لم يُتَح له أن يدخل المقهى، إلاّ في السنتين الأخيرتين. ليس، وحده، وإنّما، مع العديد من أصدقائه ؛ الذين يُشكّل معهم، أو، يُشكّلون معه، عُصبة مُتميّزة. وحين يجذبهم، جميعاً، ما كان يضعه أمامهم صاحب المقهى، من ألعاب : شطرنج، طاولي، دومينو، ينصرفون إليها، كان ينصرف هو إلى ما في داخل القِطَع، التي كانت تُسمّى رُغم المادة التي تُصنع منها : أحجاراً. وكأنّ، هناك، وراء مظاهرها المُستسلمة، جواهر عصيّة على الإستسلام. لقد أنكر عليها، حين جعلت صفناته تطول، أن تكون مُجرّد وسائل تسلية لا غير. وأنّها إنّما تُقصَد لإزجاء وقت، لا يعرف أحد، بما سيفيد، لو لم يُزجَ، بطريقة أو بأُخرى : وقت ما بعد الظهيرة.
كانت التسلية تجذبهم. وإنّكَ، على الرغم من تظاهرك بمُشاطرتكَ لهم، في ذلك، كنتَ بعيداً عنها، دائماً، بمسافة. يظنّونكَ، وأنتَ تُتابعهم تتسلّى. لولا أنّك، ولقد كُنتَ تتسلّى، فعلاً، ولكن، بطريقة مُختلفة، تماماً. ليس بمُطـاردة
أرواح هذه الأشياء، وإنّما، في الجِدّ الذي تنطوي عليه عملية التسلية. التعقيد الخفيّ الذي لا تُتيحه هذه القِطع، وهي تُمارس خِداعاً بحقّ العيون المُستسهلة، بإبقائها على السطح. فيما تكون أنتَ بإزاء عملية رياضية، بمُتابعتها، تمضي، بعيداً، وراء أرقام تتخلّى، وهي تُمارس تشكيلها الحرّ، تدريجيّاً، عن عزلاتها، على مُربّعات، أو في أهلّة، أو فوق سطوح مفتوحة. ومن إحراجاتها المُسلّية التي يسمو بها التصاعد، توغل، عميقاً، في تعقيداتها، التي لها، أيضاً، حلولها المسرحية، عندما يبدأ أعلى رقم، يمكن أن يبلغه، بالهبوط. وحين تنتبه تجد أن لم يعُد في يدك، من تراكمها المليونيّ إلاّ واحد. أمّا حين يكون هذا صفراً، فإنّها لتضعك على حدود فزعها الحقيقيّ. وليس ذلك إلاّ إشارة إلى أنّ اللُعبة قد انتهت. وظنَّ مَن لمح ابتسامتي، من صحابي، انحيازي له، لأنّه الرابح. في حين لم تفتر تلكَ، إلاّ لأنّني بلغتُ بتأملاتي لها إحدى ذرى تسليتي. إنَّ التنظيم، بعد أن تكون قد تلاشت، تماماً، هو المُكافأة التي يسبغها بِدءٌ مُفتَرض على أوصالها المُشرعة. وتقرّ، بينك وبين نفسك، بأنّها، مهما كانت، واحـدة من مصـادر تسـلياتكَ الأولى، في تلك المرحلة.
{ مهما كان حجم المُتعة التي وفّرتها لصحابي هذه اللُعبة، أكيد أنّه لكبير، ولا يُعادله في نظرهم ما أنفقوه عليها من وقت، سيطير، حتماً، على غيرها، بطريقة ما، وقد بدا، واضحاً، بما طبع وجوههم، الآن، من رضا. أمّا في نظرك، فلقد كانت، فعلاً، مراناتكَ الأولى في اكتشاف ما هو كونيّ، في أشدّ الأشياء ابتذالاً.
* من مجموعته القصصية التاسعة : ضـحك أسـود 2013
* عن الزمان
كانت التسلية تجذبهم. وإنّكَ، على الرغم من تظاهرك بمُشاطرتكَ لهم، في ذلك، كنتَ بعيداً عنها، دائماً، بمسافة. يظنّونكَ، وأنتَ تُتابعهم تتسلّى. لولا أنّك، ولقد كُنتَ تتسلّى، فعلاً، ولكن، بطريقة مُختلفة، تماماً. ليس بمُطـاردة
أرواح هذه الأشياء، وإنّما، في الجِدّ الذي تنطوي عليه عملية التسلية. التعقيد الخفيّ الذي لا تُتيحه هذه القِطع، وهي تُمارس خِداعاً بحقّ العيون المُستسهلة، بإبقائها على السطح. فيما تكون أنتَ بإزاء عملية رياضية، بمُتابعتها، تمضي، بعيداً، وراء أرقام تتخلّى، وهي تُمارس تشكيلها الحرّ، تدريجيّاً، عن عزلاتها، على مُربّعات، أو في أهلّة، أو فوق سطوح مفتوحة. ومن إحراجاتها المُسلّية التي يسمو بها التصاعد، توغل، عميقاً، في تعقيداتها، التي لها، أيضاً، حلولها المسرحية، عندما يبدأ أعلى رقم، يمكن أن يبلغه، بالهبوط. وحين تنتبه تجد أن لم يعُد في يدك، من تراكمها المليونيّ إلاّ واحد. أمّا حين يكون هذا صفراً، فإنّها لتضعك على حدود فزعها الحقيقيّ. وليس ذلك إلاّ إشارة إلى أنّ اللُعبة قد انتهت. وظنَّ مَن لمح ابتسامتي، من صحابي، انحيازي له، لأنّه الرابح. في حين لم تفتر تلكَ، إلاّ لأنّني بلغتُ بتأملاتي لها إحدى ذرى تسليتي. إنَّ التنظيم، بعد أن تكون قد تلاشت، تماماً، هو المُكافأة التي يسبغها بِدءٌ مُفتَرض على أوصالها المُشرعة. وتقرّ، بينك وبين نفسك، بأنّها، مهما كانت، واحـدة من مصـادر تسـلياتكَ الأولى، في تلك المرحلة.
{ مهما كان حجم المُتعة التي وفّرتها لصحابي هذه اللُعبة، أكيد أنّه لكبير، ولا يُعادله في نظرهم ما أنفقوه عليها من وقت، سيطير، حتماً، على غيرها، بطريقة ما، وقد بدا، واضحاً، بما طبع وجوههم، الآن، من رضا. أمّا في نظرك، فلقد كانت، فعلاً، مراناتكَ الأولى في اكتشاف ما هو كونيّ، في أشدّ الأشياء ابتذالاً.
* من مجموعته القصصية التاسعة : ضـحك أسـود 2013
* عن الزمان