاصيل وجهه واضحة لم تمسسها يد الموت، رأت عينيه المليئتين ببريق الحياة فعرفت انه لم يمت، وأن الواقعة المحفوظة في ذاكرتها كانت أقوي حتى من الموت وأنه بإستطاعتها بمجهود قليل أن تفرض تلك الواقعة علي الحياة اليومية من حولها .
لم تبال بإحتجاجات أمها لانشغالها بالاوهام وانه يتعين عليها ان تعتني بالدواجن وتطعم طيور الحمام وأن تذهب لتجمع بعض الحشائش لاطعام الماعز الذي يتضور جوعا لأن والدتها المصابة بحمي الملاريا عجزت عن ممارسة أعمالها اليومية .
اعدت لأمها كوبا من مغلي الحرجل والعرديب لمقاومة الحمي، قبل ان تغادر البيت لتعود بعد قليل بربطة من الحشائش ساعدها سليمان الاعرج لترفعها فوق رأسها، ثم غادرت البيت مرة أخري لتعد تفاصيل خطتها لفرض واقعة حلمها علي الحياة اليومية، بدأت بإستكشاف الطريق الذي يعبر خور أرقو ليؤدي الي غابة السنط بين تلال الرمال والمنازل المتناثرة المهددة بالدفن بسبب الزحف الصحراوي، استطاعت نورا ان تحدد طريق الورود الذي كان يعبر فيه خطيبها في طوفان المغيب الممتد الي ما بعد صلاة العشاء، كان طريقا ضيقا يمتد بين اجمة أشجار الطرفاء ونبات العلق ولم يكن ينقصه سوي وردات صباح الخير الكبيرة الحجم ليطابق ورود حلمها .
كانت الحاجة فاطمة بت حاج النور نائمة حينما استيقظت علي مشهد شخص يطرق باب بيتها بقدمه الضخمة وهو واقف علي رأسه، حين فتحت الباب وجدت نورا منتصبة في ضوء الضحي، دعتها لتدخل ثم خرجت لتجمع بعض الحطب لتعد القهوة، أثناء إعداد القهوة ألقت الحاجة فاطمة حبات الودع فرأت نورا تبحث عن بذور ورود حلمها فقالت لها:
- لا توجد بذور هذه الورود الا في مملكة سرية للجن أسفل النهر، والباب الذي يؤدي الي هذه المملكة لا يفتح الا مرة واحدة كل مائة عام ، ثم أحصت الحاجة فاطمة بعض الخطوط التي رسمتها أمامها علي التراب وألقت قطع الودع فوقها وأعلنت ان الباب إنفتح قبل سبع وعشرين عاما ولن ينفتح بالتالي مرة أخري قبل سبعين عاما .نورا شعرت بصدمة خيبة الامل تشل أوهامها، الا ان الحاجة فاطمة لم تفقد الامل في إيجاد حل، جمعت قطع الودع والقتها مرة أخري، ثم أشارت الي قطعة ودع سقطت بعيدا، رأتها تشير الي شخص غريب يرتدي ملابس الجنود، عرفت ان ظهوره في القرية بات وشيكا، رأت سيماء الشعور بالوحدة يكتنف بريق عينيه ووجهه المغطي بالتجاعيد، فعرفت أنه جاء الي مسقط رأسه، لا ليبحث عن إرث مزعوم لاسرته كان هو الامل الوحيد له من أجل تحقيق سلام لا مع العالم بل مع نفسه . عرفت من سيماء ووجهه ورائحة الخريف الملازمة له انه يبحث عن موطنه، لا ليستأنف فيه تفاصيل حياة تعيد اليه بعض أواصر حياة سالفة، بل ليموت فيه .
- رأت تساقط هالات المجد التي أحاطت به، رأته مجردا من أية سلطة حتي من سلطته علي ذاكرته، رأته أكثر المخلوقات ضعفا وانه يجهل حتي قدره، رأته يهز رأسه مرارا دون أن تفهم أنه كان يرج ذاكرته ليصبح في متناوله إستعمال بقية الذكريات التي رسبت في قاع ذاكرته، ورغم صورته الواضحة امامها الا انها اعلنت لنورا كمحاولة اخيرة لحملها علي النسيان أن تحقق نبوءتها لن يتم الا بظهور هذا الغريب القادم عبر زمان كان يتفتت ويتحول الي هشيم بمجرد مروره، ثم دلتها علي الاشارات التي سوف تبين ان ظهوره بات وشيكا : انه سوف يظهر في شهر مسري مع بدء موسم فيضان مدمر سوف يمسح قري كثيرة من علي وجه الأرض وسوف يكون ايذانا بانتهاء آخر فصول دورة الجفاف التي رافقت عهود سلطته، ان نبات صباح الخير سيتوقف عن الازهار لحظة ظهوره وان نبات عباد الشمس سيزهر في احراش الحلفاء للمرة الأولى منذ اعوام طويلة
اضاءت حزمة الضوء ذاكرتها فرأت تفاصيل الحلم الذي ظلت تراه كل ليلة اثناء نومها وتنساه صباحا رغم انها كانت تجهد ذاكرتها طوال اليوم لأنها عرفت ان مصيرها كان متوقفا علي ذلك الحلم، وبسبب اجهاد محاولة التذكر غرقت في دوامة قلق نهاري حتي انها توقفت عن الذهاب للحقول للمساعدة في الاعداد لموسم الدميرة، وأهملت حتي ثروتها القليلة من الدواجن والحيوانات المنزلية التي تعتمد عليها من أجل تأمين حياتها تاركة لأمها عبْ ادارة اقتصاد منزلي منهار .
فتحت باب المنزل حينما سمعت صوتا ينادي عليها، وجدت سليمان حاج علي الاعرج منتصبا مثل الجدار وفوق رأسه حزمة من جريد النخيل ألقاها فوقها دون تردد ولاذ بالفرار، كانت تعلم أنه يحاول التودد إليها عبر كل الوسائل بعد أن فشلت مساعيه للزواج من بتول الجميلة .
اضاءت حزمة الضوء التي خلفها طائر أبو البشير عتمة ذاكرتها، فرأت تفاصيل الحلم الذي أجهدت ذاكرتها بحثا عنه، رأت خطيبها الجندي الذي لبثت خمس اعوام في انتظاره رغم البرقية التي وصلت الي القرية منذ سنوات تعلن موته في الحرب الاهلية جنوب الوطن رأته قادما يتهادي ببزته العسكرية الكاملة مخترقا طريقا ضوئيا تطل من علي جانبيه وردات نبات صباح الخير، رأته يتقدم في محيط ضوئي متلاطم الامواج ومن خلفه إمتد غروب دون نهاية .
كانت الصور المخزونة في ذاكرتها واضحة جدا حتى انها رأت تفاصيل وجهه واضحة لم تمسسها يد الموت، رأت عينيه المليئتين ببريق الحياة فعرفت انه لم يمت، وأن الواقعة المحفوظة في ذاكرتها كانت أقوي حتى من الموت وأنه بإستطاعتها بمجهود قليل أن تفرض تلك الواقعة علي الحياة اليومية من حولها .
لم تبال بإحتجاجات أمها لانشغالها بالاوهام وانه يتعين عليها ان تعتني بالدواجن وتطعم طيور الحمام وأن تذهب لتجمع بعض الحشائش لاطعام الماعز الذي يتضور جوعا لأن والدتها المصابة بحمي الملاريا عجزت عن ممارسة أعمالها اليومية .
اعدت لأمها كوبا من مغلي الحرجل والعرديب لمقاومة الحمي، قبل ان تغادر البيت لتعود بعد قليل بربطة من الحشائش ساعدها سليمان الاعرج لترفعها فوق رأسها، ثم غادرت البيت مرة أخري لتعد تفاصيل خطتها لفرض واقعة حلمها علي الحياة اليومية، بدأت بإستكشاف الطريق الذي يعبر خور أرقو ليؤدي الي غابة السنط بين تلال الرمال والمنازل المتناثرة المهددة بالدفن بسبب الزحف الصحراوي، استطاعت نورا ان تحدد طريق الورود الذي كان يعبر فيه خطيبها في طوفان المغيب الممتد الي ما بعد صلاة العشاء، كان طريقا ضيقا يمتد بين اجمة أشجار الطرفاء ونبات العلق ولم يكن ينقصه سوي وردات صباح الخير الكبيرة الحجم ليطابق ورود حلمها .
كانت الحاجة فاطمة بت حاج النور نائمة حينما استيقظت علي مشهد شخص يطرق باب بيتها بقدمه الضخمة وهو واقف علي رأسه، حين فتحت الباب وجدت نورا منتصبة في ضوء الضحي، دعتها لتدخل ثم خرجت لتجمع بعض الحطب لتعد القهوة، أثناء إعداد القهوة ألقت الحاجة فاطمة حبات الودع فرأت نورا تبحث عن بذور ورود حلمها فقالت لها:
- لا توجد بذور هذه الورود الا في مملكة سرية للجن أسفل النهر، والباب الذي يؤدي الي هذه المملكة لا يفتح الا مرة واحدة كل مائة عام ، ثم أحصت الحاجة فاطمة بعض الخطوط التي رسمتها أمامها علي التراب وألقت قطع الودع فوقها وأعلنت ان الباب إنفتح قبل سبع وعشرين عاما ولن ينفتح بالتالي مرة أخري قبل سبعين عاما .نورا شعرت بصدمة خيبة الامل تشل أوهامها، الا ان الحاجة فاطمة لم تفقد الامل في إيجاد حل، جمعت قطع الودع والقتها مرة أخري، ثم أشارت الي قطعة ودع سقطت بعيدا، رأتها تشير الي شخص غريب يرتدي ملابس الجنود، عرفت ان ظهوره في القرية بات وشيكا، رأت سيماء الشعور بالوحدة يكتنف بريق عينيه ووجهه المغطي بالتجاعيد، فعرفت أنه جاء الي مسقط رأسه، لا ليبحث عن إرث مزعوم لاسرته كان هو الامل الوحيد له من أجل تحقيق سلام لا مع العالم بل مع نفسه . عرفت من سيماء ووجهه ورائحة الخريف الملازمة له انه يبحث عن موطنه، لا ليستأنف فيه تفاصيل حياة تعيد اليه بعض أواصر حياة سالفة، بل ليموت فيه .
- رأت تساقط هالات المجد التي أحاطت به، رأته مجردا من أية سلطة حتي من سلطته علي ذاكرته، رأته أكثر المخلوقات ضعفا وانه يجهل حتي قدره، رأته يهز رأسه مرارا دون أن تفهم أنه كان يرج ذاكرته ليصبح في متناوله إستعمال بقية الذكريات التي رسبت في قاع ذاكرته، ورغم صورته الواضحة امامها الا انها اعلنت لنورا كمحاولة اخيرة لحملها علي النسيان أن تحقق نبوءتها لن يتم الا بظهور هذا الغريب القادم عبر زمان كان يتفتت ويتحول الي هشيم بمجرد مروره، ثم دلتها علي الاشارات التي سوف تبين ان ظهوره بات وشيكا : انه سوف يظهر في شهر مسري مع بدء موسم فيضان مدمر سوف يمسح قري كثيرة من علي وجه الأرض وسوف يكون ايذانا بانتهاء آخر فصول دورة الجفاف التي رافقت عهود سلطته، ان نبات صباح الخير سيتوقف عن الازهار لحظة ظهوره وان نبات عباد الشمس سيزهر في احراش الحلفاء للمرة الأولى منذ اعوام طويلة