نقوس المهدي - معاوية محمد نور.. ذلك المجهول

لم اسمع باسم معاوية محمد نور، ولا اعتقد انني الوحيد، الا مؤخرا وانا بصدد البحث عن الادباء الراحلين ضمن اعدادي للانطلوجيا الخاصة بالادباء الذي توفوا في شرخ الشباب، وقد فوجئت بقيمته الابداعية وحضوره الطاغي في الاوساط الادبية خلال الشق الاول من القرن العشرين، وانبهرت بشخصيته القوية، وعبقريته المرموقة برغم جداثة سنه، والتي تكاد ان تتقاطع مع شخصية مصطفى سعيد في رائعة الطيب صالح موسم الهجرة الى الشمال، لا من حيث الموهبة الفذة، والذكاء المتوهج، والاحساس الوطني المتيقظ، والمتحفز، أو الثقافة الموسوعية ومواقفه المتميزة من الاستعمار الانجليزي الذي ناصبه العداء، بالرغم من ان من يرشحه النقاد كأقرب شخص لشخصية مصطفى سعيد هو شخص آخر.
ولقد استطاع معاوية محمد نور خلال حياته القصيرة جدا، وهو لم يتجاوز بالكاد الثلاثين ربيعا بكثير ان يفرض نفسه ندا لكبار المثقفين المصريين والعرب دون أدنى إحساس بالدونية كما يصف ذلك النور محمد حمد قائلا:
(أميز ما يميز معاوية عندي، هو أنه لم يحسّ بالدونية تجاه أحد من العالمين.)
فانبرى محاججا مناظرا ومنتقدا لكبار الادباء مثل طه حسين، وأحمد شوقي، وابراهيم ناجي، وعلي محمود طه، والمازني، ومحمد حسين هيكل، وجليسا لعباس محمود العقاد الذي استأثره ولازمه في صالونه وندواته الأدبية، وقال في حقه هذه الشهادة الخالدة
( لو عاش معاوية لكان نجما مفردا في سماء الفكر العربي )
وابى الا ان يقف على قبره في احدى زياراته للسودان ويخصه بقصيدة تأبينية جاء فيها:
أجل هذه ذكرى الشهيد معاويـة = فيالك من ذكرى على النفس قاسيـة
أجل هذه ذكراه لا يــوم عرسه = ولا يوم تكريم ودنياه باقيـــــة
إلى أن يقول:
بكائي عليــــه من فؤاد مفجع = ومن مقلة ما شوهدت قط باكيــة
بكائي على هذ الشباب الذي ذوى = وأغصانه تختال في الروض ناميـة
ويقول في ختام القصيدة:
وياعارفيــه لا تضنوا بذكره = ففي الذكر رجعى من يد الموت ناجيه
أعيروه بالتذكار ما ضن دهره = به عيشة في مقبـــل العمر راضيه
يروي المرحوم عمر علي أحمد التروِّس، وقد كان من المداومين على ندوة العقاد بالقاهرة، عن أول لقاء جمع العقاد بمعاوية محمد نور..
( لقد كان العقاد يجلس في مكتبة ومعه مجموعة من أصدقائه وفجأة يدخل شاب في مفتتح الشباب وخواتيم الصبا أسود اللون وسيم الطلعة ويبدأ في إنتقاء مجموعة من الكتب وعندما هم بالخروج نده عليه العقاد قائلا:
- تعال يلا
فذهب معاوية نحوه بثقة وإعتداد، فأخذ العقاد من يديه الكتب وقلبها وقال:
- مين باعتك بالكتب دي؟
أجاب معاوية بهدوء:
- هذه الكتب لي
قال العقاد:
- إنت تقرأ للكاتب ده(ولوح بكتاب)
قال معاوية وإبتسامة في شفتيه:
- قرأت له قبلها كتاب كذا وكذا وكذا وكذا.....
نظر العقاد الى أحدهم وقال:
- قوم يا بغل.. إجلس يابني.. )
كما شارك بكتاباته القيمة التي حرص فيها على ان يكون ناقدا متبصرا عير مجامل في العديد من المجلات والصحف المصرية كالهلال، السياسة الاسبوعية، حريدة مصر، الرسالة، والبلاغ الاسبوعي وغيرها كثير، وقد حاول برغم حداثة سنه تأكيد اسمه في الاوساط الفكرية والسياسية، وشكل احدى العلامات الفارقة في النقد الادبي بمصر والسودان..
وقد قال عنه الكاتب المصري انور الجندي:
(إنني اتطلع إلى حفل ضخم يقام في الخرطوم من أجل أحياء ذكراه، وطبع آثاره، والتنويه به في العالم العربي كله.)
لأن معاوية محمد نور وللحقيقة اسم سامق، وهو كباقي الادباء في السودان على شاكلة محمد عبدالحي وعبدالله الطيب وعبدالخالق محجوب والطيب صالح والكثير من الاسماء البارزة الاخرى حتى لا اظلم احدا، في حياته ما يستحق البحث والتنقيب والدراسة، لكن ومن غريب الصدف او سوئها فانه لا يكاد يحظى وهو الاديب الألمعي بالاهتمام اللازم من طرف المثقفين السودانيين ..



التفاعلات: جبران الشداني

تعليقات

معاوية محمد نور - 1909 - 1941


لم اسمع من قبل باسم معاوية محمد نور، ولا اعتقد انني الوحيد، الا مؤخرا وانا بصدد البحث عن الادباء الراحلين ضمن اعدادي للانطلوجيا الخاصة بالادباء الذين توفوا في شرخ الشباب، وقد فوجئت بقيمته الابداعية وحضوره الطاغي في الاوساط الادبية، وانبهرت بشخصيته وعبقريته المرموقة، التي تكاد ان تتقاطع مع شخصية مصطفى سعيد في رائعة الطيب صالح موسم الهجرة الى الشمال، لا من حيث الموهبة الفذة، والذكاء المتوهج، والاحساس الوطني المتيقظ، والمتحفز، أو الثقافة الموسوعية ومواقفه المتميزة من الاستعمار الانجليزي الذي ناصبه العداء، ولقد استطاع معاوية محمد نور خلال حياته القصيرة جدا، وهو لم يكد يتجاوز بالكاد الثلاثين ربيعا بكثير ان يفرض نفسه ندا لكبار المثقفين المصريين والعرب دون أدنى إحساس بالدونية كما يصف ذلك النور محمد حمد قائلا:
(أميز ما يميز معاوية عندي، هو أنه لم يحسّ بالدونية تجاه أحد من العالمين.)
فانبرى محاججا مناظرا ومنتقدا لكبار الادباء مثل طه حسين، وأحمد شوقي، وابراهيم ناجي، وعلي محمود طه، والمازني، ومحمد حسين هيكل، وجليسا لعباس محمود العقاد الذي استأثره ولازمه في صالونه وندواته الأدبية، وقال في حقه هذه الشهادة الخالدة
( لو عاش معاوية لكان نجما مفردا في سماء الفكر العربي )

وابى الا ان يقف على قبره في احدى زياراته للسودان ويخصه بقصيدة تأبينية جاء فيها:

أجل هذه ذكرى الشهيد معاويـة = فيالك من ذكرى على النفس قاسيـة
أجل هذه ذكراه لا يــوم عرسه = ولا يوم تكريم ودنياه باقيـــــة

إلى أن يقول:
بكائي عليــــه من فؤاد مفجع = ومن مقلة ما شوهدت قط باكيــة
بكائي على هذ الشباب الذي ذوى = وأغصانه تختال في الروض ناميـة

ويقول في ختام القصيدة:
وياعارفيــه لا تضنوا بذكره = ففي الذكر رجعى من يد الموت ناجيه
أعيروه بالتذكار ما ضن دهره = به عيشة في مقبـــل العمر راضيه

يروي المرحوم عمر علي أحمد التروِّس، وقد كان من المداومين على ندوة العقاد بالقاهرة، عن أول لقاء جمع العقاد بمعاوية محمد نور..

( لقد كان العقاد يجلس في مكتبة ومعه مجموعة من أصدقائه وفجأة يدخل شاب في مفتتح الشباب وخواتيم الصبا أسود اللون وسيم الطلعة ويبدأ في إنتقاء مجموعة من الكتب وعندما هم بالخروج نده عليه العقاد قائلا:
- تعال يلا
فذهب معاوية نحوه بثقة وإعتداد، فأخذ العقاد من يديه الكتب وقلبها وقال:
- مين باعتك بالكتب دي؟
أجاب معاوية بهدوء:
- هذه الكتب لي
قال العقاد:
- إنت تقرأ للكاتب ده(ولوح بكتاب)
قال معاوية وإبتسامة في شفتيه:
- قرأت له قبلها كتاب كذا وكذا وكذا وكذا.....
نظر العقاد الى أحدهم وقال:
- قوم يا بغل.. إجلس يابني.. )

كما شارك بكتاباته القيمة التي حرص فيها على ان يكون ناقدا متبصرا عير مجامل في العديد من المجلات والصحف المصرية كالهلال، السياسة الاسبوعية، حريدة مصر، الرسالة، والبلاغ الاسبوعي وغيرها كثير، وقد حاول برغم حداثة سنه تأكيد اسمه في الاوساط الفكرية والسياسية، وشكل احدى العلامات الفارقة في النقد الادبي بمصر والسودان..

وقد قال عنه الكاتب المصري انور وجدي:
(إنني اتطلع إلى حفل ضخم يقام في الخرطوم من أجل أحياء ذكراه، وطبع آثاره، والتنويه به في العالم العربي كله.)

لأن معاوية محمد نور وللحقيقة اسم سامق، وهو كباقي الادباء في السودان على شاكلة محمد عبدالحي وعبدالله الطيب وعبدالخالق محجوب والطيب صالح والكثير من الاسماء البارزة الاخرى حتى لا اظلم احدا، في حياته ما يستحق البحث والتنقيب والدراسة، لكن ومن غريب الصدف او سوئها فانه لا يكاد يحظى وهو الاديب الألمعي بالاهتمام اللازم من طرف المثقفين السودانيين ..


نقوس المهدي
.
 
هو علامة فارقة في تاريخ الأدب السوداني و العربي عموما..
يظل مرضه لغزا في نظري، و لا أعرف دراسة تشير لأسبابه الموضوعية.. مع أن النص قد يقربنا بشكل فلسفي من الواقعة... مربك هذا التشابه بين نهاية النص و نهاية الكاتب..
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...