يحيى صاحب - حب.. قصة قصيرة

سأستميتُ. سأقف، إذا تطلّب الأمر، بوجه الحكومة. تحرّك جسد أحمد مُنفعلاً، وهو يُكرّر الجُملتين، فوق جودليته الجديدة، التي اشتراها، أمس، لينام، أول مرّة، على فراش. هذا يعني، وواصل يُفكّر، أن ستُضحّي بكلّ شيء، وقبل كُلّ شيء، بوفاء. بالغرفة. بفلّينة الماء والجودلية. وبما سأشتريه في الأيام القادمة : الوسادة، الأريكة، وربّما الجُولة. وألفى نفسه ساخطاً، تحت احتدام انفعالاته، التي تقدم، من أماكن بعيدة، لتلتقي في نقطة واحدة. ولا يراها، حين يتأمّلها بهدوء، غير

وفاء. حين رآها، ولم يخطر ببـاله أن سـيراها، واكتشـف

تسارعها في التعاطف معه، ففوجيء، ولم يحسب أن سيحصل مُستحيل كهذا. وحين أحبّته لم يعُد في حياته شيء غير حُبّها. بيد أنّ هذه الإحتمالات البعيدة، حصلت. وتأكّد من هذه الأشياء، جميعاً، في انتظار وفاء له، ونظراتها إليه عن بُعد، إلى أن جعل الإثنان ؛ هو وهي، يجدان الأعذار، لمواصلة النظر، وإنْ من على مسـافة، في الظهـاري، تحديـداً، حينما تقفر الطريق.

لم يعد، ثمّة، شكّ، لديه في أنّه الحُبّ. ولكن كيف الوصول إلى وفاء، وليس، هناك، من حيلة، وهو عارٍ، وغُرفته أكثر منه عُرياً ؟

قال أحمد : أمس، اشتريتُ الجودلية، وغداً، أو، بعد غد، سأشتري وسادة. وأجال النظر في فراغ غرفته، وواصل، أنّ الأمر ليحتاج إلى مزيد من الجد، ولولا هذا، لما غادرتُ النوم في الطرقات، إلى هذه الأرض، بين هذه الجدران. عشوائيّة !


لتكن. إنّ الوجود كُلّه عشوائيّ. وطالما كان، هناك، قواطٍ، هناك، فلوس. ولكن أن تُهدّدنا الحكومة، قال، واستدرك، مُبعِداً الفكرة، إنّ عقل الحكومة لأكبر من أن تضعه معنا ؛ نحن الفقراء. إلى أين نذهب ؟ ووفاء ؟ وأُصيب بذعر شـلّ جسـده. لولا أنّه عاد سريعاً لعقل الحكومة الكبير.

ونهض، ولم تصحُ الديكة بعد، شرب قدحاً من الماء، وحمل كيسه الذي ضاعف في سعته، بإضافة كونيتين أُخريين، أمس، وخرج. وهو يتمنّى من أعماقه، أنْ شربَ أهل المنطقة المُتوجّه إليها ألف ألف عُلبة ببسي، سفن، ميراندا..


ووجد أن ليس غير وجه وفاء، ما يتراءى له، بين كُلّ عُلبة وعُلبة يلتقطها.

ويجد نفسه، وهو يتحرّك على هذا النحو من الرشاقة، على فرس من هواء. ولم يبق، حين امتلأ كيسه، تماماً، غير وجه وفاء. وصمّم على أن يشتري الوسادة، اليوم، وعلى أن ستراه وفاء، وهو يحملها إلى غرفته، وسيخطر ببالها، حتّماً، أنّه لعُصفور كُفء، وأنّه ليبني عشّاً. وأنّ كُلّ ما سيدخل به إلى غرفته فلإتمام ذلك العش. من أجلها. من أجلهما. وتخيّلها إلى جانبه ؛ جسدها على الجودلية، ورأسها على الوسادة. ورأى نفسه طائراً، فعلاً، وإنْ تحت كور هائل من العُلب. سيبيعه. ثمّ يقصد السوق، ليشتري الوسادة، ويواصل طيّرانه إلى غرفته ؛ إلى حيث وفاء تنتظر.

من أجل وفاء، فقط، سأحُول بين الحكومة وبين أن تُفكّر في إرسال شفلاتها. سأقف بوجهها، وأصرخ : المنطقة عشوائية. صحيح. ولكنّ الحُبّ ـ هل هو عشوائيّ !؟ وقال إنّ عقل الحكومة كبير، وستدرِكُ، سريعاً، إلى مَ أُشير، وتكفّ، موقّتاً، في الأقلّ، حتّى أتزوّج، عن ولعها بإزالة كُلّ ما هو نادٌّ، على وجه الأرض، كأنّها ماكنة حلاقة!



* عن الزمان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...