لم تكن تعلم ان هذا اليوم آت.. آت لامحالة, البيت قد صار كئيبا موحشا.. الكل تباعد, ولم يعد أحد يدق الباب قرابة الثلاثة أيام, وكأن البيت قد صار قبرا يخشي الناس الاقتراب منه, وكيف يقتربون, وقد مات رجل البيت, خادم جميع بيوت الحارة.. ؟!.
نعم مات الاسطي( نور) زوجها, كان وقع المفاجأة عليها ثقيلا.. ثقيلا ثقل الحجر, لحظتها اغمي عليها امام من جاءوا يخبرونها بان زوجها( عمل) حادثة ومات, مات وبموته مات كل جميل ونبيل في هذه الحارة, تباعد الاهل والاقارب والأصدقاء, حتي الجيران اغلقوا علي أنفسهم الأبواب فور ان اغلقوا عليه باب تربته, حتي صاحب العمل الذي كان يعمل عنده زوجها.. اغلق هو الآخر الباب في وجهها, رغم انه هو الذي قال لها علي الملأ فور دفن زوجها:
(تشرفيني كل آخر شهر وتاخدي مني شهرية عشان الولاد, اتفضلي دا اول شهر.. نورالله يرحمه ماكنش سواق عندي.. لأ.. دا كان اكتر من اخ)
مات زوجها تاركا في رقبتها ولدين وبنتين, ومعاش النقابة الضئيل الذي لايكفي حتي اطعامهم( عيش حاف).. مات نور وتركها وحيده لا أخ ولا أب لها..
ماما كل عيال الحارة جابوا هدوم العيد..
قالها احد اولادها..
التفتت اليه, وهي تجفف دموعها..
ماما بكره العيد.. انت مش هتجيبي لنا هدوم العيد زي ما بابا كان بيعمل. ؟!
قالها الا بن الثاني..
صمتت وأحنت رأسها وراحت تحدق في فم الارض الفاغر.
قلت إيه ياماما.. ؟!
قالتها ابنتها وفاء اللميضة. كما كان يحب أن يناديها ابوها..
اسئلة واستفسارات كثيرة راحت تلتف من حولها.. تنتظر اجابة... لاليست أي اجابة..
رفعت رأسها الحائر المثقل بالهموم, بالكاد راحت تتنفس.. وبالكاد فتحت عينيها الدامعتين دوما ك(حنفية بايظة)..
وجدت نفسها تحدق فيهم..انفرجت شفتاها عن بسمة صغيرة, ثم راحت تقول بصوت يذوب..ذوبا كأنما تتلاشي بداخله قطعة سكر:
حاضر من العين دي قبل العين دي..
تصفيق..
تهليل..
تصفير..
راح الاولاد يرقصون فرحا فور سماعهم كلمة حاضر..
الللة ليلة العيد..
كيف لها ان تنسي ذلك اليوم الذي كان يأتي فيه زوجها بعد منتصف الليل محملا بملابس العيد لاولاده كل واحد باسمه, وهي بالطبع لها نصيب الاسد..
( وانت يانور)
تقولها الزوجة عندما تعلم انه لم يشتر لنفسه شيئا..
( أهم حاجة عند انتي والاولاد)
اتجهت نظراتها صوب باب البيت وراحت تحدق فيه طويلا.. طويلا, لعله يعود ليدق الباب, محملا بالاكياس.. دمعت عيناها عندما تأكد لها ان ماتحلم به محال.. محال حدوثه, وهل هناك من مات وعاد الي الحياة ثانية.. ؟! لكنها عادت تحدق مرة ثانية في الباب لعل احدا من اهالي زوجها يدق الباب, رغم انقطاعهم عن الدار قرابة العام..
اعمل ايه ياربي.. ؟!
قالتها الام في حسرة وألم وهي تحدق في سقف الصالة
المتموج كأمواج بحر ثائر..
هذه الليلة مختلفة تماما عن غيرها.. فبموت زوجها نسيت تماما شيئا اسمه ليلة العيد..
عادت تحدث نفسها في همس وألم..
اقول الحقيقة للولاد, واللي يحصل يحصل.. اللي كان بيجيب الفلوس خلاص مات.. مات ومش عاد حيرجع خلاص تاني خلاص, وقبل ان تهم بالدخول عليهم, لتشرح لهم حقيقة الأمر, تراجعت..تراجعت بعد أن قالت في حسرة:
وهما ذنبهم ايه بس, دول لسه عيال, خلي الحزن للكبار
صمتت قليلا, حتي تلملم فوضي افكارها المبعثرة هنا وهناك, لعلها تصل الي حل..
أعمل إيه.. ؟!
قالتها وهي تحدق في ابتسامته الصافية النقية من خلف البرواز الخشبي, لقد أصدرت الايام حكمها النهائي بعدم رؤيته وسماع ضحكاته إلا من خلال ذلك البرواز فقط..
أروح لمين.. ؟! واقول لمين ان ولادي عايزين يعيشوا زي باقي الولاد اللي في سنهم.. ؟!
قالتها وهي تنخرط في بكاء مكتوم
ياللا ياماما الليل ليل والدكاكين هتقفل..
قالتها ابنتها. وهي تمسك بيدها كي تقوم من مكانها..
عادت تتفرس في وجوه الاطفال من حولها, ثم همت أن تقول:
..................................................
الكلمات. كل الكلمات توقفت علي طرف لسانها, ابتلعت ريق حزنها وانفعالاتها المكبوتة.
ياللا ياست ماما
قالتها ابنتها وفاء اللميضة ذات الستة اعوام..
همت بالكلام.. بالاعتذار لهم.. برفع الستار لكشف الحقيقة تلاقت الأعين.. تراجعت بعد أن قرأت في عيونهم الفرح وتوسلاتهم اليها بالذهاب معهم.
وجدت نفسها تقف.. تتحرك معهم في طريقها للخروج..إلي اين.. ؟! لاتدري
انطلقت معهم صامتة.. تمضغ حزنها وحدها
رياح التفكير راحت تداهمها:
أعمل ايه.. ؟! اجيب لهم لبس العيد منين..؟!
.................... ؟!
.....................؟!
.....................؟!
ظلت الاسئلة تخرج من رأسها تباعا دون توقف كرخات المطر دون الوصول إلي إجابة واحدة.
مستسلمة تسير بين اطفالها الاربعة. ومن وقت لآخر تحدق في ابتساماتهم التي لم تفارق وجوههم قط منذ لحظة الخروج تارة وتارة أخري تحدق في وجوه المارة الخرساء المتحجرة كالحجر الصوان, لعل هناك من يشعر بها
أنا رجلي تعبتني يا ماما من كتر اللف
وأنا كمان يا ماما..
وأنا..
تلاقت الأعين..
قلتي إيه ياماما؟
مستفسرة راحت تسألها ابنتها..
ماتت علي شفتيها الكلمات.. كل الكلمات..
ماما انتي سامعانا.. ؟!
أومأت برأسها في خضوع واذلال
طب ماتيلا نشتري لينا هدوم العيد قبل ماتخلص
قالت وهي تسير في خطوات اقرب الي الرقص:
حاضر.. حاضر من العين دي قبل العين دي.. انا بادور لكم علي احسن هدوم..
امهات..
آباء
يسيرن مع اطفالهم, عائدين الي بيوتهم فرحين بمايحملونه من اكياس
تتألم اشد الالم.
( ياليلة العيد انستينا.. وجددتي آلامل فينا.. ياليلة العيد)
التليفزيونات مفتوحة الصوت عن اخرها راحت تبث اغاني ليلة العيد..
التفتت الي اطفالها وجدتهم سعداء يتغنون بتلك الاغنية..
اعمل ايه... ؟! اناتعبت وكمان الولاد..
قالتها مستفسرة في همس. لتجد نفسها وسط سوق العتبة الشهير, حيث الزحام قد وصل لمنتهاه..
راحت تفكر.. وتفكر.. وتفكر ثم همست في فرح:
ايوه..دا الحل الوحيد..
توقفت بجوار عربة ممتلئة عن آخرها بملابس الاطفال مختلفة الالوان والاحجام..
امسكت ببدلة بديعة في لونها وتصميمها, البستها لاحد اولادها الذي كاد يطير من شدة فرحته, عندما رآها علي جسده, ومالبث ان قال:
البدلة دي اجمل من كل اللبس اللي عيال الحارة اشتروه,ربنا يخليكي ليناياماما
ويخليكم ليه ياحبايبي..
امسكت بواحدة مشابهة للابن الثاني, الذي ماان لبسها حتي راح يقبل امه مرات عدة,وهو يقول في فرح:
(ياليلة العيد آنستينا.. وجددتي الامل فينا.. ياليلةالعيد)
في حب وشوق ولهفة امسكت بفستان مرصع بالورود ذات الالوان المختلفة, وما أن البسته لابنتها وفاء حتي افاض عليها جمالا فوق جمالها, وراحت تقول وهي تتحسسه في سعادة:
الله.. ده جميل قوي ياماما..
انتي الأجمل ياففه..
في سعادة غامرة ولهفة امسكت بفستان يشبه تماما الفستان السابق, وراحت تلبسه الثانية التي راحت تقول وهي تتقافز فرحةكالعصفورة:
ربنا يخليكي لينا يااجمل ام في الدنيا دي كلها..
ردت عليها امها في لهجة متعجلة:
جميل عليكي حياخذ منك حتة.. ياللا ياحبيتي..
وقبل ان تغادر اخرالابناء ذاهبة حيث مكان اخواتها كما اتفقت معهم امهم, امسكها البائع زاعقا في وجهها:
يابنت ال.......... ياحرامية, انا موعو د بيكم كل يوم
فاجأتها الكلمات الاخارجة من فم البائع كأنها رصاص ينهمر..
التف من حولها بعض البائعين كل المشترين الملتفين من حول العربة..
نظراتهم نيران حارقة راحت تأكل وجهها..
قولي لي يامرة فين بقية العيال اللي كانوا معاكي.. ؟!
دقات قلبها تتسارع. تسمعها مطارق. ياعم خد البت اللي معاها رهن عندك. لحد ماتقول لك ودت باقي العيال فين..
قالها احد البائعين.
قالت وهي تكبت حزنا يكاد ان يفتك بها وعيناها
علي اولادها الثلاثة, الواقفين في سعاد ة بملابس العيد بعيدا في امان كما اتفقت معهم: لأ لأ. ولادي لأ.. خدوني أنا.. قطعوا من لحمي شرايح
شرابح.. وارمو بها للكلاب.. بس سيبوا ولادي يفرحوا بهدوم العيد. زيهم زي عيال الحارة..
ثم فتحت ذراعيها لابنتها التي اسرعت بالفرار كالقطة, لتعبر الطريق في انكسار لافت للانظار يسبقها الي اخواتها صوت بكاها المتواصل
آه. آه.. آه.. آه.. آه..آه.. آه
صوت بكائها يخرج مكتوما, وهي متكورة علي نفسها. من جراء ضربهم المتواصل لها مستسلمة بإرادتها لما يفعلونه معها. بعد ان اطمأنت علي اولادها الذين اسرعوا بالفرار.. كل في اتجاه معاكس
محمود أحمد علي - الشرقية
نعم مات الاسطي( نور) زوجها, كان وقع المفاجأة عليها ثقيلا.. ثقيلا ثقل الحجر, لحظتها اغمي عليها امام من جاءوا يخبرونها بان زوجها( عمل) حادثة ومات, مات وبموته مات كل جميل ونبيل في هذه الحارة, تباعد الاهل والاقارب والأصدقاء, حتي الجيران اغلقوا علي أنفسهم الأبواب فور ان اغلقوا عليه باب تربته, حتي صاحب العمل الذي كان يعمل عنده زوجها.. اغلق هو الآخر الباب في وجهها, رغم انه هو الذي قال لها علي الملأ فور دفن زوجها:
(تشرفيني كل آخر شهر وتاخدي مني شهرية عشان الولاد, اتفضلي دا اول شهر.. نورالله يرحمه ماكنش سواق عندي.. لأ.. دا كان اكتر من اخ)
مات زوجها تاركا في رقبتها ولدين وبنتين, ومعاش النقابة الضئيل الذي لايكفي حتي اطعامهم( عيش حاف).. مات نور وتركها وحيده لا أخ ولا أب لها..
ماما كل عيال الحارة جابوا هدوم العيد..
قالها احد اولادها..
التفتت اليه, وهي تجفف دموعها..
ماما بكره العيد.. انت مش هتجيبي لنا هدوم العيد زي ما بابا كان بيعمل. ؟!
قالها الا بن الثاني..
صمتت وأحنت رأسها وراحت تحدق في فم الارض الفاغر.
قلت إيه ياماما.. ؟!
قالتها ابنتها وفاء اللميضة. كما كان يحب أن يناديها ابوها..
اسئلة واستفسارات كثيرة راحت تلتف من حولها.. تنتظر اجابة... لاليست أي اجابة..
رفعت رأسها الحائر المثقل بالهموم, بالكاد راحت تتنفس.. وبالكاد فتحت عينيها الدامعتين دوما ك(حنفية بايظة)..
وجدت نفسها تحدق فيهم..انفرجت شفتاها عن بسمة صغيرة, ثم راحت تقول بصوت يذوب..ذوبا كأنما تتلاشي بداخله قطعة سكر:
حاضر من العين دي قبل العين دي..
تصفيق..
تهليل..
تصفير..
راح الاولاد يرقصون فرحا فور سماعهم كلمة حاضر..
الللة ليلة العيد..
كيف لها ان تنسي ذلك اليوم الذي كان يأتي فيه زوجها بعد منتصف الليل محملا بملابس العيد لاولاده كل واحد باسمه, وهي بالطبع لها نصيب الاسد..
( وانت يانور)
تقولها الزوجة عندما تعلم انه لم يشتر لنفسه شيئا..
( أهم حاجة عند انتي والاولاد)
اتجهت نظراتها صوب باب البيت وراحت تحدق فيه طويلا.. طويلا, لعله يعود ليدق الباب, محملا بالاكياس.. دمعت عيناها عندما تأكد لها ان ماتحلم به محال.. محال حدوثه, وهل هناك من مات وعاد الي الحياة ثانية.. ؟! لكنها عادت تحدق مرة ثانية في الباب لعل احدا من اهالي زوجها يدق الباب, رغم انقطاعهم عن الدار قرابة العام..
اعمل ايه ياربي.. ؟!
قالتها الام في حسرة وألم وهي تحدق في سقف الصالة
المتموج كأمواج بحر ثائر..
هذه الليلة مختلفة تماما عن غيرها.. فبموت زوجها نسيت تماما شيئا اسمه ليلة العيد..
عادت تحدث نفسها في همس وألم..
اقول الحقيقة للولاد, واللي يحصل يحصل.. اللي كان بيجيب الفلوس خلاص مات.. مات ومش عاد حيرجع خلاص تاني خلاص, وقبل ان تهم بالدخول عليهم, لتشرح لهم حقيقة الأمر, تراجعت..تراجعت بعد أن قالت في حسرة:
وهما ذنبهم ايه بس, دول لسه عيال, خلي الحزن للكبار
صمتت قليلا, حتي تلملم فوضي افكارها المبعثرة هنا وهناك, لعلها تصل الي حل..
أعمل إيه.. ؟!
قالتها وهي تحدق في ابتسامته الصافية النقية من خلف البرواز الخشبي, لقد أصدرت الايام حكمها النهائي بعدم رؤيته وسماع ضحكاته إلا من خلال ذلك البرواز فقط..
أروح لمين.. ؟! واقول لمين ان ولادي عايزين يعيشوا زي باقي الولاد اللي في سنهم.. ؟!
قالتها وهي تنخرط في بكاء مكتوم
ياللا ياماما الليل ليل والدكاكين هتقفل..
قالتها ابنتها. وهي تمسك بيدها كي تقوم من مكانها..
عادت تتفرس في وجوه الاطفال من حولها, ثم همت أن تقول:
..................................................
الكلمات. كل الكلمات توقفت علي طرف لسانها, ابتلعت ريق حزنها وانفعالاتها المكبوتة.
ياللا ياست ماما
قالتها ابنتها وفاء اللميضة ذات الستة اعوام..
همت بالكلام.. بالاعتذار لهم.. برفع الستار لكشف الحقيقة تلاقت الأعين.. تراجعت بعد أن قرأت في عيونهم الفرح وتوسلاتهم اليها بالذهاب معهم.
وجدت نفسها تقف.. تتحرك معهم في طريقها للخروج..إلي اين.. ؟! لاتدري
انطلقت معهم صامتة.. تمضغ حزنها وحدها
رياح التفكير راحت تداهمها:
أعمل ايه.. ؟! اجيب لهم لبس العيد منين..؟!
.................... ؟!
.....................؟!
.....................؟!
ظلت الاسئلة تخرج من رأسها تباعا دون توقف كرخات المطر دون الوصول إلي إجابة واحدة.
مستسلمة تسير بين اطفالها الاربعة. ومن وقت لآخر تحدق في ابتساماتهم التي لم تفارق وجوههم قط منذ لحظة الخروج تارة وتارة أخري تحدق في وجوه المارة الخرساء المتحجرة كالحجر الصوان, لعل هناك من يشعر بها
أنا رجلي تعبتني يا ماما من كتر اللف
وأنا كمان يا ماما..
وأنا..
تلاقت الأعين..
قلتي إيه ياماما؟
مستفسرة راحت تسألها ابنتها..
ماتت علي شفتيها الكلمات.. كل الكلمات..
ماما انتي سامعانا.. ؟!
أومأت برأسها في خضوع واذلال
طب ماتيلا نشتري لينا هدوم العيد قبل ماتخلص
قالت وهي تسير في خطوات اقرب الي الرقص:
حاضر.. حاضر من العين دي قبل العين دي.. انا بادور لكم علي احسن هدوم..
امهات..
آباء
يسيرن مع اطفالهم, عائدين الي بيوتهم فرحين بمايحملونه من اكياس
تتألم اشد الالم.
( ياليلة العيد انستينا.. وجددتي آلامل فينا.. ياليلة العيد)
التليفزيونات مفتوحة الصوت عن اخرها راحت تبث اغاني ليلة العيد..
التفتت الي اطفالها وجدتهم سعداء يتغنون بتلك الاغنية..
اعمل ايه... ؟! اناتعبت وكمان الولاد..
قالتها مستفسرة في همس. لتجد نفسها وسط سوق العتبة الشهير, حيث الزحام قد وصل لمنتهاه..
راحت تفكر.. وتفكر.. وتفكر ثم همست في فرح:
ايوه..دا الحل الوحيد..
توقفت بجوار عربة ممتلئة عن آخرها بملابس الاطفال مختلفة الالوان والاحجام..
امسكت ببدلة بديعة في لونها وتصميمها, البستها لاحد اولادها الذي كاد يطير من شدة فرحته, عندما رآها علي جسده, ومالبث ان قال:
البدلة دي اجمل من كل اللبس اللي عيال الحارة اشتروه,ربنا يخليكي ليناياماما
ويخليكم ليه ياحبايبي..
امسكت بواحدة مشابهة للابن الثاني, الذي ماان لبسها حتي راح يقبل امه مرات عدة,وهو يقول في فرح:
(ياليلة العيد آنستينا.. وجددتي الامل فينا.. ياليلةالعيد)
في حب وشوق ولهفة امسكت بفستان مرصع بالورود ذات الالوان المختلفة, وما أن البسته لابنتها وفاء حتي افاض عليها جمالا فوق جمالها, وراحت تقول وهي تتحسسه في سعادة:
الله.. ده جميل قوي ياماما..
انتي الأجمل ياففه..
في سعادة غامرة ولهفة امسكت بفستان يشبه تماما الفستان السابق, وراحت تلبسه الثانية التي راحت تقول وهي تتقافز فرحةكالعصفورة:
ربنا يخليكي لينا يااجمل ام في الدنيا دي كلها..
ردت عليها امها في لهجة متعجلة:
جميل عليكي حياخذ منك حتة.. ياللا ياحبيتي..
وقبل ان تغادر اخرالابناء ذاهبة حيث مكان اخواتها كما اتفقت معهم امهم, امسكها البائع زاعقا في وجهها:
يابنت ال.......... ياحرامية, انا موعو د بيكم كل يوم
فاجأتها الكلمات الاخارجة من فم البائع كأنها رصاص ينهمر..
التف من حولها بعض البائعين كل المشترين الملتفين من حول العربة..
نظراتهم نيران حارقة راحت تأكل وجهها..
قولي لي يامرة فين بقية العيال اللي كانوا معاكي.. ؟!
دقات قلبها تتسارع. تسمعها مطارق. ياعم خد البت اللي معاها رهن عندك. لحد ماتقول لك ودت باقي العيال فين..
قالها احد البائعين.
قالت وهي تكبت حزنا يكاد ان يفتك بها وعيناها
علي اولادها الثلاثة, الواقفين في سعاد ة بملابس العيد بعيدا في امان كما اتفقت معهم: لأ لأ. ولادي لأ.. خدوني أنا.. قطعوا من لحمي شرايح
شرابح.. وارمو بها للكلاب.. بس سيبوا ولادي يفرحوا بهدوم العيد. زيهم زي عيال الحارة..
ثم فتحت ذراعيها لابنتها التي اسرعت بالفرار كالقطة, لتعبر الطريق في انكسار لافت للانظار يسبقها الي اخواتها صوت بكاها المتواصل
آه. آه.. آه.. آه.. آه..آه.. آه
صوت بكائها يخرج مكتوما, وهي متكورة علي نفسها. من جراء ضربهم المتواصل لها مستسلمة بإرادتها لما يفعلونه معها. بعد ان اطمأنت علي اولادها الذين اسرعوا بالفرار.. كل في اتجاه معاكس
محمود أحمد علي - الشرقية